لن أخدع مرتين [ 17 جانبي ]
“وعد.”
لكن بدل وعد الإبهام، طبع بختم شفتيه.
ابتسم برضا وهو يرى دهشة إيزابيلا، ثم عاد ليقبّلها ببطء.
تبادلا أنفاسًا حارّة عبر الشفاه المتباعدة قليلًا.
نووم والأرواح المائية الذين اعتادوا على هذه المشاهد ظلّوا مسترخين، بينما أرواح النار استحَوا وهربوا واحدًا تلو الآخر إلى عالم الأرواح.
قطع ثيّو القبلة حين شعر بذبذبات عالم الأرواح، ليلمح غزالة شورييل تحدّق بهما.
كانت تظن أنها مختبئة وراء شجرة الصفصاف، فأخرجت رأسها فقط، لكن قرونها الضخمة فضحتها.
إذن لم يكن غريبًا أن أشعر بقرب مألوف في تلك الريح المفاجئة…
جال ثيّو بعينيه محيط المكان من حيث وقفت الشورييل.
لم يكن هناك ما يضمن وجود مستحضر أرواح قريب، لكنه لم يتمكّن من التأكد، إذ أمسكت إيزابيلا بطرف ردائه.
“ثيو؟”
رفع بصره إليها، ليلتقي بوميض عينيها الخضراوين اللامعتين.
أثار وجود شورييل تساؤله، لكنه قرر تجاهله مؤقتًا. سيسأل بنفسه لاحقًا.
“هل نعود؟ قد تُصابين بالبرد.”
قالها وهو يوجّه إيلايم الذي يمتطيانه نحو الشاطئ.
“نعم.”
***
بعد أن انسحب إيلايم بهدوء خارج البحيرة، اهتزّت شجرة صفصاف بقوة.
“هاه—! كدتُ أن أُكشف!”
زفّت كاساندرا أنفاسها المخبأة، وفي اللحظة نفسها انطفأ الأداة السحرية الشفافة التي أخفتها وأصدرت صفيرًا قصيرًا.
“ممم! مـمم!”
ليكاردو الذي كانت تخفيه في حضنها وهي تسد فمه بيدها، أخذ يضرب على يدها بضيق.
“آه!”
تنبّهت وأفلتته.
“هاه! هاه!… أهذا معقول؟ تكتمين أنفاسي بهذا الشكل؟”
قالها ساخطًا وهو يلهث.
“آه، فعلتُ؟ المعذرة، كان خطأي.”
“كدت أختنق.”
تنفّس بعمق وانبسط جسده المتصلب من شدّة التوتر. ثم أضاف بخفوت:
“على كل حال، أظن أننا انكشفنا.”
“ماذا؟!”
صاحت كاساندرا.
“كيف؟ هذه الأداة غالية الثمن!”
حكّ ليكاردو مؤخرة عنقه بخجل وقال:
“أعتقد أن ثيو لمح شورييل خاصتي.”
“ماذا قلت؟!”
“كنت أحاول إخفاءها، لكن في تلك اللحظة…”
رمق كاساندرا بطرف عينه، وحرارة غريبة صعدت إلى عنقه وهو يتذكر ما حدث منذ قليل.
***
قبل ذلك بقليل…
كان ليكاردو يراقب من فوق شجرة الصفصاف قارب ثيو وإيزابيلا ينساب إلى البحيرة، فقال متبرمًا:
“هل كان علينا مراقبتهما؟ انتهى الإعداد، فندعهما وشأنهما، أليس كذلك؟”
ردّت كاساندرا:
“ألم تسمع؟ حجزنا الطابق الثاني من المبنى الثاني لها، لكنها ذهبت للمبنى الثالث بدلًا منه، تلك الحمقاء. إن تركتها دون رقابة ستقع في خطأ آخر.”
“تتذمرين لكنك تهتمين بها أكثر من اللازم.”
“أنا؟ بها؟ أوه، لا تتوهم. هذا ليس اهتمامًا. لكن كلما قضت وقتًا أقل في مشاكل الغرام، استطعتُ استخراج معلومات أكثر لفائدة استثماراتي.”
