ظهور البطلة التي كانوا يتحدثون عنها للتو جعلت ليكاردو يزفر بضيق.
“سأتكفّل بإيجاد معلّم لك، فلتتعلّم الرقص. ولو من أجل إيزابيلا على الأقل. فهمت؟”
كرر كلامه، لكن ثيو ظلّ محتفظًا بذلك الوجه الذي يتساءل، أهذا ضروري فعلًا؟ غير أنّ ليكاردو لم يجد وقتًا لشرح المزيد، إذ ظهرت إيزابيلا في المكان الذي اجتمعوا فيه.
“ثيو!”
ارتمت في أحضانه ودار بها دورة كاملة، ثم بادرت بسرعة لتحية ليكاردو أيضًا.
“مرّ وقت طويل يا لورد ليكاردو! وجوشوا جاء معي أيضًا.”
ألقى جوشوا تحية خفيفة برأسه نحو ليكاردو.
“هل أنجزتَ عملك؟”
“نعم. لا أظنّ أنني سأضطر للتنقّل لفترة من الوقت.”
كان جوشوا وليكاردو قد قدما معًا إلى الجنوب الغربي، الأوّل ليلتقي بثيو، والثاني ليباشر عمله مع إيزابيلا.
“في النهاية ستستقرّان معًا هناك، فالأجدر بك أن تبدأ بالتعوّد مبكرًا.”
“سأمضي ما تبقّى من وقتي في مقاطعة الماركيز، طالما أنني سأعيش العمر كلّه في الدوقية.”
ضحك ليكاردو عاليًا على ردّ جوشوا.
“هذا مؤسف قليلًا. فقد كان العمل معك مريحًا وممتعًا.”
“آسفة يا لورد ليكاردو، لقد خطفتُ منك السير جوشوا.”
“هاها، لا بأس. ذلك المنصب أنسب له على كلّ حال.”
لوّح ليكاردو بيده ضاحكًا، فيما أرسلت إيزابيلا ابتسامة رقيقة نحو جوشوا.
“أنا ممتنّة حقًّا لأن السير جوشوا وافق على تولّي الإدارة.”
فقد كان المسؤول عن الشؤون الإدارية والمالية كلّها، بينما تتولّى إيزابيلا بصفتها المديرة ما يتعلّق بالشؤون الخارجية.
منصب يرى البعض أنه أصعب حتى من منصب الأستاذ، إذ واجه منذ التأسيس ضغوطًا هائلة من النبلاء.
وعندما فكّرت إيزابيلا فيمن يمكن أن يثبت أمام كلّ هذه الضغوط، كان جوشوا أوّل من خطر ببالها.
رغم أنه رفض بدايةً، لكنه بعدما استمع إلى خططها وأحلامها وافق بعد طول تفكير.
“أنا أرى أن المفاجئ أكثر هو أن إدوارد قَبِل أن يكون أستاذًا في قسم فنون السيف.”
“أتفق معك تمامًا!”
وافقه ليكاردو على قوله.
فمن أجل أن تحتوي الأكاديمية على الجميع، من عامّة ونبلاء منهارين ونبلاء راسخين، كان لا بدّ من تأسيس بيئة جديدة.
فقرّرت إيزابيلا إنشاء أقسام شاملة: للأرواح، وللسيف، وللسحر، وللإدارة، وللطب، وحتى للتجارة.
ولكي تمنع التمييز، أُقِرّ أن تُمنَع في داخل الأكاديمية أي إشارة للطبقات الاجتماعية.
أثار هذا سخط النبلاء، لكن الجميع ما عدا الطبقة العليا رحّبوا بالأمر، لا سيما أنّ الإعلان عن فتح أبواب الأكاديمية لعامة الشعب جعل هارسيز والملوك المجاورين يولونها اهتمامًا بالغًا.
أما قسم السحر فقد ضمّ السحرة الذين لم يجدوا مكانًا بعد الحرب، فيما نهض إلى قسم الأرواح أولئك الأبطال المغايرون الذين صنعوا المجد في المعارك.
قال بعضهم مبتهجًا:
‘سنبحث عن المزيد من أمثالنا؟’
‘لو نجحت أداة قياس التوافق هذه فسيكون أمرًا عظيمًا. أنا موافق.’
