كان رجلاً ذا شعرٍ فضي طويل يصل حتى خصره، و يربطه في خصلة واحدة. وكان مقرّبًا من ثيو إلى درجة أنهما كانا يتعاملان كالأشقاء.
نهضت إيزابيلا من مكانها فور ظهوره، رغم ألم كتفها المخلوع وساقها المكسورة، لكنها تجاهلت الألم.
“ما الذي يفعله الماركيز هنا…؟“
لم يجبها ليكالدو، بل أسرع بحركاتٍ دقيقة ليفتح قفل الزنزانة.
“اخرجي.”
دخل بخطوات واسعة وأمسك بذراعها ليجرّها خارجًا.
“ماركيز، ما الأمر… فجأة هكذا…؟“
“لا وقت للكلام، أسرعي!”
كان صوته عاجلًا كأن أحدهم يطارده.
لم يكن هناك شك في أن ما يحدث الآن هو تهريب من السجن.
لكن إيزابيلا رفضت التحرك.
“لا يمكن. التهمة الموجهة إليّ ليست بالهينة، فأنا متهمة بقتل ولي العهد نفسه. إن انكشف أنكم ساعدتموني على الفرار، فبيت ماكا النبيل سيقع في ورطة…”
لم تكن تريد أن تجرّ الماركيز ماكا، أقرب المقربين لثيو، إلى مصيبة بسببها.
لكن ليكالدو رفض اعتراضها.
“لا وقت للشرح. اخرجي أولًا.”
شدّ على ذراعها أكثر، متجاهلًا احتجاجها.
وبما أنها كانت منهكة ولا تستطيع استخدام الأرواح السحرية، لم يكن بإمكانها مقاومته.
فانتهى بها الأمر إلى أن تُسحب وهي تترنّح.
وما إن خرجت من الزنزانة حتى أدركت أن لا مجال للتراجع.
فالحراس كانوا مطروحين أرضًا.
“هناك! أمسكوهم!”
“اللعنة… لقد وصلوا بالفعل…”
كان حراس آخرون يركضون من بعيد.
“سيلف، تعالي!”
استدعى ريكاردو عدة أرواح ريح من الرتبة الدنيا، ليشق بهم طريقًا عبر الحراس.
لكن حين شدّ على معصم إيزابيلا، ترنّحت بشدة.
“ما بك؟“
“أنا آسفة…”
عندها فقط انتبه إلى تورمٍ شديد في كاحلها.
لم تكن قادرة على الجري.
“تسك.”
أطلق صوت تذمر من بين أسنانه، ثم رفعها فجأة بين ذراعيه.
“م–ماركيز!”
حملها على كتفه كما يُحمل كيس البطاطا، وبدأ بالركض.
دوّي انفجارات، ثم:
“أمسكوه! لا تدعوه يهرب!”
رغم ملاحقة العديد من الفرسان لهم، كان ليكالدو يستدعي المزيد من أرواح الريح كلما اقتربوا.
وما إن خرجوا من السجن حتى استقبلهم ضوء النهار.
وقبل أن تعتاد عينا إيزابيلا على الضوء، كان ليكالدو قد أركبها على ظهر حصان.
“هيّا!”
قفز خلفها، وانطلقا معًا بسرعة.
ولم تمضِ لحظات حتى أدركت إيزابيلا أن ليكالدو لم يكن الوحيد الذي ساعدها في الهرب.
كان رفاق ثيو من ساحة المعركة يحيطون بهم على ظهور خيولهم.
‘جميعهم… من المؤكد أنهم يكرهونني…؟‘
فمن المستبعد أن يكنّوا لها أي ود، بعد أن كانت سببًا في إيذاء ثيو.
ومع ذلك، فإنهم يساعدونها الآن على الفرار… ما يعني شيئًا واحدًا.
أن ثيو توسّل إليهم بشدة.
‘لكن… أين هو تيو؟ لماذا لا أراه؟‘
الوحيد الذي يجب أن يكون هنا… غائب.
“تفرّقوا!”
صرخ ليكالدو، فانطلق رفاقه في اتجاهات مختلفة بتنسيق دقيق، يُظهر مدى تماسكهم كمحاربين سابقين.