“هاه؟ ما هذا الكلام الفارغ.”
لم ليكاردو يفهم شيئًا من حديثها عن الاستثمار الذي تربطها بملاحظاتها لمستقبل الأكاديمية، فاكتفى بهز رأسه.
“على أي حال، أنتِ دائمًا تختلقين أعذارًا غريبة بينما في الحقيقة تقدمين كل العون.”
“لا تبالغ، لستُ قديسة. أنا لا أقبل عملًا فيه خسارة.”
“كذب. أنا شخصيًا استفدت منك غير مرة.”
“أنت حالة خاصة يا ليكا.”
“بسبب أنني من بيت ماكا مثلاً؟”
فأسرة باتوكا تتبع نفوذ ماكا، وهذا ما جعله يظن ذلك. لكن كاساندرا أجابت باستهزاء:
“وما علاقة بيت ماكا بالموضوع؟”
“إذن لماذا أنا مختلف؟”
سأل بصدق.
لكنها لم تجب. فقط نظرت إليه مليًا.
«لِ… لما تحدقين هكذا؟»
ارتبك حتى تلعثم. ثم أشاح بوجهه بعيدًا قائلًا:
“آه، يبدو أنهما تصالحا حقًا.”
تجاهلت السؤال، لكن في تلك اللحظة شعر ليكاردو وكأنه فهم جوابًا لم يُنطق.
تلك الرغبة في المساعدة، لا لشيء سوى لأن الشخص نفسه يستحقها مهما كلف الأمر.
ذاك الشعور الذي يعرفه… الإعجاب.
فتوهج وجهه فجأة بالحرارة، وتسارعت ضربات قلبه وانفجرت طاقته التوافقية بلا وعي.
“شان، أنتِ…!”
“شش!”
“آآه!”
“بيلا!”
هبت رياحه فقلبت قارب تيو وإيزابيلا.
وكادت كاساندرا تصرخ لولا أنه أمسكها بسرعة.
وهكذا حدثت الفوضى.
***
“ماذا قلت؟ في لحظة عابرة ففقدت السيطرة على توافقك؟”
سألت كاساندرا بدهشة.
“لا يكون مثل المرة السابقة…؟ لكن أليس قد تبين أن السبب كان تلك الثمرة الملعونة؟ هل التهمت شيئًا غريبًا مجددًا؟”
وانطلقت تسرد قلقها في اتجاه آخر تمامًا.
“والآن؟ ما زلت غير قادر على السيطرة؟”
قالتها وهي تتحسس ذراعه وكتفه تتحقق من حاله.
“كفّي… أنا بخير.”
حاول إبعادها.
“لكن قيل إن قمعها يؤذيك. الأفضل أن تفجرها كلها. لا تقلق، لا يوجد أحد حولنا، أطلقها براحتك!”
لكنها لم تُصب كبد الحقيقة أبدًا، وظلت تثرثر.
“قلتُ لكِ ليس الأمر كذلك!”
“أنت محمر الوجه بشدّة، ألا تلاحظ؟ لا تكتمها!”
زادت عليه بالضغط:
“هيّا، لا تكتم! فقط أطلقها كلها!”
“قلتُ ليس الأمر كذلك!”
دفعها بعيدًا وقفز من الشجرة.
“ليكا!”
نادته، لكنه كان قد امتطى شورييل وهرب.
“لا! لا تذهب إلى مكان مزدحم! ابق هنا…! آه، أيها العنيد!”
حاولت اللحاق به، لكن سرعة أرواح الريح لا تُجارى. فغاب عن ناظرها في لحظات.
قلقًا من أن يكون حقًا في حالة انفلات أرواح، أسرجت فرسها المربوط بعيدًا وانطلقت خلفه.
والمفارقة أن كاساندرا التي كانت تعيب على إيزابيلا غفلتها في أمور الحب، لم تكن هي أفضل حالًا في شأنها الخاص.
***
الفصل الجانبي 6 – كما عهدتها دائمًا
مرّ الوقت سريعًا بعد موعدهما.
توافد النبلاء واحدًا تلو الآخر إلى العاصمة استعدادًا للحفل التنكري، وصار كل يوم حافلًا بلقاء جديد.
