نهضت كاساندرا وهي تهز كتفيها بضيق، ثم فتحت درج مكتبها وأخرجت حزمة أوراق سميكة وقدّمتها لإيزابيلا.
‘صحيح أنني مجرد مديرة في القافلة التجارية، لكنني في النهاية ابنة باتوكا. فإذا منحتكِ قرضًا أو دعمًا ماليًّا، فإن مشروعك النزيه والعادل منذ بدايته سيتشوّه.’
‘كما توقعت… آه.’
‘لذلك استخدمي أموالك الخاصة.’
‘ماذا؟’
‘امسكِ، استخدمي أموالك.’
‘لكنني لا أملك ما يكفي… ما هذا؟’
مدّت يدها بتردّد، وحين قلبت إيزابيلا الأوراق التي سلّمتها لها كاساندرا، اتسعت عيناها دهشة.
‘هذا ما كسبتِه من مشروعاتك حتى الآن، وما ستكسبينه لاحقًا. لم تقتصري على أدوات الأرواح فقط، بل لكِ عشرات الاستثمارات الأخرى، أليس كذلك؟’
وكان المبلغ المدون يفوق حتى ما اغتنموه من خزائن المملكة القديمة. مبلغ كهذا يمكن أن يشتري مملكة بأكملها.
‘أ-أهذه كلها أرباحي؟!’
‘الأعمال ما زالت في طور النمو. وفي غضون عامين أو ثلاثة ستتضاعف عدة مرات. عندها سيكون لديك ما يكفي لتسيير الأكاديمية بلا صعوبة.’
‘لكن إن لم تكن المشاريع قد نضجت بعد، فمن أين جاء كل هذا المال؟’
كان جواب ذلك عند كاساندرا.
‘ألم تطلبي مني إدارة أموالك؟ لقد استثمرتها قليلًا.’
كانت هذه هي قوة الاستثمار.
فغاص فم إيزابيلا دهشة وهي تحدّق بها.
‘اطمئني، لقد أخذت أتعابي، وما ترينه هنا كله مالكِ. بل هناك مبالغ أخرى مجمّدة تعادل هذا المبلغ، إن احتجتِ أخبريني لأستردها وأعيدها إليك.’
‘شان…! أنتِ… أنتِ حقًّا…!’
‘ماذا؟ هل تأثرتِ؟ أجل، لا بأس بالاعتراف أنني بارعة.’
‘شكرًا لكِ! أحبكِ!’
‘اوف! ابتعدي عني أيتها المزعجة!’
كانت تعرف أن كاساندرا بارعة في إدارة المال، لكن لم يخطر ببالها أنها بهذا القدر.
‘متى استثمرتِ بكل هذا؟ لم أكن أعلم شيئًا!’
تساءلت في نفسها: هل حصل شيء مماثل في حياتها السابقة؟ كانت كاساندرا تاجرة ماهرة، لكن لم تسمع يومًا أنها امتلكت ثروة بهذا الحجم.
‘بصراحة، كان لكِ يدٌ في الأمر.’
‘لي؟’
‘نعم، هناك شيء من هذا القبيل.’
فأثناء مناقشة مشروعات مختلفة معًا، اكتشفت كاساندرا أن إيزابيلا تملك إدراكًا مذهلًا لمستقبل السوق. فكلماتها العابرة كثيرًا ما تتحقق بالحرف.
لذا جازفت كاساندرا باستثمار أموالها استنادًا إلى تلك التلميحات، وكانت النتيجة في كل مرة نجاحًا يفوق الخيال.
وهي إذ تجهل أن إيزابيلا تعرف المستقبل حقًا، رأت فيها بصيرة عجيبة تستحق الإعجاب. ولهذا بادرت باستثمار أموالها الخاصة معها.
“بما أنكِ تقولين ذلك بثقة، فلن ألح بالسؤال أكثر. الإلحاح قد يبدو وقاحة.”
ابتسم جوشوا مجددًا، وقد اعتاد على رسم الابتسامة بإتقان، معلنًا أنه يثق في كلامها بعد أن رأى ثقتها التي لا تهتز.
“إذن، فلنرَ الآن…”
وقبل أن يفتح دفتر ملاحظاته لترتيب المواعيد التالية، دوّى طرق على الباب.
