كتمت إيزابيلا ضحكتها في داخلها وتابعت تمثيل ملامح وجهها.
“أي هراء هذا الذي تستمعون له! اعتقلوها فورًا!”
وبينما دوّى صوت فايتشي الآمر، خطا قائد الفرسان خطوة أخرى، لكن في تلك اللحظة نهضت الماركيزة مولان من مكانها وصاحت:
“انتظروا!”
فتوقف قائد الفرسان مرة أخرى، كأنه سمكة صغيرة محشورة بين حيتان النبلاء.
فمهما كانت أوامر الأمير أولوية، تبقى الماركيزة مولان أيضًا نبيلة، وصوتها المجلجل لا يمكن تجاهله بسهولة.
“جلالتك إذن اشرح لنا أولًا من هؤلاء القتلة.”
لم يكن الأمر أن مولان صدّقت كلام إيزابيلا.
لكنها أرادت التحقق بنفسها.
كانت تعتقد أن القتلة من إعداد إيزابيلا وثيو. لكن الأمر لم يكن كذلك.
بل على العكس، هم أنقذوها.
وعندما فكّرت جيدًا، رأت أن الأمر كذلك فعلًا.
فمهما كان روحاها في حالة هيجان، إلا أنه بوجود اثنين من كبار المستحضرين كان يمكنها الفوز لو قاتلتهم بجد.
بل كان يمكنها أن تسحقهم سحقًا.
لكنهم لم يفعلوا.
لقد انتظروا حتى انتهاء الهيجان مكتفين بالدفاع، كي لا يلحق بها أي ضرر.
ثم بعد ذلك، تصدوا للقتلة الذين ظهروا، وفي تلك الأثناء استغل ثيو الفرصة وعالجها ثم انسحب.
ألا يبدو هذا غريبًا؟
ولماذا أصلًا أمرهم الأمير بأن يختبئوا؟
ولماذا أصر على الذهاب بنفسه ليشهد خيانة مزعومة؟
كل شيء مليء بالأسئلة.
وكان بإمكانها الآن أن تحصل على الإجابة.
“قتلة؟ أي هراء تقولينه يا ماركيزة!”
بهذا الكذب بالذات، حصلت الماركيزة مولان على الجواب.
“جلالتك! لا تتظاهر بالجهل! لقد عايشت الأمر بنفسي!”
ربما لم تكن تعرف أين تنتهي حقيقة كلام إيزابيلا، لكن شيئًا واحدًا كان مؤكدًا: الأمير كان يكذب.
ارتبك فايتشي من معارضة الماركيزة القوية بعدما اعتادت أن تكون مطيعة.
‘لهذا السبب تحديدًا يصعب التعامل مع هذه المرأة… فهي مطيعة عادة، لكن أمام ما تعتبره عدالة تتحول هكذا!’
“مولان، أتعني أنكِ أنتِ أيضًا انضممتِ إليهم…؟”
“ماذا؟!”
حتى الماركيزة متورطة في الخيانة؟
ساد الارتباك، واضطر قائد الفرسان لتعديل كلماته.
“إ-إذن نستطيع القول إن مستحضرة الأرواح إيزابيلا تُعتقل فقط بتهمة مساعدة الخائن، دون جريمة قتل نبيل…”
لكن حتى هو وجد كلماته متعثرة وغريبة.
“وكذلك، الماركيزة مولان تُعتقل فورًا بتهمة التورط في الخيانة…”
وبينما كان يتحدث وتقدّم نحو إيزابيلا بخطوة أخرى، أخرجت الماركيزة مولان سيفها.
“لن أقبل بهذا. إن أردتم اعتقالي، فلتقهروني بالقوة.”
فاستعد فرسان الكتيبة جميعًا، رافعين سيوفهم.
“لا تعقّدوا الأمور.”
استدعى فايتشي روح إغنيس.
“هاه، هذا بالضبط ما أردت أن أقوله.”
فاستدعت إيزابيلا روح مولدون.
وتحوّل قائد الفرسان مرة أخرى إلى مجرد روبيان عالق بين حروب الأرواح، لا يدري ما يفعل.
عندها دوّى صوت أكثر وقارًا وهيبة من الجميع، ارتجف له الجو في الغابة:
“كفى. قفوا جميعًا.”
لم يكن الأمر من مكبر صوت فحسب، بل كان ثِقَل صوته العميق الصادر من أعماق الجوف كافيًا لتجميد الدماء في العروق.
“آه! و-ولي العهد!”
“نحيّي شمس الإمبراطورية الصغرى!”
ومن الجهة التي أدى فيها الفرسان التحية، ظهر ولي العهد هارسيز بنفسه.
كان يبدو كمن هرع من احتفال هام، مرتديًا بذلة رسمية أنيقة ومعطفًا قرمزيًا.
إلى جانبه وقف ليكاردو، وقد تأنق هو الآخر.
