لن أخدع مرتين [ 103 ]
لم تفهم إيزابيلا ما الذي كان يرمي إليه بسؤاله، لذلك لم تُجب.
فأضاف قائلًا:
“أنا أمير من إمبراطورية دويتشلان. لكنكِ منذ البداية كرهتني كثيرًا. وكان ذلك يثير فضولي حقًا.”
لم يكن لقاؤهما سوى عندما سألها فايتشي عن الطريق.
لكنها ومنذ تلك اللحظة، وضعت قناع النفور منه وكأنها قد عقدت العزم على كرهه.
وما زاد في ظنه أنها قصدت الذهاب بنفسها إلى بيت الماركيز ماكا، مما جعله يعتقد أنها هربت متعمدة لتتفاداه.
“لماذا؟”
سألها فايتشي فزفرت إيزابيلا بازدراء، ثم أجابت بنبرة بديهية وكأن السؤال سهل جدًا:
“لأني لا أطيق النظر إليك.”
“ماذا؟”
“أكرهك لأنك قبيح.”
وأظهرت إيزابيلا على وجهها ملامح الاشمئزاز لتؤكد كلامها.
“بفت…”
“هاها…”
انفجرت كاساندرا وإدوارد ضاحكين في اللحظة نفسها، وحتى دايفيد ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة.
لم يجرؤوا على الضحك بصوت عالٍ، فاكتفوا بخفض رؤوسهم واهتزاز أكتافهم، فيما كان وجه فايتشي يزداد تشوهًا من الغيظ.
“يبدو أن ذوقكِ في النظر إلى الرجال فاسد تمامًا.”
فلو قيل أجمل رجال الإمبراطورية، لذكرت أغلب النساء اسم فايتشي دون تردد.
لكن أن تقول له “أنت قبيح”؟ لقد كان الأمر بالنسبة إليه ضربًا من اللامعقول.
“بل العكس، إنه عين الصواب. وهذا وحده يكفي لإثباته.”
قالتها إيزابيلا وهي تتأمل الأمير هيليبور الواقف إلى جانبه، ثم أطلقت ضحكة ساخرة.
“أما أن يكون أمير عظيم مثلك متورطًا مع عدو البلاد… أليس ذلك سلوكًا منحطًا للغاية؟”
“هاه، لسانك لا يعرف الكبح.”
“ما دامت لا عيون تراقبنا هنا، فما فائدة التظاهر باللباقة؟”
كانت إيزابيلا تعلم أن فايتشي لا يمكنه أن يبوح بما جرى هنا في أي مكان آخر، ولهذا لم ترَ داعيًا لإظهار أي احترام.
“لا تعرفين الخوف إذن.”
“وما الذي أخشاه وأنا أملك رفقة كهؤلاء؟”
قالت كلماتها وكأنها غزل فجّ، لكنها لم تكن سوى طعنة لغروره.
“وكيف عرفتِ بأمر هذا المكان؟ حتى لو كنتِ مستحضرة أرواح الأرض.”
فحتى وإن استعانت بالتراب لتتجسس، فمن المستحيل أن يمشط المرء غابةً شاسعة كهذه.
“آه، هذا المكان؟ لقد اجتهدتم في إخفائه فعلًا باستخدام سحر الأوهام وحتى نبات الشلل.”
كان يبدو ضبابًا، لكن من يدخله يقع في وهم متاهة متحركة بلا مخرج.
“لكن، أليس لديّ رفاق بارعون؟”
قالت ذلك مشيرة بخفة إلى دايفيد وقيو.
أحدهما مستحضر أرواح الماء الذي عالج نبات الشلل، والآخر مستحضر أرواح الرياح الذي بدّد ضباب الأوهام.
“ثم يبدو أنك نسيت أنني أخذت ذراعك اليمنى سابقًا.”
“آه، ذلك الوغد الشبيه بالخفاش.”
كان كارتر يعرف هذا المكان.
“لا تغتري كثيرًا. من خان مرة سيخون ثانية.”
حاول فايتشي أن يستفزها، لكنها لم تُعره بالًا.
بل عقدت ذراعيها وقالت بازدراء:
“ليس همّك كيف عرفتُ الطريق. لمَ إذن تماطل في الكلام؟”
كانت عيناها تتابعان بخبث أتباعه والسحرة الذين يتحركون بشكل مريب خلفه.
“فلنختصر الكلام إذن.”
