قيل إن الزمن في عالم الأرواح لا يتناسب طرديًا مع زمن البشر. فقد تعادل بضع دقائق ليلةً كاملة، وقد لا يمر حتى جزء من الثانية.
ظلت إيزابيلا تتأمل في فايتشي وهو يضحك ضحكة مرعبة وسط ألسنة النار المتأججة. ثم رفعت بصرها إلى إغنيس الذي كان يثور وهو محاصر في قبضته.
مدّت يدها ببطء.
“في البدء كان السواد والبياض، فامتزجت بهما قوى العالم والطبيعة…”
لكنها قطعت ترنيمتها. لم يكن سوى ترديد بلا معنى.
“إغنيس.”
توقف إغنيس عن صخبِه ونظر إليها.
يقال إن الإنسان يرى بحسب ما يعرف، وعندما التقت عيناها بعينيه، أدركت إيزابيلا شيئًا ببطء:
إغنيس لا يثور فقدانًا للعقل، بل لأنه غارق في قوة مفاجئة لا يطيقها، ولا يعرف كيف يتصرف معها
“تعال. لنعقد عقدًا.”
وبمجرد أن ابتسمت قائلة ذلك، اندفع إغنيس نحوها. لكن لم يكن هناك هجوم ولا ألم.
كوواااااانغ!
وقع انفجار هائل حولها فتطاير الغبار، وسرعان ما انتشر مع الريح ليبتلع النار من كل صوب.
النيران التي كانت تندفع عشوائيًا لفرط القوة غير المنضبطة، عادت كلها لتتركز في نقطة واحدة. وفي وسطها كانت إيزابيلا.
وانقشعت النيران كأنها لم تكن قط.
“م- ماذا…!”
ارتبك فايتشي وهو الذي كان يظن النهاية قريبة ويرقص من النشوة حتى لم يعد يشعر بالألم. فما الذي يحدث؟
دق، دق، دق—
الأرض أخذت تهتز ببطء كنبض قلب.
وتماشياً مع ذلك النبض، كانت الهالة النارية التي تحيط بها تكبر ثم تنحسر في دورة متواصلة.
القوة التي تفجّرت منها كانت أعظم من أي روحانية عُليا رآها من قبل.
“آه…”
تسلّل تنهيدة خافتة من بين شفتيها.
“إذن حين أعقد عقدًا مع روح يلتهم قوة ليست له… تصير تلك القوة ملكًا لي.”
همست بذلك وكأنها تذكر أمرًا عابرًا، ففغر فايتشي فاه من الذهول.
رفعت عينيها نحوه وهي تبتسم ابتسامة باردة:
“قوتك كلّها صارت لي.”
فإغنيس بعد أن امتصّ قوة فايتشي، نفخها كاملة في جسدها.
ولم تكن قوته وحده، بل كل القوى التي تسرّبت في المكان. صارت قوتها الآن أضعاف ما كانت.
لتثبت ذلك، نقرت بإبهامها ووسطاها.
“تك!”
ومع الصوت تجسّد حولها كلٌ من كلاي وإيفريت.
واحد، اثنان، ثلاثة…
ابتداءً من كلاي عقدها الأول، ثم تزايد العدد.
حتى إن فايتشي تراجع للخلف من شدة الذهول.
سبعة، ثمانية…
ولم يتوقف الأمر. فسقط منهارًا في مكانه.
قبل قليل منعت النشوة عنه الإحساس بالألم، أما الآن فالصدمة والرعب هما ما حجبا عنه الإحساس.
“اثنا عشر؟”
ابتسمت إيزابيلا وهي ترى ستة من كلاي وستة من إيفريت مصطفّين أمامها. ومع ذلك بقيت الطاقة تتدفّق في جسدها بلا نهاية.
“ما هذا… عليّ أن أشكرك إذن؟”
فبفضله، حين استخدم الثمرة على إغنيس ونقض العقد، صار الأمر على هذا النحو.
