لن أخدع مرتين [ الفصل 15 ]
“ أوه، شان!”
كانت كاساندرا قد وصلت إلى العاصمة أيضًا من أجل سلسلة من الفعاليات التي ستُقام قريبًا.
نزلت لتخرج قليلاً، لكنها عبست حين رأت إيزابيلا واقفة عند الباب وكأنها تنتظرها.
“ قلت لكِ إنني سأتصل عندما أنتهي من الاستعداد، ما الذي أتى بكِ مجددًا؟“
قالت ذلك معتقدة أن إيزابيلا جاءت لتستعجلها بشأن الصفقة.
“ ليس هذا ما جئت لأجله…”
لكن حين رأت ما كانت إيزابيلا تنظر إليه، اتخذ وجهها ملامح من تذوق شيئًا مرًّا.
“ حتى في هذا اليوم الجميل، يبدو أنني منحوسة.”
تمتمت شان باستياء فور أن لمحت فايتشي.
أما فايتشي، فلم تكن ملامحه أفضل حالًا.
“ ما زال لسانك قذرًا كما عهدناك.”
ظهور كاساندرا في مقر نقابة باتوكا لم يكن أمرًا غريبًا.
لكن… لمَ الآن بالذات؟
“ هل لديك هواية في التنصت على أحاديث الآخرين؟ ما دخلك إن كنت أشتم أم أغني؟“
“ وما زالت وقاحتك كما هي.”
“ وإن لم يعجبك، فلتأخذني إلى السجن.”
لم تفوّت فرصة استفزازه، كعادتها.
رغم أن عائلة باتوكا ليست سوى عائلة كونت، فإن النقابة التي يديرونها كانت مختلفة.
فهي إحدى النقابات الثلاث الكبرى في العاصمة، بل الأفضل بينها.
وكان الاصطدام بهم يشبه تمامًا الاصطدام بعائلة من طبقة الدوقات أو الماركيز.
ولأن كاساندرا كانت تدرك أن حتى الأمير لا يستطيع العبث مع نقابة كهذه، كانت تتصرف دون قيد.
تبادل الاثنان نظرات حادة مشحونة بالتوتر.
ومن قطعهما كان إيزابيلا.
“ شان، هل أنتما صديقان؟“
“ هل جننتِ؟ لا أطيق حتى أن أتنفس نفس الهواء مع كائن منحط مثله.”
“ ومن هو المنحط برأيك؟“
رفعت كاساندرا صوتها، ولم يُخفِ فايتشي بدوره استياءه.
“ أأصبح مغازلة الشابات من طبقة النبلاء أمرًا رفيعًا وأنيقًا؟ أليس هذا هو الانحطاط بعينه؟“
“ وما ذنبي إن كنّ يقدمن حبًّا لم أطلبه أصلاً؟“
“ لم تطلب؟ وماذا عن عبارتك ‘ أتطلع لليلة تجمعنا معًا‘ التي قلتها بنفسك؟“
“……”
بما أنه قالها فعلًا، لم يكن بمقدوره الرد.
كانت عبارة استخدمها مع كاساندرا طمعًا في ضم نقابة باتوكا إلى صفه.
وقد جاءه الرد:
“ مجنون.”
من البداية، كان طمعه في نقابة موالية لولي العهد تصرفًا أرعنًا.
ولم يكتفِ بخسارتهم، بل صار عدوًا لهم.
فايتشي الذي لم يجد ما يقوله، ظل يحدّق بصمت، أما إيزابيلا فتهللت في داخلها.
لم يكن هناك من يُسكت ذلك المتغطرس سوى كاساندرا.
“ ومن تكونين لتتجولين مع الأمير؟“
نظرة كاساندرا المليئة بالضيق تحولت نحو إيزابيلا.
“ أمير؟! سموه أمير؟!”
فتحت عينيها بدهشة مصطنعة ونظرت إلى فايتشي.
“ أوه! أعتذر، لم أكن أعرف!”
وضعت يدها على صدرها وانحنت بانضباط.
قابلها فايتشي بابتسامة لطيفة، مغايرة تمامًا لما أظهره لكاساندرا.
“ لا حاجة لكل هذه الرسمية.”
قال ذلك وقد كشف عن هويته بصراحة بعدما أخفاها مسبقًا حتى لا يسبب لها عبئًا.
