ردّ ليكاردو بصوت هادئ، لكن فايتشي لم يغفل القبضة المشدودة من القلق الخفي.
كان قد شعر بالاختناق بعدما اضطر إلى البدء من الصفر عند قدومه المفاجئ إلى المملكة، غير أنّه حين أمسك بليكاردو انقلبت الموازين.
وكان ذلك الغنيمة التي سقطت بين يديه، فاستقبلها فايتشي بارتياح.
قال مبتسماً:
“هل أجرب أن أتنبأ لك بنبوءة؟”
“……”
“أخي الأكبر سيقاوم ويصرّ على ألا يسلّمني الأميرة. لكن كلما فعل ذلك، سأستخدمك للضغط عليه. أبدأ بخفة بشعرك مثلاً، ثم أنتقل إلى أصابعك، كيف ترى ذلك؟”
كان يلمّح بتهديده إلى أنّ حياة ايكاردو بين يديه.
“سيكون أمامه خياران لا ثالث لهما، إما أن ينهار عقله تماماً بين رغبته في حماية الأميرة وبين إحساسه بأنه دفع بصديقه المقرب إلى الجحيم بيديه. وتخيل معي كيف ستهتزّ الإمبراطورية حينها.
أو أنّه سيختارك في النهاية ويتنازل عن الأميرة ويسلّمها إليّ. على أي حال، هو لا يكنّ لها حباً حقيقياً.”
المعنى كان واضحاً: ولي العهد الذي يتأثر بالعاطفة قد يختار ليكاردو ويضحي بإيزابيلا.
وكلا الاحتمالين كان وبالاً على ليكاردو؛ لم يستطع تقبّل أن يرى هارسيز ينهار بسببه، ولا أن تقع إيزابيلا بين مخالب هذا الرجل.
ابتسم فايتشي وأردف وهو يطوي ذراعيه ويمسّد ذقنه:
“طبعاً، هناك احتمال ثالث. وأرى أنّه الأرجح.”
“……”
“سيضعون خطة لإنقاذك، يا صغيري الماركيز.”
لكنّه مال برأسه وقال ساخرًا:
“وماذا عساه أن يفيد؟ حتى لو جاءت تلك المستحضرة العليا للأرواح، فالوصول إلى هذا القبو مستحيل. أتذكر الألغام التي أصابتك؟ إنها مبثوثة في كل مكان.”
ارتجف بصر ليكاردو.
ألغام تستشعر حتى الأرواح غير البشرية، تنفجر فتُرغم الروح على الارتداد، وتصيب المستحضر نفسه.
ولم يكن ذلك وحده، فهناك أجهزة أخرى تعيث فساداً في الأرواح ومستحضريها.
منتجات نموذجية لمملكة دأبت على قمع المستحضرين.
ولهذا السبب عجز ليكاردو، رغم كونه مستحضراً أرواح عُليا، عن مقاومتها وسقط أسيراً.
وقد يلقى مصير الكونت موتكان الذي أُرغم على الارتداد ولم يستطع بعدها استحضار أي روح عليا.
‘لا تأتوا… أرجوكم.’
ابتهل فيكاردو في قلبه بحرارة. كان يعلم أنّ فايتشي ينتظر قدومهم.
إن خطوا إلى هنا ووقعوا في الفخ لن تكون هناك نجاة.
‘كفاني أن أكون الأسير الوحيد. سأتحمل كل شيء وحدي، فقط… لا تأتوا.’
لكن دعاءه لم يُستجب.
دمدمة… دمدمة…
ارتجت جدران السجن وصدى ارتطام ثقيل دوّى.
“هاه، أكانوا أسرع مما توقعت؟”
ارتسمت ابتسامة على شفتي فايتشي.
“يبدو أن لغماً قد انفجر. تُرى إلى كم واحد ستصمد له تلك المرأة؟”
“لا… لا يمكن…”
خرج الارتجاف من بين أسنان ليكاردو رغماً عنه، واشتدت قبضتاه المقيدتان بالأصفاد.
دويّ آخر أعنف جعله يشحب وجهه.
“أترى، هل جاء الدوق لويد؟ أم الأميرة نفسها؟ شخصياً، أتمنى الثانية.”
لكن ليكاردو بخلاف كلماته كان قد أدرك في أعماقه أنّ القادمة لا بد أن تكون إيزابيلا.
