“أنتم… وأن يكون المرء معكم، ذلك شيء ثمين إلى حد الجنون… حتى إذا أفقت لنفسي وجدتني قد صرتُ في موقع المغفَّلة.”
قال إدوارد وهو يتمتم:
“قلتُ لكِ أن تلغي هذه الكلمة…”
ثم أدرك شيئًا فجأة فهتف:
“سيدتي، لقد قلتِ الآن…!”
فقطعت كلامه بصرامة:
“إن تجرأتَ وقلتَ سيدتي مرة أخرى فسأصفعك.”
هددته إيزابيلا بنبرة تكاد تعضّ فيها أسنانها، لكن وجه إدوارد ازدان بابتسامة مبهجة.
“بما أنكِ وصفتِني حتى بالمغفّلة، فلن أُبدي أي مراعاة بعد الآن. سأتفاخر بمهاراتي كما يحلو لي، وسأعتبر جسدي غاليًا ولن أقدّمه قربانًا، وسأعيش كأميرة بحق، من دون تردد أو ملاحظة ردود أفعال الآخرين.”
إلى أي مدى ستتمكن حقًا من الالتزام بكل هذا، ذاك أمر لا يُعلم.
غير أن الفرق كبير بين أن يدرك الإنسان حاله وبين أن يبقى غافلًا عنها. فالتغيير يبدأ منذ اللحظة التي يقرر فيها المرء أن يتغيّر.
ثم قالت بنبرة حازمة:
“سأهتم بنفسي وأحافظ على كل ما يخصني، فانتبه أنت أيضًا، ولا تدع نفسك تُستَغل، وإلا فلن ينفعك الندم!”
أجابها إدوارد بفرح، كأنه كان ينتظر هذه اللحظة طويلًا:
“أمركِ، يا صاحبة السمو!”
“فلننطلق إذن. لا بد من الإيقاع بذلك اللعين فايتشي.”
وبينما خرج ثيو من الخيمة بعدما أنهى حديثه مع ليكاردو، خطت إيزابيلا نحوه، ولحقها إدوارد وهو يصفّر مبتهجًا.
لكن من فوق الأشجار، كان ثمة اثنان آخران يراقبان ما دار بينهما.
قالت كاساندرا:
“لم نتعمد التنصّت.”
لقد اعتادا كلما أرادا الحديث أن يجلسا معًا على غصن شجرة ويتبادلا الكلام. فحدّثا نفسيهما بالحديث هناك، لكنهما التقطا ما دار بين إيزابيلا وإدوارد.
حكّت كاساندرا صدغها وهي تحدّق في ظهر إيزابيلا المبتعد:
“على الأقل… من حسن الحظ أنها قررت أخيرًا أن تمنح نفسها بعض الحب.”
لقد لاحظت كاساندرا أيضًا أن إيزابيلا كانت تعامل نفسها بقسوة بالغة.
فقال دايفيد:
“صاحبة السمو الأميرة تستحق أن تُكرّم وتُصان.”
فأجابته كاساندرا ساخرة:
“حتى أنتَ يا من يُضرب بك المثل في الجمود تقول هذا؟ إذن الأمر محسوم.”
وافقها دايفيد الرأي. ثم قرّر الشقيقان أن يحتفظا بما سمعاه سرًّا، قبل أن يهبطا من فوق الشجرة.
***
سأل ليكاردو وهو يرمق إدوارد بوجه متجهم:
“ما باله يبتسم من الأذن إلى الأذن هكذا؟”
فأجابته إيزابيلا:
“لأني وافقت أن أخاطبه بلهجة غير رسمية.”
“آها.”
أومأ ليكاردو متفهمًا، مع أنّ الأمر بدا له تافهًا ليكون سببًا في ابتهاج كهذا. لكن إيزابيلا، بعد ما دار بينها وبين إدوارد، لم تستغرب.
ثم سألها:
“وعن ماذا طال حديثكما إذن؟”
كانت خطة العملية قد عُرضت على الجميع، لكن ليكاردو استدعى ثيو على انفراد بحجة أن بينهما ما يُقال.
فطرد حتى جوشوا ودايفيد، فما الذي بقي ليُقال سرًّا؟
قال ليكاردو:
“سأخبركِ لاحقًا.”
ولمّا حاولت إيزابيلا استنطاق ثيو، اكتفى بابتسامة رقيقة وهو يربّت على رأسها، في إشارةٍ أن لا تسأل أكثر.
فتملّكها الفضول، لكنها أمسكت نفسها ولم تُلح.
قال ثيو وهو يومئ:
“المهم الآن ذاك الذي جاء مباشرة بعد وصولي.”
لقد كان كارتر، الذي كان من المفترض أن يمكث في العاصمة مع سارا، قد أتى إلى هنا.
وبدا أنه استعجل الأمر كثيرًا حتى إنه استأجر من نقابة باتوكا تعويذة نقل بعيدة المدى.
