“صحيح أنّ كثيرًا من السحرة احتشدوا هناك، إذ كانوا يلاحقون كل بحث يتعلّق بالسحر ويسعون فيه إلى أقصى الحدود…”
ثم أردفت:
“لكنهم لم يكونوا متميّزين حقًّا. كل ما في الأمر أنهم بالغوا في الانغماس بأبحاثهم.”
عقدت الماركيزة مولان حاجبيها استياءً من هذا التقييم.
قالت بحدة:
“…غير أنّ الأذى الذي ألحقوه بالإمبراطورية من خلال السحر الشرير الذي استعملوه كان فادحًا. أتُسمّين هذا سحرًا غير متقن؟ أيعني ذلك أنّ الإمبراطورية نفسها كانت هزيلة إذ وقعت فريسة لتلك الأعمال؟”
غير أنّ لوريلّين لم تتراجع، بل ابتسمت وهي تضيف:
“ما فعلوه لم يكن إلّا حِيلاً لابتكار أساليب خبيثة لاستخدام السحر. أمّا السحر الحقيقي فشيء آخر تمامًا.”
وهي تتكلّم، مدّت يدها فانطلقت من أطراف أصابعها خيوط فضية خلّفت وراءها نسيمًا عليلًا انتشر في أرجاء القاعة. كان النسيم واسعًا وقويًّا حتى كاد يملأ البهو الكبير كله.
لكن السبب الذي جعل حاجبي الماركيزة مولان يتحركان لم يكن شدة الريح، بل الطاقة التي حملتها.
فالناس اعتادوا أن يروا في الأرواح قربًا من الطبيعة، وفي السحر طابعًا صناعيًّا. لكن الريح التي أوجدتها الأميرة كانت نقية وصافية إلى درجة أنّ أرواح مولان نفسها اضطربت وهي تتأملها.
قالت الأميرة بثقة:
“إنهم لم يكونوا بارعين، بل كانوا يتعقّبون معرفةً فاسدة. لم يكن بينهم ساحر حقيقي واحد؛ فلو كانوا سحرة بحق لعلموا أن ما يطاردونه يتعارض جوهريًّا مع أسسنا.”
سكتت مولان ولم تجد ردًّا. فهي لم تكن خبيرة بالسحر لتدحض كلام أميرة من مملكة موفيو، فضلًا عن أنّ بوسع أي ناظر أن يدرك أنّها ساحرة بارعة.
قالت لوريلّين بابتسامة:
“ثم إنّ شقيقي هنا قد عاين موقع الأكاديمية بنفسه. ولو كان فيه شيء من تلك الطاقة المشؤومة التي تقلقكِ، لما فاتته ملاحظتها.”
ولتأكيد قولها، أظهر فيليب شيئًا من سحر الماء؛ إذ تجمّعت قطرات رذاذ في الهواء حتى تحولت إلى حوض مائي يطفو عاليًا.
وفي لحظة، قفز ناياس روح الماء الذي يسكن كتف ثيوووغاص مرحًا في ذلك الحوض العائم.
كان المنظر عجيبًا؛ بركة بلا قاع معلقة في الهواء وفيها يسبح روح ماء حرّ.
تأمل ثيو المشهد مدهوشًا؛ فمجرّد أن الروح أراد اللعب في ذلك الماء كان دليلًا على نقائه وصفائه.
قالت لوريلّين مطمئنة:
“لو كان في المكان أدنى أثر للطاقة المريبة، لما غاب عن شقيقي، فهو في مجال السحر أمهر منّي.”
تنهدت مولان قليلًا وقالت في النهاية:
“يبدو أنّي أسأتُ التعبير بجهلي بالسحر.”
ابتسمت الأميرة وردّت:
“أتفهّم ذلك، فالإمبراطورية لم تعرف نشاطًا واسعًا في أبحاث السحر.”
لكن إيزابيلا سارعت تقول بحزم:
“ابتداءً من الآن سيتغيّر ذلك. فالأكاديمية أُنشئت لتكون جسرًا بين الروحانيين والسحرة ليعرف بعضهم بعضًا أكثر ويقدّر كل طرف مجال الآخر.”
قال هارسيز مؤكدًا:
“ولهذا السبب أنا من أشد الداعمين لها.”
ثم التفت إلى الماركيزة مولان:
“أدرك أنّ قلقك مفهوم، ودوقة إلادور تدركه أيضًا. لكن دعينا اليوم من الهموم ولنغتنم المناسبة السعيدة للحديث بما يبعث على البهجة.”
قالت مولان مطأطئة رأسها:
“أعتذر يا جلالة الإمبراطور.”
ثم أدّت التحية وانسحبت.
وما إن غادرت حتى غصّت القاعة بنظرات الفضوليين؛ فقد اجتمع في المكان أبناء أسرة موفيو الملكية وأبناء القصر الإمبراطوري لدويتشلان فكان المشهد كافيًا ليستحوذ على كل الأنظار.
لكن محور الحديث التالي لم يكن هارسيز ولا لوريلّين، بل شاب آخر.
قالت الأميرة بابتسامة:
“إذن هذا هو الدوق لويد الشهير.”
فأجاب ثيو مطأطئ الرأس:
“شرف لي أن ألتقي بسموكِ، يا الأميرة الثانية.”
ضحكت لوريلّين وقالت بخفة:
“لا داعي لكل هذه الرسمية. فأنت خطيب أخت زوجي، أي من عائلتنا من الآن. نادني لوريلّين، أو حتى قُلي لي أختي الكبرى إن أحببت.”
اتسعت عينا ثيو دهشة من هذا التودّد.
وأردفت الأميرة بمرح:
“وهذا يشمل دوقة إلادور أيضًا. ناديْني أختي الكبرى وسأناديكِ أنتِ أيضًا إيزابيلا إن سمحتِ.”