يعرف طبعها، ويعرف كيف يتصرف رفاقه.
ثم إن كان الهدف إنقاذه، فلا أحد أنسب من مستحضرة الأرض.
اهتزّت الصخور وتساقط الغبار من السقف مع امتداد الموجة الزلزالية حتى القبو.
ضحك فايتشي وقد لمعت عيناه بجنون:
“أخيراً سأرى ذلك الوجه يتلوى تشويهاً؟”
كانت ملامحه المشبعة باللذة أقرب إلى مسخ منها إلى بشر.
“أيها الصغير، أما تضحك أن—”
دوّيٌ صاخب قطع كلماته، إذ فُتحت بوابة الحديد بعنف.
توقف نفس ايكاردو والتفت كلاهما.
“أسرع مما توقعت…! همم؟”
لكن الذي اندفع نحوه لم يكن إيزابيلا بل أحد خدمه مسرعاً.
“سيدي الأمير!”
تشبث به وهو يلهث:
“يجب أن تهرب فوراً!”
“ماذا؟ ما الأمر؟ أتخاف من بضع مستحضري أرواح تسللوا؟”
“مستحضِرون؟! عن ماذا تتحدث…؟”
ثم دوّت أصوات وهتافات مدوّية من خلف الباب.
صرخ الخادم وقد استعاد رشده:
“لا وقت للجدال! عليكم الاختباء حالاً! لقد اندلع تمرّد!”
“ماذا…؟”
انعقد حاجبا فايتشي.
إذن، أولئك الذين تسللوا لم يأتوا للإنقاذ؟ ليست هي إذن؟
“العبيد انتفضوا دفعة واحدة! القصر من الداخل في فوضى!”
“ألم تُسيطروا عليهم؟”
“القيود التي تتحكم بالعبيد تحطمت كلها فجأة! يبدو أن بعض النبلاء المتمردين ساعدوهم!”
وما كان لأحد أن يتحرر منها دون يدٍ خارجية.
“وكأنّ ذلك لم يكفِ، فهناك مجانين يزعمون أنهم من سلالة الملك يقودون عصبة من الثوار، وقد سيطروا الآن على البوابة الجنوبية!”
عبيد ثائرون، ونبلاء متمرّدون، ومهووسون يسمّون أنفسهم ثواراً…
أدرك فايتشي متأخراً أن الحديث عن الإنقاذ لم يعد في أوانه.
“تبّاً لهذا البلد اللعين!”
شتم وهو يندفع مع خادمه، حتى إنّه لم يغلق باب الزنزانة جيداً.
كما ترك الحراس أماكنهم جميعاً، نصفهم فرّ، ونصفهم الآخر استُدعي لمواجهة الفوضى.
فجأة، وجد ليكاردو نفسه وحيداً في زنزانة خلت من كل أحد.
تشتت فكره.
‘لم تكن…إيزابيلا؟’
وما إن همّ بأن يطمئن نفسه، حتى دوّى صوت الباب وهو يُفتح صريراً—
ارتفع من جديد صوت فتح باب الحديد.
ظنّ ليكاردو أنّه الحارس العائد، لكنه فوجئ بوجه آخر تماماً.
“أوه، الباب مفتوح! لا حاجة لكسره.”
“إ… إيزابيلا؟!”
دخلت بخطوات هادئة، مبهورة قليلاً بكون الباب لم يُغلق، وما إن رأت ليكاردو حتى ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيها.
“كيف… جئتِ؟”
“الحديث لاحقاً.”
قاطعت كلماته بسرعة وحطّمت قضبان الزنزانة، ثم قطعت الأصفاد التي كبّلته بالجدار.
“هيا بنا!”
“انتظري… لا أدري كيف وصلتِ، لكن إن تبعتك فسوف نقع في الفخ لا محالة. سيتذرّع فايتشي بأنكِ هرّبتِني، ومن يدري ماذا سيفعل عندها…”
باغته الصمت فجأة. أدرك كم بدا كلامه واهناً ومثيراً للشفقة.
إيزابيلا التي كانت تنظر إليه لم تملك إلا أن تضحك بهدوء.