وجاءت الإمبراطورة متأخرة خلفهم، في ثوب سهرة فاخر، وما إن رأت الوضع حتى قطّبت حاجبيها، مدركة فورًا أن الأمر يسير في اتجاه خاطئ.
“سمعت جلبة خلال الحفل فجئت لأرى… ما الذي يحدث هنا بالضبط؟”
كلمات هارسيز الواحدة تلو الأخرى كانت أثقل بما لا يقارن من كلمات فايتشي.
“أبلغناك يا صاحب السمو. الأمير الثاني فايتشي أعطانا إشارة بوجود خيانة، ونحن الآن نعتقل الخائن ومن عاونه على الفور.”
“خيانة؟”
قطّب هارسيز جبينه، وجال ببصره الأخضر على إيزابيلا والماركيزة مولان.
“وأين الدليل؟”
“سنقوم بجمعه لاحقًا… وذلك بأمر مباشر مطلق من الأمير الثاني…”
“بأمر مطلق مِن مَن بالضبط؟”
“م-من صاحب السمو الأمير الثاني فايتشي كريستوفر فون دويتشلان…”
أدرك قائد الفرسان فجأة أن هذا لم يكن ما يريده ولي العهد.
وبالفعل، كان وجه ولي العهد قد تحول إلى قناع مخيف.
“أود أن أعرف منذ متى أصبح لولي العهد الثاني سلطة الاعتقالات العاجلة؟”
“…..”
لم يستطع أن يجيب.
ففي القصر الإمبراطوري، لا يملك صلاحية إصدار أوامر”عاجلة سوى شخص واحد وهو الإمبراطور.
وبما أن الإمبراطور مريض طريح الفراش الآن، فقد كان واضحًا أن من ورث الصلاحيات مؤقتًا هو ولي العهد.
وهذا يعني أن من يملك حق الأمر بالتحرك العاجل هو ولي العهد فقط.
ازدرد قائد الفرسان ريقه.
كان يشعر بالظلم قليلًا؛ فهل كان بوسعه كقائد فرسان فقط، أن يرفض أوامر الأمير الثاني حين صاح “هناك خائن، أسرعوا واعتقلوه”؟ بالطبع لا.
لكن رغم ذلك لم يكن له عذر يُقدَّم، فظل صامتًا.
“أخي. بحكم خطورة الأمر، رأيت أن أتدخل بنفسي. فلا يمكن أن نفلت الخائن مرة أخرى، أليس كذلك؟”
حاول فايتشي التبرير، لكن قسوة ملامح ولي العهد لم تلن.
“يبدو أن سمو الأمير قد بدأ يخلط بين الأمور.”
فبينما خاطب فايتشي ولي العهد بـ أخي، كان ولي العهد يناديه فقط بـ الأمير، مشيرًا إلى جدية وخطورة الوضع.
“إن كان الأمر بهذه الأهمية، كان يجب أن ترفع التقرير إليّ أولًا. فأنا من يقود هذه الإمبراطورية نيابةً عن جلالة الإمبراطور، فكيف تُهمل إبلاغي عن خيانة وتتصرف من تلقاء نفسك؟”
“لكن يا أخي… لا، يا سمو ولي العهد.”
كان على فايتشي أن يغيّر كلماته تحت وقع نظرة هارسيز الحادة.
“لقد كدنا نفلتها من بين أيدينا. بل في الحقيقة، لقد أفلت أحدهم بالفعل.”
كان ينوي أن يذكر قصة فرار ثيو.
“لو لم أتدخل فورًا، لكانت هذه المرأة أيضًا…”
“من يشيح ظهره عن الإمبراطورية لن يفلت أبدًا من قبضتها.”
لكن هارسيز قطع كلام فايتشي وأبطل حجته بجملة واحدة.
‘حتى لو هربوا، فسوف يُقبض عليهم. هل تظن أن الإمبراطورية هزيلة لهذه الدرجة؟’
لم يستطع أحد الرد.
عندها تقدمت الإمبراطورة لتكسر الصمت:
“مولاي، اهدأ رجاءً. الأمير الثاني لم يفعل ذلك إلا بدافع رغبته في مساعدة شقيقه الأكبر ولي العهد.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة محاولة تهدئة الموقف.
“ألا تعلم كم ينظر هذا الطفل إليك بإجلال؟”
كانت كلماتها أقرب إلى مجاملة لا تنفع، لكنها حاولت إذابة حدة قلب ولي العهد بكلامها الرقيق.
“لكن، الخيانة ليست أمرًا يُستهان به، أليس كذلك؟”
“نعم. الخيانة…”
نجحت في تحويل مجرى الحديث.
عاد بصر هارسيز ليسقط على إيزابيلا والماركيزة مولان.
وفي اللحظة التي التقت فيها عيناه بعيني إيزابيلا، ظهر على وجهه تعبير غامض، كأنه يقول لماذا أنتِ تحديدًا؟
لكن هذا الأثر اختفى سريعًا، وعاد ليقول ببرود:
“سنجري تحقيقًا كما قال الأمير. ولكن…”
عند كلمة “ولكن”، عبس كل من فايتشي والإمبراطورة قليلًا.
“الاعتقال دون أي دليل لا يتماشى مع المنطق.”
“أخي!”
“الماركيزة مولان، ستبقين في مقر إقامتك الصيفي في العاصمة حتى أصدر إذنًا آخر. إن بدر منك أي تصرف مشبوه، فسيُعتبر ذلك إقرارًا منك بالمشاركة في الخيانة.”
“أمرك يا مولاي.”
قبلت الماركيزة الأمر طواعية.
كانت مستعدة للإجابة عن أي سؤال.
هي قد أحبّت الأمير فايتشي، لكنها في الأساس كانت تحترم ولي العهد.
فقلما وُجد شخص عادل مثله.
وفوق ذلك، ما كانت تشعر به تجاه فايتشي برد فجأة الآن.
“وأما أنتِ يا مستحضرة الأرواح من بيت ماكا.”
“أمرك يا مولاي.”
“ستُوضعين تحت رقابة بيت ماكا.”
“أخي! إنهم متواطئون معها…!”
“والسيد الوريث الشاب.”
“أمرك يا مولاي.”
تجاهل هارسيز كلام فايتشي ونادى ليكاردو.
“ستكون مثل الماركيزة مولان. سأرى بنفسي كيف ستراقب تلك المرأة.”
“أمرك يا مولاي.”
أجاب ليكاردو وهو ينحني برأسه.
فأخذ فايتشي يعض شفتيه بغضب من مسار الأحداث الذي لم يسر كما أراد.
وأخيرًا وقع بصر هارسيز عليه.
“والأمير الثاني.”
“…نعم يا مولاي.”
“ستبقى في جناحك كالأمير إلى أن تُكشف الحقيقة كاملة.”
“لكن هذا…!”
“إن أثبتت التحقيقات في النهاية أنه لا توجد شبهة خيانة…”
عندها ارتفعت حول هارسيز هالة حمراء، ألسنة ضوء نقيّة وقوية من عنصر النار أنقى وأشد من قوة فايتشي بكثير.
“فهذا يعني فقط أنك لم تدرك بعد ثِقل كلمات أحد أفراد العائلة الإمبراطورية… وعليك أن تتحمل تبعات ذلك.”
“……”
وبهذا استدار ولي العهد بخفة، ورداؤه القرمزي الفخم يرفرف بأناقة.
“آه، وهناك أمر آخر.”
لكنه توقف بعد بضع خطوات، واستدار نحو الإمبراطورة.
“أتريد مني أن أتحمل مسؤولية أفعالي على ابني أيضًا؟”
سألت الإمبراطورة مستنكرة، فمعنى كلامها أن فرض عقوبة على ابنها وحده أمر قاسٍ للغاية.
لكن ولي العهد هز رأسه.
“لا. بل لدي كلام آخر أوجهه إلى جلالتك.”
كان صوته قد صار أخف بكثير، دالًّا أن الأمر مختلف عن الموقف الحالي.
تنفست الإمبراطورة الصعداء قليلًا وابتسمت.
“تفضل يا مولاي.”
“لم يعد هناك حاجة لأن تتكفلي بتمريض جلالة الإمبراطور.”
“…ماذا؟”
لم تستطع إخفاء صدمتها من هذا القرار غير المتوقع.
“لقد بذلتِ جهدًا عظيمًا سنوات طويلة إلى جانب جلالته، وسأتكفل شخصيًا بتكريمك على ذلك. لكن لم يعد عليك أن تُرهقي نفسك بعد الآن.”
“مولاي، أنا أقوم بهذا برغبتي. لم أشعر يومًا أنه عبء.”
لأن الأمر جاء بلا أي سابق إنذار، ارتبكت الإمبراطورة بشدة.
“حتى وإن كنتِ تفعلينه عن طيب خاطر، فهو مرهق. وأنا كنت منشغلًا، فحملتُكِ فوق طاقتك.”
ابتسم ولي العهد بهدوء وهو يربت على كتفها.
“لقد قمتِ بعمل عظيم. من اليوم فصاعدًا، سأتولى أنا ورجالي رعاية جلالة الإمبراطور بالكامل.”
“مولاي…”
“بدءًا من اليوم.”
رغم نعومة نبرته، إلا أن كلماته الأخيرة خرجت حاسمة إلى حد مخيف.
ظل فمه مبتسمًا، لكن حدة القرار كانت واضحة.
لم تستطع الإمبراطورة قول شيء، إذ لم تتوقع قط مثل هذا القرار.
فالمرء لا يستطيع الدفاع عن نفسه إلا إذا توقّع الهجوم.
“إذن فلندخل جميعًا. فالليل بارد.”
وكل ما استطاعت فعله هو التحديق في ظهر ولي العهد المبتعد، مبهوتة من شدة المفاجأة.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات