هزّت الإمبراطورة رأسها جوابًا على كلام وليّ العهد وقالت:
“إنّه سوء فهم. تلك الورقة لم أكتبها أنا، ثم لا يوجد دليل على أنّها وُجدت في غرفة الأمير هيلّيبور.”
كانت تحاول بكلّ جهدها التملّص، لكنّ الأجواء في القاعة صارت مشبعة بالريبة تجاهها.
قالت إيزابيلا ببرود:
“إذًا كانت والدتي تعلم بسرّك، ولهذا ألصقت بها تهمة دسّ السّم وحاولتي قتلها.”
صرخت الإمبراطورة غاضبة:
“قلت لكِ كفّي عن هذا الكلام!”
تابعت إيزابيلا بلهجة حادّة:
“وهل لهذا السبب تخلّصتِ من أسرة الدوق لويد أيضًا؟”
اتّسعت عينا الإمبراطورة فجأة واحمرّ وجهها.
“لأنّهم كانوا يعرفون الأمر، فقرّرتِ طمس السرّ…”
“هراء!” صاحت الإمبراطورة لتقطع كلامها.
“الدوق لويد هو من اعتدى على جلالة الإمبراطور، ولهذا أُدين بالخيانة!”
ثم أضافت بصوت يرتجف من الغضب:
“لا أعلم شيئًا! ولا أدري ما الذي كانوا يعرفونه، ولا أفهم أيّ سرّ هذا الذي تهذين به!”
وفيما كانت متمسّكة بإنكارها، دوّى صوت رجولي قويّ في القاعة:
“لا، لقد كنتِ تعرفين.”
التفتت الأنظار كلّها نحو مصدر الصوت، فإذا بثيّو وليكاردو يدخلان القاعة.
كان الموقف محتدمًا إلى درجة أنّ أحدًا لم ينتبه لدخولهما حتى هذه اللحظة.
همس الحاضرون فيما بينهم:
“أهو حقًّا وريث أسرة الدوق لويد؟”
“لا يبدو شبيهًا بالدوق…”
“وهل الشبه هو المهمّ؟ إن كان الأمر صحيحًا فهو…”
تعدّدت الآراء عمّا إذا كان يجب اعتقاله أم لا.
بينما تتردّد الهمسات، تقدّم الرجلان حتى وقفا إلى جوار إيزابيلا.
قال ثيو وهو ينحني احترامًا:
“أعتذر عن التأخير يا سموّ ولي العهد.”
ثم أضاف ليكاردو:
“أقدّم تحيّتي لشمس الإمبراطورية الصغرى.”
أدّيا التحية معًا، ثم قال ليكاردو:
“بمجرّد أن وصلنا خبر الاستدعاء، انطلقنا على الفور لكنّنا وصلنا متأخّرين.”
أمر وليّ العهد ليكاردو بالجلوس، لكنّه لم يقل شيئًا لثيّو، بل ظلّ يحدّق فيه بصمت.
ثم قال بنبرة جادّة:
“في غيابك دارت هنا أحاديث كثيرة. أظنّ أنّ عليك تأكيد بعض الأمور.”
أجاب ثيّو بثبات:
“أصدر أوامرك.”
فأوجز وليّ العهد له مجريات الحوار التي جرت في القاعة، متعمّدًا إغفال رأيه الشخصي.
ثم سأله بصرامة:
“وما رأيك في مزاعم فايتشي؟”
جملة واحدة كانت كفيلة بجعل القاعة تغرق في الصمت، فيما ترقّبت العيون ردّ ثيو.
فمدّ يده وسحب الخاتم من إصبعه الصغير ووضعه على الطاولة.
كان ذلك كافيًا للإجابة.
فالخاتم يحمل شعار أسرة الدوق لويد.
قال وليّ العهد بصوت ثقيل:
“أتعلم ما معنى اعترافك بهذا أمام الجميع؟”
أومأ ثيّو برأسه:
“أدرك ذلك جيّدًا. لكن لأنّنا في مثل هذا المقام، أودّ أن أتكلّم. أرجو أن تمنحني الإذن.”
“تكلّم.”
رفع ثيّو رأسه وقال بثقة:
“والدي الدوق لويد، لم يدبّر أيّ خيانة.”
فبادرت الإمبراطورة بالردّ:
“لكنّ إصابة جلالة الإمبراطور كانت حقيقة يعرفها الجميع!”
