لقد أثار دخولهم إلى القاعة اهتمام الجميع، وكان وجود إيزابيلا على وجه الخصوص سببًا في ذلك الانتباه الكبير.
وبعد أن تناول كل واحد منهم كأس شمبانيا وانتقلوا إلى ركن فارغ، تمتمت كاساندرا وهي تنقر بلسانها:
“بسبب انشغالي مؤخرًا بتوسيع نشاط النقابة لم أشارك في المجاملات الاجتماعية. لكن قولي لي، هل النبلاء دائمًا بهذا السوء في التلصص؟ لو أنهم يحدّقون مباشرة لكان أقل إزعاجًا.”
ضحكت إيزابيلا بخفة وقالت:
“لقد كانوا دائمًا هكذا.”
فقد كان النبلاء منشغلين بالتحديق بهم خلسة، بعضهم يتهامسون، وآخرون يترددون في الاقتراب.
أما إيزابيلا وقد خبرت الأمر نفسه في حفل تتويج هارسيز، فلم تعره أهمية، لكن كاساندرا وجدته غريبًا وغير مريح.
قالت وهي تتنهد:
“أظن أن محور اهتمامهم هو أنتِ يا شريكتي. لذا أستأذن.”
ثم انسحبت هربًا من النظرات المزعجة، ولحق بها شقيقها دايفيد.
علّقت إيزابيلا مبتسمة وهي تراقب اختفاءها السريع:
“شان غريبة حقًا… تثير دائمًا الجدل بمشاريعها الثورية، لكنها تفرّ من الأنظار إذا وُجهت إليها مباشرة.”
فقال ليكاردو وهو يرتشف من كأسه:
“ذلك لأن ما تثيره في أعمالها يغنيها عن مثل هذه المجالس الصاخبة، لذا تجدها غريبة عنها.”
ابتسم وأضاف:
“أظن أنها إن اعتادت قليلاً ستجد فيها متعة.”
فأيدته إيزابيلا:
“صحيح. لديها كاريزما تكفي لجذب الجميع بسهولة. مؤسف أنها لا تستغلها.”
ثم ارتشفت قليلًا من شرابها، وفجأة أطلقت تنهيدة قصيرة وكأن فكرة خطرت لها.
“بالمناسبة يا لورد ليكاردو…”
رفع حاجبيه بدهشة:
“نعم؟”
“هل تعاني في الآونة الأخيرة من صعوبة في استخدام استحضار الأرواح؟”
تسمر لحظة وقال متعجبًا:
“ما هذا السؤال المفاجئ؟”
حتى ثيو بجانبها اتسعت عيناه من الدهشة. وبينما ليكاردو يرفع كأسه إلى فمه، تابعت إيزابيلا قائلة:
“شان أخبرتني أن حادثة وقعت… ليست انفلاتًا، بل فقدت السيطرة لبعض الوقت.”
“بخ!”
كاد ليكاردو يختنق بالشراب وشرع يسعل بعنف.
فسارع جوشوا يربّت على ظهره، واستدعى ثيو روح الماء أونديني، رغم أن السعال لا يعالجه الأرواح.
“كح… لا بأس، أنا بخير.”
ثم مسح فمه بمنديل ونظر إلى إيزابيلا بنظرة حائرة تحمل مزيجًا من الانزعاج والارتباك.
سألت بقلق:
“هل هناك مشكلة فعلًا؟”
“لا.”
“لورد ليكاردو، إن كان الأمر خطيرًا…”
“قلت ليس كذلك.”
قاطعها بصرامة، غير أن تهرّبه من النظر في عينيها جعله موضع شك أكثر.
“جلالة الإمبراطور، شمس دويتشلان الساطعة، وصاحبة السمو الثانية، نجمة مملكة موفيو الأميرة لوريلين، يدخلان!”
فاستدار ليكاردو بسرعة ليتهرب من مواصلة الحديث، بينما بقيت إيزابيلا متحيرة لكن مضطرة إلى السكوت.
دخل هارسيز بخطوات وئيدة مرتديًا عباءة إمبراطورية مذهبة فوق زيه الأبيض احتفاءً بخطوبته، وإلى جانبه الأميرة لوريلين متألقة بثوبها الضيق الذي يبرز قوامها. وكان شعرها الفضي يضيء بجوار خصلاته الحمراء في مزيج باهر.
أما أمامهما، فقد تقدمت روح النار إيفريت بجسدها الضخم المتوهج، وكأنها تعلن أن الإمبراطور ما يزال في أوج قوته.
وبعد أن وصل هارسيز إلى المنصة الأخيرة، تناول كأس شمبانيا ورفع صوته بفضل سحر التضخيم قائلاً:
“لقد تكبدتم عناء السفر لتشاركونا فرحة خطوبتي من لوريلين. أشكركم جميعًا.”
ثم تابع:
“اليوم تجتمع هنا إمبراطوريات وملَكيات ودوقيات، وزواجنا هذا سيكون جسرًا يفتح آفاقًا جديدة للجميع. فلتستمتعوا بالسهرة.”
رفع كأسه عاليًا وأردف مبتسمًا وهو يلتفت إلى خطيبته:
“إلى خطيبتي لوريلين، وإلى ازدهار الإمبراطورية الأبدي!”
فرددت القاعة بصوت واحد:
“إلى ذلك!”
وعادت الأجواء الصاخبة إلى القاعة.
لكن حين التفتت إيزابيلا لتستأنف سؤالها لـ ليكاردو، وجدته قد اختفى مع جوشوا دون أثر.