كان فايتشي نفسه يدرك أن كارتر هو من أرشدها، لكنه كان يعلم أيضًا أن إيزابيلا ليست بالسطحية لتغفل هذا الحساب.
ولهذا حتى في طريقها إلى هنا، كانت تشعر في أعماقها أن هناك فخًا.
“ما غايتك من استدعائنا إلى هنا؟”
سألته مباشرة، فأطلق ضحكة عالية.
“هاهاها! كما توقعتِ، امرأة خارقة الذكاء.”
ثم أضاف بابتسامة لا تخلو من حسرة:
“لو أنكِ وقعتِ في يدي، لرفعتُ قدركِ إلى مراتب أعلى بكثير.”
ومسح على شفتيه التي لم تزل عالقة بها ابتسامة أسف.
“أما ذلك الصغير من بيت ماكا، فلا يعرف كيف يستخدمك كما ينبغي.”
لكنها لم تُعقّب، إذ لم تكن بحاجة لتذكيره أن بيت ماكا لا يعاملون البشر كقطع شطرنج كما يفعل هو.
“على ذكره… ما باله لم يأتِ معكم؟”
“…….”
“آه، يبدو أنه أكثر وعيًا منكم، إذ فهم أنه لن يجني شيئًا من ملاحقتي إلى هنا.”
تنهد قائلًا:
“مؤسف فعلًا.”
ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة.
“لو كنتِ تعرفين أنني نصبت لكِ فخًا، لكان عليكِ ألّا تأتي.”
رفع أصابعه وهو يضيف:
“أتظنين أنه يمكنكِ منعي مهما فعلت؟ أم أنكِ تحتقرينني إلى هذا الحد؟”
فتأهبت مجموعة إيزابيلا، كلٌّ قابض على سلاحه أو مستدعٍ لأرواحه.
أما هي، فاكتفت بالتحديق فيه دون أن تتحرك.
“في كلتا الحالتين، هذا يصب في صالحي. ففريستي جاءت بنفسها إلى المصيدة.”
ثم أطلق أصابعه “طَق!”، وإذا بسحرته في الخلف يشغّلون أدوات غامضة.
“ماذا تفعل…!”
دوّى انفجار هائل قطع صوت كاساندرا.
كانوا في غابة لا تبعد كثيرًا عن العاصمة؛ مسافة ساعات مشيًا أو أقل من ساعة ركضًا.
لذلك كان من السهل ملاحظة أن الانفجارات تتوالى من جهة العاصمة.
أتباع فايتشي واصلوا تفعيل أدواتهم السحرية غير آبهين بدهشة المجموعة.
دوّي، قصف، ثم توالت الانفجارات من أماكن مختلفة في العاصمة، تقترب شيئًا فشيئًا من موقعهم.
ثم فجأة…
دوّى انفجار هائل.
حتى في الغابة الواقعة بالاتجاه المقابل للعاصمة، دوّى انفجار.
وكأن الانفجارات تتفجر في محيطهم جميعًا وكأنهم مركزها.
“ااااه!”
“ا-انفجار…؟”
“لقد انكشفنا! تراجعوا جميعًا!”
ومن جهة الانفجار انطلقت صيحات كثيرة وصوت فوضوي مفعم بالارتباك.
قطبت إيزابيلا حاجبيها.
“تواطؤ؟ ها، يا لها من نكتة مسلية.”
رفع فايتشي أداة سحرية نحو السقف المخترق.
“أن يكون وريث أسرة لويد لا يزال على قيد الحياة، بل ويتواطأ مع مملكة هيليبور! أليست هذه مصيبة كبرى؟”
“مستحيل…!”
انطلقت من كاساندرا صيحة مذعورة، فيما فغر إدوارد فاه دهشة.
أكان هذا هو الهدف منذ البداية؟
“ثم سأغدو أنا البطل الذي حاول القبض عليه وتعرض للهجوم!”
طَقة!
انطلقت الأداة السحرية من يده.
فششش! بوم!
كان أشبه بالألعاب النارية، لكنه لم يكن سوى إشارة استغاثة تكشف مكانه.
“أنقذوا الأمير فورًا!!”
رغم بُعدها، إلا أن صوتها المدوّي الذي هزّ الغابة بفضل قوة الرياح كان صوت الماركيزة مولان نفسها.
من كل صوب أخذت قوات أسرة مولان، ومعها جنود القصر الذين كانوا مختبئين تطبق عليهم.
أما الانفجارات قبل قليل، فلم تكن إلا في محيط مخبئهم.
“اللعنة، كان هذا هو الهدف منذ البداية! شريكي، يجب أن نهرب من هنا!”
“إن أُمسكنا فسيُتَّهم الجميع بمحاولة اغتيال أحد أفراد العائلة الإمبراطورية!”
صرخت كاساندرا وإدوارد على عجل مع اقتراب وقع أقدام الجنود.
لكن ملامح ثيو وجوشوا لم تتغير، بل إن إيزابيلا انفجرت ضاحكة فجأة.
“بفتت! بطل؟ أنت؟”
كان قولًا مثيرًا للسخرية حقًا.
“إنها خيانة لمن تخلص لك حقًا، وهي الماركيزة مولان، وإهانة لي أنا التي واجهتك بجدية.”
“ماذا؟”
قطّب فايتشي جبينه بسبب كلماتها الفجّة والصريحة.
“كل خطتك هذه مبنية على افتراض واحد مهم… وهو أن ذلك الرجل سيساعدك كليًا.”
وأشارت بإصبعها إلى أمير هيليبور.
حتى الآن لم ينطق الأمير بكلمة، لكن عينيه ضاقتا فجأة.
“سأساعده بالطبع. فأنا أرى أن إمبراطورية دويتشلان يجب أن تقع في يد الأمير فايتشي.”
بدت على فايتشي مسحة دهشة من اعترافه.
كان يعلم أنه يساعده، لكن لم يظن أنه سيصرّح بذلك علنًا.
أما البقية، فقد حدقوا جميعًا بأعين متسعة من وقع المفاجأة.
أمير هيليبور يؤيد فايتشي؟ أليس من المفترض أنه يكره الإمبراطورية بأسرها؟
“إنه يتفهم مملكتنا، ويقبل بالسحر، ويعترف بالعبودية… فهو الأصلح كإمبراطور مقبل…”
“كفى تزيينًا للكلام.”
تفاهات! محض تفاهات.
قهقهت إيزابيلا بسخرية.
“قلها بصراحة أيها الأمير.”
تحديقها البارد كان موجّهًا إلى الأمير فايتشي.
“أنت فقط تريد أن تجعل ابنك هو إمبراطور الإمبراطورية.”
“……!”
تشوّه وجه أمير هيليبور غضبًا، وتجمد وجه فايتشي كالحجر.
أما وجوه من خلفها فكانت آية في الدهشة.
سر لم يكن يعلمه أحد.
سر لم يكن فايتشي نفسه على علم به، وهي حقيقة مولده.
وما إن نطقت إيزابيلا به، حتى قطّب ثيو جبينه.
لم يكن وجهه وجهَ مصدوم، بل كأن كلماتها أيقظت شيئًا بداخله.
وكأن زنادًا انضغط، فإذا بصداع مباغت يجتاح رأسه.
ومضت أمام عينيه ذكريات طفولة منسية، كالشريط السريع.
‘ما الذي تقولينه؟! الأمير الثاني ليس من دم الإمبراطور؟!’
كانت أمه تحاول خفض صوتها لأقصى حد خشية أن يُسمع كلامها.
حتى إنها غطّت أذني الطفل ثيو بجانبها.
لكن همسها تسرّب رغم ذلك.
‘ومن غيرك يعلم؟’
‘أوفيليا.’
‘لا يمكن… ألهذا السبب كانت السيدة أوفيليا هدفًا للإمبراطورة؟’
‘لسنا متأكدين. لكن المؤكد أن الإمبراطورة لم تقتلها بدافع غيرة عاطفية، بل لأنها لا تتردد في القتل متى تعلق الأمر بهوسها.’
بعدها دار نقاش طويل بين والديه عن كيفية التعامل مع هذه الحقيقة.
نسي ثيو معظم التفاصيل، لكن ما ظل راسخًا في ذاكرته أن والده كان على علم بالأمر.
وهكذا أدرك يقينًا أن سبب رغبة الإمبراطورة في محو أثر أسرة لويد لم يكن لعنة الإمبراطور وحدها.
لقد كانت أسرة لويد تعرف أكثر مما ينبغي.
كانت تعرف ما يجعلها ‘خطرًا لا بد من محوه.’
*****
ترجمة : سنو
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول. وممكن لو انحظر حسابي بعيد الشر بتلاقوني هناك
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
التعليقات لهذا الفصل " 103"