لكن الرد جاء من كاساندرا، لا منها.
“ لا حاجة للرسمية؟ من الذي لا يطيق أدنى تصرف غير لائق؟“
قهقهت بازدراء.
“ لمَ لا تقول ببساطة ‘ حتى وإن كنت أميرًا، احترم حدودك‘ بدلًا من هذا التلاعب بالكلمات؟“
كانت نبرتها لاذعة رغم أن كلماتها بدت وكأنها نصيحة.
“ راقبي لسانك. إن لصبري حدود.”
“ هاه! وها هو يغضب فعلاً.”
“ يا ابنة باتوكا…”
“ عندما لا يروق لك الحديث، تتذكر فجأة أنني من بيت باتوكا، أليس كذلك؟“
كان استدعاؤه لاسم العائلة بدلًا من منصبها النقابي محاولة لإظهار تفوقه الطبقي.
لكن كاساندرا تجاهلت ذلك بسهولة.
“ سمو الأمير، حدّد موقفك. هل ستعاملني كعضوة من عائلة الكونت، أم كنقابية تدير أقوى نقابة في العاصمة؟“
فمهما بلغت وقاحة كلماتها، طالما لم تكن هناك أفعال تؤذيه، فهو لا يستطيع فعل شيء ضدها.
“ وأنتِ!”
“ أخبرتك أن تناديني بيلا. ألسنا أصدقاء الآن؟“
“ متى قلت ذلك… ؟!”
لكنها ابتسمت لها وعيونها تنحني بدفء، فما كان من كاساندرا إلا أن كتمت غضبها.
“ صحيح، أصدقاء. لا بل شركاء عمل فقط. كم مرة عليّ أن أكرر ذلك؟“
“ وما المانع أن نكون الاثنين معًا؟ شركاء وأصدقاء؟“
“ أنا لا أؤمن بشيء اسمه صداقة.”
قالتها بصرامة، لكنها لم تطردها.
“ وإن قررتِ التقرب من هذا الأحمق، فانسَي موضوع الشراكة.”
“ يا إلهي، أنا لا أعرفه حتى!”
أمسكت بذراع كاساندرا فجأة، وقد بدا على وجهها الفزع.
“ إنها المرة الأولى التي أراه فيها، وما الذي قد يجمعني بأمير مثله؟“
قالتها علنًا أمام فايتشي، تنفي أي صلة به.
وقد أهين مسبقًا لكونها لم تتذكر ملامحه، والآن حتى بعدما كشف عن كونه أميرًا، لم يحظى أدنى اهتمام منها.
لم يكن هناك ما هو أكثر إهانة من ذلك.
حين أدركت كاساندرا أثر كلمات إيزابيلا على فايتشي، بدأت تزداد اهتمامًا بها.
كان هناك فضول من البداية، لكن الآن بات ميولًا شخصيًّا.
كانت تعلم جيدًا أن إيزابيلا ليست ساذجة ولا بلهاء.
ولذا وافقت على عرض العمل معها.
والآن بدأت تشك بأنها تتعمد هذا السلوك.
وما إن فكرت بذلك، حتى بدأت تشعر بانجذاب فعلي نحوها.
“ بالضبط. لا داعي لأن ترتبطي بأمير من هذا النوع.”
قالتها وهي تنظر إلى فايتشي مباشرة.
ثم وضعت ذراعها حول كتف إيزابيلا، تستمتع بتلك الشرارة التي انطفأت من ابتسامته الزائفة.
“ ثم إن شريكة عملكِ هي زعيمة نقابة باتوكا، أليس كذلك؟“
أظهرت إيزابيلا وجهًا بريئًا وكأنها لم تفهم شيئًا.
لكنها كانت في الواقع تمثل على فايتشي، لا على كاساندرا.
وكانت كاساندرا، بدهائها، تتجاوب مع هذا التمثيل بمتعة.
“ إلى أين كنت ذاهبة؟ سأوصلك.”
“ حقًا؟! واو! كنت قلقة من أن أضيع الطريق!”
“ لأجلكِ، سأجعلها استثناءً اليوم. فأنا في مزاج جيد جدًّا~”
قالت كاساندرا وهي تغني تقريبًا، تراقب وجه فايتشي المتجهم يزداد تصلبًا.
لم ترَ هذا المنظر منذ زمن طويل.
وضعت ذراعها حول إيزابيلا وتقدمت بها.
