الفصل 98. ما الخطأ الذي ارتكبته حتى؟
أين أنا، ومن أكون…
كنتُ جالسة بهدوء على الأريكة في غرفة فاخرة حين رفعتُ رأسي إلى الأعلى.
أضواء الثريا المزخرفة وخزت عيني.
“ما الذي يجري على وجه الأرض؟”
وصلني أمر إمبراطوري بالقدوم إلى شوتزن، لذا جئت.
بما أنهم أمروا بعودة باحثي برج السحر، افترضتُ أنهم استدعونا لأجل تطوير مواد البناء.
ولهذا، كنت أظن أنني سأعود إلى حياتي اليومية وأنا في طريقي إلى شوتزن.
أعمل في البرج، أحضر الاجتماعات، أكتب التقارير، وأغوص في الأبحاث لساعات.
بل في الحقيقة، بدا وكأن الآخرين عادوا فعلاً إلى حياتهم العادية…
“لماذا أنا الوحيدة التي تم استدعاؤها وحبسها؟”
بكل ما تعنيه الكلمة، كنتُ مسجونة.
وفي القصر الإمبراطوري، لا أقل ولا أكثر.
“لقد مرّ خمسة أيام وأنا أقبع هنا دون أن أفعل شيئاً، سأجن من الضجر.”
تمططتُ مطلقةً تنهيدة طويلة.
ربما هناك من سيغبطني على الراحة، ويظن أن الـ لا عمل هو نعمة.
وأنا أيضاً كنت أعتقد ذلك… قبل أن أجربه بنفسي.
لكن الأمر لم يكن معاملة كضيفة شرف، الغرفة فاخرة، نعم، لكنها كانت أقرب إلى زنزانة.
كانوا يطعمونني مرتين في اليوم، قطعة خبز جافة وحساء الذرة.
يدفعون الطعام من فتحة صغيرة في الباب بالكاد تُفتح، كأنني سجينة بحق.
ثم يُغلق الباب من جديد، ومعه يُسمع صوت القفل بوضوح.
بدأتُ أشعر أنني أفهم شعور العصفور المحبوس في قفص.
ولعل الشيء الوحيد الجيد أن هذا القفص واسع قليلاً.
بدأتُ أركض بخفة داخل الغرفة بشكل دائري.
كنتُ أحاول التخلّص من الخمول بالحركة.
كان النهار مشرقاً، وإن أردت النوم ليلاً فعليّ أن أُنهك جسدي الآن.
واحد، اثنان! واحد، اثنان!
ركضتُ في مكاني بينما أفكاري كانت تدور في حلقة مفرغة حول اليوم الذي وصلتُ فيه إلى شوتزن.
<ألم تنزلي إلى إقليم إيفلين لجمع مواد البناء؟>
<بلى، يا جلالة الإمبراطور.>
كنتُ قد استُدعيت إلى قاعة العرش، وركعتُ بكل احترام.
خلفي مباشرةً كان آيديرا، وجايل، وبينجين راكعين معي بثبات.
<إذًا، ما هو دورك؟>
<شرفي الأعظم هو تطوير أقوى مادة بناء، لأجل تشييد مسرح يرفع من مجد جلالتكم.>
حتى الآن، أظن أنني عبّرت بشكل بليغ.
هل أملك موهبة في التملق؟
لكن هاينريش الثالث بدا غير راضٍ بطريقة غريبة.
ما الذي أزعجه بالضبط؟ لقد نجحنا حتى في إنشاء حاجز لمواجهة التنين الأسود!
<هل أنجزتم مهمة الجمع كما يجب؟>
كان يقصد ما إذا جلبنا مخلفات نَفَس التنين.
كيف يمكنه قول شيء كهذا لمن قاتل تنينًا أسود؟!
كنتُ أتوقع منه مديحًا، فخاب ظني.
خفضت صوتي وأنا أجيب:
<الحقيقة… عدنا بسرعة، فلم…>
في الواقع، استخدمنا تقريباً كل المواد في أبحاث الحاجز.
ولم أجلب الباقي عمداً، لأكمل الأبحاث لاحقًا في قصر إيفلين.
شعرت بجفاف في شفتي وأنا أراقب تعابير الإمبراطور.
فتح فمه بنبرة باردة، وقال:
<عليك تحمّل المسؤولية بصفتك قائدة فريق الجمع الثاني.>
<عفوًا؟>
أي مسؤولية هذه؟
هل الإمبراطور لا يعلم شيئاً، أم أنه بلا عقل؟
لقد ظهر تنين أسود في إقليم إيفلين! أليس هذا جنونًا؟!
كدت أصرخ احتجاجًا، لكنني كنت مجرد فتاة من عامة الشعب.
وحتى لو استعدت مكانتي، سأبقى ابنة كونت عادية.
وحرصي على حياتي أجبرني على التزام الصمت.
في تلك اللحظة، أشار هاينريش الثالث إلى مكان ما بيده.
اقترب حرّاس الشرف وقيدوا ذراعيّ واقتادوني إلى وجهة مجهولة.
وهكذا، انتهى بي الحال إلى هذا السجن.
واحد، اثنان! واحد، اثنان!
تابعتُ الجري وأنا أفكر.
أنا لا أفعل شيئاً هنا، فكيف يكون هذا تحملاً للمسؤولية؟ لا، بل ما الخطأ الذي ارتكبته حتى؟
***
“لقد انتحلت لقب النبلاء، لا يمكننا التغاضي عن ذلك.”
عند كلمات أوستين، خيّم صمت غريب على مائدة الطعام الطويلة.
كان يجلس حول الطاولة كل من هاينريش الثالث، الإمبراطورة إليزابيث، أوستين، زوجة ولي العهد، بالإضافة إلى سيدريك وكيت.
في موقف نادر، كان هاينريش الثالث هو من بادر بدعوة الجميع.
توقف سيدريك للحظة عن استخدام الشوكة والسكين، ثم تابع طعامه كأن شيئًا لم يحدث.
“انتحال؟”
سأل بلطف.
والشخص المعني بـذلك لم يكن سوى رينيه.
حسب أوستين، فهي “لينا التي تنتحل شخصية رينيه إيفلين الميتة.”
لكن سيدريك لم يكن غبياً.
كان قد تلقى تقارير من فرسان فونيكس الذين أُرسلوا إلى إقليم إيفلين.
وسمع بنفسه من غريزندورف عندما زار برج السحر لطلب دعم بعض السحرة.
تلك الفتاة… هي بالفعل رينيه إيفلين.
وكان يعلم أن كارسيون يسعى لإعادة الاعتراف بمكانتها، عبر الإمبراطورة إليزابيث.
وكان يراه أمراً طبيعياً.
فطالما أن الاثنين سيتزوجان ويعتزلان الحياة في إقليم إيفلين بعيدًا عن الحكم، فذلك أمر يستحق الشكر.
سيدريك كان ينتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر.
اليوم الذي يزيح فيه أوستين عن الطريق، ويقف وحده على قمة السلطة في القصر الإمبراطوري.
لكن… ما هذا الآن؟
اتهام بانتحال لقب النبلاء؟!
“أليست مجرد فتاة من عامة الشعب وُلدت في دار أيتام؟ هذا مثبت حتى في سجلات برج السحر.”
“يُقال إنها فاقدة للذاكرة.”
رد سيدريك بنبرة خفيفة، لكن كيت ركلته بخفة تحت الطاولة.
وأرسلت إليه إليزابيث نظرة حادة، تأمره بالصمت.
كل هذا بسبب هاينريش الثالث.
فمنذ حفل تأسيس المملكة، خرجت رينيه تماماً من عيني الإمبراطور.
ولم يكن من الحكمة إغضابه الآن عبر الدفاع عنها.
لكن سيدريك… لم يكن من النوع الذي يعرف التراجع.
“ثم إنها لم تدّعِ بنفسها أنها ابنة لورد، أليس كذلك؟”
“تتحدث وكأنك لا تعلم شيئًا. الجميع يتحدث الآن عن أن تلك الباحثة هي رينيه إيفلين.”
“انتشار الشائعات ليس خطأها.”
ردّ عليه بسلاسة، فاشتعل أوستين غضبًا ورفع صوته.
