امرأةٌ وُلدت في بيئة متواضعة، لكنّها استطاعت تغيير قدرها بفضل الأرواح.
هكذا كانت تُعرّف إيزابيلا، وكان هذا الوصف يلاحقها طَوال حياتها كظلّ لا يفارقها.
في إمبراطورية دويتشيلان، كانت الأرواح تجسيدًا للقوة.
ولأنّ التوافق مع الأرواح يعتمد بشكل كبير على الوراثة، كانت السلطة تؤول تلقائيًا إلى من يتمتعون بقدرة توافقٍ عالية، مما عزّز الاعتقاد بأن الأرواح امتيازٌ يخصّ النبلاء وحدهم.
روحٌ متوسطة المستوى كانت توازي في قوتها عشرات السحرة، أما الأرواح العليا فكان يمكنها مجابهة نخبة فرسان أقوى الأسر النبيلة.
ومع ذلك، نادرًا ما كان يُولد طفلٌ بقدرة توافق عالية لأبوين ذوي توافقٍ ضعيف.
كان الناس يطلقون على هؤلاء اسم “الطفرات“.
وكانت إيزابيلا واحدةً منهم.
كثيرٌ من العامة كانوا يحسدون حياة الطفرات.
فهم لا يكتفون بجذب انتباه النبلاء ونيل رعايتهم، بل وحتى الزواج منهم!
كان الجميع يظن أنّها حياةٌ مفعمة بالحظّ الجيد.
وإيزابيلا كذلك، عندما علمت لأول مرة أنها من تلك الطفرات، ظنّت أن باب حياة جديدة قد فُتح لها.
لكن الحقيقة أنّ تلك المعرفة كانت بداية سقوطها في الهاوية.
“اقبضوا فورًا على الأرواحية(مُستدعية الأرواح) إيزابيلا، بتهمة محاولة اغتيال ولي العهد!”
بهذا الإعلان من قائد فرسان القصر، اندفع الجنود ليكبّلوها.
إيزابيلا، التي خاضت معركة ضارية منذ قليل لكبح جماح الأرواح الهائجة، كانت قد استنفدت كامل قواها، ولم يعد لديها ما يكفي لتقاوم.
كما أنّها كانت تدرك تمامًا ألا جدوى من المقاومة.
“بيلا… كنت أؤمن بك… كيف طعنتِني في ظهري؟“
لكنها كانت تعرف الحقيقة.
كلّ هذا كان جزءًا من مكيدةٍ دُبرت بذكاء.
“كيف لي أن أصف هذه الخيانة…”
قالها وهو يحدّق فيها بنظراتٍ مفعمة بالألم، وكأنّ قلبه على وشك الانهيار، بينما كانت هي موثوقةً بإحكامٍ أمامه.
شعرٌ ذهبي هادئ، وبشرةٌ ناصعة…
بملامحه الجذّابة وقدرته الفطرية على كسب تعاطف الجميع، بدا منظره مثيرًا للشفقة في عيون الحاضرين.
لكن إيزابيلا كانت تعرف ما تخفيه تلك العينان الحمراوان من قسوةٍ واختلالٍ داخلي.
فايتشي كريستوفر فون دويتشلان.
أمير الإمبراطورية، وأخ غير شقيق لوليّ العهد الذي اتُّهمت إيزابيلا بقتله.
لقد كانت هذه كلها خطّته.
سقطت في شَرَكه، وانتهى بها الأمر إلى هذه الحالة.
لكن من سيصدّق أنّ كل شيء كان لعبةً مدبّرة، وأنها لم تكن سوى دميةٍ يحركها كما يشاء؟
ففي أعين الناس، فايتشي أميرٌ محبوب يُضرب به المثل في الاحترام والتقدير، بينما إيزابيلا ليست سوى امرأةٍ طمّاعة، تجاوزت حدودها، فكان مصيرها العقاب كـ“شريرة القرن“.
“خُذوها!”
زمجر قائد الفرسان، ودوّى صوته في الأرجاء.
* * *
في الماضي، كانت إيزابيلا تثق به.
هو من رأى موهبتها، وهو من انتشلها من حياة العامة و“أنقذها“.
“يكفي أن تثقي بي، فقط اتبعيني.”
كان هو من علّمها آداب النبلاء وكل ما تحتاجه لتندمج في عالمهم، الذي لم تكن تعرف عنه شيئًا.
وقد صدّقته، لأنه كان محبوبا من الجميع، رقيقًا دائمًا، ويبدو صادقًا إلى أبعد حد.
“لا بد أن أمتلك السلطة كي أستطيع حمايتك… تفهمين ذلك، أليس كذلك؟“
صحيحٌ أنه كان يطلب منها أحيانًا ما يتعارض مع الأخلاق أو ما ينافي فطرتها، وكانت تتردد أو تشعر بالانزعاج.
