ابتسمت إيزابيلا ابتسامة ساخرة عند الخلاصة الموجزة التي نطق بها جوشوا.
“صحيح. يكفي أن نرى أنّ الأمير قد أعان الإمبراطورة على إشعال الحرب، بل وحاول تسميم الإمبراطور، لندرك الأمر بوضوح.”
لقد تخلى الأمير عن مملكته منذ زمن بعيد.
“وبعد أن بذل جهده في قتل الملك نفسه، لمَ يعقّد الأمور إلى هذا الحد؟”
“لأن موت الملك لا يضمن أن يصبح هو الملك التالي.”
ذلك لأنه لم يكن الابن الشرعي للملك، بل بدأت الأصوات تعلو بوجوب تنصيب أحد الفروع الحاملة لدم العائلة الإمبراطورية.
“ووقوع العصيان يزيد الأمر بديهية.”
فالنبلاء يتجادلون فيما بينهم بلا توقف، فيما عامة الشعب قد حملوا السلاح وقاموا بالثورة.
لقد ضاقوا ذرعًا بالقمع والضرائب الباهظة حتى قبل اندلاع الحرب، فلما جاءت الحرب فوق ذلك لم يعودوا قادرين على الاحتمال.
“إمّا أن يثبت أنه أحقّ بالحكم من خلال صدّنا وإخماد كل شيء، وإمّا أن نموت جميعًا معه، أليس كذلك؟”
“أجل.”
“إنه مجنون حقًا.”
هزّت إيزابيلا رأسها استنكارًا لاختيار الأمير هيليبور.
قال ثيو وهو يراقبهم عبر منظار طويل:
“لا يبدو أنه ينوي المبادرة بالهجوم.”
وكما قال، فقد شرعوا بدلًا من ذلك بإنزال أمتعتهم ونصب الخيام.
“هذا خير لنا إذن.”
ابتسمت إيزابيلا بهدوء وأطلقت قدرتها على التوافق.
[اخرجوا جميعًا.]
ظهروا النووم من كل الجهات وقد كانوا متخفّين، وتلقّوا الصورة التي رسمتها إيزابيلا في ذهنها.
[استعدوا. تحركوا بسرعة، اجعلوا صفكم مستقيماً.]
فانغمر النووم جميعًا في باطن الأرض، وشارك عدد من المولدِن في العمل معهم.
ولاحظ ثيو بدوره حركة الأرواح، فاستدعى إيلّايم وعددًا من أونديني.
[كونوا مستعدين للتحرك في أي وقت.]
فلوّح إيلّايم بذيله بخفّة متجهًا عبر الأسوار إلى الغابة حيث تقع البحيرة. أما الأونديني فقد توزعن في المجاري المائية والخزّانات تحت الأسوار وفي باطن الأرض.
قالت إيزابيلا وهي تخاطب جوشوا ودايفيد وإدوارد:
“إن طال القتال فالكفة لصالحنا في النهاية. وسأترك إصدار التعليمات العسكرية لكم.”
أومأ الرجال الثلاثة موافقين.
لكن قبل أن ينزلوا إلى أسفل الأسوار، التقطوا فجأة حركة في معسكر العدو.
دو دو دو— فوااا!
أطلق السحرة نيرانًا هائلة متتابعة، فشكلوا حائطًا من اللهب بين معسكرهم والأسوار.
“ما هذا؟ أهو استفزاز؟!”
كان إدوارد أول من صرخ، وسرعان ما تبعته ردود فعل الجنود.
“آه… كما توقعت، إنهم السحرة.”
“يبدو أن عددهم ضخم!”
“لقد جلبوا حتى سحرة برج الإمبراطورية معهم…”
ارتجف الجنود قليلًا من استعراض القوة ذاك.
فأصدرت إيزابيلا صوت امتعاض وهي تضغط لسانها بأسنانها:
“هذا أمر مزعج.”
ورفعت يدها لتتدخل، غير أنّ ثيو قبض على معصمها بقوة.
“لا داعي للرد على استفزازهم.”
فمن الواضح أنهم يقصدون إثارة الخصم، وأيّ ردّ مباشر لن يكون إلا انجرارًا إلى فخهم.
“يبدو أنهم يريدون إنهاكنا بلا طائل.”
“هذه معركة معنويات أيضًا، لا يمكن أن نسمح لجنودنا بالتراجع قبل أن تُشهر السيوف.”
عند كلماتها فكّر ثيو قليلًا ثم أطلق معصمها، ومدّ هو الآخر يده إلى الأمام.
