“من الطبيعي أن تؤثر الأمور الشخصية في مشاعر الإنسان في ذلك اليوم. ويبدو أنني أنا من زاد الأمر سوءًا.”
فأجابه الآخر:
“يا صاحب السمو أنت مرحب بكم دائمًا في الدوقية من غير حاجة إلى إبلاغ مسبق. فكثير من النبلاء يأتون لمجرد التمتع بمشاهدة القنوات المائية الفريدة لدينا.”
وتبادل الرجلان الاعتذار، كلٌّ لسبب مختلف، وقَبِل كلٌّ منهما اعتذار الآخر على طريقته.
فقال فيليب محاولًا تغيير الموضوع لئلّا يثقل الجو:
“بالمناسبة، ألا تنوون الذهاب لتقديم التهنئة لجلالته؟”
فأجابت إيزابيلا:
“رغبتي في تهنئته ملحّة، لكن ما إن أرى ذلك الطابور الطويل حتى يسبقني الأنين إلى صدري.”
فأطلق فيليب ضحكة خفيفة لسماع أنينها الصغير، وقال:
“أما أنا، فقد ساعدتني أختي فحظيت بلقاء جلالته وقدّمت له هدية التهنئة، فلا حاجة لي للوقوف في ذلك الصف. لذا فكرت أن أتعرف إلى أصدقاء جدد، فصادفتكما هنا.”
ثم أدار بصره عن الصف الطويل وجال بعينيه حول المكان.
والحق أنّ أيًّا كان يعلم أين توجد إيزابيلا، إذ لم يكن الناس يتوقفون عن الحديث عنها وعن الأكاديمية. بل حتى حين كانت مع ثيو وحدهما، كانت محطّ الأنظار. فكيف وقد انضم إليهما فيليب حتى اشتدّت النظرات أكثر. لكن فيليب لم يلقِ لها بالًا، وهو يعتقد أن النبلاء في كل مكان سواء.
قالت إيزابيلا:
“أحسنت التجوال في موقع الأكاديمية؟”
فأجابها:
“بفضل عنايتك يا صاحبة السمو.”
“ألم تلحظ ما يحتاج إلى تحسين؟ لا تتردد في قول الحق.”
“لست أدري، فما رأيتُ سوى المباني.”
وكان يقصد أنه لا يُمكن الحكم على مواطن النقص إلا بعد أن تبدأ الأكاديمية عملها بالفعل، فالمباني وحدها لا تكشف إلا القليل.
وأضاف:
“غير أنّني شعرتُ باهتمامك الكبير بها.”
فابتسمت وقالت:
“أهكذا ترى؟”
فقال:
“لقد زرتُ المكان وأنا صغير جدًّا، ولولا أنني أعلم أنه الموضع نفسه لما صدّقت، من شدة تغيّره.”
“ذلك حسن إذن.”
إيزابيلا التي بذلت جهدًا عظيمًا لمحو كل أثر لمملكة هيليبور، وجدت في كلماته تقييمًا طيبًا.
لكن عندئذٍ قاطعهم صوت:
“مع ذلك، اتخاذ مكان مشؤوم كهذا أصلًا للأكاديمية لا أراه فكرة صائبة.”
فالتفتوا وإذا بالمتحدث وجه مألوف.
قالت إيزابيلا:
“مرحبًا بك يا ماركيزة مولان، مرّ زمن طويل.”
فأجابت بأدب:
“نعم، مضى وقت. سررت بلقائكم.”
ثم حيّت فيليب أيضًا بانحناءة خفيفة:
“أنت الأمير الثالث موفيو، أليس كذلك؟ أنا إليزابيث مولان.”
فقال:
“وأنتِ من نوادر مَن حظوا بنعمة الأرواح. تشرفت بلقائك.”
قالت معتذرة:
“سامحاني على مقاطعة الحديث، لكن قلّما تتاح لي فرصة للحديث مع صاحبة السمو الدوقة.”
فأجابها فيليب:
“لا حرج. فأنا مهتم كذلك برأيك حول الأكاديمية.”
