“إذن ما جرى في قصر الدوق في ذلك اليوم لم يكن سوى أوهام نسجها خيالك.”
حسمت كاساندرا الأمر بجملة قاطعة.
“وأيضًا…….”
ترددت لحظة قبل أن تكمل.
راحت تحدّق بإيزابيلا بعينين نصف مغمضتين، ثم أطلقت تنهيدة وهي تتمتم:
“أنتِ تعلمين ذلك أصلًا.”
“هااااااه…….”
ما إن أنهت كاساندرا كلامها حتى زفرت إيزابيلا زفرة عميقة كأن الأرض ابتلعتها، ثم دفنت وجهها بين كفيها.
“ألا أبدو حمقاء؟”
“بلى. غبية وسخيفة.”
“يا لكِ من قاسية….”
“ألم تأتي إليّ أصلًا كي تسمعي هذا الكلام اللاذع؟”
كانت الحقيقة تعرفها في أعماق قلبها، لكنها لم ترد الاعتراف بها.
“آه، أعلم.”
عادت إيزابيلا لتتنهد ومسحت وجهها براحة يدها.
كان وجهها قد احمرّ حرَجًا.
“في الحقيقة، لم يكن الأمير الثالث هو المشكلة في ذلك اليوم.”
فما أظهره ثيو في مقاطعة الدوق لم يكن بدافع الغيرة من الأمير موفِيو الثالث.
قد يكون الأمر أثار حفيظته قليلًا، لكنه لم يكن رجلاً قصير النظر ليتصرف بتلك الطريقة لمجرد ذلك السبب.
“إن تراكم إهمال ثيو بسبب انشغالك بالأكاديمية هو ما فجّر الأمر مع حادثة الأمير الثالث.”
لقد كان الحطب متراكمًا أصلًا، أما حادثة فيليب وما جرى مع الهدية فلم تكن سوى الشرارة التي أشعلت النار.
“بصراحة، حتى وأنا كطرف ثالث، بدا لي أنكِ أهملتِ ثيو كثيرًا.”
أومأت كاساندرا برأسها موافقة.
“لستُ أقول إنني لا أفهمك. تأسيس أكاديمية ليس أمرًا هيّنًا.”
حتى بتقليل ساعات النوم وبذل الجهد الجسيم، يبقى الأمر غير كافٍ.
صحيح أن المال لم يكن عائقًا كبيرًا، لكنه يظل صعبًا في مواجهة ضغوط المجتمع مع الإصرار على التمسك بالقناعة.
“أنا نفسي لو حاولت إطلاق مشروع واحد غريب فقط، لتعرضتُ لكمٍّ هائل من الكلام، فكيف بالأكاديمية؟”
ولأن كاساندرا خاضت مثل هذه المغامرات مرارًا، فهي كانت تدرك تمامًا مدى انشغال إيزابيلا الآن.
“وثيو أيضًا لا بد أنه حاول ألا يقيّدك وضحّى كثيرًا وتحلّى بالصبر. لكن مثل هذه التضحية من طرف واحد لا بد أن تبلغ حدّها يومًا.”
“……كنت أعلم ذلك أصلًا. أعلم كم كنتُ أنانية.”
بل إن ثيو كان قد عارض فكرة تأسيس الأكاديمية منذ البداية.
لقد خشي الهجمات والانتقادات التي ستُوجَّه إلى إيزابيلا، وكان يفضّل حياة بسيطة مليئة بالرضا، لذا بدا له أن حلم الأكاديمية عبء أثقل من اللازم.
وتراكمت تلك المخاوف حتى صارت ككرة ثلج ضخمة، فأخذ يبذل المزيد من الجهد ليخفف عنها.
كان يرجو على الأقل، أن تجد راحة بقربه وسط مطاردة تلك الكرة الضخمة لها.
فهو كان يخشى أن يصبح هو نفسه عبئًا إضافيًا لا تحتمله.
لكن ما لم يدركه هو أنّ استمرار ذلك طويلًا سينتهي بجرحه هو ذاته.
“لكن تأسيس الأكاديمية أمر من شأنه أن يعلي شأن الإمبراطورية ويضيء درب الأجيال القادمة…….”
كانت إيزابيلا على وعي كامل بما بذله ثيو من تفهّم.
لكن لكي تعتني به حقًّا، كان عليها أن تخصّص وقتًا من المكرّس للأكاديمية، وهو ما يعني تأخير التأسيس.
وقد يؤدّي ذلك إلى ضياع الفرصة والنتيجة التي كانت تطمح إليها.
ولذلك استمرت في التأجيل حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن.
“أي أنكِ ترَين أن التضحية بعلاقتكما لأجل القضية الكبرى أمر لا بأس به؟”
“……هل يُفهم كلامي هكذا؟”
لقد تركت الأمر حتى تحوّل تفهّم ثيو إلى تضحية.
“آه، عليكِ أن تشكري السماء أن خطيبك مستعد أن يكون بهذا القدر من التفاني لأجلك وحدك.”
“لا أشعر أن ذلك أمر يستحق الشكر…….”
“هاها، صدقتِ. فمن البداية لم يكن ينبغي السماح له بأن يتحوّل إلى أضحية.”
ضحكت كاساندرا على همهمة إيزابيلا.
ثم مررت أصابعها بين خصلات شعرها لتعيدها إلى الوراء وهي تكمل:
“لكن على الأقل ثمة جانب إيجابي. بفضل هذه الحادثة أدركنا أن ذلك الرجل في النهاية مجرد إنسان.”
“ماذا تقصدين؟”
“لأنه لم يبدِ أي رغبة لنفسه وظلّ يضحّي فقط، فبصراحة أنا بشخصيتي المليئة بالطمع كنت أتساءل بخوف، هل هذا طبيعي أصلًا؟”
هزّت كاساندرا كتفيها بخفة.
“صحيح أن طريقة إظهاره لعدم رضاه كانت متواضعة جدًّا، وهذا ما يُؤسفني قليلًا.”
أن يتراكم ويتراكم كل ذلك ثم ينفجر في النهاية بمجرد أن يترك إيزابيلا من دون أن يوصلها إلى المنزل، وينهي الموعد هاربًا على عجل، لهو أمر تافه.
ومع ذلك، إذا ما قورن بثيو المعتاد، فقد كان ذلك تطورًا كبيرًا.
لكن على عكس كاساندرا التي وجدت في الأمر شيئًا يُشكر عليه، كانت إيزابيلا منزعجة في داخلها.
“كيف أعتذر له؟”
“أترين أن مجرد الاعتذار وإنهاء الأمر يكفي؟ إن لم تعالَج المشكلة من جذورها، فحتى لو مرّت بسلام هذه المرة، ستعود لتتكرر ثانية.”
فالأكاديمية لن تختفي فجأة.
والقول إن الأمر لا يتجاوز مرحلة التأسيس، وما إن نتجاوزها سيهدأ كل شيء، قد يكون خداعًا للنفس.
فعندما تُفتَح الأكاديمية فعلًا، قد تطرأ أمور غير متوقعة تجعلها أكثر انشغالًا.
“أعلم. لهذا سأفكر في الأمر رويدًا رويدًا من الآن فصاعدًا وسأناقشه مع ثيو أيضًا.”
كانت إيزابيلا تدرك ذلك جيدًا.
“لكن قبل ذلك، ألا يجب أن تعتذري له أولًا عمّا أحزنه وتعيدي البسمة إلى قلبه؟”
“آه، تقصدين هذا.”
تمتمت كاساندرا وهي تنقر بلسانها، ثم تناولت قلمًا وأخذت تدندن لنفسها وهي تكتب على الورق كأن اهتمامها بالحديث قد تلاشى.
“ذلك أمر يسير.”
ثم أضافت:
“فكّري قليلًا، ما الذي يرغبه ذلك الرجل أكثر من أي شيء الآن؟”
كان السبب الذي أوصل الأمور إلى هذه الحال واضحًا.
لكن حين لم تستطع إيزابيلا العثور على الإجابة البسيطة، أمالت رأسها في حيرة، فما كان من كاساندرا إلا أن تنقر بلسانها استياءً.
“خُذيه في موعدٍ، أيتها الشريكة المهووسة بالعمل.”
كانت كاساندرا قد سمعت من قبل بكلمة “مهووسة عمل”، لكن لم يسبق لها أن استعملتها لوصف شخص آخر، لذا تمتمت متذمرة.
لكنها مع ذلك قدّمت لإيزابيلا حلًّا بارعًا لمشكلتها.
وبدأت إيزابيلا على الفور بالتنفيذ.
“أي مطعم في العاصمة مناسب لموعد غرامي؟”
“في تلك الحال، اسألي جاك الذي يعمل في المطبخ. أظنه يتنقّل كل عطلة نهاية أسبوع باحثًا عن المطاعم المشهورة.”
ثم استشارت وصيفاتها.
“متى قال ثيو إنه سيصل؟”
“إن سار كل شيء سريعًا، فغدًا بعد الظهر. وإن تأخر قليلًا، فبعد غد صباحًا على الأرجح.”
واستعانت بإدوارد أيضًا ليزوّدها بالمعلومات.
“هل أنت متأكد من أنه لا يملك أي ارتباط آخر في العاصمة؟”
“اطمئني يا آنستي. تأكدت أكثر من مرة أنه لم يحجز أي شيء، باستثناء وليمة مع اللورد ليكاردو.”
وعبر جوشوا أيضًا تحققت مسبقًا من جدول ثيو.
ولمزيد من الاحتياط، استعانت بليكاردو لتأمين وقت فراغٍ له.
“افرغوا عطلة نهاية الأسبوع بالكامل، فهمتم؟ ومهما كانت الظروف، لا تبحثوا عني إلا لو حدث أمر جلل كوفاة أخي مثلًا.”
“همم، مفهوم يا آنستي.”
ثم أوصت مساعدها ورئيس الخدم بذلك، وإن كانت كلماتها لا تخلو من مسحة جريئة.
“جيد. ممتاز.”
وبعد أن أتمّت جميع التحضيرات، لم يبقَ أمام إيزابيلا سوى انتظار اليوم الموعود.
لقد شعرت بارتجاف لطيف من الترقب، إحساس لم تجربه منذ زمن بعيد.
صحيح أن لقاء ثيو دائمًا ما كان يملأ قلبها فرحًا وشوقًا، لكن هذا اللقاء بدا كموعدٍ حقيقي طال غيابه.
لكنها أدركت لاحقًا أن مرور كل ذلك الوقت منذ آخر موعد بينهما كان عاملًا أكبر مما تصورت.
***
كان ثيو قد قضى أكثر من أسبوع في حزنٍ وكآبة.
فعندما يحاول النوم، تتردّد كلمات إيزابيلا في ذهنه وتحرمه من الراحة، وحتى عند انشغاله بالأوراق، تطارد ذهنه صورة عينيها المليئتين بخيبة الأمل فيفقد تركيزه.
الوقت الوحيد الذي أغمض فيه عينيه قليلًا كان داخل العربة المتجهة إلى العاصمة وهي تهتز في سيرها.
“العاصمة، لم أزرها منذ ثلاث سنوات.”
كانت زيارته الأخيرة لها خلال حفل تتويج هارسيز.
تمتم ثيو وهو يطل من النافذة بآهة صغيرة.
فهو لم يكن يزورها كثيرًا، لذا كانت كل عودة يملؤها شعور خاص.
“كنّا ننتظر قدومك يا صاحب السمو الدوق.”
وكان ذلك ينطبق على القصر أيضًا.
فبعد أن استعاد دوقية لويد، أصرّ ليكاردو على أن وجود قصر في العاصمة أمر ضروري، فاقتنى واحدًا.
لكن بما أنه لم يمكث فيه إلا قليلًا، بدا كل شيء غريبًا ومحرجًا له.
وعندما وصل إلى القصر الفرعي في العاصمة، كان الخدم جميعًا مصطفّين لاستقباله.
“لقد مضت ثلاث سنوات.”
ألقى ثيو نظرة على سكرتيره الذي لم يره منذ ذلك الحين.
كان السكرتير سيتولى خدمته في العاصمة بدلًا من رئيس الخدم، إذ إن رئيس الخدم اضطر للبقاء في الدوقية لرعاية القصر في غياب سيده.
“كنا نترقب عودتك بفارغ الصبر.”
“هممم.”
تظاهر ثيو بالسعال وهو يردّ، فالكلمات وإن كانت مجرد تحية لطيفة، بدا صداها في أذنه كما لو كانت عتابًا على طول غيابه.
“…….”
“…….”
لم يكن السكرتير من النوع الذي يملأ الجو بالأحاديث كما يفعل رئيس الخدم ليتناسب مع طبيعة ثيو الصامتة، بل كان هادئًا هو الآخر.
“هل حدث أمر مميز؟”
كان الصمت قد أثقل الجو حتى بادر ثيو بالسؤال.
“لا شيء سوى بعض التغييرات في الديكور الداخلي.”
“فهِمت.”
“…….”
“…….”
لم يتجاوز الأمر تبادل بضع جمل قصيرة، ثم عاد الصمت ليسود.
“……أنا مرهق.”
“أعددنا لك نفس الغرفة التي استعملتها في المرة السابقة. وإن لم ترُق لك، فقُل لنا.”
“لا بأس بها.”
“هل ترغب أن نقدّم لك الطعام في الغرفة لتستريح؟”
“نعم.”
فهرب ثيو مسرعًا إلى غرفته.
وبعد أن استرخى قليلًا في ماء الحمام الذي أعدّته الوصيفات، خرج ليجد المائدة جاهزة.
وبينما كان يتناول بعض المُقبلات انفلتت منه ضحكة صغيرة.
“منذ متى صار الصمت أمرًا غريبًا عليّ؟”
منذ خلافه مع إيزابيلا، صار كل شيء يبدو له غير مألوف.
*******
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 150"