“ماذا؟ إلى أين ذهبا؟”
لم يبق بجانبها سوى ثيو يبتسم محرجًا.
قالت بامتعاض وهي تشبك ذراعيها:
“حقًا… ما أشبهه بروح الرياح. يختفي بلا صوت ولا أثر. أيريد أن يوهمني أنني لن أجده؟”
رفعت روح الأرض الصغيرة رأسها عن كتفها وكأنها تعرض المساعدة، لكن إيزابيلا هزت رأسها.
“ليس الآن. ستأتي فرصة أخرى. وإن كانت مشكلة حقيقية فلن يخفيها عني.”
عادت الروح لتتكاسل فوق كتفها، فيما مدّ ثيو يده ليشبك أصابعها بلطف.
“هل نذهب لتهنئة جلالته؟”
لكن أمامهما كان الطابور طويلاً ممتدًا. قطّبت إيزابيلا جبينها وقالت:
“لو وقفنا في آخره فلن ينتهي الانتظار قبل ساعة.”
“صحيح. إذن هل نتقدم مباشرة للأمام؟”
كان بمقدورهما ذلك بفضل مكانتها، لكنها هزت رأسها نافية:
“لا داعي لاجتذاب الكراهية. فلننتظر حتى يخف الازدحام.”
تأمل ثيو الطابور الطويل وقال متحفظًا:
“وهل سيخف أصلًا؟”
ابتسمت إيزابيلا بهدوء:
“إن لم نتمكن من مقابلته اليوم فلا بأس. أما أنا فمتى شئت رتبت موعدًا مع أخي، لكن كثيرين هنا قطعوا المسافات ليغتنموا هذه الفرصة الوحيدة.”
وأشارت إلى أكوام الهدايا المكدسة وراء هارسيز التي جُلبت لتكون جسورًا للمصالح أكثر من التهنئة.
ثم التفتت إلى ثيو وأضافت برقة:
“طبعًا، إن كنت مصممًا على مقابلته اليوم فسأنتظر معك.”
ابتسم هو بدوره وقال:
“لا، لست بحاجة.”
فأجابت ضاحكة:
“أجل، أنت أيضًا تستطيع لقاءه متى أردت. إذن فلنترك المجال لهم.”
فأطلق ثيو ضحكة قصيرة مدركًا أنها مجرد طريقة أنيقة للتعبير عن كسلها من الوقوف. لكنه لم يعقّب.
ومن ثم أخذا يتجولان في القاعة، خاصة أن إيزابيلا أصرت على تذوق كل ما عُرض من مأكولات.
وكانت العيون تلاحقهما حيثما ذهبا، لكن ثيو الذي بدا متوترًا في البداية سرعان ما اعتاد الأمر، خصوصًا أن لم يجرؤ أحد على الاقتراب منهما.
وبينما هما يستمتعان بوقتهما بعيدًا عن المقاطعة، تقدم منهما رجل ذو صوت مألوف:
“كما توقعت… أتيتما معًا.”
ارتخت ملامح إيزابيلا فور أن تعرّفت على صوته وأجابت بابتسامة:
“سعيده برؤيتك مجددًا.”
“الأمير فيليب!”
حيته بترحاب فانحنى مجيبًا ثم حوّل بصره إلى ثيو وقال بلطف:
“يسعدني لقاؤك مرة أخرى يا دوق.”
فردّ ثيو بإيماءة قصيرة:
“وأنا كذلك.”
ولمّا لم يكن في نبرته تلك الصرامة التي اعتادها في الإقليم، شعر فيليب بالراحة أكثر وابتسم بصدق.
“هل اخترتما ملابسكما معًا؟ تصميم يبرز مميزات كل منكما بهذا الإتقان لا بد أن وراءه مصممًا بارعًا.”
فأجابت إيزابيلا بابتسامة:
“لقد تفضّل جلالة الإمبراطور وأهدانا إياها.”
قال الأمير متهلّلًا:
“آه، كما توقعت. حقًّا إنها تليق بكما.”
ثم أضافت إيزابيلا:
“أما أنت يا صاحب السمو، فقد ارتديت قبعة جديدة اليوم أيضًا.”
ضحك الأمير قليلًا وقال:
“آه، نعم. رأيت أن طراز القبعة التي أرتديها عادة لا يناسب أجواء قاعة الرقص، فاخترت شيئًا أخف. أليست ملائمة للقاعة بهذا الشكل؟”
تبادلت إيزابيلا معه بعض عبارات المجاملة، ثم التفت الأمير مباشرة إلى ثيو وقال:
“قبل أي شيء يا دوق أود أن أعتذر إليك.”
فاستغرب ثيو:
“تعتذر؟”
أجاب الأمير:
“حين عدتُ إلى مقر إقامتي ذلك اليوم وفكرت في الأمر، أدركت أنّ ذهابي إلى إقليمك دون إخطار مسبق ربما بدا مزعجًا لك.”
قال ثيو بهدوء:
“آه…”
فأردف الأمير بنبرة جادة:
“كنت مصممًا أن ألقاك اليوم لأقدّم اعتذاري شخصيًّا.”
وبدى على وجهه صادق الأسف، لكن ثيو لوّح بيده نافيًا:
“لا، بل العذر لي. في ذلك اليوم كنت منشغلًا ببعض شؤوني الخاصة، فانطبع ذلك على مزاجي وأظهرتُ ما لا يليق أمام سموّك.”
لو لم يكن قد تصالح مع إيزابيلا بعد، لربما بدت اعتذارات فيليب متكلفة أو مثيرة للريبة، لكن الآن لم يكن هناك مجال لسوء الفهم.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 158"