‘وأنا أيضًا. إن كان بإمكاننا أن نكتشف وندرب آخرين مثلنا، فهذا مدعاة فخر.’
بل فرحوا بفكرة أن يكونوا روّادًا في هذا المجال.
لكن ما صدم الجميع أكثر هو أساتذة قسم السيف.
‘أستاذ؟ أنا؟ يا دوقتي أجننتِ؟ أتنسين أنني كنت عبدًا؟’
هكذا اعترض إدوارد بدايةً، لكنه سرعان ما رضخ.
‘هاه… سيفي وُجد من أجلكِ وأنتِ تطلبين أن أضعه في خدمة التعليم. فلا خيار لي سوى القبول.’
قالها وكأنه مجبر، لكن ملامحه لم تُخفِ ارتياحه.
أما الصدمة الأكبر من إدوارد فكانت كارتر.
‘……النبلاء لن يقبلوا بي أبدًا.’
فهو كان في الماضي بمثابة اليد اليمنى لفايتشي.
‘النبلاء يرونك امتدادًا لفايتشي، لكن بالنسبة لأبناء العامة فأنت مثال يُحتذى.’
فبحسب الزاوية التي يُنظر منه إليها، قد يكون خائنًا اختار الطريق الخطأ، أو رائدًا فتح بابًا كان يُظنّ أنه مستحيل.
ولم يقتصر الأمر عليهم، بل حتى أساتذة الطب والإدارة الذين جُلبوا كانوا وجوهًا غير متوقعة.
إلى درجة أنّ البعض وصف الأكاديمية بأنها “مكان للجميع، للعامة، للنبلاء، للمنهارين، للرحّل، ولأصحاب النفوذ”.
رغم كثرة الكلام، إلا أنّ الأكاديمية كانت تسير بخطى ثابتة نحو الاكتمال.
ومع كل هذه الإنجازات، كان لدى إيزابيلا في هذا اليوم ما هو أهم من كل ذلك.
“سنتحدث عن الأكاديمية لاحقًا. أمّا الآن، ثيو!”
قبضت على يد ثيو الذي بدا منزعجًا منذ ذُكر موضوع الأكاديمية.
“هل وصلتك الدعوة؟ دعوة خطوبة شقيقي!”
“وصلتني أمس.”
“إذن فلنذهب!”
“……؟”
بالطبع يجب أن يذهب، هل كان يفكّر في التغيّب؟
ارتسمت على وجه ثيو ملامح حيرة، ونظر جوشوا وليكاردو إلى بعضهما متسائلين.
لكن إيزابيلا أوضحت قصدها:
“لنذهب لنفصّل الملابس!”
***
الفصل الجانبي 2. زمنك الذي لا أعرفه
عاد ليكاردو مع جوشوا إلى إقطاعية الماركيز. وقبل رحيله لم ينسَ أن يرسم على وجهه تعبيرًا من الضجر، وهو يراقب ثيو وإيزابيلا اللذين كانا غارقين في دفء مشاعرهما.
أما ثيو وإيزابيلا اللذان ودّعاه، فقد اتجها إلى الساحة المركزية في الدوقية.
قالت إيزابيلا وهي تتأمل المباني المحيطة بالساحة التي كانت ورشات البناء تضج فيها:
“لقد تغيّر المكان كثيرًا حقًا.”
ذلك المكان الذي كان قد احترق بأكمله وتحول إلى حصن صلب يصدّ الغزاة على الحدود، كان يستعيد ملامحه القديمة شيئًا فشيئًا.
ولُقّب بحق بـ المدينة المائية.
فالطرقات والمجاري المائية كانت تتعاقب بين المباني، ومشهد القوارب الخشبية المسطحة وهي تُدفع بعصا طويلة لم يكن مما يُرى إلا في دوقية لويد.
قالت إيزابيلا وهي تمسك يد ثيو بقوة:
“لطالما رأيته من بعيد فقط، أما عن قرب فالأمر يثير في نفسي إحساسًا غريبًا ودافئًا.”
ابتسم ثيو يجيب وهو يحدّق فيها بعينين ملؤهما المودة:
“نعم، بإمكانكِ أن تبحري بالقوارب إلى أي مكان في الدوقية. فالمجاري المائية كلها متصلة.”
