لم يكن ضمن الخطة أن يزور قصر دوقية لويد، لكن العثور هناك على خاتم العائلة جعل الأمور تسير على نحوٍ أكثر سلاسة.
ظهور قيو أثار ردود فعل متباينة لدى رؤساء العائلات.
“في الحقيقة، منذ رأيته لأول مرة في حفل النصر خطر ببالي دوقة لويد.”
بعضهم لم يتفاجأ عندما سمع الشائعات، إذ سبق أن راودته فكرة ‘لعلّه هو’ مرة على الأقل.
وكان واضحًا أيضًا سبب عدم اقترابهم منه حتى ذلك الحين:
“لقد رأينا أطفالًا يشبهونها كثيرًا من قبل، وكل مرة تتحطم الآمال التي عقدناها، لذا طوينا الفكرة جانبًا…”
لكن لم يكن الجميع مثلهم في تقبّل ثيو.
فبعضهم عدّ كلامه محض كذب.
“كيف لي أن أصدقك؟ هناك أيضًا إشاعات تقول إنك حاولت الاعتداء على ولي العهد، أليس هذا مجرد وسيلة للهرب من تلك التهمة؟”
وفي بعض الأحيان، كان من الصعب التمييز بين من يختبره وبين من يرفض تصديقه بالفعل.
عندها كان قيو يُظهر خاتم العائلة. غير أنّ من عقد العزم على عدم تصديقه لم يقتنع لمجرد رؤية الخاتم.
“وما أدراك أنه لم يسرقه؟”
ما أقنعهم في النهاية كان قوله إنه سيعود إلى القصر الإمبراطوري لرفع الظلم عن عائلة لويد.
“لقد عشت متخفيًا طوال هذا الوقت، فما الذي يدفعني الآن للكشف عن نفسي؟”
ثم أضاف مبررًا اختياره لذلك الطريق الصعب:
“لا يمكن أن أعيش مختبئًا مدى الحياة إن أردت أن أعيش كإنسان بحق.”
فإن لم يكن هو بالفعل وريث عائلة لويد، فما الداعي لتحمّل كل هذا العناء من أجل كذبة؟
أما الرؤساء الشباب الذين لم يعرفوا الدوق السابق جيدًا، فقد رحّبوا به بدورهم.
“أعلم أن عائلتنا وخصوصًا والدي، تلقى منكم عونًا كبيرًا.”
كانوا قد سمعوا الحكايات منذ أيام أسلافهم.
“كان يقول دائمًا سيأتي يوم نرد فيه الجميل، وها هو اليوم قد جاء بالفعل.”
وهكذا نجح ثيو في إقناع الجميع وجمع شملهم مرة أخرى.
صحيح أن بعضهم ظل يشك فيه، لكن الغالبية آمنت بأن عائلة لويد ستنهض من جديد.
قال ثيو:
“كنت أنوي أن أطلب منهم الاحتفاظ بأي أدلة قد تكون لديهم، وأطلب دعمهم بعد تبرئة اسمنا للشروع في إعادة البناء.”
فإن حاول ثيو رفع التهمة، فلا شك أن من تبعوا عائلة لويد ستطالهم الشبهات أيضًا، ولذلك أراد أن يهيئهم للأمر.
غير أن ردّهم فاق توقعاته:
“لا يليق بنا أن نظل مكتوفي الأيدي.”
“قبل اثني عشر عامًا جرى كل شيء بسرعة فلم نتمكن من فعل شيء، أما الآن فالوضع مختلف.”
“يمكننا المقاومة، وتقديم العرائض، بل ورفع المطالب. لمَ لا نحاول في كل شيء؟”
وقد مدّوا له أيديهم معلنين استعدادهم لمساندته.
“يبدو أنهم ينوون تقديم عريضة جماعية.”
عقّبت إيزابيلا بابتسامة وهي تقول:
“ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ لو كنت تشبه الدوق السابق ولو قليلًا، فإنني أستطيع أن أتصوّر تمامًا أي شخص كان.”
حتى ما دوّن في السجلات القديمة بقصر دويتشلان كان يشي بطباع الدوق الراحل.
“لا شك أنهم كانوا ينتظرونك. ربما لم يصرّحوا، لكن لا بد أنهم تخيلوا هذا الموقف مرارًا وندموا أحيانًا واستسلموا أحيانًا أخرى.”
وأضافت:
“كما حدث مع الماركيز ماكا الراحل.”
أومأ ليكاردو برأسه موافقًا، وشعر في قرارة نفسه بأن الروابط بين الناس أمر غريب حقًا.
لم يحدث أن حدّثه والده عن عائلة لويد أبدًا، ولم يدرِ قط أن الدوق ترك لديه شيئًا يدلّ على صداقة قوية بينهما.
ومع ذلك دون علمه بكل ذلك، صار هو وثيو حليفين يثق كل منهما بظهر الآخر في ساحة المعركة.
تمتمت إيزابيلا بصوت خافت يحمل شيئًا من الانقباض:
“لقد مرّ والدانا بالكثير حقًا.”
ظلّ الجميع غارقين في أفكارهم إلى أن اقترب قائد الفرسان وقال بأدب:
“إن كان الحديث قد انتهى، فهل لي أن أصحبكم؟”
كان يقصد ثيو الذي سيُقتاد إلى جناح منفصل. بدا احترامه واضحًا، بخلاف ما كان عليه الحال مع الإمبراطورة وفايتشي، فهو الآن مجرد شخص تحت المراقبة لا أكثر، لا أسيرًا.
ثم تفرّقوا كلّ إلى وجهته.
***
حين دخلت إيزابيلا جناحها في القصر فوجئت بفخامته أكثر مما توقعت.
“من يراها يظن أنني صرت أميرة بالفعل.”
ابتسمت بخجل وهي تداعب عنقها، بينما تنهمك الوصيفات في خدمتها.
كانت قد اعتادت على تلقي الخدمة، غير أن الأجواء هنا أكثر بذخًا بما لا يقارن بما في قصر الماركيز.
قالت وهي تردّ الوصيفات اللواتي أردن حتى أن يسكبن لها النبيذ:
“سأتولى الأمر بنفسي.”
لكنهن بقين واقفات عند الباب، لا يغادرن الغرفة كما في السابق، بل يكتفين بالانتظار.
كان ذلك يزعجها قليلًا، غير أن طردهن لم يكن له مسوّغ، فتنهدت بخفة وهي تملأ الكأس.
وما إن تدفّق النبيذ الأحمر في الكأس حتى دوى طرق خفيف على الباب.
ذهبت إحدى الوصيفات لتتحقق، ثم قالت:
“إنه سمو ولي العهد.”
“سموه…؟”
لم يكن زائرًا متوقعًا، لكنها أشارت إلى السماح له بالدخول.
دخل هارسيز الغرفة، وسرعان ما أمر الوصيفات جميعًا بمغادرتها.
لم يترددن للحظة، بل خرجن جميعًا بخلاف إيزابيلا التي فكّرت قبل قليل في طردهن.
كان تصرفه مألوفًا بالنسبة له.
حين خلا المكان بهما، انحنت إيزابيلا أولًا وقالت:
“أحيّي الشمس الصغيرة للإمبراطورية. ما الذي جاء بسموك إلى هنا؟ لو استدعيتني، لجئت بنفسي كي لا تجهد نفسك.”
لكنه تمتم بصوت خافت وكأن كلماتها جرحته:
“لا داعي لأن تضعِي بيننا هذه المسافة…”
ارتعش صوته حتى كاد يبكي، فارتبكت إيزابيلا وقالت:
“أعتذر، لم أقصد إحداث مسافة بيننا…”
لكنها ازدادت حيرة، فما فعلت سوى أن حيّته كما ينبغي، فأي مسافة تلك التي يتحدث عنها؟
“لم أكن أعلم… أن لتلك السيدة طفلًا.”
نطق هارسيز بهدوء، ومع ابتسامته الخفيفة شعرت إيزابيلا بأنها أخيرًا تستطيع أن تطرح ما كان يدور في ذهنها.
“كنت أفكر في هذا من قبل… يبدو أن سموّك لا تملك سوى الذكريات الطيبة عن والدتي.”
وكان هذا يعني أنه لاحظ استخدامها للألفاظ الرسمية. ( يعني لازالت تتحدث معه برسميه رغم قوله لا يوجد داعي)
هزّ هارسيز رأسه موافقًا.
“لم يكن الأمر ليكون غير ذلك. فهي الوحيدة التي كانت تتحمّل تذمّري في هذا المكان القاسي.”
كانت هناك إمبراطورة، لكنها لم تكن أمًّا. أما أوفيليا فكانت له كالأم.
“صحيح أنّني تذكّرتُها حين رأيتك، لكنني ظننت أن السبب هو كونك مجرد مستحضرة أرواح الأرض مثلها.”
اقترب هارسيز منها، ثم توقّف على بُعد خطوة واحدة، ونظر إليها بهدوء.
“لم أكن أعلم أن لي أختًا صغرى.”
ارتجف قلب إيزابيلا بصوت عاطفي كهذا، ولم تدرِ كيف تردّ.
لم يخطر ببالها قطّ أن ولي العهد قد يُبدي مثل هذه المشاعر.
فمن الطبيعي أن يشعر بالتهديد، إذ ظهر فجأة دم إمبراطوري آخر، وربما يبذل كل ما بوسعه لئلا يُدخلها القصر.
لكن العكس حدث، فقد نظر إليها كما لو كان يلتقي شخصًا طالما اشتاق إليه.
حين علمت إيزابيلا لأول مرة باحتمال كونها أميرة، فكّرت قبل كل شيء في المشكلات والمصاعب التي ستترتب على ذلك.
أما فكرة أن يكون هارسيز أخاها بالدم، فقد خطرت في ذهنها عابرًا لا غير.
كل ما شعرت به هو المزيد من الأسى لأنها لم تتمكن في حياتها السابقة من إنقاذه، لكنها لم تشعر بالفرح أو الحنين قط…
“لم تذكر لي والدتي شيئًا عن هذا من قبل، لذا لم أكن أعلم.”
لكنها قالت ذلك بلطف، حتى لا تجرح مشاعره.
“ولم أكن أعلم أن لي أخًا أكبر.”
ابتسمت ابتسامة يخيّم عليها شعور غريب، فيما أطلق هارسيز تنهيدة طويلة وأطرق برأسه.
“سمعتُ أنكِ نشأتِ في دار للأيتام.”
“نعم، وقد أحبّت المديرة كل الأطفال كأنهم أبناؤها.”
“لكن الأمر يختلف عن العائلة الحقيقية.”
“… سموّك، ليس عليك أن تشعر بالذنب.”
استشعرت إيزابيلا نبرة انكسار في صوته، فبادرت لطمأنته برفق.
“الهروب كان قرار والدتي، وإخفاء الأمر عني كان قرارها أيضًا. لم يكن بوسعك فعل شيء حيال ذلك.”
“لو أثبتُّ لها أنني قادر على حماية أختي… هل كان سيختلف الأمر؟”
هل كانت أوفيليا لتثق به أكثر لو فعل؟ تساءل وهو يشيح بنظره، فاختارت إيزابيلا كلماتها بحذر.
“أظن أن المسألة كانت أعمق من ذلك قليلًا.”
فأوفيليا لم تكن لترغب أن تعيش إيزابيلا باعتبارها ابنة خائنة.
غير أنّ كلماتها لم تُفلح في مواساته.
“بل ربما رأت كيف أتعامل مع فايتشي، فأيقنت أنني لست جديرًا.”
“سموّك، هذا…”
“الإمبراطورة كانت تدفعني بعيدًا عنها بشدة.”
قاطعها هارسيز، وكأنه يبرر لنفسه.
“كنت سعيدًا حين سمعت بقدوم أختٍ لي، لكن الإمبراطورة كرهت تقاربي معها.”
وبما أنّ الإمبراطورة فعلت ذلك، فقد نشأ فايتشي وهو يبعده أيضًا. حتى صارا الأشقاء أسوأ من الغرباء، يتربّص كل منهما بالآخر لينهشه.
‘أتُرى كان السبب أنه ليس أخي بالدم؟’
أكان ذلك لأن الإمبراطورة عرفت أنّ فايتشي ليس ابن الإمبراطور؟ هكذا خطرت له الفكرة.
ثم أطلق تنهيدة خافتة.
‘كل هذه الأفكار عبث.’
فما جدوى ذلك الآن؟ لقد مضى الماضي، وها هما يقفان على هذا الطريق المعوجّ.
ساد الصمت بينهما.
“جئت فقط… إن كان لا بأس لديكِ، لنتحدث قليلًا.”
ألقى نظرة خاطفة على الساعة وأردف:
“لن أشغلك طويلًا.”
كأنه يخشى أن ترفض، لأنها لا ترغب في وجوده.
ابتسمت إيزابيلا وقد أدركت قلقه، وقالت بخفة:
“ليس لديّ سوى الوقت.”
ثم أعادت كوبًا مقلوبًا على الطاولة إلى وضعه الصحيح.
“أتودّ أن تشرب نبيذًا؟”
فالأمر كله كان معقدًا، وأدركت أن الحديث بعقول صافية سيكون صعبًا، لذا عرضت عليه النبيذ.
وافق هارسيز دون تردّد، وجلسا متقابلين وبينهما النبيذ، يتبادلان الحديث.
حديث طويل، كأنهما يحاولان استعادة الزمن المفقود.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 120"