“يا صاحبة السمو الدوقة، وصل خطاب من القصر الإمبراطوري.”
ناولهم الخادم ظرفًا فخمًا مزخرفًا. وبفضل الخاتمين الكبيرين الممهورين عليه، لم يحتاج أحدٌ إلى فتحه كي يعرف محتواه.
“أول حفلة راقصة منذ مراسم التنصيب إذن.”
“من يدري ما الذي سيحدث هذه المرة… أشعر بالحماس منذ الآن.”
لقد كانت دعوة لحضور حفلة خطوبة هارسيز.
***
كااانغ! كااانغ!
تردّد صوت اصطكاك السيوف تحت سماء صافية، وتبعته نسمات عليلة ورذاذ ماء متلألئ.
“سيلَايم، حلقْ عاليًا!”
“إيلَايم، إلى أسفل قدميه!”
أطلق نسر الرياح عاصفةً أربكت سيف ثيو، فيما قيد إيلايم قدمي ليكاردو.
تصادمت سيوف الرجلين وأرواحهما مرات عدة، حتى بدا أن النزال حُسم في لحظة.
كااانغ! هوووش!
لم يحسن ثيو صدّ ضربة ليكاردو التي اندفعت من أسفل، فسقط سيفه من يده. وخطفه سيلايم من الهواء بسرعة.
سارع إيلايم إلى الملاحقة، لكن نصل ليكاردو كان قد وصل بالفعل إلى صدر ثيو.
“لقد… خسرت.”
“هاه، وأنت تعلم أنني لا أحب مثل هذه الانتصارات، فلماذا فعلت ذلك؟”
نقر ليكاردو بلسانه وضَمّ سيفه إلى غمده.
ولأنه كان خصمًا يتدرب معه دائمًا على فنون السيف والأرواح، لم يكن من الصعب أن يدرك أن أسلوب ثيو اليوم مختلف.
قال ثيو مسرعًا ليدفع عنه سوء الظن:
“لم يكن ذلك عن قصد.”
قال ثيو لتوضيح سوء الفهم:
“فقط…”.
“أنتَ تفكر في شيء آخر؟ إن كان الأمر كذلك فهذا أشد إزعاجًا لي، أأنا إذًا خصم مملّ في المبارزة؟”
“…….”
كان صمت ثيو اعترافًا ضمنيًّا.
“آه… ألا يمكنك أن تتلقّى هذه المزحة كمزحة وحسب؟ تجعلني أنا وحدي أبدو كالرجل السيّئ.”
ضغط ليكاردو على جبهته بضيق وقد صار كأنه المتذمّر الوحيد، فيما كانت سيلف بجواره تلوّح بذيلها محدثة نسيمًا عليلًا يُلطّف من عرق الاثنين.
“إذن، ما الأمر هذه المرّة؟ ماذا قالت لك إيزابيلا؟”
ارتجف كتفا ثيو عند السؤال.
“……كيف عرفت؟”
لم يذكر قط أن شرود ذهنه كان بسبب إيزابيلا، فهل سمع شيئًا آخر من أحد؟ لكن بالطبع لم يكن الأمر كذلك.
“أي هاجس آخر في هذا العالم يمكنه أن يزعزع سيفك بهذا الشكل سوى إيزابيلا؟”
لم يكن سوى أنّ ثيو رجل يسهل فهمه.
حكّ ثيو مؤخرة عنقه بخجل وتردّد قليلًا قبل أن يختار كلماته بحذر:
“موعد الزواج تأجّل مرة أخرى.”
“آه، هذا فقط.”
هزّ ليكاردو رأسه مستنكرًا تأخّره في إدراك هذا السبب البسيط.
“ظننت أنّ في الدوقية أمرًا جللًا.”
“لماذا تقلق بشأن هذا؟ تلك الفتاة نقلت حتّى عاصمة الدوقية لتكون أقرب إليك.”
وكان ليكاردو مقتنعًا أنّ ما يشغل بال ثيو الآن هو من أتفه ما يمكن. فالتفكير في قائمة العشاء لليلة سيكون أكثر نفعًا من هذا الهمّ.
