وهي تترك تعليقًا عابرًا بدافع الفضول، كان من المعتاد أن يردّ عليها ثيّو بكلمة قصيرة مثل “نعم” أو “صحيح”، لكنه هذه المرة ظلّ صامتًا.
بدا ذلك غريبًا، فالتفتت نحوه لترى أنه يضع ملامح توحي بالانزعاج.
قالت بقلق:
“ثيّو؟ ما بك؟”
نظرت إيزابيلا إلى الاتجاه الذي كان يحدّق فيه، ثم أمسكت بيده.
“هل تخشى أن يقوم الأمير فيليب بشيء ما داخل الدوقية؟”
كان ذلك أمرًا قد يثير حفيظة أيّ حاكم محلي.
“لقد أوكلت أحد النووم بمراقبته، فإن أقدم على أي تصرّف مريب سيبلغني فورًا.”
لم تكن تظنّ أن الأمير ينوي شيئًا من ذلك، لكنها رأت أن الحذر لا يضرّ، فأرسلت نووم من غير أن ينتبه ثيّو.
وكان قصدها أن تبعث الطمأنينة في نفسه، غير أن جوابه جاء في غير محلّه:
“هل سبق أن تلقيتِ هدية من الأمير الثالث لموفيو؟”
“مم؟ آه، نعم. لقد أرسل لي لوحة الأسبوع الماضي، يقول إنه يتطلّع إلى الاجتماع المرتقب.”
قالت إيزابيلا بخجل وهي تحكّ خدها:
“بالطبع أحلتها إلى الأكاديمية. لو قبلتها على نحو شخصي لتكلّم الناس كثيرًا.”
إذ لم تكن تقبل هدايا شخصية حتى من النبلاء، غير أنّ ما ورد من المملكة عُدّ كأنه صادر عن الإمبراطورية، فتعاملت معه على هذا الأساس.
“لقد رتّبت الأمر مع جوشوا وفق ضوابط واضحة، لذا لم يكن التعامل بها صعبًا. فلا تقلق.”
ظنّت إيزابيلا أنه يقلق عليها من تبعات الأمر، فسارعت إلى شرح الموقف، إذ كان من السهل أن يعرّضها لموجة انتقادات.
لكن تعليق ثيو التالي أوضح أنها لم تفهم مقصده.
“ألم يكن الاجتماع مع تجّار المملكة؟ فلماذا يحضر الأمير بنفسه؟”
حاول أن يخفي ضيقه، لكنه بدا واضحًا على وجهه، فأطلقت إيزابيلا تنهيدة صغيرة.
“ثيّو…”
فقد أدركت متأخرة ما الذي يزعجه.
“الأمير فيليب يحضر بصفته ممثّلًا للقصر الملكي في موفيو. أنت تعلم أن المملكة أبدت اهتمامًا كبيرًا بالأكاديمية.”
فقد كانت موفيو منذ زمن تفخر بنشر المعرفة بين مواطنيها، غير أن اعتراضات النبلاء منعتها من إنشاء معاهد أو مدارس كبرى.
وحين أعلنت الإمبراطورية مشروع الأكاديمية العظمى، أبدت المملكة رغبتها في المشاركة، وبذلك تستطيع التخفيف من اعتراض النبلاء تحت غطاء “التعاون الدبلوماسي”.
بل إن الحديث عن خطبة هارسيز بالأميرة الثانية لموفيو بدأ أصلًا بسبب هذه الأكاديمية.
“حتى اللوحة لم تكن هدية شخصية من الأمير، بل صادرة من القصر الملكي.”
صحيح أن فيليب هو من اختارها، غير أنه كان المكلّف من قبل المملكة بالملف الأكاديمي لاهتمامه الشديد بالتعليم.
وكما أن معرفته بإيزابيلا وردودها الودودة عليه كانت نتيجة المراسلات السابقة بشأن الأكاديمية.
“واجتماع الغد مع التجار أساسًا، والأمير يحضر ليضمن أن العقود التجارية لا تختلط بالقضايا الدبلوماسية.”
أي أن دوره سيكون محدودًا للغاية.
فقال ثيّو:
“إذًا لا حاجة لحضوره من الأساس.”