“امسكوهم!”
لكن الحراس لم يستطيعوا تمييز أي حصان كانت عليه إيزابيلا وسط الغبار والارتباك.
وبفضل تلك الخطة، تمكنا من الفرار.
ركضا طويلًا حتى وصلا إلى أطراف غابة هادئة.
وهناك، كما لو أنه كان مستعدًا مسبقًا، وُجد حصان آخر مربوط إلى جذع شجرة.
أنزل ليكالدو إيزابيلا من الحصان وأسندها إلى الجذع.
“اشربي.”
ناولها قربة ماء.
تناولتها بشيء من الذهول وشربت، بينما انشغل هو بربط عود خشبي إلى كاحلها بقطعة قماش، مسعفًا إياها.
نظرت إيزابيلا إلى قدمها التي باتت قادرة على الوقوف من جديد، ثم سألت:
“ماركيز، أليس من المفترض أنك تكرهني؟“
نظر إليها ليكالدو بحدة. في عينيه لمعت مشاعر الاحتقار والغضب.
نظرة اعتادت عليها، لكنها بدت اليوم أكثر قسوة.
“أجل… أنا أكرهك.”
“فلماذا تفعل هذا…؟“
“لأنه طلب مني.”
ارتجف بصرها. لم يكن هناك إلا شخص واحد يقصده بـ“هو“.
“ثيو… أين هو؟“
“…….”
لم يجبها.
بل أطرق رأسه، وظلت عيناه غارقتين في العتمة.
وبعد لحظات، أخرج شيئًا من جيبه ومدّه إليها في صمت.
“قال لي أن أحرص على تسليمها لكِ بنفسي.”
وحين تأكدت إيزابيلا مما في الصندوق، هبط قلبها بشدّة.
“هذا…”
سواران متطابقان تمامًا.
كانا ذكرى عزيزة من الطفولة، حين تبادلاهما هي وثيو بدافع مشاعر بريئة وصافية.
لكن للأسف، أحد السوارين بدا ممزقًا بشكل مؤلم.
ذلك ما حدث عندما بلغت الشكوك وسوء الظن بينهما أقصى درجاتها، يومها مزّقت إيزابيلا السوار بعنف أمام عينيه، ثم رمته في وجهه دون تردّد.
لم تتخيّل قطّ أنه سيحتفظ به كل تلك السنين.
‘لماذا… ما زلت تحتفظ به…؟‘
رفعت السوار بيد ترتجف. دموعها توشك أن تتفجّر، لكنها قاومت.
‘لكن… لماذا هناك سواران؟‘
قلبها اضطرب بشدّة؛ لم يكن قد أعاد لها سوارها الممزق فقط، بل أرسل أيضًا سوارَه هو.
وثيو، منذ اللحظة التي لبسه فيها، لم يخلعه يومًا واحدًا.
شيءٌ ثقيل بدأ يزحف ببطء في قلبها…
إحساسٌ بالخوف.
“لماذا تُعطيني حتى ما يخصّ ثيو؟“
قال لها ليكالدو وهو يتهرّب من السؤال:
“تعرفين ركوب الخيل، أليس كذلك؟ من هنا فصاعداً تدبّري أمرك وحدك. ابتعدي قدر الإمكان… وإن غادرتِ حدود الإمبراطورية فذلك أفضل.”
وألقى إليها لجام الحصان الذي أعدَّه سلفاً بعدما فكّه من الشجرة، لكن إيزابيلا لم تمدّ يدها. كان واضحاً أنه يتعمّد الهروب من الإجابة.
“أين ثيو؟“
ساد الصمت. ومن ذلك الصمت وحده أدركت الحقيقة. يكفي أنّ ثيو نفسه لم يحضر عملية تهريبها ليكون الدليل القاطع.
“قل شيئاً! أين هو ثيو؟!”
‘ما الذي فعلَه ذاك الأحمق بالضبط…؟ لا، لا يمكن… أليس كذلك؟‘
لكن الصمت لم يزدها إلا يقيناً.
“لا يمكن أن يكون تيو مات!”
“…….”