فالتفتت مولان ثانية إلى إيزابيلا، غير أن إيزابيلا سبقتها بالكلام:
“أعتذر عن عدم تلبية دعوتك لي في لجنة التحكيم بمباراة الفنون القتالية. هل مضت المنافسة على خير؟”
“نعم، سارت على نحو مقبول. وليس اعتذارك بشأن رفضك هو سبب كلامي، فقد كان ذلك مجرد محاولة أخرى لأظفر بفرصة الحديث معك.”
قالت مولان شارحة خشيتها من سوء الفهم.
“لقد كتبتُ إليك مرارًا أن تقيمي للأكاديمية في مكان آخر غير أنقاض قصر هيليبور الملكي، لكن جوابك ظلّ واحدًا دائمًا، وهذا ما ضايقني.”
فقالت إيزابيلا:
“ذلك لأن لا جواب لدي غير ما قلتُه. وأنا أُقدّر حرصك، لكن لا نية لي في التغيير، ثم إن الوقت فات على ذلك.”
كانت كلماتها واضحة أنّ المشروع قد بلغ مرحلة لا رجوع عنها. ومن تذكّر اعتراضات مولان منذ بداية طرح الفكرة، أدرك أنّ الدوقة لم تفكر يومًا في الأخذ برأيها.
قالت مولان بضيق:
“ألا ترين أن المكان مشؤوم؟ مملكة هيليبور كانت مملكة مظلمة تمتلئ بالأسرار والدسائس. ومن يدري ما الذي قد تركوه من شراك في قصرهم؟”
فأجابت إيزابيلا:
“لقد استعنا بأمهر السحرة ونقّينا القصر، ولم يبقَ أي أثر.”
قالت مولان باعتراض:
“أتثقين بالسحرة؟ الكل يعلم أنهم لم يكونوا ميّالين إلى الإمبراطورية، بل كانوا يفضلون هيليبور.”
“ليس كل السحرة سواء، فرجاءً لا تعممي ولا تُقصيهم بحديثك هذا.”
“لكنّ معظمهم بالفعل انحازوا لهيليبور. حتى سحرة القصر الإمبراطوري خانوا الإمبراطورية ولجأوا إليهم. أنسيتِ كم تكبدت الإمبراطورية من ضحايا؟”
وقد شملت كلمة الضحايا نفسها، فهي التي خُدعت بكلام فايتشي واستُغلت وكادت تُقتل. فلا غرابة أن تُبدي هذه الحساسية الشديدة تجاه كل ما له صلة بهيليبور.
ثم تابعت بحدة:
“لقد مارسوا طقوسًا يُطلق عليها عامة الناس السحر الأسود، وكانوا خطرًا حتى على الإمبراطورية نفسها. فكيف تُقيمون الأكاديمية على أنقاض كهذه؟ ماذا لو تأثر بها طلاب الغد؟ هؤلاء الصغار ينبغي أن يُحاطوا بالحماية.”
فشعرت إيزابيلا بانسداد في صدرها من شدة جدالها، وقالت في نفسها:
‘لهذا السبب كنتُ أتجنب لقاءها.’
فمثل هذا الاعتراض لم يصدر من مولان وحدها، بل من نبلاء كُثر، غير أن معظمهم لم يكن إلا حجة لإظهار كرههم لمشروع الأكاديمية، فكان يسهل تجاهلهم. أما مولان فموقفها مختلف؛ فهي تؤيد المشروع وتدعم فكرته، غير أن مكانه هو ما يُثير اعتراضها. ولهذا كان نقاشها أصعب.
فقالت إيزابيلا:
“أنتِ تعلمين أن جميع السحرة الذين تورطوا مع هيليبور قد سُجنوا. ولعلّ ما يجعل المكان مناسبًا أكثر للأكاديمية هو تاريخه الواضح ذاته.”
كانت تحاول كبح انفعالها والسير على خط التهدئة لأنها تعلم أنها لن تُقنعها.
“ولو تجولتِ في المكان لرأيتِ كيف تغيّر كليًّا، حتى لا يبدو هو نفسه.”
فأجابتها مولان بإصرار:
“مهما غيّرتم في المباني، فالطاقة المشؤومة لا تزول بسهولة. يا دوقة إلادور، إنك ترتكبين خطأ.”
وعرفت إيزابيلا أن الحوار سيظل يدور في حلقة مفرغة بلا نتيجة. وبينما كانت تفكر كيف تُنهي النقاش وتنسحب، جاء صوت آخر يقول:
“يكفي هذا.”