فابتسمت بمرارة:
“لقد مضى أكثر من عام ونحن نتحدث عن الأكاديمية، ولم يرها بعد بعينه. فقلت له إن الفرصة سانحة ليتفقدها بنفسه، وأنا من اقترح ذلك.”
وإذ رأته يزداد شكًّا في الأمير البريء، أوضحت أن الأمر كان بمبادرة منها.
“ثم إن الأمير وافق قائلًا إنه سيحضر على أي حال حفل خطوبة شقيقي، فجمع الأمرين معًا.”
لكن على الرغم من الشرح ظلّ ثيو متجهمًا، فوضعت إيزابيلا يدها على جبينها وأطلقت تنهيدة طويلة.
ماذا عليها أن تقول أكثر؟
كانت تشعر بحيرة حقيقية، إذ لم يخطر لها يومًا أن يغار ثيّو بهذا الشكل.
فهو أكثر من يعرف أنها لا يمكن أن تنظر إلى رجل آخر، ثم إن فيليب هو شقيق المرأة التي ستصبح زوجة هارسيز، أي أنه سيكون من أقربائهم بالمصاهرة، ولا مجال لأي علاقة أخرى خارج نطاق العمل.
“ثيّو… لو لم يكن الأمر متعلقًا بالأكاديمية لما كان بيني وبين الأمير أيّ صلة.”
ثم أضافت بهدوء تطمئنه:
“أنت تعلم أن عيني لا ترى غيرك. فلماذا تقلق؟ هاه؟”
ومرّرت يدها برفق على وجهه، فأطبق على يدها وقبّل راحتها، مطلقًا تنهيدة طويلة.
“أعلم.”
كانت تنهيدته تحمل شيئًا من اللوم لنفسه.
“أفهم كل شيء. أعلم أنه مجرد عمل، وأنه لا يشكّل أي تهديد. كل ذلك أدركه… ولكن…”
تردد لحظة، ثم أفرغ ما يثقل صدره:
“يقلقني أن يزداد في حياتك وقتٌ لا أعرفه أنا.”
“ماذا تعني؟”
“الأكاديمية تستهلك كل وقتك.”
“طبعًا… فهي مشروعي الأهم الآن.”
“نعم… صحيح.”
ابتسم ثيّو ابتسامة باهتة وهو يفلت يدها، فبدت ابتسامته مفتعلة، ما دفعها لأن تعود وتشدّ على يده.
“هل تريدني أن أشاركك تفاصيل أكثر عن الأكاديمية؟ إن كنت لا أخبرك بكل شيء فليس لأني أخفي عنك أمرًا، بل خشيت أن أثير مللك.”
فكّرت إيزابيلا فيما يقصده بـ”وقتكِ الذي لا أعرفه”، ولم تجد في حياتها حاليًا سوى الأكاديمية تملأ فراغاتها.
“لا… لا حاجة لذلك.”
قالها وهو يدفع يدها بلطف.
“المسألة ليست كذلك.”
قالت إيزابيلا من جديد، وقد عجزت عن إدراك سبب تصرّفه هذا:
“إذن ما بالك؟ لماذا تتصرف هكذا؟”
فمدّ ثيّو يده يمررها برفق على شعرها وهو يبتسم ابتسامة باهتة ممزوجة بالمرارة.
“مجرد أن ذكريات أيام دار الايتام خطرت ببالي.”
كأنه أراد القول: لم يكن سوى حنين إلى الماضي.
ثم تابع وهو يغيّر الموضوع عمدًا:
“هيا بنا لنقيس الملابس. لقد أضعنا وقتًا طويلًا.”
فقد تهرّب من إعطائها جوابًا شافياً.
وأضاف وهو يحاول أن يستعيد نبرة ودودة:
“يجب أن ننتهي سريعًا كي نعود إلى قصر دوقية إلادور قبل أن يحلّ الظلام، فالسفر بعد حلول الليل محفوف بالمخاطر.”
لكن إيزابيلا لم تتحرك معه، بل ثبتت في مكانها وقالت:
“ثيّو.”
إصرارها دلّ على أنها لا تنوي ترك الموضوع.
وفي تلك اللحظة، دوّى صوت مألوف:
“آه! وأخيرًا وجدتكما!”