صرخت، فأجابها ليكالدو وهو يكبح انفعاله:
“لا أنا ولا أنتِ نريد تصديق ذلك!”
ثم انفجر أخيراً:
“لكن ماذا عساي أفعل؟ ذلك الأحمق أقسم أن يُضحّي بأي شيء لينقذك!”
انبضّ عرقٌ في فكّه. شعرت إيزابيلا كأن مطرقة هوت على رأسها؛ لقد ظنّت أنّ الأمر مستحيل.
“لم ينوِ الموت من البداية… كان يريد فقط لفت الأنظار ريثما نهرّبك… تبّاً!”
“لكن… لماذا يفعل ثيو هذا…؟“
كانت تتوسل في أعماقها ألا يكون الأمر صحيحًا… ألا يكون ما فهمته واقعًا.
“تسألينني لماذا؟ حقًا لا تعرفين؟“
قالها ليكالدو وهو يضغط على أسنانه بقهر.
وكما قال، فإن سؤال “لماذا؟” لا معنى له أساسًا.
ففعل ثيو شيئًا من أجل إيزابيلا… كان طبيعيًا كطلوع الشمس من الشرق.
حتى لو كان ذلك الشيء هو التضحية بحياته.
شعرت إيزابيلا بقلبها يهوي في صدرها.
“شخص مثلي… لا يستحق هذا…”
لماذا أنت بالذات؟
أنا من كانت دُميةً في يد فايتشي وأذاقت الكثيرين الويلات… ودست على مشاعره بلا رحمة. كان الأولى أن أموت أنا، لا ذلك الشاب الطيّب النقيّ.
وأخذت أطرافها ترتعش حين—
‘يا له من عشقٍ يقطّر مأساة.’
صوْتٌ ثالثٌ باغتهما، فاستدارا ليكالدو وإيزابيلا في آنٍ واحد. بين الأشجار وقف فايتشي دويتشلان.
“كيف وصلت إلى هنا…؟!”
استلّ ليكالدو سيفه على عجل واستدعى بضعة أرواح ريح، لكن فايتشي لم يعبأ؛ استحضر روحَ نارٍ متوسّطة الرتبة، ‘سالاماندر‘. كان الفارق في القوة بيّناً، وراح جنودٌ مختبئون يخرجون تباعاً.
“أتدرون ما أكبر نقطة ضعف عند الحمقى الذين يرفعون شعارات (الوفاء والعدل) مثلكم؟“
“…….”
سكت الجميع. تابع فايتشي بابتسامة ساخرة:
“أنّ من تصنفه رفيقاً لا تشك فيه أبداً.”
خيانة؟
ارتعد كتفا ليكالدو؛ فلا أحد غير المشاركين في خطة اليوم كان يعرف بأمر الفرار. رفاقٌ حاربوا معاً وعاهدوا بعضهم بعضاً… تُرى أيٌّ منهم خان؟
“تزعمون أنكم أقرب الأصدقاء، لكنكم لا تلتفتون إلى ما يقع فيه رفيقكم من ضيق. حتى أوثق الجند يركع أمام مغريات الواقع.”
مال؟ مجد؟ لم يستطع ليكالدو تخمين السبب ولا الخائن.
“كان حرياً بكما أن تموتا بهدوء…”
جال فايتشي بنظره على إيزابيلا الواقفة ملتصقة بليكالدو، ثم سخر:
“من كان يظنّ أنّ ذلك المغفّل سيقدم على حماقة كهذه.”
لا أحد يسميه مغفّلاً سوى ثيو. فتلألأت عينا إيزابيلا غضباً:
“ماذا فعلتَ بثيو؟“
رفع فايتشي يديه متمهّلاً:
“أنا نفسي لم أدرِ أنه يخفي سرّاً هائلاً كهذا.”
سرّ؟
“أن يكشف بنفسه عن دمه الدنيء ليحميك… ليس مغفّلاً فحسب، بل مجنون أيضاً.”
دمٌ دنيء؟ لم تفهم ما يقصد. لكنها لم تجد وقتاً للفهم، فالكلمات التالية أسقطت قلبها مجدداً:
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"