وكان هناك من تدخل لإيقاف الماركيزة عنها.
****
الفصل الجانبي 7: معنى أن نصبح عائلة
التفت الحاضرون ليتبينوا هوية المتدخّل، فما إن رأوه حتى ارتسمت الدهشة على وجوههم، وسارعوا إلى الانحناء احترامًا.
قالوا بصوت واحد:
“نحيّي شمس الإمبراطورية الأبدية.”
فأجابهم هارسيز بهدوء:
“لا حاجة لكل هذا التكلّف.”
ثم مضى يتلقّى التحية بخفة، وسار بخطوات وادعة نحو المكان الذي تقف فيه كلٌّ من الماركيزة مولان وإيزابيلا.
وكانت إلى جانبه الأميرة الثانية لموفيو.
قالت إيزابيلا وهي متسعة العينين دهشة:
“كيف وصلتُم إلى هنا…؟”
فقد فاجأها ظهوره مثلما فاجأ سائر الحاضرين.
ثم التفتت تبحث بعينيها عن الطابور الطويل الذي كان يستغرق الانتظار فيه ساعة كاملة على الأقل، فلم ترَ أثرًا للجموع، وقد تفرّق الناس جميعًا.
فأوضحت لوريلّين، وهي تجيب عن دهشة إيزابيلا:
“أصررتُ على أن نترك المقاعد، فاستقبال الهدايا وأنا جالسة كان مملًّا. أحببتُ أن أمشي وأصافح الناس أثناء ذلك.”
ابتسمت لوريلّين في وجه إيزابيلا قائلة:
“تشرفت بلقائك.”
فبادلتها إيزابيلا ابتسامة مماثلة وردّت التحية:
“يسرّني أن أتشرف بلقائك للمرة الأولى، أنا إيزابيلا دويتشلان فان إلادور.”
فقالت الأميرة:
“لا داعي لكل هذه الرسمية، يمكنك مناداتي بلوريلّين. كان ينبغي أن نلتقي في جلسة شاي منذ زمن، لكن شاء القدر أن يكون أول لقائنا في هذا الحفل الراقص.”
فقالت إيزابيلا:
“بل الذنب ذنبي، إذ لم أسعَ لزيارتك في وقت أبكر.”
فأجابتها:
“لا بأس، فالعالم بأسره يعرف أن دوقة إلادور تبذل جهدها وتستنزف وقتها من أجل تأسيس الأكاديمية.”
ثم ضحكت ضحكة خفيفة وألقت نظرة جانبية إلى فيليب:
“ثم إنّ شقيقي لا يكفّ عن الاستئثار بوقتك، فلا أقلّ من أن أبتعد خطوة وأشجعك من بعيد، أليس كذلك؟”
“أختاه…”
قالها فيليب وقد بدا في ملامحه شيء من الحرج.
فأطلقت لوريلّين نفخة صغيرة من أنفها باستخفاف، ثم سألته:
“قل لي يا فيليب، متى دخلتَ الإمبراطورية؟”
فأجاب متفاجئًا:
“ألستِ على علم بمجيئي؟”
فقالت بنبرة عتاب رقيق:
“كان عليك أن تخبرني فور وصولك. علمتُ بالأمر هذا الصباح فقط من والدي.”
ثم حوّلت بصرها إلى الماركيزة مولان، وقالت:
“على كل حال، أظنني سمعت منذ قليل قولًا غريبًا.”
كان بريق الاهتمام يلمع في عينيها وهي تسأل:
“أنتِ الماركيزة مولان، صحيح؟”
فأجابت مولان:
“نعم، يشرفني لقاء سموك.”
قالت لوريلّين:
“وأنا أيضًا سررت بلقائك. لكن هل سمعتك حقًّا تقولين إن غالبية السحرة قد انحازوا إلى مملكة هيلليبور؟ هل أدركتُ جيدًا ما قلته؟”
فأجابت مولان بثبات:
“نعم، هذا ما قلتُه.”
فابتسمت لوريلّين وسألتها بهدوء عميق:
“أوه… أترين حقًّا أن الأمر كان كذلك؟”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 159"