قبل ثلاثة أشهر، عثر فايتشي على جوهرة نادرة في مكان لم يكن يتوقعه.
ومن أجل أن يظفر بها، كان يتصرف بأقصى درجات الحذر والحرص.
لكن الفريسة التي ظن أنه أمسك بها بإحكام، أفلتت من بين يديه كسمكة زلِقة.
“ كارتر.”
نادى فايتشي أقرب رجاله وأكثرهم ثقة.
“ هل لديك أي تخمين عن مكانها؟“
“ إن كان قد اكتشفت إن حبيبها هو أحد أولئك المدنيين الخمسة الذين أُشيد بهم كأبطال الحرب في الصحف، فالأرجح توجهت إلى العاصمة.”
“ مرّت ثلاثة أشهر منذ انقطعت رسائلها، وتقول إنه ما زال مخلصًا لها؟“
“ رغم عدم تلقيه أي رد، إلا إنه استمر في الكتابة حتى وقت قريب.”
عند هذا الرد المنطقي، نقر فايتشي بلسانه مستاءً.
“ مظهر وسيم لا أكثر، أما غير ذلك فهو مجرد نكرة قذر من أصول وضيعة، ومع ذلك يتصرف وكأنه يملك العالم.”
تذكر فايتشي تلك الفتاة التي رآها قبل ثلاثة أشهر.
شعرها المجعد الكثيف بدا مبعثرًا ككتلة طين، لكن عينيها الخضراوين البريئتين كان فيهما شيء يستحق النظر.
ومع ذلك، فالوضيعة تبقى وضيعة.
أن تحاول امرأة من عامة الناس التملص من قبضته بهذه الطريقة… كان ذلك استفزازًا لا يُحتمل.
“ ربما كان عليّ أخذها قسرًا في ذلك الوقت.”
في الحقيقة، لم يكن فايتشي ليهتم بها لولا ليكالدو ماكا.
أثناء الحرب، سمع عن ظهور مستحضِر أرواح في وحدة ليكالدو، فأثار الأمر فضوله للحظة.
لكن ما إن علم بأنه من الدرجة الدنيا، حتى فقد اهتمامه.
فمكانته لا تستدعي أن يهتم بمن هم في هذا المستوى.
ورغم ما تردد عن أن ليكالدو يوليه عناية خاصة، فقد اعتبر الأمر طبيعيًّا.
فبيت ماكا، الخالي من مستحضري الأرواح، يحتاج حتى لأضعفهم.
لكن …
من كان يظن أنه سيتحول من مستحضر من فئة الدنيا إلى واحد من الفئة العُليا؟
في غضون أشهر قليلة، ذاعت صيته حتى القصر الإمبراطوري.
وبفضل قدرته الهائلة على الشفاء، نجا المئات من الجنود من الموت.
وهذا الرجل… تابع لـ ليكالدو ماكا؟
أدرك فايتشي حينها مدى خطورة الوضع.
فماركيز ماكا الذي يتمتع أصلًا بصورة النبيل النزيه الصادق، يحظى بالفعل بثروة ضخمة ودعم واسع من سكان إقليمه، ناهيك عن قربه من ولي العهد.
ولو أصبح هذا الرجل جزءًا من حاشيته، فسيكسب ولي العهد دعمًا لا يُستهان به.
بذل فايتشي الكثير لقتل نفوذ ولي العهد، بما في ذلك اللجوء إلى طرق ملتوية وقذرة، ولن يسمح الآن بأن تنهار جهوده بهذه السهولة.
( م. من كان قد نسي وجود ولي العهد وقد ظنه هو نفسه فايتشي ف هو على خطأ ، فايتشي ليس ولي العهد راجعو الفصل 0 وبيت ماكا يدعم ولي العهد وليس فايتشي)
توجب عليه التخلص من ذلك المستحضِر بأي وسيلة كانت.
سواء بإبعاده عن ليكالدو، أو استمالته إلى جانبه، أو حتى إزالته من الوجود.
لكن إرسال قاتل لاغتياله لم يكن مقنعًا في نظره.
بدا له أمرًا رخيصًا وغير نبيل.
كان يريد ضربة أعمق، موجعة بحق، توجه إلى قلب ليكالدو.
وبينما كان يتحرى خلفيته… كانت المفاجأة.
له محبوبة في مسقط رأسه.
ولا يوجد ما هو أسهل من التأثير على رجل واقع في الحب.
فكّر طويلًا في أفضل طريقة لاستغلال هذه المعلومة الثمينة.
هل يخطف الفتاة؟
لا… قد يتدخل بيت ماكا حينها وتتعقّد الأمور.
وفي النهاية، توصّل إلى أن أنجع وسيلة ليست بالإجبار، بل بأن تكون الفتاة نفسها مَن ترفض الرجل الذي تحبه.
لذلك قرر فايتشي أن يتصرف بنفسه.
فما من امرأة في هذا العالم تستطيع مقاومة إغوائه إذا أراده.
صحيح أن الأمر قد يتطلب وقتًا وجهدًا، لكنه كان مدفوعًا بفضول لا بأس به أيضًا.
أن يحافظا على مشاعرهما طيلة عام ونصف من الحرب، من خلال الرسائل فقط… إنه أمر لا يُصدق.
وما دام هذا الحب نقيًّا إلى هذا الحد، فإن تمزيقه سيكون أكثر إمتاعًا.
ومن هنا، توجّه فايتشي إلى كوم، حيث تقيم الفتاة.
وبما أن المنطقة تقع ضمن أراضي الماركيز، تحرّك بسرّية تامة.
* * *
في ذلك اليوم، لم يكن يخطط سوى لرؤية وجهها، لكن ما وجده عند وصوله تجاوز توقعاته.
“ هلّا ساعدتِني؟ لقد ضللت طريقي.”
لم يكن من الصعب العثور عليها، إذ لم يكن في كوم من تُدعى إيزابيلا سوى واحدة.
“ ما الأمر؟“
“ أبحث عن نُزل قريب.”
“ آه، في هذه الحالة، إن تابعت السير في هذا الطريق، ستجد متجرًا للفواكه، وبعده…”
“ أخشى أن أنسى الطريق… هلّا رافقتِني؟ وسأكون ممتنًا لكِ.”
“ بالطبع، شوارع كوم معقدة نوعًا ما، أليس كذلك؟“
‘ هل لأنها عاشت دائمًا في الريف، فهي لا تملك أي حسّ بالخطر؟‘
تظاهر فايتشي بأنه تائه، فساعدته دون أن تشعر بأي ريبة.
وأثناء حديثها، راح يراقبها بعين فاحصة.
شعرها البُني المجعّد كان بسيطًا وأنيقًا.
يداها الصغيرتان تتحركان بخفة، وصوتها الرقيق كان محببًا.
وأثناء النظر إليها، اشتعل شيء في أعماقه.
وخز في أطراف أصابعه، ونَفَس امتلأ بالرغبة.
لم يتأخر في معرفة ذلك الإحساس.
كان الشعور ذاته الذي انتابه عندما حصل أخوه لأول مرة على حيوان أليف.
رغبة في الامتلاك.
شهوة التملّك الجامحة.
رغبة في تحويلها إلى دميته الخاصة.
“ هذا هو المكان. يبدو متواضعًا من الخارج، لكنه نظيف ومريح من الداخل.”
“ شكرًا لكِ. لا أدري كيف يمكنني ردّ هذا الجميل…”
أخفى فايتشي مشاعره الحقيقية، وارتدى ملامح الأسى والتقدير.
“ ماذا تعني بالجميل؟ لقد كانت مجرد نزهة لطيفة. أرجو لك وقتًا هادئًا وسعيدًا.”
“ لحظة فقط.”
أمسك بها قبل أن تبتعد.
“ أليست هذه فرصة لطيفة؟… ما رأيك أن نتناول العشاء سويًا؟“
قال ذلك وهو يبتسم بتلك النظرة التي تذوب فيها معظم النساء.
لكنها نظرت سريعًا إلى الرسالة التي كانت في يدها، ثم هزت رأسها بلطف.
“ أعتذر، لدي مشاغل هذا المساء.”
“ إذن، ماذا عن الإفطار غدًا؟ أحب أن أكرمك.”
“ آسفة، لكنني لا أتناول الإفطار عادة.”
قالت ذلك وهي تحتضن الرسالة بقوة إلى صدرها، ووجهها يشي بشعورٍ من الضيق والتوتر.
كان رفضها أكثر حزمًا مما توقع، وبينما كان يفكر في طريقة لإقناعها، حدث شيء غير متوقع.
“واو !”
قالتها وهي تبتسم بسعادة، وقد لاحظت شيئًا عند قدميه.
“ يا إلهي، مرحبًا! هل أنت أيضًا روح؟“
“ ه– هل ترين هذا الكائن؟“
لقد كان إغنيس الروح النارية الذي عاد بعد أن أرسله في جولة استطلاعية لفهم جغرافيا كوم.
رغم أنه كان في وضع التخفي، فقد رأته بدقة.
“ بالطبع أراه، لونه الأحمر واضح كاللهب. مذهل! أرواح النار حمراء فعلًا مثل النار.”
كانت تتحدث بعفوية مطلقة، دون أن تدرك كم أن ما رأته هو أمر استثنائي.
“ هل يمكنني لمسه؟ لم أرَ من قبل سوى أرواح الماء، لذا هذا مثير فعلًا!”
“… بالطبع، تفضلي.”
جلست القرفصاء أمام إغنيس، ومدّت يدها بفضول بريء.
وإغنيس على غير العادة، لم يُظهر أي نفور وقَبِل لمستها بسهولة، مما جعل فايتشي يدرك أن لديها قدرة تواصل روحية عالية.
‘ مجرد فتاة من العامة، وتملك هذه القدرة الفطرية التي تفوق مستوى المستحضر المتوسط؟‘
بدت الدهشة في عينيه، ثم ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.
“ يا إلهي، الوقت تأخر أكثر مما ظننت… سأعود الآن. سعدت بلقائكِ.”
غيّر خطته التي كان قد أعدّها سابقًا.
“ آه، بالمناسبة… من الأفضل ألا تتحدثي علنًا عن قدرتك على رؤية الأرواح.”
بدأ يفكر في حبكة أكبر… شبكة عنكبوت جديدة بحاجة إلى أن تُنسج.
“ نلتقي مجددًا في وقت ما.”
* * *
كان قد بدأ خطته بقطع رسائل محبوبها ليزعزع قلبها.
“ أوقفت المراسلات بصعوبة لأثير شكوكها… تشه.”
في الواقع، لم يكن من السهل قطع الرسائل.
فهما لم يتوقفا تقريبًا عن تبادل الرسائل يومًا واحدًا!
على مدى ثلاثة أشهر فقط، تسللت أكثر من مئة رسالة على الأقل!
يكتب ولا يأتيه رد، ويواصل الكتابة… ما أشد عنادهما وسذاجتهما.
ومع ذلك، كان واثقًا أن ثلاثة أشهر كافية لزرع بعض الشكوك في قلبها.
حتى لو لم تظهر عليها، فلا بد أن في داخلها بعض التردد.
وبما أن الحرب بدأت تضع أوزارها، واقترب موعد الفعالية الكبرى للجمعية، فقد رأى أن الوقت مناسب تمامًا للانتقال إلى المرحلة التالية من خطته.
لكنها اختفت فجأة!
لم يعرف كيف يتعامل مع هذا العبث غير المتوقع.
“ ظننت أنها ستبقى في دار الأيتام حتى تبلغ العشرين… لقد كنت ساذجًا.”
أنهى لحظة تأمل قصيرة، ثم بدأ على الفور بإعادة ترتيب خطته.
“ كارتر، افحص كل بوابات العاصمة. لا تفوّت أي شخص يشبهها شكلًا أو اسمًا.”
“ أمرٌ مفهوم.”
“ ابحث عن جميع النُزل التي قد تناسب فتاة في مستواها.”
“… وماذا عن منطقة باتوكا؟“
النُزل التي يمكن أن تقيم فيها فتاة ريفية من العامة محدودة، وأغلب النزل الكبيرة هناك تتبع نقابة باتوكا.
“ تشه، تلك المرأة لن تتعاون معنا، راقبوا النُزل المحيطة فقط.”
هز فايتشي رأسه بانزعاج.
لم تكن علاقته بسيدة نقابة باتوكا على ما يرام.
حتى إن كانت العملية في غاية الأهمية، آخر ما يريده هو التورط معها.
“ حسنًا. سأوافيك بأي تقدم.”
ودّعه كارتر بعينين ميتتين، كمُجرد دمية تحرّكها الأوامر.
أما فايتشي، وقد أضاع دميته الجديدة، فقد لمع بريق شرس في عينيه الحمراوين لم يسبق له أن بدا بهذا الشكل.
* * *
أما إيزابيلا، فبسبب حلم غريب لم تستطع النوم مجددًا تلك الليلة.
وما إن بزغ الصباح حتى بدأت تستعد للخروج.
رغم أن جسدها مثقل بالإرهاق، فإن الأعمال التي تنتظرها لا تتيح لها الاستراحة.
وما إن خرجت من الغرفة، حتى شعرت بخطى خلفها، لم تكن خفيفة كخطى قاتل، بل أثقل قليلًا…
كان بمقدور قدراتها المرتبطة بروح الأرض نووم أن تستشعرها.
عرفت على الفور أن من يتبعها هم أولئك الذين أرسلهم الماركيز.
‘ يعرف أنني أملك نووم، ومع ذلك أرسل مراقبين يبدو أنه لا يريد حتى أن يخفي نواياه.’
ربما كان من الممكن تفسير ذلك على أنه اهتمام.
_________
لمه تم ذكر الروح إغنيس في الفصل9 غلطت في الترجمة لانو ولا مره تم ذكره المفروض انو ايزابيلا شافت الروح مو فايتشي اعذروني ترجمة هاي الروايه صعبه كتير (  ̄∀ ̄ ) ومراح اعطيكم أمل زائف الروايه يمكن حيمديني ابدا فيها في شهر 8 ويارب اخلصها بسرعه بعد روايه معلمي قد جن.
فتحت جروب تيليجرام يضم الرواية هذه PDF واقسام طلبات لرواياتي ومستقبلًا نسوي فعاليات وهيك وقسم للسواليف عن الروايات ويمديكم ماتسولفون وبس تقرأون ❤️ !
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
ترجمة : سـنو.
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 10"