كانوا يعلمون أن سلسلة جبال دينيبروك واسعة، وكانوا يعلمون أنها وعرة أيضًا.
لكن، مهما يكن من أمر…
عرين هاديس كان في أسوأ موقع ممكن.
“أهذا الوغد ذو ذوقٍ سيئ إلى هذه الدرجة؟”
تمتم كارسيون بلعنة مكتومة.
كان عليهم عبور وادٍ يجري فيه تيار جارف، ثم التقدّم مسافة طويلة على طول ممر ضيّق وشاق.
ثم والآن، قيل لهم إن عليهم تسلّق جدارٍ صخري أملس لا يرى له نهاية حتى وإن رفعوا رؤوسهم الى أقصى حد.
“إنه هناك في الأعلى.”
قال ليونيل بهدوء. بمعنى آخر، عليهم الصعود من هنا.
تنهد كارسيون بعمق عوضًا عن إطلاق سيلٍ من الشتائم، بينما تكفّل أولاند بإطلاقها نيابةً عنه.
“اللعنة على هذا السحلية السوداء الوغدة! إن كان عرينه في هذا المكان البائس، فكيف سننقل كنوزه؟ هذا جنون!”
لكن، تلك ليست النقطة. عبّر كارسيون عن اعتراضه بنظرة حادة.
على أي حال، كان عليهم إيجاد حل.
السحرة أُرهقوا، ومانا ليونيل، الذي نجا من الموت مؤخرًا، لا تزال غير مستقرة.
أما تسلّق الجدار الصخري مباشرة، فقد يستغرق ساعات لا تُحصى.
وبما أن الشمس توشك على المغيب، فإن التخييم هنا هذه الليلة ثم تسلّق الجبل مع شروق الشمس سيكون القرار الأكثر حكمة.
“يُقال إن التنانين تعود إلى عرينها عند اقتراب موتها؟”
سأل كارسيون لتأكيد الأمر، فأومأ ليونيل برأسه.
“لأن العرين هو المكان الذي بدأت فيه جذور وجود التنين. النوم هنا يرفع من احتمالية النجاة لأقصى حد. فبما أن التنين لا يستطيع أن يشفي نفسه، فهو يعتمد على الشفاء الطبيعي.”
“فهمت.”
“طبعًا، لو كانت الإصابة قاتلة فعلًا، فاحتمال الموت أعلى بكثير.”
“لا يمكننا أن نقف متفرجين وننتظر أن يموت وحده. قبل عامين، نجا هاديس بعد أن تعافى.”
ما إن نطق كارسيون بذلك، حتى خيّم الحزن على ملامحه. كان عليه أن يضع نهاية لحياة ذلك اللعين بيده.
كان عليه أن يرى موته بأمّ عينه.
كي لا تتكرر المأساة.
“ما زلت تشعر بوجوده، أليس كذلك؟”
كان يشير إلى هاديس.
“أجل.”
أجاب ليونيل بإيجاز، وهو يحدق إلى الأعلى.
بما أن العرين محمي بحاجز، فالعثور على المدخل سيكون صعبًا.
السحرة هم من يحتاج إليهم، لكن هؤلاء الكائنات الهزيلة، هل يمكنهم حتى تسلّق الجدار؟ لا، على الأرجح مستحيل.
“ليونيل.”
ناداه كارسيون بصوت ثقيل، وكأنهما يتشاركان نفس الهمّ.
كان صوته وكأنه يطلب شيئًا.
“لا تزال غير قادر على التحوّل إلى تنين، صحيح؟”
أطلق ليونيل تأوّهًا خافتًا.
رغم معرفته بالإجابة، كان كارسيون يسأل لأنه كان يتمنى غير ذلك.
إن لم تكن المانا كافية، فلا يمكنه الحفاظ على تعويذة التحوّل.
وحينها، سيعود إلى شكله الأصلي، مما يجعل تدفق المانا داخله أكثر ضعفًا.
وهكذا يدخل في دوامة لا تنتهي.
لذا، وبعد أن استعاد جزءًا من ماناه، كان ليونيل يحافظ على شكله البشري لتسريع تعافيه.
وكان هذا التحوّل هو الأسهل بالنسبة له، كونه الشكل الذي حافظ عليه لأطول فترة مؤخرًا.
“إن ضغطت على نفسي، قد أتمكن من التحوّل.”