حفلات شاي، مجالس قراءة… لم يمر يوم هادئ، ومع ذلك لم يقع حدث يستحق الذكر.
وهكذا انقضى نصف شهر صاخب في ظاهره ساكن في باطنه، وجاء مساء الحفل.
“ما زلت غير معتادة على هذا.”
تنهّدت إيزابيلا وهي تحدّق في انعكاسها في المرآة.
فستان بلون صارخ، وحُلِيّ براقة، كل ذلك بعيد تمامًا عمّا اعتادته في ملبسها.
وفوق ذلك، شالٌ خفيف يكاد يكشف ما تحته امتدّ من كتفيها حتى معصميها، مصبوغٌ بلونٍ يرمز إلى العائلة الإمبراطورية.
تمتمت بصوت خافت:
“لو لم يكن من هدية أخي، لما ارتديته أبدًا.”
كانت تتذمّر من لون العائلة المالكة، ومن الفستان الذي استدعى معها زينة ثقيلة جعلت وجهها يبدو متصلبًا.
قالت الخادمات مبهورات:
“إنك رائعة الجمال.”
“يناسبك كثيرًا.”
لكنها لم تشعر سوى بالغرابة وعدم الارتياح، تخرج أنفاسها الثقيلة واحدة تلو الأخرى.
عندها طرق السكرتير الباب.
“آنستي، الدوق لويد وصل.”
“أدخِله لينتظر في قاعة الاستقبال، أنا جاهزة وسألحق به حالًا.”
ما إن سمعت بوصول ثيو حتى أسرعت تبحث عن حذائها. كان مضى زمن طويل منذ ارتدت الكعب.
لكن قبل أن تكمل ارتداءه، دخل ثيو بنفسه إلى الغرفة.
قالت متفاجئة:
“لِمَ أتيت إلى هنا؟ كان عليك أن تنتظر في قاعة الاستقبال… يا إلهي.”
تجمّدت وهي تلتقط حقيبتها الصغيرة حين التقت عيناها بعينيه.
ببدلته الرسمية ذات الطراز المشابه لزيها، بدا ثيو في أبهى صورة. لم تستطع منع نفسها من الإعجاب به.
“حقًا يَظهر أنها من صنع القصر.”
الرداء لم يكن حادًّا كالبزّة العسكرية ولا مرنًا كتكسيدو مألوف، بل جمع بين الأناقة والوقار، فأبرز سحر ثيو على نحو باهر.
بدا واضحًا كم جهد المصمّم في صنعه.
ابتسمت إيزابيلا مازحة:
“يبدو أن كل النساء في الحفل لن يرين غيرك الليلة.”
لكن ثيو لم يرد.
ظل يحدّق بها بوجه مذهول، حتى اضطر إدوارد القريب منه أن يغزّه في خاصرته.
ارتجفت كتفاه كمن صحا فجأة من غيبوبة، وزفر بعمق، وكأنه لم يدرك أنه كان يحبس أنفاسه.
“آه…”
زفرته انقلبت إلى تنهيدة طويلة.
ظنّت إيزابيلا أنه سيقول لها كم هي جميلة، لكنه أخفى وجهه بين كفيه عابسًا ليطلق تنهيدة أخرى أثقل من الأولى.
“آه…”
سألته متعجبة:
“ما بك؟ هل ثمة خطأ؟”
أجاب هامسًا بصدق، كأن الكلمات خرجت من أعماق صدره:
“لن يُرى في القاعة سواكِ…”
اتّسعت عيناها دهشة من كلماته الصادقة التي تنمّ عن ضيقٍ وغيرة مكتومة.
أردف غامزًا:
“حتى في حفل تتويج جلالة الإمبراطور، كان الجميع يتسلل بصره إليك، وهذه المرة سيكون الأمر أشدّ.”
ثم أنزل يديه عن وجهه، ليكشف عن ملامح ممتعضة.
“ولا نستطيع أن نتغيب عن الحفل أيضًا…”
كانت كلماته نقية لا يشوبها كذب ولا مجاملة، مما جعل إيزابيلا تنفجر ضاحكة.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 156"