“لكن مرّت أربع سنوات منذ الخطوبة.”
“تعلم أنّ خطوبات النبلاء قد تمتدّ لأكثر من عشر سنوات. ثم إنك مشغول بإعادة بناء بيت الدوقية، وإيزابيلا مشغولة بأمور الدوقية، فماذا بوسعكما أن تفعلا؟”
“…….”
“ارخِ ملامحك. تلك الفتاة ليست من النوع التي تتركك وتذهب لتصنع ثنائيًّا مع رجل آخر.”
“يا صاحب السمو.”
“أوف! ألم أقل لك أن تأخذ كلامي كمزاح؟”
رمق ليكاردو صديقه بامتعاض وهو يطلق تنهيدة، وقد بدا وكأنه يطلق غضبًا وغيظًا متخيّلًا من خصم وهميّ.
“ثم كفّ عن تلك ‘يا صاحب السمو’. أيّ دوق في الدنيا يُخاطَب ماركيز بلقب السمو؟”
“……أخي.”
فمنذ أن صار ثيو دوق لُويد، وليكاردو لا يكفّ عن محاولة منعه من مناداته بلقب “صاحب السمو”. لكنها عادة متأصّلة تظهر أحيانًا رغمًا عنه.
حتى بعد هذا التصحيح، ظلّ فكر ثيو غارقًا في إيزابيلا. عندها أطلق ليكاردو زفرة طويلة وقال:
“لو كان الحبّ مرضًا، فأنت حالتك متقدّمة.”
“…….”
“إن كان ينهشك هذا القلق، فاستغلّ الحفل الراقص لتقول لها بوضوح: لنثبت الموعد، فقد طال الانتظار.”
“الحفل الراقص…….”
“نعم، حفل خطوبة هارسيز. ستذهب إليه برفقتها، أليس كذلك؟”
فالدعوات لم تُوزَّع بعد على نطاق واسع، ولم يطلب أحد الشريكة رسميًّا. لكن من غير الممكن أن يذهب ثيو بغير إيزابيلا، والعكس كذلك.
“بالمناسبة يا ثيو، ما دمنا نتحدث عن الحفل…”
ارتشف ليكاردو من كأسه، ثم رفع حاجبيه وكأنه تذكّر أمرًا.
“هل تعرف الرقص أصلًا؟”
“……إن لم أرقص، فلا بأس.”
عندها شهق ليكاردو مذهولًا.
“وهل يُعقَل؟! أنت دوق الإمبراطورية، وشريكتك دوقة الدوقية وواحدة من أكثر الشخصيات جذبًا للأنظار، بل الأميرة الخفية ذاتها!”
“حتى في حفل تتويج جلالة الإمبراطور لم أرقص.”
“ذلك كان تتويجًا، والأمر مختلف.”
فالحفلات الراقصة تختلف أجواؤها باختلاف الغاية منها. ففي حفل النصر أو التتويج يكون التركيز على الفوز أو الخلافة.
أما هذه المرة فهو حفل خطوبة، فتكون الأنظار منصبّة على الحبّ والشركاء وربما الغيرة والعلاقات الخفيّة.
ومن الطبيعي أن يتوقّع الجميع رؤية رقص إيزابيلا وثيو معًا، والوفاء بهذا التوقّع واجب على أيّ نبيل رفيع.
“لا، لا بدّ من ذلك. سنبدأ بتعليمك الرقص.”
“لا حاجة.”
“مستحيل. أترضى أن تجرّ على نفسك فضيحة؟”
“هل الرقص مهم لهذه الدرجة؟”
“بالطبع. كم من المعاني تُحمل داخله!”
فالرقص ليس مجرّد حركات، بل يرمز إلى المكانة والنفوذ، ويعكس المعرفة بالآداب والفنون، وله أبعاد خفيّة لا تحصى.
“لكن إن أبيت، فتذكّر إيزابيلا. أنت تستطيع أن ترفض، أما هي فلا. إن لم ترقص أنت، فستضطر هي أن ترقص مع آخر.”
وما إن أنهى كلماته حتى اقترب كبير الخدم وأحنَى رأسه.
“يا صاحب السمو، لقد حضرت دوقة إلادور.”
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 142"