لكن ربما تنفد المانا تمامًا من جديد.
وحتى إن كان ذلك خطرًا، فإن منعه لهاديس من التعافي مجددًا يستحق المغامرة.
ربّت كارسيون على كتف ليونيل بخفة.
“حسنًا. فكّر بالأمر قليلًا.”
هل كان يقصد أن يُجهد نفسه؟ أم ألا يُجهدها؟
كان كلامه غامضًا، لكن ليونيل استطاع أن يشعر بنيّته.
رفع حاجبًا واحدًا ببرود، ثم ضرب يد كارسيون بعيدًا.
“فهمت.”
“..د..”
تصلّب وجه كارسيون من رد الفعل الحاد.
وبدا وكأن مشهد التشجيع الذي حصل قبل لحظة لم يحدث أصلًا، فقد أدار ظهره وعبّر عن استيائه بوضوح.
وتوجّه كارسيون إلى حيث كان إيفان جالسًا، مسندًا ظهره إلى الجدار الصخري.
حين همّ إيفان بالنهوض، أشار له كارسيون بيده أن يبقى في مكانه.
ثم جلس بجواره بهدوء.
“ربما نضطر إلى التخييم هنا الليلة.”
“لا توجد سحابة واحدة في السماء، سيكون منظر النجوم جميلًا.”
“مللت. لقد حفظت جميع الكوكبات في هذه السماء.”
وبينما كان يقول ذلك، مرت في عيني كارسيون الزرقاوين لمحة من الماضي.
في الجبال التي كانت السماء فيها واضحة على غير عادة، اعتاد أن يشتاق إلى رينيه كل ليلة.
“أشعر بالخجل.”
جاء الصوت غير المتوقع حينها.
استدار كارسيون متسائلًا عن المعنى، بنظرةٍ مستغربة.
واصل إيفان كلامه بوجهٍ شاحب.
“بحثنا لعامين دون أي نتيجة.”
“آه.”
هل كان يقصد ذلك؟ لم يكن كارسيون ينوي أن يلوم أحدًا، أو أن يُحمّلهم المسؤولية.
لكنه كان يتساءل فعلًا.
فرغم أن السحرة كانوا ضمن فرق البحث حينها، لماذا لم يعثروا على العرين آنذاك، بينما الآن عثروا عليه في غضون شهر؟
“لقد استخدمنا تعاويذ كشف الحواجز، ومع ذلك… أمر محيّر فعلًا. لا أملك إلا أن أُعجب بقدرة أولاند على القيادة.”
“كنت أظن أن معلمي مجرد إنسان غريب الأطوار، لكن يبدو أن لديه قدرات مدهشة فعلًا، حتى أنا أُفاجأ.”
وافق كارسيون بفتور على شكوى إيفان.
حتى لو ادّعوا أنهم فتّشوا جبال دينيبروك كمن يفتّش شعر الرأس، فإنهم لم يستطيعوا فعليًّا فعل ذلك بتلك الدقة.
لكن أولاند… فعلها.
“وما المدهش في ذلك؟”
وصل صوت أولاند في تلك اللحظة، كأنّه كان يستمع طوال الوقت.
ارتعش كتف كارسيون قليلاً.
“هل تجرؤ على التقليل من شأن معلمك العظيم؟”
“ربما سمعت خطأ، لقد منحته تقديرًا عاليًا.”
“ليست مسألة تقدير عالٍ، بل هذا هو التقدير الحقيقي. لا يليق بك أن تقيّم أستاذك، الذي هو كالسّماء.”
طك!
“آه!”
تلقى كارسيون لكمة خفيفة على رأسه، فأحس كأنه عاد إلى طفولته.
الفرسان والسحرة المحيطون بهم فتحوا أفواههم من الدهشة، وهم يرون البطل يتألم من ضربة.
“لماذا تضربني؟!”
صرخ كارسيون بغضب. لكن أولاند لم يرف له جفن.
“هل أنت فضولي لمعرفة كيف عثرنا على عرين التنين؟”
“…..نعم.”
أثار فضوله عمدًا.
إن كان لا بد من الإجابة، فعليه أن يجيب بكل طواعية.
بدا البطل هادئًا رغم تلقيه ضربة، مما أثار حوله همسات مفعمة بالذهول والدهشة.
يا إلهي، ما مدى قوة السيد أولاند؟ الأمير كارسيون أصبح كحمل وديع!