“ إلى اللقاء سيدي…”
حاولت إيزابيلا توديع فايتشي، لكن كاساندرا جذبتها بقوة قبل أن تكمل انحناءها.
رغم قدرتها على التحرر، تظاهرت إيزابيلا بالعجز وتبعت كاساندرا بنصف انحناءة فقط.
أما فايتشي، فابتلع غيظه ولم يكن أمامه سوى أن يراقبهما تبتعدان.
“ كارتر. تحرَّ عن تلك المرأة وتفاصيل علاقتها بالنقابة. وتحقق من مشروعهما أيضًا.”
“ أمرك.”
“ تبا. من بين كل النقابات، لمَ يجب أن تكون نقابتها تحديدًا؟“
زمجر فايتشي ساخطًا وهو يضرب الأرض بقدميه غيظًا.
لكن سرعان ما استعاد ابتسامته الزائفة حين اندمج بين الحشود.
***
لقد كانت هناك مجددًا.
عرفت إيزابيلا البحيرة أمامها فورًا.
هذه المرة الثانية، لكنها بدت مألوفة كما لو كانت ألف مرة.
فهذا المكان هو ما ظهر في حلمها الذي أراها من تاقت إليه طويلًا.
وكان من الغريب ألّا تتعرف عليه.
نظرت حولها سريعًا، وكان هو هناك كما توقعت.
“ثيو !”
بعكس المرة الأولى التي ترددت فيها، اندفعت هذه المرة دون تردد لتعانقه.
‘ إنه أفضل حلم على الإطلاق.’
استنشقت عبيره، وشعرت بحرارة جسده.
كان واقعيًا للغاية، لدرجة يصعب معها تصديقه حلمًا.
‘ أيعني هذا أنني أفتقده لهذه الدرجة؟‘
كانت تفكر به يوميًّا، تتخيله باستمرار. والأحلام ليست سوى تجسيد لما نتصوره، لذا لا غرابة في واقعيته.
حتى وإن كان حلمًا، فذلك لا ينقص من روعته شيئًا.
راحت تدفن وجهها في صدره مثل قطة مدللة.
ومع انفتاح قميصه، أحست بملمس جلده، مما زاد شعورها بالسعادة.
كانت غارقة في ذلك الدفء حين رشت قطرة ماء باردة كتفها.
أحسّت وكأن قطعة ماء أُلقِيَت عليها.
عرفت هذا الإحساس أيضًا… كانت تشتاق له.
“ ناياس!”
كان ضفدع أزرق يقفز على كتف ثيو بحماس.
راح يعبّر عن اشتياقه بإطلاق رشقات مائية مرحة عليها.
رغم أن حجمها بحجم خرزة صغيرة، إلا أنها بللت شعرها وملابسها بما فيه الكفاية.
“ هاها! كفى! لحظة، توقف! هاها!”
وإذا كان ناياس سعيدًا لهذا الحد، فهذا يعني أن ثيو نفسه يشعر بالسعادة.
حتى وإن كان هذا حلمًا، فإن هذه التفاصيل الصغيرة منحت الحلم واقعية مؤثرة.
“ كفى ناياس.”
ضغط ثيو بلطف على رأس ناياس وكأنه يخجل من انكشاف مشاعره.
أما الضفدع، فأمسك بأصابعه وأخذ يعضها بمزاح طفولي.
“ دعني وشأني!”
كان يبدو كأنه يحتج وهو ينفث أنفاسه بضيق.
وبسببه، ابتل كتف ثيو أيضًا.
كل هذا المشهد أعاد إلى قلب إيزابيلا شعورًا بالطمأنينة، وكأنها استعادت جزءًا من حياتها القديمة.
لكن بينما كانت تضحك وهي تراقب ثيو وناياس، وقعت عيناها على شيء أثار انتباهها.
“آه …؟ “
كان شيئًا تحت قميصه المبلل.
ومثل شخص منوَّم، مدّت يدها ببطء وفتحت قميصه بحذر.
كان ثيو يرتدي عادةً قميصًا خفيفًا بأزرار مفتوحة إلى نصفه، حتى أثناء نومه.
وهكذا كان الآن.
ومع انفتاح القميص، انكشف كتفه… وكذلك الندبة الكبيرة التي تعلوه.
“هذه …”
ــــــــــــــ
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 15"