“إذن فالأجدر أن يكون الردّ حاسمًا لا متردّدًا.”
“أتفق معك.”
ابتسم الاثنان لبعضهما ابتسامة صغيرة، وفي اللحظة نفسها انطلقت طاقتهما الروحانية من أطراف أصابعهما.
ووووووم—
فإذا بإيلّايم يتضخّم حتى صار أضعاف حجم الأسوار، ثم اندفع بسرعة هائلة لا تليق بضخامته نحو النار.
كان ينفث الماء من أنفه فيغمر معسكر الإمبراطورية، وحين بلغ ألسنة اللهب فتح فمه على اتساعه.
فابتلع النار في بطء وهدوء كما لو كان يلتهم عوالق البحر، يلوّح بذيله ويمحو النيران تمامًا.
فما لبث أن التهم وحده ذلك العمود الناري العظيم الذي صنعه السحرة بمجهود مشترك.
لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد.
“بوووو!”
فقد تقدّم كلاي الضخم أيضًا حتى وقف أمام الأسوار، وهو يضرب الأرض بقدميه غضبًا، وكأنه يتحدّاهم أن يقتربوا.
وزئيره المدوّي الذي يوحي بأن نفخة من أنفه تكفي لنسف الأسوار دوّى حتى اقشعرت منه الأبدان.
وبينما فغرت أفواه الجنود دهشة، زاد إدوارد الموقف إثارة إذ صاح بصوت قوي:
“هاهاها! أتظنون أن لعبكم الصغير بالنار يصلح لعرضٍ في سوق القرية؟!”
كان صوته جهوريًا أصلًا، فكيف وقد شدّد نبرته، حتى دوّى صداه في المعسكر كله.
“هلمّوا إذن يا خونة!”
“وااااه!”
استعاد الجنود معنوياتهم سريعًا تحت حماية هذين الروحيين العظيمين.
“ما دام القائدة ونائبها بيننا، فالنصر مضمون!”
وارتفعت الهتافات تمجّد تثو وإيزابيلا، فيما تجاوب كلاي بالضرب على الأرض، وإيلّايم برشّ الماء.
أما معسكر المملكة، فلم يُبدِ أي ردّة فعل.
***
لم يكن النوم بالأمر الهيّن وجيش العدو ماثل على مقربة. حتى مع تقدّم الليل، ظلّ القادة عاجزين عن إغماض أعينهم.
وفيما كان الحُرّاس على الأسوار في غاية التوتر، رفعت إيزابيلا رأسها عن الخريطة المحلية التي كانت تراجعها.
“إنهم يتحركون.”
لقد أرسل عدد من نووم المزروعون حول معسكر العدو إشارة.
كانت المسافة الفاصلة بين معسكرهم والأسوار أقلّ من اتساع العاصمة الإمبراطورية نفسها،
وهذا ما جعلها في متناول قدرات إيزابيلا.
صحيح أنّ العدو جلب معه أجهزة لتعطيل قدرات التوافق تحسّبًا لها، غير أنّها بدورها كانت قد زرعت مسبقًا أدوات مضادة للتشويش.
لقد أعدّ كلا الجانبين دفاعاته الأساسية وحواجزه، لكن لم يستطع أيّ منهما أن يعزل تمامًا عيون الآخر وآذانه.
قال أحدهم:
“هجوم في مثل هذا الوقت؟”
فأجابه جوشوا مستغربًا من استغرابه:
“بل لِكونه هذا الوقت بالذات.”
ثم أضاف:
“إنهم يعرفون أن إيزابيلا هنا، والليل الذي يحجب الرؤية ميزة لنا.”
ذلك لأن إيزابيلا قادرة على استشعار حركة الأرض بوضوح.
لكن ثيو علّق:
“صحيح إن نظرنا للأمر من زاوية القائدة فقط، لكن إن حسبنا حساب الجنود كلهم فقد يكون الليل في صالحهم لا في صالحنا.”
فأوضح:
“كما قال جوشوا، القتال ليلًا يمنح اليد العليا للسحرة القادرين على الرؤية الليلية، أكثر من الجنود العاديين.”
عندها نهض الجميع متّبعين إيزابيلا.
تقدّم دايفيد وإدوارد أوّلًا ليجهّزا الجنود، بينما صعدت إيزابيلا والبقية إلى أعلى الأسوار.
كان الليل قد أرخى سدوله، غير أنّ ضوء القمر ونيران معسكر العدو جعلا الظلال المتحركة واضحة بما يكفي.
قالت:
“لا بد أنهم قدّروا أننا نفتقر إلى ساحر للنار.”
