لن أخدع مرتين [ الفصل 13 ]
“ هاه… سأجن حقاً.”
“ سيدي؟“
“ثيو … ربما …”
أمسك ليكاردو رأسه وكأن صداعاً مفاجئاً ضربه.
“ ربما… الرسائل التي كانت ترسلها تلك الفتاة، تُختلس في الطريق ولا تصل إليك.”
لم تكن سوى مجرّد فرضية.
لكن الرد الذي وصله كان مفاجئاً:
“ نعم، فكرتُ بذلك بالفعل.”
“ فكرتَ بالأمر؟ كيف… ؟“
لمعت عينا ليكاردو بدهشة؛ فحتى هو لم يتوصل لتلك الفرضية إلا بعد استلامه رسالة والدته… فكيف وصل إليها ثيو قبله؟
أجابه ثيو بنبرة يملؤها الانكسار:
“ منذ أن أصبحتُ مستدعي أرواح وبدأ يُطلق عليّ لقب بطل الحرب، ومنذ تعييني نائباً في وحدة سموّك، بدأت أستشعر أن عيوناً عُليا قد بدأت بملاحقتي.”
كان صوته يحمل طيفاً من الاستسلام.
“ ومن بين تلك العيون، لا شك أن هناك من لا يروق له وجودي.”
“…”
“ فكرتُ… إن أرادوا ضربي من نقطة ضعف، فمن أين سيبدأون؟“
عضّ ثيو شفته السفلى.
“ أظنهم سيلجؤون إلى إيزابيلا.”
كان وجهه ساكناً، لكن صوته غاص في دوامات من القلق والغضب.
“ ولذا كنت قلقاً جداً… خشيتُ أن يكون قد حدث شيء لدار الأيتام… أو لإيزابيلا نفسها.”
فرك وجهه بيديه، وكأن يحاول طرد ذلك الكابوس.
“ ورحتُ أرجو من كل قلبي أن تكون الرسائل فقط هي ما يُمنع من الوصول إليّ. لا شيء غير ذلك.”
لعل الرسائل اختُطفت، لا أكثر.
لعل إيزابيلا بخير.
لعلها تكتب له، لكن رسائلها تُمنع.
فلم تصدر أي صحيفة خبراً عن مكروه في بلدة كومّ أو ضواحيها. لذا ظل متمسكاً بالأمل.
الأمل مهما كان هشًّا فهو ما منع ثيو من الانهيار حتى الآن.
قال ليكاردو بأسى:
“ كان عليك أن تخبرني بهذا من البداية…”
ابتسم ثيو بخفوت، ابتسامة مزيجها الحزن والمرارة.
“ لم تصلني أي رسالة منذ ثلاثة أشهر.”
قالها بصوت بارد.
“ الجميع يواسينني أمامي… لكنني أعرف جيداً ما يُقال من خلف ظهري.”
تُرك وحيداً.
أحمق يثق في امرأة.
غارق في خيالات حب لن تعود.
“ ولو أخبرتهم أنني أظن أن الرسائل تُختلس… كيف كانوا سيفسرون ذلك؟“
لقد فقد عقله تماماً.
هرب من الحقيقة فبدأ يبتدع الأوهام.
تلك الهمسات وحدها كافية لأن تقتله ببطء.
“ أنا آسف.”
عض ليكاردو شفته السفلى، يقمع شعوراً جارحاً بالذنب.
أدرك أن ما يحدث سببه المباشر هو وجود ثيو بجواره، في هذا الموقع المرتفع.
“ بمجرد أن نصل إلى العاصمة، عليّ أن أرسل من يتقصّى حال تلك الفتاة ودار الأيتام.”
في الحقيقة، كان ليكاردو قد فكّر في ذلك منذ أن انقطعت الرسائل لأكثر من شهر.
لم يحتمل أن يرى ثيو يذبل يوماً بعد يوم.
لكنه تراجع.
في الخطوط الأمامية، كل تحركاته مرصودة.
ولو أرسل أحد رجاله للبحث عنها، لانتشرت الأخبار… وتحوّلت إيزابيلا إلى مادة دسمة في أفواه النبلاء.
“ فتاة يبحث عنها نائب الماركيز في وسط الحرب!”
حينها، لن يرحمها أحد.
أما في العاصمة، فهناك مجال للتحرك دون لفت الأنظار.
‘ لكن… هل يُعقل أن يكون فايتشي قد خطّط لهذا فعلاً؟‘
فكرة مبالغ فيها؟ ربما. لكن الآن ليس وقت الشكوك.
‘ أرجو فقط أن تكون بخير.’
فإن كان فايتشي قد وصل إلى إيزابيلا، فاختلاس الرسائل قد يكون أقل ما فعله.
تخيّل أسوأ الاحتمالات، لكن ليكاردو هزّ رأسه.
لا يمكنه الجزم بأي شيء قبل العودة.
‘ يجب أن أطلب من كاساندرا أن تبحث في الأمر.’
تذكّر صديقته القديمة، التي أصبحت قائدة نقابة خلال فترة غيابه في الحرب.
ما لم يكن يعلمه أن تلك “ الصديقة” نفسها قد أصبحت بالفعل أسيرة لنظرات إيزابيلا وسحرها.
***
في العاصمة.
دخلت إيزابيلا العاصمة برفقة الماركيز ماكا.
ولم تكن عائلة الماركيز وحدها؛ فقد توافد النبلاء من كل صوب لحضور مراسم النصر وحفل القصر.
وكان هذا الوقت أيضاً موعداً لانعقاد اجتماع جمعية مستدعي الأرواح، لذا وصل كبار النبلاء مبكرين للاستعداد.
