لقد عارض ذلك بدافع القلق، لكنه في الوقت نفسه لم يكن ممتنعًا عن تشجيعها في سعيها وراء حلمها.
وبمعزل عن المخاوف، كان يتمنى أكثر من أيّ شخص آخر أن تنجح الأكاديمية.
قال:
“لكنني كنت أشعر دائمًا بعدم الارتياح وكأنني لا أستطيع اللحاق بك بسبب بطئي. فأنتِ على عكسي، تندفعين دومًا بشجاعة إلى الأمام.”
أما هو، فكان أول ما يفكر فيه دائمًا هو الهرب.
حين احترق قصر الدوق لويد، فرّ دون أن يلتفت وراءه، وحين فكرت إيزابيلا في الإمساك بفايتشي، لم يفكر إلا في الابتعاد معها والاختباء.
“كل ما قلته عن القلق والاهتمام لم يكن في الحقيقة سوى أعذار.”
وكذلك هذه المرة.
فلو أنه حين التقى الأمير الثالث موفيو باح لها بما يعتمل في صدره من مشاعر مضطربة، لكان الأمر مختلفًا.
لكن على خلافها التي رغبت في الحوار، آثر هو مجددًا الهروب.
“حين صار لديكِ شيء أجهله أنا، لم أستطع تحمّله. لقد اعتدتِ منذ صغرك على أن تأخذيني بيدك وتقوديني. لكن لأول مرة لم تعودي بحاجة إلى أن تمسكي بيدي. شعرت وكأن الأكاديمية ستسلبكِ مني.”
لذا لم يملك إلا أن يتململ قلقًا كطفل ضائع.
“ثيو……”
“أليس كلامي ككلام طفل صغير؟”
كان منظره وهو يتجهم لمجرد أنها لم تعد ترعاه كما اعتادت أشبه بطفل انتُزع منه لعبته المفضلة.
رغم أنّ علاقتهما الخاصة لا شأن لها بمشروعها في تأسيس الأكاديمية، إلا أنه ظل يخلط بينهما، حتى غرق في فكرة أنها ستتخلى عنه لتختار الأكاديمية.
فقالت إيزابيلا وهي تصغي إليه بهدوء ثم تبتعد قليلًا:
“بل هو شعور مفهوم تمامًا. لكن بما أنك غالٍ عندي، كان يجب أن أمنحك من وقتي أكثر. فالمحبّة لا تعني أن أطالبك على الدوام بالتفهّم فقط.”
على العكس منه، كانت هي تفصل بين الأمرين فصلًا مبالغًا فيه، بينما كان كلاهما في نهاية الأمر يحتاج إلى الشيء ذاته: وقتها.
وكان كل ما في المسألة أن تعرف كيف توزّعه بالعدل.
وهكذا أدركا سبب الخلل الذي شاب علاقتهما.
“ثيو”
قالت إيزابيلا بحزم وكأنها عقدت عزمًا:
“لنحدّد موعدنا.”
“ها……؟”
“موعد الزواج. وإن لم يكن كذلك، فلنعش سويًا ببساطة.”
“……ماذا؟”
“سواء عشتُ أنا في قصر الدوق، أو جئتَ أنت إلى قصر الدوقة الكبرى، أو حتى بنينا بيتًا على الحدود وسكناه معًا.”
وحين نطقت بها، وجدتها فكرة حسنة فأضافت:
“إذا فعلنا ذلك، فسنأكل سويًا كل يوم، وسننام في سرير واحد، ولن نحتاج إلى عناء المواعيد أو إضاعة ساعات في التنقل بين القصرين.”
صحيح أنّ الانتقال إلى العاصمة جعل المسافة أقصر، لكنها لا تزال تستهلك نصف نهار كامل.
“فلننتهِ من الأمر سريعًا، ما دمنا سنفعله لا محالة!”
“……”
كانت تتحدث بحماس، لكن ما إن أبصرت ملامح الدهشة على وجه ثيو حتى ترددت.
#آه…… أعني، لم أقصد أن زواجنا مجرد أمر نتخلّص منه!”
وأدركت أنها أساءت التعبير.
“إنه حقًا مهم وعزيز. لكنني أقصد أننا لسنا مضطرين للانتظار حتى يتم تأسيس الأكاديمية.”