قال كارتر بجدية:
“حين انتقل فايتشي إلى المملكة، كنتُ أتوقع أن تلحق به الآنسة إيزابيلا يومًا ما، فقررتُ إن سنحت الفرصة أن أبلغها بأمر مهم.”
“ما هو؟”
“الأمر يخصّ الساحر.”
ما إن قالها حتى تجلّت الدهشة على وجوه الجميع، وقطبت إيزابيلا جبينها.
“إنها تلك الشعوذة الغريبة التي أصابت الدوق لويد وأمرضت جلالة الإمبراطور نفسه.”
قالت إيزابيلا:
“صحيح، وأنا أعلم ذلك جيدًا.”
فقد عانت منها بنفسها، فسعت لتعرف حقيقتها.
قال كارتر:
“وبما أنّ هذه المعرفة اقتصرت على الإمبراطورة والأمير وفايتشي، فالمرجّح أن السحر من صُنع أحد المقربين للإمبراطورة نفسها…”
وكان كارتر يعرف أنّ فايتشي لم يكن يصطحب الساحر معه، فاستبعد أن يكون بين حاشيته. ربما كان أمير هيليبور، لكن بالنظر إلى أنه استغلّ الطريقة نفسها ضد ثيو، فالمرجح أنه شخص أقرب.
إذ لم يلتقِ الأمير وفايتشي لقاءً جادًا إلا في حفل الصيد أول مرة.
ثم تابع كارتر:
“كما تعلمون، لقد كانت جلالة الإمبراطورة تدعم برج السحر.”
فقال ثيو:
“أتعني أنّ أحد أولئك السحرة؟!”
لكن كيف يجرؤ ساحر من برج الامبراطورية على أن يوقع السحر حتى بالإمبراطور نفسه؟
قال آخر:
“لو خططوا لأمر كهذا… ربما كانوا مستعدين منذ البداية للتخلي عن الإمبراطورية.”
قال كارتر:
“المشكلة أن عدد من وفدوا إلى الإمبراطورة من برج السحر كان كبيرًا جدًا.”
فسأل ثيو بدهشة:
“أتقصد أنّهم ربما كانوا أكثر من واحد؟”
فأجاب:
“وفوق ذلك، كان دعمها موزعًا بين كثيرين، فلا سبيل للتيقّن.”
قال دايفيد:
“لكن جميعهم من برج السحر، أليس كذلك؟ ربما يكون رئيس البرج نفسه، فلا يقدر على مثل هذا السحر المعقد إلا هو.”
إذ كان السحر من أعتى فنون السحر القديم، غاية في الدقة والتعقيد، فلا يُعقل أن يتناوب عليها عدد من السحرة.
فقال أحدهم:
“صحيح أنّ سحرة البرج تميزوا بالبراعة….”
وإن كانوا الآن قد لجؤوا إلى المملكة، إلا أنّه لا ينكر أحد مكانتهم.
عقّب كارتر بنبرة حاسمة:
“لكنني أرجّح شيئًا آخر، وأردت أن أشارككم به.”
سأله ثيو:
“ومن تظنّه إذن؟”
فقال كارتر:
“أظن أنّه لم يكن من برج السحر أصلًا.”
“……؟”
ألم نكن نتحدث عن ذلك الآن؟
“أظن أنهم استعانوا بساحر من مملكة أخرى عن طريق الأمير.”
“أي إنّ الإمبراطورة التقت الساحر عبر الأمير، ثم التقى به فايتشي من خلال الإمبراطورة؟”
“نعم.”
يا له من عدد مبالغ فيه من الوسطاء.
“أقول هذا لأن الأمير كان دائمًا بصحبة ساحر محدّد.”
“هل رأيته؟”
“كنت أعمل تحت فايتشي، وأؤدي كذلك بعض المهام للإمبراطورة. لم يخطر لي أبدًا أن يكون بين الأمير والإمبراطورة أمر من هذا النوع…….”
وبينما بدا الأمر غبيًّا أن يكون قد رآه عن قرب ولم يدرك شيئًا، حكّ كارتر مؤخرة عنقه في حرج. لكن كيف كان بوسعه أن يكشف سرًّا أخفوه بهذا الإحكام؟ حتى إيزابيلا نفسها لم تدرك ذلك إلا في حياتها السابقة بعد أن انتهى كل شيء.
“هل تذكر ملامحه؟”
“لم أمعن النظر فيه، لذا قد لا تكون ذاكرتي دقيقة، لكن…….”
قال بتردد:
“كيف أصفه؟ كان شكله عاديًّا أكثر من اللازم.”
ثم أخرج الرسمة التي أعدّها رسّام نقابة باتوكا، وما إن وقعت عينا إيزابيلا عليها حتى أفلتت ضحكة صغيرة منها.