“آه… هذا…”
تلعثمت إيزابيلا وقد بدت الدهشة على وجهها، بينما ابتسم هارسيز بلا تعليق.
قال فيليب وهو يهز رأسه متأففًا:
“أختي… مضى على لقائكم عشر دقائق لا غير، وقد حذّرتكِ أنّ الإسراع بهذا الشكل سيُربك نبلاء الإمبراطورية.”
وضعت لوريلّين يدها على فمها متظاهرة بالدهشة:
“أهذا ما تُسميه تهوّرًا؟ إذن أعذروني.”
ثم ابتسمت بخجل وأضافت:
“ربما كان عذري أنّني لم أنعم قط بأخت صغرى. عندي أخ وأخ آخر فقط، لذا كنت أتطلّع بشغف لأن تكون لي أخت. لقد اندفعتُ بدافع الفرح.”
وكان هارسيز يبتسم وكأنه يعرف مسبقًا هذا الجانب من شخصيتها.
قالت بوجه نصف عابس:
“فلنعتبر إذن أنّ ما قلته لم يكن… وسأعيد الطلب بعد أن أنال مودّتكم أكثر.”
لكن الحزن الذي ارتسم على محياها بدا صادقًا ولطيفًا، فما كان من إيزابيلا إلا أن ضحكت وقالت:
“لستِ وحدكِ… فأنا أيضًا لي أخ واحد فقط.”
ثم أضافت مبتسمة:
“وما دمتِ قد منحتِ الإذن، فلن أرفض يا أختي.”
أشرق وجه لوريلّين سعادةً، ونظرت إلى هارشيز وكأنها تزهو بنجاحها. فردّ مبتسمًا:
“قلتُ لكِ إن إيزابيلا ستسعد بذلك.”
ثم نظر بطرف عينه إلى ثيو:
“أما الدوق، فربما يحتاج وقتًا أطول. لكن لا بأس، فالزمن بيننا طويل، والعائلة تُبنى على المدى البعيد.”
ابتسمت لوريلّين برضا، وعدّت موافقة إيزابيلا وحدها كافية لتعتبر نفسها ظافرة. ومن شدّة فرحها، استدعت أحد الخدم الذين يمرّون حاملاً صينية كؤوس.
وقالت بحماسة:
“فلنرفع نخبًا إذن، نحن العائلة التي سنصبحها معًا!”
تناولت كأس شمبانيا، وتبعها الآخرون.
قالت بصوت مرح:
“إلى الإمبراطورية والمملكة التي ستزداد روابطهما وثوقًا، وإلى الأكاديمية التي ستزدهر!”
ابتسمت لها إيزابيلا وهي تدرك أنّ هذه الكلمات لم تكن سوى رسالة دعم صادقة.
قال الجميع:
“نخبكم.”
ارتشفوا من كؤوسهم، وإذا بالفقاعات الدقيقة تتراقص على ألسنتهم.
وبينما هم على ذلك تبدّل لحن الموسيقى، فحلّت أنغام خفيفة إيقاعية مثالية للرقص.
مدّ هارسيز يده نحو الأميرة:
“لوريلّين، هل تشرّفيني برقصة؟”
ابتسمت قائلة:
“كنتُ بانتظار ذلك.”
وما لبث الاثنان أن اتجها إلى وسط القاعة وبدآ يرقصان بتناغم تام، حتى خفتت الأصوات من حولهما وصار كل الأنظار متجهًا إليهما.
وكان مشهد دوران فستان الأميرة مع كل التفافة آية في الجمال.
وفيما كانا يرقصان بخطوات واثقة، التقت عين لوريلّين بعيني إيزابيلا. وفي اللحظة نفسها أدارها هارسيز بحركة أنيقة، فمدّت الأميرة يدها نحو إيزابيلا تدعوها للانضمام.
همست إيزابيلا لنفسها مترددة:
“همم…يا لهذا الموقف المحرج…”
فالأصل أن يكتمل رقص الاثنين أولًا، ثم يشرع الآخرون في الرقص من بعدهما.
أما أن تصعد إلى ساحة الرقص قبل أن ينتهيا، فسيبدو وكأنها تقاطع رقصهما.
غير أنّها وقد دُعيت إلى المشاركة على مرأى من الجميع، وجدت أن رفض الدعوة أمر بالغ الصعوبة.
وفي اللحظة التي أطلقت فيها إيزابيلا تنهيدة حائرة، وقف ثيو أمامها وانحنى بخفة.
وقال هامسًا وهو يمد يده نحوها:
“بيلا… أتمنحينني شرف رقصة؟”
فأجابت بعد لحظة قصيرة:
“… حسنًا.”
كان ثيو قد أعلن منذ البداية أنه سيتجنب الرقص قدر المستطاع في هذا الحفل، فلما بادر هو بنفسه لم تستطع إيزابيلا رفضه.
أخذ بيدها وصعد بها إلى ساحة الرقص.
أما العازفون غير عالمين بما في قلبيهما، فقد غيّروا الإيقاع إلى لحن أسرع قليلًا حين انضم زوج آخر إلى الرقصة.
تمتمت إيزابيلا بهدوء وهي تأخذ وضعية الرقص:
“هل ستكون بخير؟”
فأجاب ثيو بصوت متوتر وقد بدا عليه الارتباك:
“سأبذل جهدي… كي لا أدوس على قدميك.”
كان منظره وهو يتوتر إلى هذا الحد بعد أن كان هو صاحب الدعوة مثيرًا للطف، فما كان من إيزابيلا إلا أن أطلقت ضحكة صغيرة.
ثم قالت له باسمة:
“فقط اتبعني أنا.”
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 160"