سارعت إلى التوضيح غير أن ثيو ظل صامتًا وكأنه تجمّد.
ولمّا طال صمته، غيّرت هي الموضوع بخجل:
“مع ذلك، سيكون من الجفاء أن نحسب في زواجنا كل شيء بمقياس الكفاءة فقط…… أليس كذلك؟”
أبعدت نظرها وهي تخدش خدها بحرج.
لكن فجأة، مدّ ثيو يده وأمسك وجهها:
“بيلا.”
خرج صوته هذه المرة على عجل.
وفي اللحظة ذاتها، هبّت ريح قوية من حيث لا يُعلم.
“آآه!”
“بيلا!”
انقلب قاربهم، فضمّها ثيو إلى صدره وسقطا في الماء.
لكن سرعان ما غمرتهما قوته الحامية، وظهر إيلايم الذي كان يلهو عند الضفة الأخرى، فحملهما على ظهره وأخرجهما إلى سطح الماء.
“كح! كح!”
“هل أنتِ بخير؟”
راحت إيزابيلا تسعل وقد شربت الماء بغتة، فيما كان ثيو يربت على ظهرها بقلق.
فقالت وهي تكاد تختنق بالسعال ووجهها متشنج:
“ما هذا الريح المفاجئ……!”
ثم صرخت غاضبة:
“ما هذا بحق السماء! لقد أفسد كل شيء!”
لم يُدرَ إن كانت تبكي أم تغضب أم تفعل الأمرين معًا.
فالملابس التي أعدّتها بعناية ابتلّت تمامًا، وشعرها الجميل تناثر مبعثرًا، وزاد الطين بلة أن أوراق الزهور الطافية التصقت بها فأظهرتها أكثر طرافة.
“كل ما تعبت في التحضير له ذهب سدى، واليوم كل شيء يعاندني، حتى أنني لم أتوقف عن ارتكاب الحماقات فأغضبتك، لقد أفسدتُ كل شيء كليًا……”
غطّت وجهها بكفّيها.
وفي تلك اللحظة، طاف حولها طائر كاسا ناشرًا دفئه ليجفف ثيابها، لكن ذلك لم يزدها إلا شعرًا منفوشًا.
مدّ تيو يده إليها:
“بيلا.”
أزاح شعرها المبتل عن وجهها ورفع رأسها، فكشف عن ملامح ناقمة.
“لم يفسد شيء.”
“لا تقل هذا لمجرد مواساتي.”
ردّت بفتور طالبةً ألا يقول ما لا يعنيه.
لكنه هز رأسه.
“أقولها بصدق.”
ثم مضى يُبعد خصلات الشعر العالقة بخدها وهو يضيف:
“بالنسبة إليّ، أظن أن هذا اليوم كان أسعد أيامي في هذا العام. ألم أقل لك؟ إنني حين أستطيع أن أحتفظ بك وحدي أشعر براحة لا مثيل لها.”
“……”
“اليوم لم يتم ذكر الأكاديمية ولو لمرة واحدة، ولم يعكر أحد صفونا، بل حتى تلقيتُ منكِ اعترافًا… فكيف لا أكون سعيدًا؟”
كان ثيو مسرورًا بطفولية ربما لأن إيزابيلا لم تأتِ على ذكر الأكاديمية طوال الوقت الذي قضياه معًا.
ولم يكن ذلك لأنها كانت تتعمّد تجنّب الحديث عنها، بل لأن لديهما الكثير غيرها ليتحدثا فيه، وهذا ما بعث الطمأنينة في نفسه.
فقد تيقّن أنها لم تُسلَب منه كليًا لحساب الأكاديمية.
وفوق أنّه أمضى معها وقتًا هادئًا، فقد طمأنته أيضًا في أكثر ما كان يؤرقه.
وإن كانت إيزابيلا متضايقة وتقول إن كل شيء قد فسد، إلا أن ثيو وجدها في تلك الحال محببة أكثر من أي وقت.
“بيلا، هذا وحده يكفيني.”
يكفيه أن يعلم كم هو مهم عندها، فهذا وحده يمنحه الطمأنينة والقوة على الاحتمال.
“لذلك… افعلي كل ما ترغبين به. صحيح أنني غير ناضج بما يكفي فأغار باستمرار من تلك الأكاديمية اللعينة، لكنني لا أريد أن أكون حجر عثرة في طريقك.”
قالها بابتسامة هادئة وهو يهمس:
“يكفيني أن تخصّيني أحيانًا بوقت مثل اليوم. عندها أستطيع الانتظار مهما طال.”
لم يكن يريد منها أن تتزوج به على عجل لمجرد أن تراعيه.
أما هو، فما كان ليرفض زواجًا حتى لو كان إنهاءً للأمر، لكن بمجرد أن سمعها، تبدّد كل ذلك القلق الذي كان ينهشه.
إن كان بمقدوره أن يحظى من حين لآخر بموعد يملكها فيه وحده كما في هذا اليوم، فسيصبر بفرح.
قالت إيزابيلا وهي تشد على يده:
“لستَ عائقًا أبدًا، ولن تكون. وإن أردت أن تكون أنانيًا أكثر فافعل، كن متطلبًا مثلي إن شئت.”
قالتها وكأنها غير راضية عن قلة ما يطلبه منها، فما كان من ثيو إلا أن ابتسم ساخرًا:
“إذن، هل تساعدينني في تعلم الرقص؟”
كان قد حاول أن يخفي خجله لجهله بالرقص ورغبته في تعلمه على عجل، ثم أدرك أن لا معنى للإخفاء.
فأكثر من يعرف هذا الأمر هي إيزابيلا نفسها، وهي لن تراه ناقصًا بسببه.
تمتمت بصوت منخفض وشفتيها متجهمة:
“……إذن تلك المرأة كانت معلمة رقص.”
ارتفعت حمرة خفيفة إلى أذنيها، ومع ذلك بدا على وجهها أثر الغيرة.
أما ثيو فقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة أوسع وهو يراها هكذا.
“نعم.”
“يا إلهي… كم كنتُ سخيفة حين تفوهتُ بكل تلك الكلمات.”
كلام عن خطة وما شابهها.
والآن لا يسعها إلا أن تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها من شدة الخجل.
“قالوا لي إنه إن كان عليّ أن أتعلم من البداية، فالأفضل أن أتدرّب مع من سأرقص معه في الحفل.”
“لم يخطر ببالي أنك تكترث للرقص. لو أخبرتني منذ البداية، لتمرنّا سويًا ما شئت.”
“أنتِ لا تحتاجين إلى دروس… فظننت أن الأمر سيكون مضيعة لوقتك.”
فهي رغم أنها نشأت في دار الايتام مثله، كانت تتقن الرقص مسبقًا.
أما إيزابيلا التي تعلمت كل شيء في حياتها السابقة، فلم تشعر يومًا بالحاجة لذلك، ولم يخطر لها أن ثيو قد يهمه الأمر.
أما الآخرون فكانوا يظنون أن الفضل في معرفتها ببعض هذه الأمور راجع إلى دروس البروتوكول والآداب والرقص التي أُرسلت إليها حين مُنحت لقب الدوقة الكبرى.
لكنها لم تستطع الرد.
إذ كانت هي نفسها تؤجل المواعيد بحجة انشغالها، فلا عذر لها حقًا.
ابتسم ثيو ابتسامة صغيرة وهو يهمس:
“لكن بما أنكِ قلتِ لي أن أكون أنانيًا… فسأفعل. حتى لو كان مضيعة للوقت، فاعتبريه موعدًا بيننا، ولنتمرن على الرقص سويًا.”
أطلقت إيزابيلا ضحكة خافتة وقالت:
“هذا غير منطقي. كيف يكون الموعد معك مضيعة للوقت؟”
ثم مدت خنصرها الصغير:
“نتدرّب معًا على الرقص. ومرة في الأسبوع نقضي يومًا كاملًا معًا. وأي شيء يزعجنا نقوله حالًا.”
وعدٌ تمنّت به أن لا يتشاجرا بعد الآن.
“موافق.”
مد ثيو إصبعه الصغير ليشبكه بإصبعها. لكنه لم يكتفِ، بل أمسك يدها فجأة وجذبها إليه…وخطف قبلة من شفتيها.
******
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 155"