فلو كان بحوزتهم أمير في مستوى وليّ العهد، لأمكنه تحويل الليل نهارًا بلهب الأرواح، فلا معنى لاختيار هذا الوقت.
أصغت إيزابيلا إلى الذبذبات الصاعدة من الأرض، ومن خلالها قدّرت حركة العدو.
“السحرة في الصف الأمامي، والقوة المشاركة لا تتعدى خمس الجيش تقريبًا.”
أما البقية فقد انسحبوا إلى المؤخرة.
“كأنهم يجسّون الحدود التي يمكن أن نبلغها.”
فبعد مشهد الأرواح العليا في النهار، شعروا أنهم نصبوا معسكرهم أقرب مما ينبغي.
قال ثيو باستغراب:
“انسحاب تكتيكي؟ بهذه السرعة؟”
فتفحّص المنسحبين عبر المنظار جنديًا تلو الآخر، ثم هزّ رأسه.
“كلّهم مسلّحون.”
فتنبّهوا للحيلة:
“إنهم ينقسمون إلى فرق.”
قالت إيزابيلا بحزم:
“فلنمضِ بالخطة الثالثة.”
فأومأ ثيو موافقًا.
هبط جوشوا مسرعًا لينقل القرار، وفي تلك الأثناء صعد دايفيد بعد أن أنهى تجهيز الجنود.
“هل أنتم مستعدون؟”
“نعم.”
“ابدأوا.”
بأمرها، مدّ رماة السهام على الأسوار أقواسهم، وكل سهم منه& كان مجهزًا بأداة روحية صغيرة.
رفعت إيزابيلا يدها إشارة إليهم وانتظرت.
وحين بلغ أحد سحرة العدو أسفل البوابة، لوّح بعصاه.
كوووم!
ارتطم سحره بالبوابة فدوّى صوت عظيم.
“واااه!”
وفي اللحظة نفسها، رفع الجنود سلالمهم وأسندوها للأسوار، ثم تعالت صيحاتهم.
اندفعوا صاعدين بسرعة هائلة، وما إن بلغوا منتصف الطريق حتى انطلقت إشارة إيزابيلا.
“أطلقوا!”
انطلقت السهام، وما أن بلغت السماء حتى انفجرت أدوات الأرواح المثبّتة عليها.
بووم! بووم! فششش—
اندمجت النيران ببعضها حتى تضاعفت، ثم اقتحمتها بضع من ارواح الرياح التي استدعاها دايفيد.
ورغم أنها كانت أرواحًا دنيا، إلا أنّ نفَسها البارد أجّج ألسنة اللهب فجعلها أعظم.
في لحظات، تحوّل الليل الحالك إلى نهار ساطع.
وصار في الإمكان رؤية المهاجمين على السلالم، بل وحتى القوات المنسحبة في المؤخرة.
قالت إيزابيلا بنبرة واثقة:
“حتى بلا ساحر نار، يمكننا أن نستعين بنار الأرواح.”
لقد سبقت عصرها بعشرة أعوام على الأقل في صناعة الأدوات الروحية، وكانت قد أعدّت مسبقًا مجموعة كاملة لهذا النوع من المواقف.
صرخ ثيو متولّيًا القيادة:
“الدفعة التالية! أطلقوا!”
أُطلقت السهام مجددًا، وهذه المرة كان على كل سهم أَداتان.
تمتمت إيزابيلا:
“إن جئتم، فلتأتوا دفعة واحدة.”
انطلقت السهام، فانفجرت أولى الأدوات مُطلقة العاصفة.
دفعت الريح السهام أبعد بكثير من مداها الطبيعي، حتى بلغت قوات العدو في المؤخرة.
“أوقفوها!”
صرخ سحرة العدو، وأقاموا حواجز ريح ودروعًا سحرية.
فتحطّمت بعض السهام على الأرض قبل أن تخترقها.
كوووك! فششش!
لكن الثانية من الأداتين انفجرت لحظة اصطدامها بالأرض، مطلقة أعمدة من النار.
“اللعنة! إنهم يريدون إحراق المعسكر!”
فأسرعوا يستعملون سحر الماء، لكنهم عالقون في معضلة: إن صدّوا السهام سقطت في المعسكر، وإن تركوها تساقطت فوق رؤوس الجنود.
“اكسروا الأسوار!”
زمجر السحرة في المقدمة حين رأوا معسكرهم يحترق، بينما كان جنودهم قد شُغلوا للحظات بنيران الأرواح.
لكن الوقت كان قد فات.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات