تذكّر ثيو كيف كان والده يطرق جدران البرج الحجرية بخفة وهو يسير، فمدّ يده يقلده يطرق الحائط بخفوت وهو يدور حول البرج.
وفجأة صدر عن إحدى الطوب حجّة فارغة، صوت أجوف أثار فضوله.
مدّ ثيو كفّه فوقه وهو يشعر بإحساس غريب.
‘تجاوب…؟’
لقد كان أثرًا من قوة الأرواح.
ولم يكن ذلك غريبًا، فطاقة والده الدوق لويد السابق، ما زالت عالقة في أرجاء القصر كله.
لكن بصفته مستحضر أرواح رفيع المستوى، شعر ثيو بوجود شيء آخر خلف ذلك الجدار.
إحساس دقيق جدًا، حتى إنه لولا توقفه وتركيزه لكان فاتَه دون أن يدركه.
“ناياس.”
استدعى روحه المائية، فأخرجت له شيئًا من الجدار.
وإذا بمكان صغير يظهر، لا يتسع إلا ليد واحدة.
وكان بداخله خاتم.
‘هذا…؟’
تناوله ثيو فإذا به خاتم ختم محفور عليه شعار أسرة لويد.
الخاتم الذي يرمز إلى سيد الدوقية وينتقل وراثة من جيل إلى جيل.
غمر ثيو شعور عجيب وهو يتأمله.
‘لماذا وضعه هنا…؟’
لقد مات والده وهو في زيارة للقصر الإمبراطوري، وكان يفترض أن يظل الخاتم في إصبعه.
‘أيعني… أنّه كان مستعدًا للموت قبل أن يغادر…؟’
وإذا بصدره يضيق.
[كتوو؟]
أصدر ناياس صوتًا غريبًا، ثم نفث قطرة ماء على الخاتم.
وفي اللحظة التي مسته طاقة الروح، انبعثت من الخاتم قوة مائية.
‘أداة أرواح…؟!’
لقد ساعد إيزابيلا غير مرة على صنع أدوات أرواح، فأدرك على الفور أنّ ما بين يديه ليس مجرد خاتم.
لقد تفاعل الخاتم مع طاقة ثيو فانفجرت منه قوة، وأطلق نورًا أزرق باهرًا، ثم ظهرت أنديني.
حدّقت فيه مليًّا، فخفق قلب ثيو بعنف، ومد يده المرتجفة ليلمسها.
“روح أبي…؟”
لم يخطئ، كانت هي ذاتها أنديني التي عقد معها والده عهدًا.
لقد شحن الخاتم بروحه الروحية كلها وحبس أنديني فيه.
وأدوات الأرواح عادةً تستهلك قوتها تدريجيًا حتى تفنى. لكن أن يحتوي خاتم على روح حية كاملة… فذلك ما لم يره قط.
ظل ثيو مأخوذًا برؤية روح أبيه بعد اثنتي عشرة سنة، بينما أنديني استدارت بخفة ثم أخذت تتهادى مبتعدة تحرك ذيلها كما لو تدعوه ليتبعها.
فمشى خلفها مأخوذًا حتى قادته إلى ما كان بانتظاره… مفاجأة عظيمة.
‘أبتاه… لقد كنتَ تعلم كل شيء…’
أدرك ثيو مرة أخرى، كم كان والده على دراية بما سيحدث.
***
في تلك الأثناء، كانت الأحاديث عن إيزابيلا لا تنقطع يومًا بعد يوم.
والمثير أنّ الضجيج حولها فاق ما دار عن ثيو نفسه.
ربما لأن من سمعوا قصة ثيو لم يكونوا كُثر، بينما حين باح الأمير بقصة إيزابيلا، كان في حضرة قوات أسرة مولان مع بعض قوة القصر الإمبراطوري، فانتشر الكلام سريعًا.
وبالرغم من أنّ الجميع في المحصلة كانوا أتباع فايتشي، إلا أنّ كثرتهم جعلت من المستحيل كتمان الأمر. وفوق ذلك، كانت القصة مثيرة.
ابنة أوفيليا، المرأة التي كانت عشيقة الإمبراطور.
لقد غدت سيرتها تكاد تكون ملكًا عامًا، ومن الطبيعي أن ينشغل الناس بأصل دمها.
‘علينا التحقق من الحقيقة وإعادة الانضباط إلى القصر!’
كثيرون رفعوا صوتهم بضرورة التحقيق.
‘لا تنجرفوا وراء شائعات باطلة!’
وكان ثمة من حاول إنكارها أو إسكاتها، سواء لأنهم لا يصدقونها أو لأنهم يرفضونها.
لكن، أيًّا كان الدافع، لم يعد خافيًا أنّ كل طبقات المجتمع، من نبلاء وعامة، كانت تتناقل هذه الحكاية.
وهكذا اجتاحت القصة أرجاء الإمبراطورية ناشرة الفوضى.
وعندها فقط، بدأ القصر الإمبراطوري الذي ظل ساكنًا طويلًا، يتحرك.
فاستُدعي كل من تورّط في حادثة تلك الليلة إلى القصر.
كان الهدف استجلاء الملابسات وإظهار الحقائق.
لم يكن تحقيقًا كاملًا يستحق اسم محاكمة، لكن الناس كانوا يتطلعون إلى قرار مصيري.
وإن لم يُعرف كم سيستغرق الأمر، فالكل كان مستعدًا للانتظار.
مع اعتقاد عام أنّ العملية ستكون قذرة متشابكة.
لكن على خلاف التوقعات، ساد الصمت بين الحاضرين.
“أرى أنكم جميعًا قد حضرتم في الوقت.”
افتتح ولي العهد المجلس وهو يتفحصهم بعينيه.
غير أنّ نظره طال أكثر عند إيزابيلا، حتى إذا التقت به عيناها، صرف بصره سريعًا.
“أنتم تدركون جميعًا سبب استدعائكم اليوم.”
هزّ الحاضرون رؤوسهم إقرارًا، إلا أنّ فايتشي وحده أبدى امتعاضه وقال:
“أخي، أيمكن أن أسألك لِمَ لم تستدعِ الماركيز ماكا الصغير؟”
كان صوته هادئًا بعض الشيء، لكن فيه حدة انزعاج.
“لأنه لم يكن حاضرًا في مسرح الحادثة.”
“لكنه متورط فيها بلا شك! كل من كانوا هناك هم من رجال أسرة ماكا.”
كان بينهم مستحضرة أرواح تابعة لماكا ورفاق الماركيز ماكا الصغير، وكل المؤشرات تدل على أن ليكاردو متورط.
“ماركيز ماكا الصغير يدرك ذلك بنفسه، وقد أبدى رغبته في الحضور. لم يلتحق بنا بعد فحسب. سيأتي عاجلًا، فلا داعي للانفعال.”
أكد وليّ العهد أنّ حضور ليكاردو لم يكن باقتراح منه، بل كان رغبةً من صاحب الشأن نفسه.
وقد ساعده في الخوض بالحديث أنّ فايتشي كان قد سبق وأبدى تذمّره من غياب ليكاردو.
فقال:
“كما أنّني لا أرى الكونت لامارتي، ما الأمر؟”
ومن منظور فايتشي، كان الكونت لامارتي أهم شخصية في هذا المقام، فغيابه أثار منه حِدّةً أشد مما أثارها غياب ليكاردو.
فأجاب وليّ العهد:
“كما شهد جميع من كان هناك، حين وصلتُ لم يكن الكونت لامارتي حاضرًا. وبعدها وصلني تقرير متأخر يُفيد بأنّه كان موجودًا في المكان، فأصدرت بحقه أيضًا أمر استدعاء.”
أما إيزابيلا ورفاقها فقد أُرسلوا على الفور إلى قصر الماركيز ماكا الريفي، في حين جاء إجراء ثيو متأخرًا قليلًا.
وأضاف وليّ العهد:
“وقد وصلني البارحة أنه غير موجود في العاصمة، وأنه في طريقه الآن للحضور. سيصل قبل أن تنتهي مناقشاتنا.”
ثم أردف، مهدّئًا فايتشي:
“فهو سيحضر أيضًا، فلا داعي لأن تستشيط غضبًا.”
فلم يجد فايتشي بدًّا من لزوم الصمت. إذ ما الذي يمكن أن يحتجّ به أكثر وقد قيل إن غيابه لا يتعدى كونه تأخرًا في الطريق؟
لكنّه اعترض مجددًا:
“علينا التحقيق أولًا في سبب تهرّبه من الحضور في ذلك اليوم. أليس من المحتمل أنّه ارتكب جرمًا وحاول الفرار؟”
فردّ وليّ العهد:
“أكان جرمًا أم لا، سيتضح لنا حين نتحقق الآن.”
وأعلن أنّه لن يستند إلى أي شائعة أو حكم مسبق، بل لن يسمع سوى ما يُقال هنا والآن.
ثم قال:
“سأمنح الجميع حقّ الكلام، فلا تضيقوا صدرًا واتبعوا ما أقول.”
فقد عزم على منع أي طرف من الاستئثار بالكلام أو منع غيره من الحديث.
“والآن… من ذا الذي سيبدأ الحديث؟”
أسند وليّ العهد ذقنه إلى كفّه وجال ببصره في الحاضرين.
لكن لا فايتشي ولا الماركيزة مولان ولا إيزابيلا ولا جوشوا ولا إدوارد ولا كاساندرا ولا دايفيد نطقوا بكلمة.
أما بقية الحاضرين من جنود القصر الإمبراطوري وقوات مولان وبعض السحرة، فقد لزموا جميعًا الصمت.
حتى الإمبراطورة التي اعتادت أن تتوارى بحجة تمريض الإمبراطور، حضرت الآن بعد أن تخلّت عن ذلك العذر. وكان غرضها أن تُساند فايتشي وتستعيد موقعها بجانب سرير الإمبراطور.
الجميع كان لديه ما يقوله، لكن لم يتجرأ أحد على فتح فمه.
فقال وليّ العهد:
“إن لم يتكلم أحد، فسأبدأ أنا.”
وأشار بخفة إلى خادمه، فجاء يحمل صندوقًا صغيرًا.
فهمس إدوارد في نفسه:
‘أهذا هو…؟’
إذ تعرّف عليه في الحال؛ إنه الصندوق الذي كان الأمير وأمير هيليبور يتبادلان تسليمه يوم أُسر هو نفسه.
قال وليّ العهد:
“هذا هو الصندوق الذي يُظنّ أنه كان موضوع صفقة بين الأمير هيليبور وذلك اليوم في ذلك الموضع.”
تجهم فايتشي قليلًا.
‘كنتُ أتساءل أين اختفى… ولم أظن قط أنّه سيقع بيد أخي!’
كان قد أخفاه في موضع بعيد عن الأعين، لكن كيف كُشف؟
وانجذب بصره على الفور إلى إيزابيلا، التي كانت تنظر إليه بدورها بثبات كأنها تقول ما المشكلة؟
وإذ ظلّ يرمقها بنظرة صارمة دون أن يحيد عنها، ارتسمت على شفتيها ابتسامة دقيقة، وأدارت كتفها الأيمن ببطء كأنّه يوجعها، ثم ربّتت بخفة على ظهر إدوارد.
فتحيّر إدوارد وسألها بنظراته عمّا تقصد، فقالت له ببساطة “ثمة غبار على ظهرك”، وكأن الأمر عارض لا أكثر.
أما فايتشي فقد التقط على الفور المعنى الخفي وراء إشارتها.
في تلك الأثناء، كان فايتشي يدرك بسهولة مغزى ما فعلته.
كارتر الذي كان ذراعه الأيمن.
وإدوارد الذي لعب دور الجاسوس لحسابه.
أتظن أنني أيضًا عاجزة عن زرع جواسيس؟ أليس كارتر نفسه من كان على علم بالمكان؟
في ذلك اليوم المزدحم بالأحداث، وبعد أن عاد مسرعًا إلى القصر، كان فايتشي قد خبّأ الصندوق على عجل، ثم خرج يقود فرسانه مجددًا.
وعند الارتباك، يعود المرء إلى عاداته القديمة، فاستعمل مكانًا كان يخص كاتر في الماضي كمخبأ، فاستطاع جاسوس إيزابيلا أن يستغل الفرصة ويستولي على الصندوق.
‘امرأة مزعجة….’
ألقى فايتشي نظرة باردة على الصندوق في يد وليّ العهد.
‘لكن لا بأس… بل قد يكون خيرًا.’
إذ لم يُتح له الوقت الكافي ليُحضّر أدلة ضد خيانة إيزابيلا، بعدما انكسر سحر ثيو أسرع مما توقّع، وتحرك إدوارد أسرع مما حسب.
لكن بما أنّ الصندوق قد ظهر، فقد عزم أن يستغله لصالحه.
قال وليّ العهد:
“في داخله ما ليس حسنًا… ألن يتحدث أحد بعد؟”
فقال فايتشي:
“إنه شبيه بما رأيته بنفسي.”
ثم تابع:
“في تلك الليلة، وأنا في كمين، رأيت تلك المرأة تتبادل هذا الصندوق مع أمير هيليبور. وحين أدركت أنه قد يصلح دليلًا، نجحتُ في الاستيلاء عليه.”
فأجابه وليّ العهد:
“هكذا إذن…”
ورغم أن من قدّمه إليه كانت وصيفة الأمير، أي جاسوسة زرعتها إيزابيلا، فإن الظاهر أنّ فايتشي هو من قدّم الدليل.
لقد كان كذبًا فجًّا، لكنه بدا مقنعًا إلى حد بعيد.
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 112"