لكنها كانت تظن أنّه على حق، وأنّ كلماته قانون، لأنه ليس أيّ أحد، بل أمير.
“ما أفعله من أجلي… هو في الحقيقة من أجلكِ أنتِ.”
تكررت كلماته كثيرًا، حتى ترسّخت في عقلها فكرة أن طاعته هي السبيل الوحيد للنجاة.
ثم، ومع مرور الوقت، توقفت عن سؤاله عن الأسباب، وبدأت تنفّذ أوامره دون نقاش.
تحوّلت تدريجيًا إلى دمية لا تفكر بنفسها… دون أن تنتبه.
اختلطت في ذهنها الحقيقة بالوهم، ولم تعد تميّز بين الواقع والخيال… لكنها لم تشعر بأنّ هناك خطبًا ما.
حتى جاء يومٌ، وبمحض الصدفة، اكتشفت أنه كان يُجبرها على تناول دواءٍ سحري، ويستخدم عليها تعويذات للتحكم بعقلها.
كانت صدمة.
لأن الخيانة كانت بنفس عُمق الثقة التي منحتها له.
لكن ما هو أشدّ إيلامًا… أنّ معرفتها بالحقيقة لم تغيّر شيئًا.
فمحاولتها للمقاومة كانت تجرّ عليها صداعًا فظيعًا، وكأنّ جمجمتها تتصدّع، وإذا استمرت في المقاومة، كانت تتألم وكأن جسدها يتحطّم.
وفي النهاية، اكتشف فايتشي ذلك، وتخلّى عنها.
لكن يبدو أنه لم يشأ أن يتخلّى عنها ببساطة، فاستغلّها حتى آخر لحظة، واستخدمها كقطعة شطرنج في لعبته.
وكانت النتيجة… سجنها في زنزانة قصر الإمبراطورية.
بتهمة قتل وليّ العهد.
فايتشي، الذي لطالما حلم بتجاوز أخيه وتولي ولاية العهد…
‘لم أظن يومًا أنه قد يجرؤ فعلًا على قتل أخيه…’
استخدم فايتشي إيزابيلا وسيلةً لقتل شقيقه، ثم حمّلها الجريمة لتخرج يداه نظيفتين من الدم.
كان من السذاجة أن تظن أنه سينازله وجهًا لوجه بقوته ونفوذه فحسب.
أما إيزابيلا، فقد بذلت ما بوسعها لإنقاذ ولي العهد حتى اللحظة الأخيرة.
لكن الأرواح التي انفلت زمامها لم تكن شيئًا يسع حتى لمستدعية أرواح من مستواها أن تسيطر عليه.
فشلت في إيقاف تلك الأرواح، وعُثر عليها مغمىً عليها قرب جثة ولي العهد. ولم يكن أحدٌ مستعدًا لتصديق براءتها، فسُحلت إلى زنزانة تحت الأرض بتهمة الخيانة.
قضت أيامًا بلياليها تتعرض للاستجواب، الذي كان في حقيقته تعذيبًا مروّعًا.
قيل إن فتاة من عامة الشعب ما كان لها أن تقدم على شيء بهذا الحجم وحدها، وطُلب منها أن تفضح من يقف خلفها.
‘مهما قلت إن فايتشي هو من دبر كل شيء، لن يصدقني أحد، فعمّ أفضح إذًا؟‘
ولم يتوقف التعذيب إلا حين تحطم جسدها بالكامل.
وحين تُركت أخيرًا وحدها في الزنزانة، تمددت على الأرض الباردة، وعيناها شاخصتان إلى السقف الحجري.
ضحكت بسخرية.
‘ذهني صافٍ… يا لسخريّة القدر.’
من الغريب أن اختفى السحر العقلي الذي قيّدها لسنوات، بعدما تحطم جسدها تمامًا.
كم مضى من الوقت منذ أن فكرت بوضوح بهذا الشكل؟ كانت تشعر بالاشمئزاز من حالها.
‘في أي لحظة ضللت الطريق؟‘
“منذ أن وثقت بفايتشي؟“
‘أم منذ أن صدّقت قوله إنني أستطيع أن أكون مستدعية أرواح؟‘
‘لماذا سرت خلفه أصلاً؟‘
‘آه… نعم… ثيو.’
كان شخصًا عزيزًا وثمينًا، لا تكفي كلمة ‘الحب الأول‘ وحدها لوصفه.
ثيو…
‘خطئي كان أني لم أثق بك منذ البداية.’
كان طفلًا التحق بدار الأيتام بعد بضع سنوات من قدومها، لكنه سرعان ما أصبح مقربًا منها.
نشأا معًا، وتشاركا الأحلام، وتعاهدا على مستقبل مشترك.
لكن الحرب اندلعت فجأة، وسُحب ثيو إلى ساحة المعركة.
ولحسن حظه، أصبح من أبطال الحرب، ونال مديحًا واسعًا، حتى مُنح لقبًا شرفيًا، وصار من المقرّبين إلى ولي العهد.
وكانت تلك بداية المسافة بينه وبين إيزابيلا.
بدأ كل شيء بأمر بسيط:
‘الرسائل…’
توقفت رسائله فجأة مع اقتراب نهاية الحرب.
كان يرسل رسائله بانتظام، وحين انقطعت، شعرت بالقلق. تساءلت إن كان قد أُصيب أو سقط.
لكن سرعان ما وصلها نبأ نجاته، واطمأنت.
إلا أن فايتشي بدأ ينفث سمّه، يهمس في أذنها:
“الآن بعد أن حصل على لقب، لا شك أنه نسي أمر دار الأيتام وأهله.”
تزامن انقطاع الرسائل مع انتشار خبر منحه لقبًا شرفيًا، وهذا زاد الشكوك اشتعالًا في قلبها.
ذلك الشك الصغير سرعان ما استحال غضبًا عارمًا وخيبةً جارفة.
‘أنا مجرد فتاة يتيمة من عامة الشعب، لم أعد تليق بمقامه!’
وحين واجهته ذات مرة:
“ما الذي تقولينه يا بيلا؟ ربما شعرتُ أحيانًا أنك أرفع مني شأنًا، لكنني لم أفكر يومًا أنك دوني.”
“والآن بعدما رُزقتُ بموهبة استدعاء الأرواح، بدأت تندم على التخلي عني، أليس كذلك؟“
“أنا لم أتخلَّ عنك قط… كنتِ عالمي كله، فكيف لي أن أبتعد عنك؟“
لكنها، وقد ملأها الغضب، رأت في كل أفعاله نوايا خبيثة، وفي كل كلماته أكاذيب.
أصبحت تكرهه من أعماقها، وكرهًا فيه، التحقت بفايتشي.
‘أتظن أنك وحدك مستدعي أرواح؟ سأصبح أعظم منك، وأجعلك تندم!’
كان دافعها في البداية مجرد غضب طفولي وأحمق… ورغبة بالانتقام.
‘لكن لم أكن أعلم أن كل ذلك كان مجرد فخّ نُصب لي بعناية.’
تبيّن لاحقًا أن ثيو لم يتوقف عن إرسال الرسائل أبدًا.
بل كان فايتشي هو من تعمّد اعتراضها، وإخفاءها عنها، كي تظن أنه تخلى عنها.
كل شيء كان خدعة. كل ما قاله ثيو كان الحقيقة.
‘لو أنني أدركت حقيقة السحر مبكرًا، وصدّقته منذ البداية…’
تذكرت تلك الأيام البعيدة، وأغمضت عينيها.
تذكرت كيف كان ثيو، رغم كل شيء، يمدّ يده لها في كل مرة.
‘ذلك الأحمق… لم يستطع حتى أن يتركني.’
كانت تؤذيه، تخونه، وتصدّه، ومع ذلك بقي على قربٍ منها، يرضى بأن يُستغل، ويُؤذى.
منهم من رآه عاشقًا وفيًا كزهرة دوّار الشمس، ومنهم من رآه مغفّلًا قدّم لها قلبه وحياته بلا حساب.
‘لابد أنه الآن قد فقد كل مشاعره تجاهي.’
حتى لو كانت التهمة ملفقة، فهي متهمة بقتل ولي العهد.
وثيو مهما كان، لا يمكن أن يغفر لها ذلك.
‘ومع هذا… لم أستطع كبح نفسي عن الاشتياق إليه. هل هذا جُبن؟ أم وقاحة؟‘
‘أفتقده… حدّ الجنون.’
حين انكشفت لها مؤامرة فايتشي وكل ما فعله من سحر وخداع، رغبت فورًا أن تركض إليه.
أن تعتذر… أن تبكي بين يديه كما كانت تفعل قديمًا.
لكنها لم تستطع.
كانت الأشواك التي غرستها بيدها بينهما كثيرة، وعميقة ومؤلمة.
‘كل هذه مجرد أفكار جوفاء الآن.’
تنهدت بمرارة، ساخرةً من حياتها البائسة.
وفجأة، دوّى صوت فتح باب الزنزانة الحديدي.
ظنّت أنه الجلّاد، جاء ليبلغها بموعد تنفيذ حكم الإعدام.
لكنّ من دخل لم يكن الشخص الذي توقّعته أبدًا…
ترجمة : سنو
واتباد : @punnychanehe
الاحتياطي : @punnychanehep
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"