هرع إليهما شخص يعرفانه.
“لقد قالوا إنكما في متجر الفساتين، فذهبت أبحث عنكما هناك، لكنكما لم تكونا موجودين، فاستغرقت وقتًا طويلًا لأعثر عليكما.”
فقالت إيزابيلا بدهشة:
“السيد إدوارد؟”
لقد كان إدوارد الذي ذهب إلى العاصمة في مهمة.
ألقى تحية سريعة على ثيّو، ثم أخرج رسالة مشدودة من صدره وسلّمها إلى إيزابيلا.
“كنت ذاهبًا لمقابلة كارتَر، لكن جلالة الإمبراطور استدعاني. وهذه رسالة قال إن أُسلّمها لسعادتكُ.”
تناولت إيزابيلا الرسالة البسيطة التي لم تحمل حتى ختم العائلة المالكة وفتحتها.
“لقد كان ينوي إرسالها مع بطاقة الدعوة، لكنه نسي.”
ألقت نظرة على السطور القليلة المكتوبة على ورق فاخر، ثم أطلقت تنهيدة قصيرة.
سألها إدوارد مازحًا على عادته:
“ماذا هناك؟ هل اندلعت حرب؟”
فهو دائمًا ما كان يقول ذلك حين تراها تتنهد.
أجابته إيزابيلا:
“إنها من أخي. يقول إنه سيرسل لي ولثيّو الفستان والبدلة التي سنرتديها في حفل خطوبته.”
ثم أرت ثيّو الرسالة مضيفة:
“ويقول أيضًا إنه لا يليق بأميرة أن ترتدي إلا ما يُفصّل لها في القصر الملكي.”
فذلك لم يكن سوى إجراء ليُخرس ألسنة النبلاء ويمنع القيل والقال. كما أنه كان اعترافًا ضمنيًا بأن ثيّو سيكون شريكها، لذا وجب أن يُجهّز لهما الثوبان معًا.
تمتم ثيّو بعد أن قرأ الرسالة، وقد خيّم ظلّ قاتم على وجهه:
“إذن لسنا بحاجة إلى التسوّق بعد الآن.”
لكن سرعان ما محا تعابيره القاتمة، وأدار إليها ابتسامة هادئة:
“هذا أفضل. كنت أخشى أن يحلّ المساء قبل أن نعود.”
ثم طوى الرسالة وأعادها إليها مضيفًا:
“إدوارد، أستودعك إيزابيلا.”
فأجابه إدوارد متفاجئًا:
“آه؟ أ… أجل، حسنًا.”
كان الأمر غريبًا، إذ لم يكن ثيّو معتادًا على الاستعانة بأحد لمرافقتها، بل كان دائمًا يختلق الحجج ليبقى إلى جانبها بنفسه.
ثم ودّعها بكلمات مقتضبة وربّت على جبينها برفق، قبل أن يستدير.
“ثيّو، انتظر! ثيّو!”
نادته إيزابيلا محاولة أن تمسك به، لكنه أسرع مبتعدًا كأنما يهرب حتى اختفى من أمام بصرها.
“آه… ما باله بحق السماء؟”
تمتمت وهي تمرر يدها بين خصلات شعرها وقد غلبتها تنهيدة طويلة. أما إدوارد فظلّ ينظر إليها تارة، وإلى الجهة التي مضى إليها ثيّو تارة أخرى، وقد اتسعت عيناه بدهشة.
“هل يعاني من وعكة ما؟”
فأجابته إيزابيلا بمرارة:
“لو كان مريضًا لكان الأمر أسهل.”
قال إدوارد مذهولًا:
“ماذا؟”
فأنهت الحديث ببرود:
“لنعد.”
وأدارت ظهرها وملامحها مشدودة بالانزعاج فيما بقي إدوارد أكثر حيرة من ذي قبل.
كيف يمكن للتي كانت تهلع إن أصيب ثيّو بسعال خفيف، أن تقول إن مرضه سيكون أهون؟
ترى، ماذا حدث بينهما؟ هل… تشاجرا؟
لكنه أدرك أن الوقت غير مناسب لطرح الأسئلة، فالتزم الصمت ولحق بخطواتها.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 145"