1
━━━●┉◯⊰┉ الفصل 1 ┉⊱◯┉●━━━
لقد أضعتُ كلَّ ثروتي بسببِ القمار.
“آنسة، هل أنتِ بخير…؟”
سألها الرجلُ العجوزُ الذي كان يقفُ بجانبها بنبرةٍ تفيضُ بالقلق، فردّت تانيا بابتسامةٍ خفيفةٍ ارتسمت على شفتيها.
“أنا بخير، فقط…لقد دُمّرت حياتي بالكامل.”
رغمَ أنَّ كلماتها جعلت الجوَّ أكثرَ كآبةً، إلّا أنَّ
تانيا لم تفقدْ ابتسامتها الواثقة.
وجهها الفتيُّ الجميل الذي بدا وكأنّها قد أصبحتْ راشدةً حديثًا لم يكنْ يتناسبُ مطلقًا مع أجواءِ صالةِ القمار.
“أن تهتمَّ بشخصٍ آخرَ في مكانٍ أشبهَ بالسيرِ على الجليدِ كصالةِ القمار…يا لكَ من شخصٍ طيّب.”
قالت تانيا وهي تلفُّ خصلةً من شعرها الذي يتألّقُ بلونٍ ورديٍّ ذهبيٍّ فاتحٍ حولَ إصبعها.
“آه…يبدو أنَّ القمارَ لا يناسبني حقًا. لقد كدتُ أن أقعَ في مشكلةٍ كبيرة.”
نظر إليها الحاضرون بوجوهٍ تقول:
‘يبدو أنَّ المشكلةَ قد وقعت بالفعل.’
“لا أعلمُ مدى ثراءِ عائلتكِ، لكن يبدو أنَّ هذا المبلغَ…”
رغم كلماتِ القلقِ التي انطلقت من كلِّ جانب، لم تُظهر تانيا سوى ابتسامةٍ ملؤها السأم.
“صحيح، هذا المبلغُ يكفي لشراءِ عدّةِ بناياتٍ في وسطِ العاصمة.”
لكن مَن الذي جمعَ تلك الأموال؟
كانت تانيا تدركُ قيمةَ ذلك المبلغِ
أكثرَ من أيِّ شخصٍ آخر.
“ولكنْ هذه الجولةُ ليستْ خطئي. لقد قامَ الطرفُ الآخرُ بالغشِّ وسرقةِ الأوراق، فلا يوجدُ سببٌ يدعوني لخسارةِ المال، أليس كذلك؟”
كانت متأكدةً من أنَّها حفظتْ كلَّ الأوراق، لكنَّ النتائجَ كانت تخالفُ توقعاتِها مرارًا.
“لهذا السببِ لا يجبُ أن تلعبَ ضدَّ المحتالين.”
تمتمت تانيا وهي تلوّحُ بلسانها وكأنّها تتحسّرُ على الوقتِ الذي أضاعته، ثم رفعت كتفيها بخفّة.
‘لكنْ لا بأس. أستطيعُ حلَّ الأمرِ باستخدامِ قدراتي.’
من البداية، لم تكنْ طريقتُها في اللعبِ نزيهةً تمامًا، فقد حفظت الأوراقَ مسبقًا.
عندما أوحتْ تانيا بأنَّها على وشكِ قلبِ الطاولة، بدأ الحُرّاسُ يقتربون منها بحذر.
عندها عبست قليلًا، وكأنَّها تتضايقُ من الضغطِ الذي فرضوه عليها.
“للأسف، لا أمتلكُ القوةَ الجسديّة الكافية. لكن لحسنِ الحظ، لديَّ عادةُ الحفظِ الجيّد.”
ابتسمت تانيا بصفاءٍ وهي تشاركُ الآخرين شعارَها الشخصي:
“لنُحوّلَ الحفظَ إلى أسلوبِ حياة. النسخُ الاحتياطيُّ ليسَ خيارًا بل ضرورة.”
[استدعاءُ المنظورِ الأول]
في لحظةٍ، تبدّلت المشاهدُ وانقلبتِ الرؤية.
ما إن استخدمت تانيا قدراتِها حتى اختفت هي وجميعُ الموجودين في صالةِ القمار، ولم يتبقَّ سوى السكونِ الذي عمَّ المكان.
لا، لم يكن الأمر اختفاءً، بل إنَّ كلَّ ما حدثَ قبلَ لحظاتٍ أصبح وكأنّه لم يكن.
✦ ✦ ✦
وقفتُ أمامَ البابِ المغلقِ بإحكامٍ وأنا ألعبُ بأصابعي بتوتر.