غير أنّه لم يحسب حساب أن الليلة كانت ليلة درب التبانة.
حتى إيزابيلا نفسها ما كانت لتتخيّل، لولا أنّها انجرفت لتوها إلى عالم الأرواح.
“مستحيل…! كيف يكون هذا ممكنًا!”
صرخ صوته وقد غلظ بعد أن تكدّس في رئتيه دخان كثيف.
أما هي، فنظرت إليه ببرود وجسده يذوب، وقد أكلت النار شعره وثيابه وجلده.
وأطرافها تتلألأ: ذهبية من تراب الأرض عند قدميها، وحمراء من نار متقدة على ذراعيها.
“خطتك لتلتهب وتعود من جديد قد انهارت. فما العمل؟”
كان شعورها وكأنها جاءت لتطوي صفحة من الماضي، فإذا بها تبتلع الماضي كله وتستوعبه.
“فلننهي هذه الصلة البغيضة أخيرًا.”
وما إن نطقت حتى تقدّمت الأرواح العليا الاثنا عشر بخطوات مدوية نحوه.
اشتعلت النيران العظمى من جديد لتبتلعه، تلاها صراخه الممزّق، ثم ارتفعت موجة من التراب كالطوفان لتطمر كل شيء.
ظلت إيزابيلا تتابع المشهد بلا انفعال، ثم رفعت وجهها إلى السماء. وكان اليوم صافياً مشرقًا.
****
كانت أجواء الإمبراطورية احتفالية.
فالحرب التي ظنّ الناس أنّها ستطول انتهت سريعًا بانتصار ساحق.
والبطلة التي صنعت النصر لم تكن سوى الروحانية الأشهر بين العامة هذه الأيام: إيزابيلا.
لكن الأفراح لم تقف هنا.
الإمبراطور استيقظ.
وإن كان لا يزال طريح الفراش ضعيف الجسد، إلا أن مجرد استعادته وعيه كان حدثًا جللاً.
غير أنّ البهجة لم تحجب الهمسات.
‘سمعت أن الذي حمى الروحانية إيزابيلا كان من نسل دوق لويد.’
‘ويقال إنه أنقذها من خطر داهم!’
‘أيها الحمقى، هذا ليس المهم. الأهم أن الدوق لويد اتضح أنه لم يكن سوى ضحية لمكيدة الإمبراطورة السابقة!’
ترددت القصص في الأسواق، منها ما هو صحيح ومنها ما هو إشاعة.
لكن ما اتفقت عليه الألسن كلّها أنّ الناس رحّبوا بعودة بيت الدوق لويد.
‘طبعًا، فما من نبيل مثله نزاهة وفضلًا.’
‘هاه، أراك الآن تقول هذا، بينما كنتَ فيما مضى تحذرني من ذكر اسمه!’
‘كان مجرى الماء في قصر الدوق لويد بديعاً حقاً، تُرى هل سنراه من جديد؟’
مثل هذا الحديث كان يُسمع في كل حانة من حانات الإمبراطورية.
كان أمراً سارّاً، غير أنّ إيزابيلا لم يكن لها وقت للاهتمام به، إذ كانت منشغلة بأمور أخرى.
قال الإمبراطور بعد أن أفاق:
“اقتربي منّي.”
كان قد استمع إلى تقرير هارسيز بكل ما جرى، وأول ما فعله هو أن طلب لقاء إيزابيلا.
وبالأحرى، طلب لقاء كلٍّ من إيزابيلا وثيو معاً.
وبينما كانا يسلّمان فايتشي المقبوض عليه إلى هارسيز، ويستعدّان لإقامة حفلة نصر، إذا بهما يُستدعيان على عجل.
لم يتوقعا أن يطلب لقاءهما قبل أن يتعافى تماماً، فالأمر بدا غريباً، خصوصاً وأن علاقته بالإمبراطورة أوفيليا لم تكن على ما يرام قبل سقوطه.
