بينما كان الجميع مذهولين ومربكين، عاجزين عن الرد، انفجر الأمير هيليبور ضاحكًا.
كان صوته قويًا لدرجة أنه أوقف حتى خطى الجنود الذين وصلوا لتوهم إلى الكوخ المنهار.
“أجل، هكذا يجب أن تخرج الأمور! بالطبع، لا يمكن أن تكون جاهلًا بكل شيء!”
قالها الأمير هيليبور بصوت مفعم بالبهجة، كأنه استقبل خبرًا سارًّا.
“صحيح! كل ما قلتهِ صحيح! لا يعقل أن تجهلين ما كانت تعرفه تلك العبدة اللعينة!”
وبهذا اعترف الأمير بأن فايتشي هو حقًا ابنه.
فتوسعت عينا فايتشي بدهشة أكبر.
أما الجنود الذين وصلوا لتوهم فقد بدت على وجوههم الحيرة، إذ لم يفهموا شيئًا مما يقال.
صرخ الأمير هيليبور بصوت يائس ممتلئ بالغضب:
“لقد سجنتها كي لا تهرب، ثم أشعلت النار حولها، لكنها أفلتت من النار! وأطعمتها السم، لكنها مع ذلك عاشت وهربت! ثم تجرأت وتركت نسلها وراءها لتخلّد أثرها! كل هذا وهي مجرد عبدة وغدة!”
كان غضبه موجَّهًا إلى شخصٍ ما… لكنه لم يكن أحدًا ممن حضروا هنا.
“كان عليّ قتلها في ذلك اليوم، يوم عثرت عليها خلف أسوار المدينة في الصحراء!”
انعقد حاجبا إيزابيلا بارتباك.
الصحراء؟ العثور؟ هل يعني هذا أن والدتها لم تولد عبدة منذ البداية؟
ثم أطلق الأمير هيليبور آخر ما في جعبته من أسرار.
“على جنود الإمبراطورية أن يقبضوا على هذه المرأة! تتحدثون عن تواطئي معها؟ هاه! وهل هذا هو المهم الآن؟!”
كان من المفترض أن يتظاهر بأنه متواطئ مع إيزابيلا، كما اتفق مع فايتشي على التمثيل.
لكنها تجرأت وكشفت أمام الجميع أقدس أسراره.
لقد علم فايتشي أن والده الحقيقي هو الأمير هيلليبور.
هذا السر الذي لم يكن يعرفه سوى الإمبراطورة وهو.
كم من الجرائم الوحشية ارتكب، وكم من الأرواح أزهق في سبيل الحفاظ على هذا السر… والآن تحطم كل شيء!
إذن، أليس من العدل أن يرد بالمثل؟
“المرأة الواقفة هناك… تلك التي ترفعونها إلى مقام الروحانيين العظماء!”
صرخ الأمير هيليبور وهو يشير بإصبعه إلى إيزابيلا، وقد انتفخت عروقه.
“إنها ابنة أوفيليا إلادور! المرأة التي أغوت الإمبراطور محاولةً انتزاع منصب الإمبراطورة ثم حاولت تسميمه وفشلت قبل أن تهرب!”
شهقات متتابعة ارتفعت من كل مكان حتى بدت كأنها جوقة.
كاساندرا وجوشوا وكذلك فايتشي وثيو اتسعت عيونهم من الذهول.
ساد صمت ثقيل وكل الأنظار انصبت على إيزابيلا.
“ابنة أوفيليا؟”
تردد صوت فايتشي متسربًا في السكون، فيما ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتي أمير هيليبور.
“والآن، تحاول قتل أميركم فايتشي كريستوفر فون دويتشلان نفسه!”
بإضافته لهذه الكذبة، تغيرت وجوه الجنود الحاضرين.
“ابنة خائنة؟”
كانت الماركيز مولان القائدة في المقدمة أول من استعادت وعيها.
“ابنة المرأة التي حاولت قتل الإمبراطور تعود الآن لتفتك بالأمير!”
صرخت بأعلى صوتها.
لقد كان معها تعليمات مسبقة من فايتشي:
بأن مستحضرة الأرواح التابعة لبيت ماكا تبدو مريبة، وأنها مع عشيقها الكونت لامارتي، ربما يتآمران مع الأمير هيليبور.
وأنه سيتقصى الأمر بنفسه هذا المساء بعد أن عرف مكان لقائهما، ثم يطلق إشارة الهجوم.