قبل أن أغادرَ إلى مكانٍ بعيد، جئتُ لرؤيةِ صديقي الوحيد إليسيون.
لكنَّ فكرةَ أنَّ هذه قد تكونُ آخرَ مرةٍ نلتقي
فيها جعلتني أعجزُ عن طرقِ الباب.
‘…لحظة. هل نحن أصدقاءُ فعلًا؟’
بينما كنت أفكّرُ في طبيعةِ علاقتنا الغامضة، طردتُ تلك الأفكارَ من رأسي وطرقتُ البابَ بخفّة.
“سيون، لقد أتيتُ.”
عندما طرقتُ بابَ مختبره، تسلّلت من الداخلِ همهمةٌ منخفضة:
“لا يوجدُ أحدٌ بهذا الاسم.”
عذرًا؟ إذن مَن الذي يتحدثُ بصوتهِ المألوفِ الآن؟
رغم أنني فكرتُ في اقتحامِ البابِ عنوة، قرّرتُ أن أتحلّى بالصبرِ وانتظرتُ أن يفتحَ البابَ بنفسه.
“لا بأس. سأحبسُ أنفاسي حتى تفتحَ الباب.”
وهكذا، بعد عشرِ دقائق…
نطقتُ بصوتٍ مرتفعٍ ملؤه الخيبة، كي يسمعني جيّدًا:
“يا قاتل! لقد كنتَ ستُميتني خنقًا!”
تركه يغلقُ البابَ عليّ طوالَ هذا الوقتِ
كان تصرفًا قاسيًا للغاية.
في تلك اللحظة، بدا أنَّ صرختي وصلَت إليه، حيث فتح البابَ المغلقَ بواسطةِ السحر.
أوه، إذن كنتَ ستفتحُه في النهاية.
دخلتُ إلى مختبره وأنا أرفعُ كتفي بخفّة.
“هاي. يبدو أنَّك مشغول.”
كان إليسيون يضعُ الريشةَ التي كان يكتبُ بها بحذرٍ على الطاولة، ثم نظر إليَّ بابتسامةٍ مفعمةٍ بالمزاح.
“تانيا، ألم أطلبْ منكِ أن تخبريني إذا
احتجتِ شيئًا قبلَ سنة؟”
كان واضحًا من ابتسامته أنَّه يمزح.
طلبُ الإبلاغِ قبل سنة؟ هذا يعني ببساطة أنَّه لا يريدُ مني طلبَ أيِّ شيءٍ على الإطلاق.
“لقد جِئتُ اليوم فقط لأنّني أردتُ رؤيتكَ، فهل أعودُ الآن؟”
“…مرحبًا بِكِ في مختبري.”
بدا أنّ عبارتي: ‘أردتُ رؤيتك’ قد أبهجَته، إذ نهض من مكانه وبدأ بتحضيرِ الشاي بيدَيهِ بنفسه.
كان يُحرِّكُ يديه بانشغالٍ، بينما يُلقي عليَّ نظراتٍ متسائلة بين الحينِ والآخر.
“أن تأتي لرؤيتي دون أن يكون لديكِ
طلبٌ ما… هذا أمرٌ…”
“الأولُ من نوعِه.”
“هل حدثَ أمرٌ ما؟”
شعرتُ للحظةٍ أن تعابيرَ وجهي قد أفلتت من سيطرتي عندما أصابَت كلماته كبدَ الحقيقة.
لكنّني سرعانَ ما استعدتُ رباطةَ جأشي، وسألتُه بنبرةٍ ماكرة:
“سيون، هل سبقَ لكَ أن أضعتَ وثيقةً كنتَ تعمل عليها بِجدٍّ، إمّا بسبب خطأ غير مقصود أو حادثٍ مفاجئ؟”
مثلما يحدثُ، حينَ تحاولُ حفظ الملفّ، فتظهر فجأة شاشةُ الموت الزرقاء…
أو حين ينقطعُ التيارُ الكهربائي قبل الحفظ…
أو حتى عندما تقومُ، دون قصدٍ، بالكتابة فوق ملفٍّ مكتملٍ بآخرَ جديد.
عند سؤالي هذا، عَقدَ إليسيون حاجبَيه بضيقٍ واضحٍ، وقالَ بنبرةٍ متأففة:
“لماذا تطرحين فجأةً مثل هذه الكلمات البائسة؟”
“أوه، وجهُكَ الآن يُثيرُ الفضول!”