ما أعظم شأن المعلم! لا بد أن نحسن علاقتنا بالسيد أولاند من الآن فصاعدًا، إنه صاحب النفوذ الحقيقي هنا.
كارسيون، وهو يفرك قمة رأسه المتوجعة، سمع تلك الهمسات من حوله.
ولأن أولاند وجه له ضربة حقيقية عن صدق، فقد آلمته كثيرًا فعلًا.
ولولا أنه استعمل المانا للحظة، لربما انشطر جمجمته كما تنشطر البطيخة.
اللعنة، حقًا. أنا غاضب جدًا، لكني فضولي أيضًا.
رفع عينيه بنظرة ناقمة نحو أولاند، فبادره أولاند بابتسامة ساخرة.
“ما هذه النظرة المتعجرفة؟”
“أي نظرة؟”
خفض كارسيون عينيه بسرعة. أقسم أنه لم يكن بهذا الذل حتى أمام الإمبراطور هاينريش الثالث.
لكن لِمَ يشعر دومًا بالصغر أمام أولاند؟
لا بد أنه بسبب كثرة الضرب في طفولته.
تبًا.
تمتم بشتمة في داخله وهو يعتدل في نظرته.
وبعد أن أصبحت عيناه على ما يرام كالتلميذ المجتهد، ابتسم أولاند راضيًا.
“هكذا هو الصحيح.”
“لا تعاملني وكأني جرو، فقط أخبرني كيف عثرت على العرين.”
لم يتمالك إيفان نفسه، فانفجر ضاحكًا بعد طول محاولة في كتمها.
وبسرعة غيّر ملامحه وسحب شفتيه للأسفل.
“أعتذر.”
“همم.”
أظهر كارسيون انزعاجه.
ثم بعد أن حذّر إيفان بنظرة حادة، عاد ونظر إلى معلمه بنظرة مستقيمة.
وبهذا، تحددت مراتب السلطة بوضوح.
أولاند في القمة.
بعده الأمير كارسيون.
وفي النهاية، الدوق إيفان فون هيلغريت.
رؤية هذين الرجلين العظيمين، اللذين من المفترض أن يرفعوا رؤوسهم فخرًا أينما ذهبوا، وقد خضعوا بهذا الشكل أمام المبارز المتجول، جعلت شفاه الحاضرين ترتعش بشدة.
كانوا يتحفزون لنقل ما شاهدوه في الحال لكل من يعرفونه.
رفع أولاند كتفيه وأفصح عن سره.
“القائد الجيد لا بد أن يعرف متى يستعمل السوط ومتى يقدم الجزرة.”
“وأنا أيضًا استعملت السوط والجزرة.”
ردّ عليه إيفان بنبرة باردة.
كأنه يقول: لا تلمّح أن هذا هو السر.
“لكن يجب أن تُستعمل بشكل سليم، سليم!”
“لا تتكلم بعموميات. بل فلتشرح شرحًا سليمًا بنفسك.”
“أوه، حضرة الدوق. الأمور الجوهرية غالبًا ما تكون بسيطة.”
“هل تود أن تمازحني الآن؟”
رفع إيفان عينيه بحدة، مما جعل أولاند يضغط على تلميذه المسكين وكأنما يقول: “أجب بدلًا عني”.
“هاي، كارسيون. ما رأيك؟ هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟”
“لا، أبدًا.”
ثم التفت كارسيون نحو إيفان.
“ما هذه اللهجة التي تخاطب بها المعلم؟”
“…….”
أطبق إيفان شفتيه ساخطًا.
نظر إلى أولاند نظرة حادة، لكنه ما لبث أن خفض بصره للأرض عندما شعر بنظرة تحذيرية من كارسيون بجانبه.
ضحك أولاند بسعادة وهو يدوس الدوق مستعينًا بتلميذه.
رغم أن هذا زاد من غيظ إيفان، إلا أنه لم يكن بيده حيلة.
وبمقابل هذه التسلية الممتعة، كافأهم أولاند بالإجابة التي كان إيفان يتحرق شوقًا لسماعها.
“الدافع المحفِّز بالتأكيد.”
ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتي أولاند.
“لا بد أن توفر قدرًا من الرومانسية في استكشاف عرين التنين، مع وعد بكنوز ذهبية وفضية هائلة!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 95"