“الآن فهمت…… ما قصدك بقولك إنه عادي.”
ملامح يمكن أن تراها أينما كان.
“على أية حال، يجب أن نمسك به.”
إلقاء القبض على الساحر هو السبيل لإنهاء الأمر.
صحيح أنّ أحد الحلول لفكّ السحر هو أن يفعل المسحور كما فعل ثيو وينزع كل طاقته الروحية، لكن الطريقة الأبسط والأسرع كانت إمّا أن يبطله الساحر بنفسه أو أن يُقضى عليه.
“جلالته لا يقوى الآن على كسر السحر.”
فالإمبراطور ما زال واقعًا تحت تأثيره.
إلقاء السحر ابتداءً يستلزم وجود الساحر قرب الضحية، لكن بعد ذلك لا يعود للبعد أي تأثير. تلك كانت أبرز نقطة فارقة عن فنون استحضار الأرواح.
تأملت إيزابيلا الرسم الموضوع على الطاولة وهي تنقر عليها بأطراف أصابعها.
“جوشوا.”
“نعم، أستمع.”
“حين نقتحم القصر، أيمكن أن أعهد إليك بمراقبة هذا الرجل حتى لا يفرّ؟”
“بالطبع، فليطمئن بالكِ.”
“أكثر ما أخشاه أن يستغل الفوضى ويختفي.”
“حسنًا.”
كان قرارها صائبًا، إذ لا يستطيع جوشوا بقدراته تحمّل وطأة المعركة الأمامية، لكن سرعة بديهته وحسن تقديره للمواقف جعلت منه الأنسب لتلك المهمة.
ناولته الرسمة، ثم أدارت بصرها في الحاضرين، فإذا بهم جميعًا يتطلّعون إليها منتظرين توجيهها.
“فلنذهب إذن. لنقبض على ذلك الوغد.”
فارتسمت على وجوههم ابتسامات متحفّزة، وساروا خلفها بخطى ثابتة.
***
انفتحت أبواب قلعة مملكة هيليبور بسهولة. ارتبك الفريق للحظة، لكنهم سرعان ما شقّوا طريقهم حتى القصر الرئيسي، وهناك فوجئوا بمنظر أربكهم أكثر.
“أهلاً بكم. لقد كنت بانتظاركم.”
كان الأمير جالسًا على العرش، تحيط به ثُلّة من النبلاء، يستقبلهم بوجه تملؤه الثقة.
مسحت إيزابيلا القاعة بنظراتها.
“أخفيتَ فايتشي إذن.”
“لا يمكنني أن أقدّم ابني العزيز بهذه السهولة، أليس كذلك؟”
“ولهذا قررتَ أن تضحي بنفسك؟”
“أليس رائعًا؟ أب يضحّي بنفسه من أجل ابنه.”
“وهل تظن أنّ موتك سيُنقذه؟ لن ينال العرش أصلًا.”
“أتقلقين عليّ؟”
ضحك الأمير بخفوت.
“لا تقلقي. لقد رتّبت كل شيء مسبقًا.”
وأشار إلى النبلاء من حوله.
“لقد وافقوا جميعًا على تتويجه.”
“…….”
أحقًا؟ في هذه المرحلة؟
يا له من إجماع يصعب تصديقه.
“فالخلافات دائمًا ما تنتهي بالاتحاد.”
أي هراء هذا؟
“لكن بالطبع هناك شرط.”
ارتسمت على وجه إيزابيلا ابتسامة ساخرة ضيّقت بها عينيها.
“ها قد بدأنا.”
“الشرط أن أُنهي أمركم هنا.”
“هاه.”
لم تستطع منع ضحكة مقتضبة منها. أي شرط هذا؟ أي عبث.
‘ما الذي يدبّره؟’
كان هذا الرجل لا يقل مكرًا وجبنًا عن فايتشي. استحالت قراءة نواياه.
‘هل ينوي نسف القصر بأكمله؟’
احتمال وارد. ففي غمرة انشغالهم هنا يمكن أن تُشنّ هجمة كاسحة.
لكن وجود النبلاء معه في القاعة بدا متناقضًا. فهم لم يأتوا ليلقوا حتفهم معه.
مهما يكن ما يُخطّط له، فقد كانت إيزابيلا مستعدة لمواجهته.
“تظن أنّك بإبعاد الفرسان عنك ستنجو؟”
شدّت قبضتها وهي تتهيأ لاستحضار الأرواح كلها دفعة واحدة.
فمنذ دخولها القصر كانت قد أزالت القيود عن طاقتها الروحية، والأمير يعرف أنّه لا يملك وسيلة لصدّها بعد الآن.
“أرِنا إذن ما عندك.”
“قَيّدوا الأمير!”
“اقبضوا على الجميع!”
وما إن أنهت جملتها حتى دوّى صوت ثيو وليكاردو صارخَين.
***
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 132"