وبشكل مفاجئ، أعلن ماركيز ماكا قراره برعاية إيزابيلا.
لقد صدّق كل ما قالته.
كانت إيزابيلا تظن أن أندريا، أي الماركيز، سيماطل أو يطلب شروطاً إضافية.
لكن قراره كان مباشراً وصريحاً، مما أدهشها.
فقد تبيّن أن الأمير فايتشي فعلاً قد زار كومّ خلسة، مما أعطى لمزاعم إيزابيلا مصداقية كبيرة.
لكن الماركيز لم يمنحها الدعم دون شروط:
“ عليكِ أن تحضري اجتماع الجمعية. أنتِ قلتِها بنفسك؛ هذا السبب الرئيسي لدعمي لكِ.”
كان الأمر أشبه بإنذار غير مُعلن: إن فشلتِ، قد تسحب رعايتنا لكِ.
رغم أن العائلة في أمسّ الحاجة لأي مستدعي، إلا أن هذا أظهر مدى يأسهم.
‘ الوضع أسوأ بكثير مما يظهر.’
أما داليان، فكان له رأي آخر.
“ لمَ لا ننتظر حتى نهاية الاجتماع قبل اتخاذ القرار؟ حينها، نكون قد عرفنا مستواها الحقيقي.”
شعرت إيزابيلا أنه لا يثق بها.
لكنه كان صريحاً أكثر مما ينبغي، وربما كان يريد اختبار ولائها أمام إغراءات النبلاء الآخرين، إن برزت كموهبة لافتة.
‘ لكن لا بأس… سأظل على طبيعتي، وسيرى الحقيقة عاجلاً أو آجلاً.’
ورغم كل ذلك، كانت إيزابيلا راضية؛ المهم أن رعاية الماركيز أصبحت واقعة.
وإن داليان الذي لم يصدقها الآن، فسيقتنع بمرور الوقت.
وحتى ذلك الحين، لا بأس ببعض المراقبة.
ولهذا خرجت إلى السوق اليوم، تتبعها خفية عيون داليان.
لكنها لم تنزعج؛ ففي حياتها السابقة، كانت تخضع لرقابة فايتشي بشكل دائم.
أما الآن، فقد خرجت لشراء هدايا.
هدايا لـثيو ورفاقه الذين قاتلوا معه طوال الحرب.
‘ إن لم تخني ذاكرتي، فسيقيم الماركيز مأدبة بعد حفل النصر مباشرة.’
لم تتلقَّ خبراً رسمياً، لكن كل المؤشرات توحي بذلك.
‘ أذكر أن فايتشي غضب حينها وقال إنها خطوة مستفزة.’
لكن لم تكن عائلة الماركيز الوحيدة التي تقيم ولائم مماثلة.
لطالما كان فايتشي يتحين الفرص للطعن بهم.
‘ حينها… سأراهم جميعاً. وسأراه هو.’
كان هذا هو السبب الأول لاختيارها الماركيز كراعٍ.
فوجود ليكاردو يعني وجود ثيو أيضاً.
وكانت تلك فرصتها الوحيدة.
فلو اختارت أسرة أخرى، لما سنحت لها الفرصة.
‘ كم مرّ من الوقت؟ عشر سنوات؟‘
منذ أن احتضنها ثيو آخر مرة، مرّ أكثر من عقد.
حتى رؤيته في الحلم جعل قلبها يرتجف.
فما بالك بلقائه حقيقة؟
بدأ قلبها يخفق بقوة فقط لأنها فكرت فيه.
أمسكت بصدرها محاولة تهدئته، ولكن دون جدوى.
‘ آه، كم أشتاق إليه…’
شهقت، ثم تمتمت:
“ اهدئي… تمالكِي نفسك.”
لكن ذلك الاشتياق لم يهدأ.
فاليوم، كان يوماً مهماً.
اليوم، ستشتري الهدايا لمن وقفوا مع ثيو.
أولئك الذين بفضل وفائهم ساعدوها في الهروب في حياتها السابقة.
‘ أود أن أقدّم لهم شيئاً جيداً…’
لكن المال لم يكن وفيراً.
ولو نجح مشروعها مع كاساندرا، فسيلتمّ المال، بل سيغمرها.
لكن الآن… هي شبه معدمة.
بدأت تستعرض الوجوه في ذاكرتها.
‘ من كانوا معه؟‘
كان هدفها مزدوجاً:
شراء الهدايا… ومعرفة من كان بينهم خائناً.
تلك الذكرى جعلت كل حماسها يبرد فجأة.
الآن، وقد وجدت موطئ قدم لها برعاية الماركيز، ووضعت حجر الأساس لمشروعها، واطمأنت على قدرتها كمستدعية أرواح…
حان الوقت للمرحلة التالية.
ضرب نفوذ فايتشي… لكن قبل ذلك، عليها أن تكتشف من خانهم؟
في حياتها السابقة، أحدهم طعنهم في الظهر.
‘ حتى أقرب الأصدقاء قد ينكسرون حين تواجههم الحقيقة القاسية…’
والدليل الوحيد لديها… ما قاله فايتشي:
“ مشاكل واقعية.”
مشاكل واقعية؟
إن كانت موجودة آنذاك، فستظهر مجدداً.
وإن عرفت ماهي، ربما استطاعت منع الخيانة من جذورها.
‘ هل كانت… المال؟‘
ــــ
ترجمة : سنو
الحسابات صارت تنحذف من الواتباد ، وإذا مالقيتو حسابي لا تلوموني فهذول الكوريين يحذفونها ، فمنشان هيك تعو تيليجرام عامله جروب انشر فيه الروايات ملفات وإذا انحذف حسابي مراح ارجع له.
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل : https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 13"