لم يلتفت إليها ثيّو، بل واصل كلامه وهو يحدّق في وليّ العهد:
“من أطلق ارواحه أولًا كان جلالة الإمبراطور نفسه.”
قال وليّ العهد ببرود:
“أكمل.”
كانت هناك شائعات كثيرة، لكنّ وليّ العهد الذي يستطيع الاطّلاع على سجلات الأرشيف في دويتشلان كان يعلم ترتيب الأحداث في ذلك اليوم.
صحيح أنّ الإمبراطور ظلّ يشكّ في أسرة لويد، لكنّ الحقيقة أنّه هو من استحضر ارواحه أولًا.
أخرج ثيّو دفترًا يشبه المذكرات وقدّمه لوليّ العهد:
“هذه مذكّرات والدي.”
تصفّح وليّ العهد الصفحات بسرعة، ثم قطّب حاجبيه.
كانت صفحات تسجّل تفاصيل ما اكتشفه الدوق عن حالة الإمبراطور، بدءًا من الشكوك التي ساورته، مرورًا بتحرّياته في كلّ مكان، وانتهاءً بقراره لقاء الإمبراطور بعدما أدرك أنّه واقع تحت تأثير السحر.
كانت كلّ عبارة تنضح بالصدق والحرص.
قال وليّ العهد بصوت خافت وكأنّه يحدّث نفسه:
“إذًا كان يعلم…”
لطالما ظنّ أنّ الدوق اختلق الأمر ليحدث البلبلة، لكنّ الأمور تغيّرت الآن.
صحيح أنّهم لم يتأكّدوا من أمر السحر بعد، لكنّ حالة التسمّم التي أصابت الإمبراطور مؤكّدة، وقد عُثر على نباتات سامّة.
والشبهات تحيط بالإمبراطورة، لكنّ الدليل القاطع لم يُكشف بعد.
“لكنّ والدي لم يكن يعرف من هو الساحر الذي ألقى التعويذة.”
فما إن نطق بكلمة التعويذة حتى عمّت القاعة موجة من الهمس والاضطراب.
لم يسبق أن طُرح الحديث عن السحر من قبل، وإن كان الكلام عن السم قد ورد سابقًا.
قال ثيو بصوت هادئ:
“المشكلة أنّ الدوق تحدّث عن هذا السحر أمام الساحر نفسه.”
عقد وليّ العهد حاجبيه بشدة.
تريد أن تقول إن الإمبراطورة الساحرة، ولكن هل لديها الدليل على ذلك؟
تابع ثيو قائلاً:
“ولهذا قرّر الساحر أن بقاء الدوق حيًّا يشكّل خطرًا عليه، فقضى عليه في الحال.”
قال وليّ العهد بنبرة جادّة بعد أن صحّح لقبه:
“إذن، أيها الكونت لامارتي… لا، بل اللورد جيرميان لويد. أفهم ما تريد إثباته، لكن ما لم يكن هناك دليل، فكل ما تقول لا جدوى منه.”
فالكلام بلا بيّنة ليس سوى قصة بلا سند.
أخرج ثيو هذه المرّة شيئًا آخر كان قد عثر عليه:
بضع رسائل.
وقال وهو يضعها أمام الجميع:
“لقد كان جلالة الإمبراطور يشكّ في علاقة بين الدوق لويد وأوفيليا، لكن الحقيقة التي تكشفها هذه الرسائل هي غير ذلك تمامًا.”
كانت هذه الرسائل مع المذكرات هي ما وجده ثيو في قصر عائلته عند زيارته الأخيرة، وهي الأشياء التي أخفاها والده الدوق مع الأرواح الحارسة.
لم تكن أدلةً حاسمة، لكنها كانت مفاتيح تكشف خيوط اللغز كلّه.
المراسلات كانت كالتالي:
[إلى الدوق لويد،
إنّ ثمرة الأرواح قوة لا يمكن لبشر أن يحتملها. وإن وقعت في الأيدي الخطأ، سيكون الخطر محدقًا بالإمبراطورية.
يجب البحث عنها، غير أن البحث العلني سيكون أكثر خطورة.
– أوفيليا.]
[إلى أوفيليا،
من غيرنا يعلم بأمر ثمرة الأرواح؟
وهل تظنين أنّ لكِ علمًا بهوية من سرقها؟ حتى وإن كان مجرّد حدس، فأخبريني.
– جيرميان لويد.]
[إلى الدوق لويد،
لقد حاولت أن أخبر جلالة الإمبراطور من قبل، لكنني لا أعلم إن كان صدّقني.
ففي ذلك اليوم… يوم فراري من القصر، لا بدّ أنّ ثقته بي قد تزعزعت.
لا أحب أن أسيء الظنّ بأحد، لكنني أشعر أنّ الإمبراطورة مثيرة للشبهة.
حين زارتني ذات مرة لتتحدّث عن سموّ الأمير الثاني، لاحظت أنّ قطّتها الروح أدركت أمر الثمرة.
– أوفيليا.]
[إلى أوفيليا،
سنتراجع خطوة ونراقب الأوضاع.
إن كانت الإمبراطورة قد حاولت اغتيالكِ فور علمها بأنك تعلمين سرّ ولادة الأمير، فهذا يعني أنها وصلت إلى حدّ الخطر واليأس.
إن دفعناها أكثر إلى الزاوية، قد تُقدم على ما لا يُتوقّع، وهذا أشدّ ضررًا.
ما دام عقل الإمبراطور تحت سيطرة سحر مجهول، فلن نستطيع حلّ الأمر وحدنا.
يجب أن نكشف طبيعة السحر وطريقة فكّه وهوية الساحر قبل أن نتحرّك.
– جيرميان لويد.]
تنفّس وليّ العهد بعمق بعد أن فرغ من قراءة الرسائل كلّها.
وكانت قد عُرضت على الطاولة ليطّلع عليها الجميع، بما في ذلك الإمبراطورة ورفاق إيزابيلا.
“إذن، كان الدوق لويد والروحانية أوفيليا يعلمان كل شيء منذ البداية…”
شعر وليّ العهد أنّ قطع اللغز بدأت تكتمل أخيرًا.
باستثناء شيء واحد:
“ما هي ثمرة الأرواح هذه؟”
أجاب ثيو بوضوح:
“إنّها ثمرة تستثير الأرواح وتدفعها إلى فقدان السيطرة والجنون.”
ارتجف بصر وليّ العهد، فقفز صوت الماركيزة مولان:
“ثمرة تدفع الأرواح إلى الجنون…! لقد تناولتُها بنفسي!”
قالت ذلك بثقة، فهي تعرف شكلها جيّدًا لأنها استخدمتها بالفعل.
فقال وليّ العهد بحدّة:
“تناولتِها؟!”
“أعطاها لي سموّ الأمير فايتشي، وقال إنها ستعينني إن وجدتُ نفسي عاجزة عن مواجهة الروحانية إيزابيلا، فهي روحانية رفيعة المستوى.”
شهق الحاضرون، والتفتت أنظارهم إلى فايتشي.
كان وجهه قد ازداد تشنّجًا، ويده تحت الطاولة ترتجف من شدّة الغضب.
‘لهذا السبب كان يجب أن تموت مولان!
لكنها نجت، فانهار كل شيء! وحتى القتلة الذين أرسلتهم، أوقفتهم إيزابيلا! أين ذهبا الآن؟!’
كان قد أمرهما بالانتحار لإسكات الحقيقة، لكن حتى ذلك فشل.
لم يسر شيء كما أراد.
إيزابيلا كانت تضع القنابل في مواضع دقيقة داخل خططه وكأنها تقرأ أفكاره.
قال وليّ العهد بصوت بارد:
“والآن… يا صاحبة الجلالة ويا فايتشي، هل لديكما ما تقولانه بعد كل هذا؟”
فقد تبيّن أمر الثمرة التي تدفع الأرواح إلى الجنون، وثبت أنها كانت عند فايتشي.
وفوق ذلك، أثيرت الشكوك مجددًا حول أصل الأمير، وظهرت دلائل على محاولة الإمبراطورة اغتيال أوفيليا، وكذلك دسّ السم للإمبراطور.
والإمبراطور واقع تحت تأثير سحر مجهول المصدر، غير أن كل الخيوط تشير الآن إلى شخص واحد.
صرخت الإمبراطورة:
“أنا بريئة!”
لكن وليّ العهد لم يلتفت إليها.
صحيح أنّ الدليل القاطع لم يظهر بعد، غير أن الأدلة تراكمت كجبل شاهق، فشبكة الاتهامات قد اكتملت، والإمبراطورة وفايتشي باتا عالقين في شباكها.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام كملفات، وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 117"