لذلك جمعت الجنود وانتظرت.
لكن فجأة دوّى انفجار من حيث اختبأ الجنود، وأعقبه إطلاق إشارة استغاثة.
لم يكن هناك شك أن العدو قد اكتشفهم.
فسارعت لإنقاذ الأمير.
لكن ما اكتشفته كان أكبر بكثير من مجرد تواطؤ.
فمن أجل الأمير ومن أجل الإمبراطورية، لا بد من القبض على تلك المرأة بأي ثمن!
“أمسكوها! انشروا الحاجز!”
وقد وصلت في اللحظة نفسها التي بدأ فيها الأمير هيليبور يضحك، لذا لم تسمع اعترافه بشأن سر فايتشي.
أما في نظرها، فقد بدا أن الأمير في خطر بسبب أولئك الخونة الملعونين.
“لا تدعوها تهرب أبدًا!”
ففعلوا ما أُعدّوا له مسبقًا، ونشروا الحاجز السحري.
إذ اختفت الأرواح المستدعَاة من حوله في الهواء، وانقطع الاتصال بها.
“إنه جهاز للتحكم بالتوافق الروحي!”
عرف جوشوا على الفور ماهيته، إذ كان لديه بعض المعرفة بالأدوات السحرية.
“أتعتقد أننا جئنا لمواجهة مستضحرة أرواح هكذا بلا استعداد؟”
قالها الأمير هيليبور بازدراء.
“لكن بهذا الشكل، أنتم أيضًا…!”
صرخت كاساندرا بدهشة.
فحتى فايتشي والماركيزة مولان مستحضري أرواح، ومن المفترض أن يتأثروا هم أيضًا.
لكن عينيها التقطتا وميض الأحزمة السحرية المضيئة حول خصريهما.
“هاه! إذن جهّزا نفسيهما للحماية فقط!”
كان كل واحد منهما يرتدي أداة سحرية أخرى تحميه من تأثير الجهاز.
“سيلام!”
“إغنيس!”
استدعيا معًا أقوى أرواحهما.
“أيها السحرة، استعدوا للمعركة!”
“انشروا حاجز الجذور حتى لا يفلتوا!”
تهيأ السحرة لإحكام الطوق.
“انتهى الأمر! علينا الهرب الآن!”
كان إدوارد على وشك أن يحث رفاقه على الفرار، لكنه فوجئ بهدوئهم.
لماذا يبدون مطمئنين إلى هذا الحد في موقف عصيب كهذا؟
لكن ما أدهشه أكثر هو أنهم ابتسموا جميعًا في اللحظة نفسها بسخرية.
تبادلت إيزابيلا النظرات مع جوشوا، فأومأ بخفة وهو يضع شيئًا كان يعبث به خلف ظهره.
ومع إيماءته الصغيرة، التفتت إيزابيلا مجددًا نحو فايتشي ومن معه ورفعت يدها.
“لا فائدة! هذا الجهاز صُنع خصيصًا ليمسك حتى الروحانيين العظماء، ويُستخدم في السجون وفي تقييد العبيد! هاهاها!”
ظن الأمير أنها تحاول استحضار الأرواح، فضحك بانتصار.
“اهجموا!”
“أمسكوها!”
صرخ السحرة والماركيزة مولان معًا في تلك اللحظة.
ـ بيييييييك!!
اخترق صوت إنذارٍ حاد مسامع الجميع.
“أوغ!”
غطّى الجنود آذانهم، وتفككت التعويذات التي كانوا قد جمعوها للهجوم.
“ما… هذا…!”
كوواااااااانغ! كووونغ!
اختفى صراخ أحد السحرة وسط الهجمات التي أطلقها سيلايم وإغنيس.
سقط هجوم هائل، مزيج من النار والريح فوق رؤوس إيزابيلا ورفاقها.
دوّى انفجار مصحوبًا بصيحة قصيرة من إدوارد:
“آاااخ!”
الهجوم الضخم ولّد عاصفة عنيفة جعلت حطام الكوخ المتهدم يتطاير في كل اتجاه.
وكانت شدة الريح أعظم بوجود سيلايم.
“إن استمر الأمر هكذا سنموت…”
كادت الماركيزة مولان أن تتحدث بقلق من أن الأمر سينتهي بسهولة بالغة، لكن…
“أعيدوا تشغيله! تبا، ارفعوا الحاجز!”
“فعّلوه من جديد!”
“اللعنة! حافظوا على التشكيل الكبير!!”
صرخ السحرة بعجلة.
“آااخ! سنموت إن بقينا هنا!”
“هل جننت؟! إلى أين تهرب؟!”
حتى أن بعضهم حاول الفرار، فتحوّل المكان فجأة إلى ساحة فوضى عارمة.
“ما هذا بحق…؟!”
ـ بييييييييييك!!
عاد الصوت الحاد يخترق الآذان، وفي تلك اللحظة انقشع الغبار الكثيف بفعل إعصار ضخم اندفع إلى السماء.
وعند انقشاعه، كانت جدران صلبة من التراب تتلاشى ببطء.
وأول من ظهر كان كلاي وتجلس على نابه إيزابيلا.
جلس إدوارد ممسكًا رأسه بينما يواسيه جوشوا فوق كلاي، أما ثيو فكان جالسًا على سيلايم خاصته.
وكان دايفيد وكاساندرا يستندان إلى غزال ضخم تضخّم حتى بدا كالدب، إنه شورييل.
“ما هذا…! من المفترض أن أجهزة السيطرة على الأرواح تمنع استدعاءها!”
قالها الأمير هيليبور مذهولًا، فضحكت إيزابيلا باستخفاف وأخرجت من صدرها كرة صغيرة بحجم قبضة اليد.
“ألم تقلها بنفسك؟ ابنة عبدة القصر. فهل تظن أن ابنة عبدة هاربة نجت من كل محاولات الإمساك بها لم تُعِد العُدة؟”
حوّلت الكلمات التي أُطلقت للاستهانة بها إلى سلاحٍ في يدها.
“هذا…!”
ما كانت تمسكه لم يكن سوى جهاز تشويش على السحر.
وهو أداة نادرة باهظة يصل ثمنها إلى مئة ألف شيلينغ، لا يستطيع حتى النبلاء عادةً الحصول عليها.
“لقد جَنينا مالًا وفيرًا مؤخرًا.”
قالتها إيزابيلا بابتسامة وهي تنظر بخبث إلى الماركيزة مولان.
فبفضلها، إذ كانت تشتري منها باستمرار، تمكنت من جمع المال لاقتناء مثل هذا الشيء.
احمرّ وجه الماركيزة خجلًا، بينما أعادت إيزابيلا أنظارها نحو الأمير هيليبور.
“ما زلتَ كما أنت، متوهّمًا أنك أرفع من الآخرين رغم أن لا ميزة حقيقية لديك، أليس كذلك؟”
ولهذا خسر حتى أمام الأرواح وهُزم شر هزيمة، بل وفقد أوفيليا كذلك.
أما ابتسامة النصر، فقد كانت من نصيب إيزابيلا.
“تبا! تفرقوا جميعًا!”
بدأ الأمير هيليبور والسحرة بالتراجع.
“الجبناء…!”
ظنت الماركيزة مولان أنهم يفرّون، فأرادت أن توجّه الجنود لملاحقتهم، لكن فايتشي أوقفها.
“مولان! أولئك أولًا! إن ركضتِ خلف جيش المملكة الآن ستفلتين الخونة من بين يديك!”
“تبا… حسنًا!”
تمتمت مولان بشتيمة صغيرة وهي تشعر بالغيظ لفوات الفرصة، لكن فايتشي كان محقًا، فالخونة أولى.
“لقد عرفنا منذ قلبتم ميدان الصيد. كيف تخونون الشمس كأبناءٍ للإمبراطورية؟!”
ضخّمت الماركيزة مولان سيلايمَ إلى أقصى حجم.
فأخذ نسران عملاقان يرفرفان عاليًا في السماء بجلال.
“سأُثبت أن العدالة لا بد أن تتحقق!”
“ما زالت تردد هذا الكلام…”
تمتمت إيزابيلا بخفوت وهي تستدعي اثنين آخرين من كلاي.
حتى في حياتها السابقة، كانت تلك المرأة تكرر هذه العبارات كثيرًا.
العدالة… نعم، كم كانت تحب هذه الكلمة.
إلا أن مفهومها لتلك العدالة لم يكن واضحًا أبدًا.
كوووونغ!!
“أوه!”
اصطدم كلاي وسيلايم بعنف، فاهتزت الأرض والسماء معًا.
أما الجنود المرافقون فصاروا كدمى ملقاة على الأرض.
ففي معركة بين مستحضري أرواح من هذا المستوى، لم يكن للبشر العاديين أي مجال للتدخل.
****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 104"