“ما الذي تحاول فعله الآن؟ من الواضح أن تلك الباحثة المدعوة لينا هي من سربت الأمر عمدًا!”
“تلك وجهة نظر سموّ ولي العهد ليس إلا.”
مسح سيدريك فمه بمنديله، ثم واجه أوستين مباشرة وأكمل حديثه.
“وقبل كل شيء، هذه فترة يجب أن نركز فيها على الأبحاث. لسنا في وقت نحبس فيه أهم باحثة قدّمت نتائج بارزة لنتهمها بجرم ما.”
كاد تأوه ألم تخرج من سيدريك حين داست كيت على قدمه تحت الطاولة. هل قررت هذه المرأة أن تفضحه؟
أنهى جملته بصعوبة، ثم نظر إلى زوجته بطرف عينه. كانت تحدجه بنظرات باردة ترجوه أن يصمت حالًا.
“كحّم.”
أطلق هاينريش الثالث أنّة ضِيقٍ في تلك اللحظة.
وحده حينها استرخى تعبير وجه سيدريك قليلًا. عليه سحق أوستين وكسب رضا الإمبراطور بأي وسيلة.
“تبدو وكأنك تدافع عنها كثيرًا.”
“كل ما أريده هو أن أنجح في المهمة التي أوكلتها إليّ، وأجلب المجد لجلالتك. لن أخذلك.”
“كلامٌ جميل.”
“سمعت أن الحاجز الذي صنع باستخدام الجرعة التي طوّرتها الآنسة لينا قد صدّ نفَس التنين.”
“بلغني ذلك أيضًا.”
“إنها موهبة استثنائية. مسألة انتحال النسب يمكن مناقشتها لاحقًا دون أي تأخير.”
لا، في الواقع، سيكون قد فات الأوان لاحقًا.
فحين يأتي كارسيون، سيبذل كل ما بوسعه لحمايتها.
وكان سيدريك يعلم ذلك، لذا كان يماطل. هو بحاجة إلى كارسيون. لكسب وُدّه وسحق أوستين، ثم اعتلاء العرش كولي عهد.
حتى ذلك الحين، عليه أن يبقى قويًا.
لكن إن اختفت رينيه، فبالتأكيد سيعود ذلك الرجل لينزوي في أحد الزوايا، ويهجر العالم مجددًا.
يا لها من قوة رائعة وساحرة تلك التي قدّمها كارسيون في اجتماع النبلاء. لم يكن يدرك قيمتها حتى تذوّقها، والآن لا يستطيع الاستغناء عنها.
لكن هاينريش الثالث لم يكن شخصًا يمكن التأثير فيه بسهولة.
“بما أننا حصلنا بالفعل على الجرعة المطلوبة، فربما تكون فائدتها قد انتهت.”
“…..!”
يعني أنه ينوي التخلي عنها بعد أن استغلها؟
شدّ سيدريك قبضته دون أن يشعر. استغلال التابعين ثم رميهم بهذه الطريقة يتعارض مع مبادئه. لكنه لا يستطيع وعظ الإمبراطور بما هو صواب.
لم يبقَ أمامه سوى خيار واحد. أن يذكّرهم بالقوة التي تمنع محاسبة أحد أعضاء البرج السحري دون موافقة سيده.
لا يمكن معاقبة من ينتمي للبرج دون موافقة رئيسه.
“أتُراه غريزندورف يشارككم الرأي…؟”
وقبل أن يكتمل حديثه، سمع صوتًا يعلن من الخارج.
“مولاي، لقد عاد فريق الصيد بقيادة الأمير كارسيون من إقليم ايفلين.”
في هذا التوقيت تحديدًا؟ تجعّد جبين هاينريش الثالث وكأنما يسأل: “الآن؟”
حين استدعاه لم يحرّك ساكنًا، أما الآن، فما إن أحضروا رينيه إيفلين حتى أسرع بالقدوم بنفسه.
أمر بدأ يزعجه أكثر فأكثر؛ كأن ذلك الرجل، وقد جُن بحب امرأة، لم يعد يضع الإمبراطور في حسبانه.
التعليقات لهذا الفصل " 98"