تذكّرت لحظة ماضية من حياتها السابقة:
‘إن كُشف أنّ صغير الماركيز ساعدني على الهرب، فماذا سيحلّ ببيت ماركيز ماكا؟’
حينها انقلبت الأدوار رأساً على عقب.
الذكرى التي كانت جحيماً في حياتها السابقة باتت الآن تثير ابتسامتها، فأدركت أنّها مثلما تغلّب ثيو على صدمته، وإدوارد على ماضيه، فهي الأخرى بدأت تشفى تدريجياً.
ابتسمت لهمسها إلى من أنقذ حياتها يوماً:
“فليجربوا ما شاؤوا.”
لقد انسكب الماء ولا عودة. ثم إن فقد ليكاردو، فلن يبقى لدى فايتشي أي ورقة رابحة.
“ثم إنني خبيرة في الهروب من السجون.”
أمسكت بمعصمه وسحبته للجري.
وما إن خرج حتى أبصر ليكاردو الفوضى التي عمّت أرجاء القصر.
“قائد! من هنا!”
لوّح إدوارد بيده وهو ينتظرهم.
“إدوارد… حتى أنت؟!”
“سيدي ايكاردو، تستطيع امتطاء حصان بمفردك، أليس كذلك؟”
تفحّصه سريعاً ليتأكد من أنّه لم يُصب بأذى.
“أجل… أستطيع، لكن…”
ناولَه لجام حصان قويّ وهو يقول:
“اركبْ واتبعني.”
لكنهم لم يبتعدوا كثيراً حتى صرخ أحد فرسان المملكة وقد لمحهم وسط الفوضى:
“هناك! أمسكوا بهم!”
لم يعد يُعرف إن كانوا يطاردون ثواراً أم متمردين أم عبيداً هاربين، فقد بات كل من ليس من جنود المملكة عدواً.
“إلى الأمام يا إدوارد!”
“هيّا!”
انطلقت الخيول بثلاثتهم يقودهم إدوارد وتبعته إيزابيلا تحفّز ليكاردو الذي ما زال في ذهول.
“أمسكوا بهم!”
قهقهت إيزابيلا ساخرة:
“أهذا وقت مطاردتنا؟”
وما إن أنهت كلامها حتى انهالت حجارة المقاليع على الفرسان الملاحقين.
“آه! هنا أيضاً ثوار؟!”
تقابلت عيناها مع أحد الثوار الذين سدّدوا الضربة، فتبادلا إيماءة سريعة قبل أن ينصرف كلّ إلى وجهته.
لم يكن ذلك إلا فارساً من الوحدة الخاصة التابعة لبيت ماركيز ماكا.
تلك الوحدة لم تُنتقَ لمهارتها في القتال وحسب، بل لقدرتها على تنفيذ المهام السرية التي أوكلها لهم جوشوا خصيصاً.
‘أيُعقل أن أقتحم القصر بتهوّر؟ بالطبع لا. يعلم فايتشي أنني قادمة.’
هؤلاء الثوار الذين قادوا الشعب الغاضب إلى القصر.
وأولئك المتمردون الذين انخدعوا بكذبة سلالة الملك السابق.
والعبيد الذين تحرّروا فجأة من قيود السيطرة وتمرّدوا.
جميعهم كانوا في الحقيقة جزءاً من مهمة إيزابيلا السرّية بتنفيذ فرسان ماكا الخاصين.
‘وهل هذه أول مرة أهرب من سجن؟ ضربة واحدة من فايتشي كانت كافية.’
لكن الأحداث لم تقف عند هذا الحد…
– تبّاً! أعيدوا تنظيم فرسان الملك حالاً! جيش الإمبراطورية بدأ التوغل على الجبهة الشمالية الشرقية!
دوّى الصوت من بلورة الاتصال التي يحملها الفرسان المطاردون.
كان خبر تحرك ثيو.
– استديروا جميعاً فوراً… آهغ!
دووووم!
انقطع الصوت بانفجار مدوٍّ.
“اللعنة! والآن جيش الإمبراطورية أيضاً! لا شك أنّ المملكة هالكة!”
بينما يصرخ الفارس باليأس، كانت إيزابيلا وليكاردو وإدوارد قد أفلتوا من المطاردة، شاقّين طريقهم إلى الحرية بلا عائق.
****
باقي 9 فصول بكره باذن الله.
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 130"