ثم سألها:
“أتودين أن نجرب ركوبها؟”
وأشار إلى مرسى صغير بجانب الساحة. لكن إيزابيلا بعد لحظة من التردد هزت رأسها نافية.
“ليس الآن. لنأتِ في وقت آخر. اليوم يجب أن نذهب لخياطتنا.”
أي إنها لم تكن تملك الوقت.
ولم يكد يلوح على وجه ثيو تعبير غريب حتى اختفى سريعًا.
وحين التفتت إيزابيلا التي كانت منشغلة بتأمل ما حولها، لم تلحظ شيئًا من ذلك وسألته بلهجة يملؤها القلق:
“أليس الأمر شاقًا؟ ألا تعاني من نقص في المال لإعادة الإعمار؟”
ثم أضافت:
“ولا تواجهون مشكلة في التصاريح، أليس كذلك؟ أول أمس حين تحدثت مع أخي قال إن الأمور بخير، لكن من يصدق كلامه!”
فقال ثيو بدهشة:
“أول أمس؟ هل التقيت جلالة الإمبراطور؟”
“لم ألتقه مباشرة، فقط تواصلنا عبر بلورة الاتصال لبعض الوقت.”
“بلورة الاتصال… فهمت.”
“كثيرًا ما تظهر قضايا تحتاج التشاور فيما يخص الأكاديمية. ويبدو أن إطلاق مشروع كهذا وسط كل هذه الفوضى أثار ضجة ليس بين النبلاء وحدهم بل حتى في الدول المجاورة.”
ولأنها لاحظت أن ثيو ربما انشغل بفكرة اضطرارها للاتصال بهارسيز، أوضحت قائلة:
“لكن أخي يدير الأمر جيدًا، وذلك يسمح لي بالتركيز على جانب الإدارة، وهذا يريحني.”
كانت تطمئنه.
غير أن ثيو سألها بجدية، وكأنه لم يقتنع تمامًا:
“هل يواجهك الكثير من الصعاب؟ هل أساعدك؟”
فبادرت بالرفض:
“لا.”
ثم أكملت:
“تعرف أنني أريد أن أستغني تمامًا عن أي دعم خارج القصر الإمبراطوري. يكفي أن اللورد إدوارد واللورد جوشوا من الأعضاء المؤسسين، وهذا وحده جعل كثيرين يتذمرون من تسلل نفوذ الماركيز أكثر من اللازم.”
فهي كانت ترغب في إدارة الأكاديمية على أعدل وجه، لذلك لم يكن بوسعها تجاهل تلك الاعتراضات.
“وأنا نفسي كنت يومًا روحانية تابعًا لبيت الماركيز ماكا، فلا يمكن القول إن اعتراضهم باطل تمامًا.”
إدخال أبطال الحرب الممسوخين أساتذة في الأكاديمية هدّأ الاعتراضات قليلًا، إذ لم يكونوا منتمين لبيت الماركيز بل إلى قوى مختلفة.
“حتى اللورد كارتر وضعه ملتبس.”
فقد كان ذات يوم اليد اليمنى لفايتشي، ولهذا أبدى البعض ريبتهم، غير أنه خان سيده وانضم إلى صف إيزابيلا، فهناك أيضًا من يصنّفه في صف الماركيز.
“رغم أنني أحرص في التعيينات على مراعاة الكفاءة وحدها والتمسك بجوهر التعليم فإنني لا أستطيع تجاهل توازن القوى كليًّا.”
قالت ذلك وهي تزفر بعمق، تعيد شرح ما يعرفه ثيو أصلًا، وإن لم تفضِ بكل ما في صدرها.
“أنا أحاول تهدئة اعتراضات الجميع قدر الإمكان، لكن الوضع متأرجح قليلًا.”
لقد استقطبتُ مؤخرًا ساحرًا عصيّ التصنيف؛ فلا هو تابع للإمبراطورة السابقة ولا للمملكة، ولا يمكن ردّه إلى أي فصيل بجلاء. ومجرّد وجوده يكفي لزعزعة التوازن الدقيق القائم زعزعةً عنيفة.
فلو تدخل ثيو في الأمر وهو من يعتبر جزءًا من نفوذ بيت الماركيز، بل أكبر منهم في نظر البعض لانهار ذاك التوازن الهشّ الذي جهدت في الحفاظ عليه.
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 143"