رفعتُ زاويةَ شفتي بابتسامةٍ جانبية. حيث كان ردُّ فعلهِ أكثرَ إمتاعًا ممّا توقّعت.
حسنًا، باعتباره ساحرًا، فلا بدّ أنه قد تعرّض لمثل هذه الكوارث كثيرًا.
على سبيل المثال، أن تضيع أبحاثٌ استغرقت شهورًا بسبب انفجارٍ وقع أثناء العمل…
“على أيّ حال، كيف تشعرُ في تلك اللحظات؟”
“أرغبُ في تركِ كلِّ شيءٍ خلفي.”
“وماذا أيضًا؟”
“أتمنى لو بإمكاني إعادة الزمن إلى الوراء.”
“بالضبط.”
ابتسمتُ بهدوءٍ ثم شاركتُه فكرةً كنتُ أخفيها في قلبي طوال هذا الوقت:
“في الحقيقة، حياتي الآن تبدو كذلك…أرغبُ في العودة إلى البداية، لأولِ مرة.”
“تانيا.”
انطفأ بريقُ عينيهِ الزرقاوين فجأة.
“حياتكِ الآن تتألّقُ بكلّ معاني الجمال. لماذا تراودُكِ مثلُ هذه الأفكار؟”
فتنهدتُ ضاحكةً بسخريةٍ مريرة:
“أملكُ الكثير من المال، لكنّني لا أملكُ عائلةً أشاركُها سعادتي.”
“…هل تريدينني أن أكونَ زوجَكِ إذًا؟”
في تلك اللحظة، قهقهتُ بخفّةٍ على مزاحه.
“سيون، لا تعلمُ ذلك، لكنّني كنتُ أملكُ شخصًا ثمينًا بمثابةِ عائلتي. توفّي قبل خمسِ سنوات.”
العمُّ أيدِن.
ذلك الرجل الذي كرّسَ حياته من أجل تربيتي، رغم أنّني لم أكن ابنته الحقيقية.
كيف لي أن أتركه يرحلُ ببساطةٍ، وأتمنى له السلامة هناك في السماء؟
بالنسبة لي، لم يكن هناك سوى خيارٍ واحد…
التخلّي عن كلِّ ما حقّقته في هذا العالم، والذهاب لرؤية أيدن مجدّدًا.
منذ وفاته، بدأتُ بجمعِ المعلومات التي قد أحتاجها في حياتي القادمة.
من تغيّرات المناخ والسياسة إلى فضائح النبلاء، لم أترك شيئًا إلّا وحفظتُه.
لقد قررتُ أن أضحي بهذه الحياة منذ اللحظة التي تأكدتُ فيها من وفاته. لذا، لم أكن أشعرُ بالندم على ما بنيتُه فيها.
لكن الشيء الوحيد الذي كنتُ أتمسك به قليلًا…
نظرتُ إلى إليسيون بصمتٍ.
شعرُه الفضيُّ المتلألئ تحت الضوء، وعيناه الزرقاوان اللتان تشبهان المحيط…
رغم الليالي التي كان يسهرها بسبب العمل، لم تظهر أيّ علاماتِ إرهاقٍ على وجهه.
لطالما شعرتُ أن مظهره المتفوّق يُظهر
مدى حُبِّ الإلهةِ لهُ.
دون أن أُعطيه فرصةً للتفكير، انحنيتُ فجأةً، وأمسكتُ بقميصه، ثم طبعتُ قبلةً على شفتيه.
شعرتُ بوضوحٍ بحرارة شفتيه، وكان
قلبي ينبضُ بسعادةٍ غامرة.
تراجعتُ بعد قُبلةٍ بسيطة، وابتسمتُ بخجل:
“هذه هديةُ وداع.”
“آه…؟”
نظر إليّ بذهولٍ، غيرَ مُدركٍ حتى الكلمات التي قلتها.
لا أعلمُ كم مضى من الوقت حتى استوعبَ ما حدث، لكن وجهه احمرَّ بغتةً حتى أذنيه.
بيديه المرتجفتين، حاول أن يُغطّي شفتيه بينما يتراجع بخطواتٍ متعثرة.
“أنتِ…أنتِ…!”
ضحكتُ بخفةٍ وأنا أُراقبُه، كمن يلعبُ بمقلبٍ صغير.
“سيون، هل تحبّني؟”
“…ماذا؟”
تراجع قليلًا بدهشةٍ واضحة، ثم صرخ بغضبٍ مفاجئ:
“ما هذا؟! لقد كنتِ أنتِ من تُحبّيني دائمًا، أليس كذلك؟”
“همم؟”
رمشتُ بعينيّ بدهشة.
كنتُ أعلم دائمًا أنني سأفترقُ عنه، لذلك تعمّدتُ إبقاء المسافة بيننا.
بالإضافة إلى أنني…
منذ لقائنا الأول، كان هو من يأتي لرؤيتي
دون أيّ سببٍ وجيه تقريبًا.
حتى عندما كنتُ أستغلّه بصفته ساحرًا وأطلبُ منه القيام بالكثير من الأمور، كان ينفّذها بصمت.
والآن يقول إنني من أحبّه؟
مال رأسي قليلًا إلى الجانب بينما سألتُ بفضولٍ:
“ولِماذا تعتقدُ ذلك؟”
“لأنّكِ…!”
فتح فمه ليقول شيئًا، لكنه توقف فجأة وعضّ شفته بصمتٍ.
ضحكتُ بخفةٍ، ثم داعبتُ وجنته بإصبعي كمن يُداعبُ طفلًا صغيرًا.
‘إن لم تكن قد وقعت في حُبِّي، فهذا
في الواقع أمرٌ جيّد.’
سيكون من السهل عليّ أن أودِّعَكَ دون أيّ تردُّد.
كتمتُ بقيةَ كلماتي، ثمّ نظرتُ إلى إليسيون بابتسامةٍ مشرقة. وقلتُ:
“وداعًا.”
ثم أغمضتُ عينيَّ بهدوء، واستخدمتُ قُدراتي.
[أيُّ نقطةٍ زمنيةٍ تريد استدعاءها؟]
▶ النقطة الزمنية 1
السنة الإمبراطورية 286، 28 سبتمبر.
الساعة 19:41:42 (19 عامًا).
▶ النقطة الزمنية 2
السنة الإمبراطورية 286، 1 أغسطس.
الساعة 15:50:29 (19 عامًا).
▶ النقطة الزمنية 3
السنة الإمبراطورية 286، 1 أكتوبر.
الساعة 12:41:42 (19 عامًا).
▶ النقطة الزمنية 4
السنة الإمبراطورية 274، 20 أبريل.
الساعة 13:07:42 (7 أعوام).
هل تعرف ما هو أكبر ميزةٍ لنظام الحفظ وإعادة التحميل؟
الإجابة هي أنّك تستطيع أن تتخلّصَ من الفشل في أيّ وقت، وتبدأ من جديد من النقطة التي قمتَ بحفظها.
نعم، كنتُ على وشك إعادة بدء حياتي من جديد.
لولا أنّها الفترة الزمنية الوحيدة التي كان العم أيدِن على قيد الحياة فيها، لما كنتُ لأعود أبدًا…
إلى أسوأ أيام حياتي…سنّ السابعة.
✦ ✦ ✦
“وداعًا.”
“تانيا، ماذا… ماذا تعنين بهذا؟!”
اختفت تانيا التي كانت قبل لحظاتٍ أمام إليسيون، واختفى معها المختبر الذي كانا فيه، ليجد نفسه في غرفةٍ غريبةٍ تمامًا وهو يُتمتم بصوتٍ مليءٍ بالدهشة.
عندها أدرك إليسيون أنّ تانيا قد أعادت الزمن
مرةً أخرى. ضغط أسنانه بعصبيةٍ وغيظ.
“أيعقل أنها حتى بعد تلك القبلة، ستتظاهر وكأنّ شيئًا لم يحدث؟”
‘هاه! يا له من تصرّفٍ لا يُصدَّق.’
إذا كانت قادرةً على تذكُّر كل شيءٍ، أليس من المفترض أن تترك أثرًا يجعلني أُدرك ذلك أيضًا؟
t-align: center;”>وما هذا الوداع؟ لماذا تصرّفَت وكأننا
لن نلتقي مرةً أخرى؟
لا أعلم ما الذي تخطط لفعله، لكن لا يُمكنني
تركها تمضي بهذه السهولة.
عينيّ إليسيون الزرقاوان لمعَتا كالوحش الذي يُراقب فريسته عن كثب.
“إذا كنتِ قد أغويتِني بهذه الطريقة العلنية، فعليكِ أن تتحمّلي المسؤولية.”
لكن في تلك اللحظة، لم يكن يعلم إليسيون أنّ تانيا قد أعادت الزمن إلى ماضٍ بعيدٍ جدًّا، بعيدًا عن كل ما عرفه حتى الآن.
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
التعليقات لهذا الفصل "1"