تهيّأت إيزابيلا بأفضل هيئة وتوجّهت للقائه، لتجد في عينيه نظرة حانية.
وعندما اقتربت منه امتثالاً لإشارته، مدّ يده ومسح خصلات شعرها برفق كأنه يريد أن يتأمل ملامحها أكثر.
قال بصوتٍ خافت:
“إنك تشبهينها.”
فأجابت مترددة:
“تقصد… والدتي؟”
“نعم.”
أخذ يتفحّص وجهها مليّاً، بينما تسلل إليها شعور غريب؛ أيمكن أن يكون هذا الرجل حقاً أباها؟
ذلك الوجود الذي لم تنله حتى في حياتها السابقة صار الآن حقيقة ملموسة أمامها.
قال وهو يسترجع الماضي:
“في ذلك اليوم الذي اعتقد فيه الجميع أنني وقعتُ ضحية التسميم… لم أكن أنا المصاب بالسم، بل أوفيليا.”
اتسعت عينا إيزابيلا دهشة، فذلك خبر لم تسمعه قط.
اتكأ الإمبراطور على وسادته وتابع:
“تشاجرنا. على كلٍّ، كان الشجار بيني وبينها أمراً معتاداً. أحياناً يكون مجرد مشاحنة بين عاشقين، وأحياناً خلافاً حاداً. لكننا كنا نعرف كيف نحلّ خلافاتنا دائماً.”
تنهد ثم أكمل:
“غير أن ذلك اليوم كان مختلفاً. كنا على خلاف شديد بسبب الثمرة.”
ارتجف كتفا إيزابيلا عند سماع الكلمة.
“هي أرادت التخلص منها خوفاً من خطرها، وأنا كنت أصرّ على استعمالها لمصلحة الإمبراطورية. فجوة لم يكن بالإمكان ردمها.”
“وأثناء نقاشنا، أخبرتني أنها اختفت، وأن أحداً ما سرقها.”
ابتسم ابتسامة باهتة:
“لم أصدّقها. ظننت أنها تخفيها وتكذب علي لتمنعني من استخدامها. ففتشت غرفتها، وانتهرتُها، ولعلّ الحرس خارج الغرفة لم يسمعوا سوى ذلك.”
سكت لحظة ثم قال:
“كنتُ غاضباً، فشربت كوبها دون تفكير.”
كانت أوفيليا لا تشرب الخمر، فإذا اجتمعا شرب هو النبيذ وشربت هي الشاي.
لكن في ذلك اليوم وقد علاه الغضب، وجد الشاي أهون من الخمر. وهكذا شربه، وكان ما كان.
“لابد أنها شربت منه أيضاً، لكن ربما لأنها سيدة أرواح الأرض، أو لأنها شربت أقل مني، تأثر مفعول السم عندها ببطء أكبر.”
وعندما أدركت أنها مستهدفة، جمعت قواها وذهبت إلى الدوق لويد طلباً للنجدة.
“جيرميان خبأها في عربة وأخرجها من القصر، أجل. فهذا ما يفعله هو.”
عالجها بقواه الشفائية، وخرج بها من البلاط.
وعندما جاءته تنزف دماً، علم في الحال أن الأمر يتجاوز مجرد حادث عابر.
“أما بعد ذلك… فالحق أنني لا أذكر بوضوح. ذاكرتي ضبابية.”
إذ كان قد وقع تحت تأثير السحر، متأرجحاً بين وعي ولا وعي، حتى انهار في النهاية ودخل غيبوبة.
“لكن ما اتضح لي فيما بعد… أنّه كان وقت احتفالات مرور سبعمائة عام على الإمبراطورية، وكانت وفود الملوك والرؤساء قد اجتمعت هنا.”
قال ثيو بصوت متحفظ:
“إذن… كان الأمير هيليبور حاضراً.”
أجاب الإمبراطور:
“أجل.”
ولهذا أتيح لهم أن ينسجوا السحر عليه بسهولة.
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 137"