في اللحظة التي سمعتُ فيها كلمة قطعة خشب، عادتْ ذاكرتي الغامضة كالصاعقة.
‘لم ألتقِ به بعد ذلك، لذلك نسيتُ الأمر!’
يا له من لقاء غير متوقّع مرة أخرى.
بينما كنتُ متصلّبة ومصدومة، أمسك الفارس الشابّ بوجه شرس بكتفي. ثمّ فتح عينيه الكبيرتين وصرخ: “لقد بحثتُ عنكِ طويلًا!”
… ماذا؟
رمشتُ بعينيّ بغباء. لكن الفارس تابع حديثه في حالة من الإثارة: “لقد كنتُ غاضبًا جدًا لأنني فوّتُّكِ في ذلك اليوم بسبب السادة الكبار! ذهبتُ خفية للبحث عنكِ في الملحق الغربيّ وتلقّيتُ توبيخًا. من رئيسة الخدم ونائب القائد.”
“أوه…”
“ومع ذلك، لم أُخبر أيّ شخص آخر عنكِ؟ فقط لأنني قد أُحرَم منكِ.”
“يا هذا-“
“على الرغم من أنه جعل البحث أكثر صعوبة، إلّا أننا التقينا في النهاية هكذا! فـ [‘خيوط القدر’] لا تُفلت بسهولة.”
كانت كلماته تحتوي في بعض الأحيان على كلمات غير مفهومة. ثمّ تنهّد وكأنه تذكّر شيئًا متأخّرًا.
“آه! اسمي ياسين. لا أستخدم اسم عائلتي لأنه طويل.”
“أنا ليليان…”
بعد أن تبادلنا الأسماء، مدّ يده بجرأة.
‘هل يريد أن يُصافحني؟’
مددتُ يدي اليمنى على عجل، ولكن قبل أن تقترب يدي، أمسكها وأخذ يهزّ يدينا المتشابكتين بعنف.
‘يـ، يا لها من قوّة…!’
على الرغم من أن ليليان لم تكن ضعيفة البنية، إلّا أنها لا تُقارَن بهذا الفتى ياشين.
بينما كنتُ أحاول جاهدة أن أُحافظ على توازني، هتف وعيناه السوداوان تلمعان: “ليليان، يجب أن تتعلّمي المبارزة!”
… لماذا لا أفهم أيّ شيء يقوله هذا الفتى؟
نظرتُ إليه بدهشة. لكنه تجاهلني وبدأ يشرح تاريخه بالتفصيل.
“أنا ثاني – لا، ثالث أقوى شخص هنا! لكن لا يوجد من يتعلّم منّي المبارزة.”
“لماذا؟”
“القائد يقول إن أسلوبي في المبارزة خطير جدًا. إنه يعتمد على غريزتي الفطرية في كلّ من الهجوم والدفاع. وقال إنني الوحيد الذي يمكنه استخدامه.”
“آه …”
“لكن لا يمكنني قبول ذلك! لأن المرء لا يمكن أن يُسمّى محاربًا حقيقيًا إلّا إذا نقل أسلوبه في المبارزة!”
“حـ، حقًا؟”
“نعم! عادةً ما يكون لدى المحاربين الأقوياء في مسقط رأسي العديد من التلاميذ. وقد أصبحتُ أقوى منهم الآن، فمن الغريب ألّا يكون لديّ أيّ تلميذ.”
استمرّ الحديث غير المنظّم دون انقطاع. لا، هل يمكن تسمية هذا محادثة في المقام الأول؟
كان الفتى منشغلاً جدًا بالحديث عن نفسه لدرجة أنه لم يهتمّ بردّة فعلي. في النهاية، كان تلخيص كلماته وظيفتي.
“هل تقصد … أنك ستتّخذني تلميذة لك وتعلّمني أسلوبك في المبارزة؟”
“نعم، هل تُريدين الانضمام إلى فرسان الدوق أيضًا؟ أنا الأصغر الآن، ولكن إذا انضمّتْ ليليان، فسأُسلّمها منصب الأصغر. فرساننا ممتعون!”
على عكس مظهره الخشن، كانت ابتسامته بريئة جدًا. لكن المشكلة الوحيدة هي أن محتوى حديثه كان بريئًا لدرجة أنه كان مزعجًا.
“لماذا أنا بالذات؟”
عند سماع هذا، أمال ياسين رأسه وأجاب: “…؟ لأن لديكِ موهبة!”
كانت لهجته طبيعية جدًا.
“أعرف ذلك بمجرّد رؤيتكِ تلتقطين قطعة السيف الخشبيّ في ذلك اليوم. كنتِ سريعة، ورشيقة، ودقيقة. والأهمّ من ذلك، أن [‘حدسي’] لم يخطئ أبدًا.”
هزّ كتفيه وضحك. كان يبدو واثقًا جدًا حقًا.
عندها، فتحتُ فمي بحذر.
“أنا آسفة، لكني أرفض.”
“ماذا؟ لماذا؟”
سألني وكأنه لا يصدّق ذلك. لكن إجابتي كانت بسيطة.
“أنا خادمة.”
عند سماع ذلك، غرق ياسين في التفكير للحظة. لكنه سرعان ما أمال رأسه وقال: “هل يجب أن تكوني خادمة؟ أن تكوني فارسة أفضل!”
“لا أُفضّل ذلك…”
“جرّبي حمل السيف أولاً، وستعرفين الفرق. لديكِ موهبة حقًا.”
نعم، هذه هي المشكلة.
هذا هو السبب الأكبر لرفضي عرضه.
‘الجسد يتذكّر …’
ردود فعل ليليان التي اختبرتُها بنفسي حتى الآن تجاوزتْ مستوى الشخص العاديّ بكثير.
ربما تعلّمتْ بعض فنون القتال عندما أصبحتْ جاسوسة.
ربما تعلّمتْها بشكل أكثر جديّة مما أعتقد.
في مثل هذا الموقف، فإن تعلّم المبارزة من ياسين لا يختلف عن رمي نفسي في عرين النمر.
‘لماذا، ألم يُقال في روايات فنون القتال إنهم يستطيعون معرفة أصل الشخص بمجرّد رؤية أسلوبه في المبارزة!’
من يدري ما إذا كان هذا العالم هكذا أيضًا؟
علاوة على ذلك، ياسين هو فارس الدوق الأكبر. إذا قمتُ بأيّ فعل مريب أثناء تعلّم المبارزة منه، فسيصل الأمر إلى عِلم الدوق الأكبر على الفور.
‘لقد بدأتُ للتوّ في التقرّب منه …’
لا يمكنني المخاطرة بإثارة الشكوك بهذا الأمر!
نظرتُ إلى ياسين، الذي كان يشرح بجدّ مزايا أسلوبه في المبارزة وكتيبة الفرسان، وعقدتُ العزم.
سأتجنّب تعلّم المبارزة منه مهما كلّف الأمر.
“يا إلهي، من هذا بالخارج؟”
“هاه؟ أليس هذا ياسين؟”
“ما هذا، صحيح؟”
للأسف، لم يكن لقراري أيّ أهمية كبيرة.
سواء تجنّبتُه أم لا، كان الفتى يتبعني باستمرار!
“لماذا هو هنا؟”
“لقد كان يعيش في ساحة التدريب طوال اليوم.”
“هل يبحث عن أحد؟”
“ليس كذلك، لكن يبدو أن نظره مركّز في اتجاه واحد …”
همستْ خادمات المطبخ عند ظهوره المفاجئ.
كان من المفترض أن أساعد في المطبخ لبعض الوقت بسبب نقص الموظّفين. أشعر أن مجيئي كان خطأً.
‘لا تتبعني، ياسين.’
‘الطريق واحد.’
‘كاذب! لماذا تذهب إلى المطبخ؟’
‘لأنني … جائع؟’
المشكلة هي أنه لا فائدة من إخباره بذلك.
انظروا إليه، إنه يلوّح بيديه إليّ من خارج النافذة الآن.
لم أستطع إلّا أن أتنّهد.
“هل تعرفين عنه شيئًا؟”
تجنّبتُ النظر إلى الخارج وسألتُ آنا.
عندها، فتحتْ آنا، التي كانت تقطّع الجزر بجانبي، فمها.
“حسنًا، ياسين هو-“
ياسين ناصر الدين إسكندر، 18 عامًا.
كما قال الفتى أثناء تبادل الأسماء، فهو ينتمي إلى قبيلة ما في الشرق.
قيل إنه كان يتجوّل للبحث عن والديه، والتقى بالدوق الأكبر في ساحة المعركة بالصدفة وأصبح فارسًا.
‘لا عجب أن مظهره وطريقة كلامه غريبة.’
ربما كان ذلك لأنه من بلد أجنبيّ. كما أنه أصغر منّي بعام.
بينما كنتُ أستمع وأُومئ برأسي، قالتْ إليزابيث فجأة بصوت سرّيّ: “هل هو هنا بسبب ليليان؟”
التعليقات لهذا الفصل " 21"