في الفضاء المظلم، انعكست أنوار خافتة على الحراشف الحمراء. اقترب أولاند خطوة بعد خطوة من التنين المنكمش وكأنه ميت.
“…. ليونيل؟”
وضع يده على الحراشف الصلبة وسأل بصوت مرتجف.
لا يمكن.
<يقال إن التنانين تموت في مكان لا يعلمه أحد، وحيدة وفي صمت.>
ترددت هذه العبارة التي سمعها كثيرًا في رأسه كما لو كانت تدقّ بداخله.
تقلّصت حواجبه بانقباض، ومرت أمامه صورة كلب صغير يُدعى “ريو” يركض بسعادة في قصر إيفلين.
“هاي، ليونيل.”
ناداه مرة أخرى.
لحظة الفرح باكتشاف شيء ما لم تدم طويلًا. قلبه هبط بثقل إلى القاع.
كان من النادر رؤية أولاند دون مزاح أو خفة، حتى المحيطين به من الفرسان والسحرة وقفوا في صمت، يراقبون لحظة النهاية لهذا الكائن العملاق.
“هذا الوغد…..”
قال بصوت مشوب بالتعقيد، بعد صمت طويل.
أخذ أولاند يمرر يده على جسد ليونيل المتجمد، متفحصًا الحراشف بصمت، مما أثار الاستغراب على وجوه من يراقبونه.
ماذا يفعل؟
رغم أنهم اعتادوا غرابة أطواره، إلا أن لمس جثة تنين ميت؟ هل هو نوع من الطقوس؟ الجميع أمسك أنفاسه وهو يراقبه.
خطوة، ثم أخرى.
دار أولاند ببطء حول جسد ليونيل حتى وضع أذنه على الحراشف، وجهه التصق بها بشدة حتى بدا أن خده انضغط، وجبينه تجعد كمن يفكر في أمر خطير.
“يا ساحر.”
لوّح بيده بسرعة، مستدعياً أحد السحرة. أحدهم اقترب بذكاء.
“أشعر وكأن هناك نبضًا، ضعيفًا جدًا… هل أنا وحدي من يشعر بذلك؟ تأكد بنفسك.”
“حقًا؟”
فتح الساحر عينيه على اتساعهما، ثم بدأ بتقليد أولاند في حركاته.
دق دق دق.
بضعفٍ شديد، شيء ما كان يخفق. كان بالكاد يُشعر به عند حبس الأنفاس تمامًا.
“يبدو… يبدو أنه يحتضر.”
تلعثم الساحر في كلماته، من شدة الدهشة. لم يسبق له أن رأى تنينًا يحتضر!
لكن لم يكن هناك وقت للدهشة.
“أنقذوه فورًا!”
صرخ أولاند بأعلى صوته. ثم وجّه نظره الحادّ نحو باقي السحرة المتفرجين.
كان يأمرهم جميعًا باستخدام كامل طاقتهم السحرية للشفاء.
حياة ليونيل كانت على المحك. ونفاد المانا يعني أن التنين وصل إلى حده الأخير.
لكن ربما.… فقط ربما، لو حصل على مساعدة خارجية، يمكن إنقاذه.
***
رفرف رفرف.
وصل اللحمام الزاجل.
كارسيون فتح النافذة فورًا ليتلقاه دون تردد.
بما أن مصير هاديس ما زال مجهولًا، فقد تم تقسيم الفريق بين من يواصل البحث ومن يحمي أراضي إيفلين. وفي مثل هذا الوضع، كانت الاتصالات المتكررة ضرورية. فلا أحد يعلم متى وأين قد يظهر هاديس.
فتح الرسالة بيد ثابتة، لكن قلبه لم يكن يتوقع الكثير.
“سنبحث في المنطقة كذا”، “واجهنا ذئابا”، “تم القضاء عليهم”…
مثل هذه الأخبار ظلت تتكرر لأكثر من شهر.
كارسيون الذي كان يتوقع شيئًا من هذا النوع بشكل آلي، بدأ جسده يرتجف فجأة بعد بضع لحظات.
الورقة تكرمشت تحت أصابعه دون أن يدري.
عيناه الزرقاوان ارتجفتا بعنف كما لو أن زلزالًا اجتاحهما.
“ليونيل…”
خرج صوته مبحوحًا، كأن أحدًا يخنقه.
مستحيل.
يا رباه، كيف يمكن لهذا أن يحدث؟!
في اللحظة التالية، بدأ كارسيون يركض بجنون، ناسيًا كبرياءه، يقفز الدرجات ثلاثًا ثلاثًا.
كان يتجه إلى رينيه، المقيمة في الجناح الجانبي.
“رينيه! رينيه!”
ناداها من أعماق قلبه، كما كان يفعل في الطفولة.
رينيه، التي كانت منغمسة في أبحاثها، أخرجت رأسها من النافذة حين سمعت صوته.
“كارسيون؟ ما الأمر؟”
“رينيه! رينيه…”
“ما بك؟ ماذا حدث؟”
“لقد… لقد كان حيًا! هو… هو حي!”
“..…”
احتاجت رينيه إلى لحظات لاستيعاب ما قاله. من يكون “هو”؟ هاديس؟ أم ليونيل؟
لكن ملامح كارسيون، المليئة بالفرح والذهول، لم تترك مجالًا للشك.
“….!”
اتسعت عيناها الدائرتان أصلاً أكثر.
من شدة الذهول، فتحت فمها بدهشة.
“يا إلهي.”
وضعت يديها على فمها، وهي تكاد لا تستطيع التنفس من شدة الفرح.
وبينما كانت تترنح مثل دمية مكسورة، انقضّت فجأة عبر النافذة لتعانق كارسيون بشدة.
“حقًا؟ هل كان ليونيل حيًّا فعلًا؟ حقًّا؟”
“قلتُ لكِ إنه عنيد.”
ابتسم كارسيون ابتسامة عريضة كاشفًا عن أسنانه.
ثم احتضن رينيه، التي كانت قد أخرجت نصف جسدها من النافذة، وسحبها إلى الخارج.
وبمجرد أن زال الحاجز بينهما، تعانقا بحرارة كما يشاءان.
أما الباحثون الثلاثة الذين كانوا يراقبون، فكانوا كأنهم غير مرئيين.
تنهّدت ايديرا بخفة.
“لم أظن يومًا أنني وحيدة…..”
ولكنها كانت وحيدة بالفعل.
لقد عاشت، هي الدؤوبة في دراستها، طوال حياتها في متعة البحث.
كانت تغوص في الدراسة حتى يمر اليوم كلمح البصر، وتنهي كل يوم بشعور عميق بالرضا لأنها قضته بفعالية.
لكنها مؤخرًا، بدأت تشعر بالبرد.
“ربما لأنه الشتاء. أشعر بفراغ في جنبي.”
تمتم جايل وهو يفرك ذراعه.
ورغم أنّ شتاء إقليم إيفلين لا يتجاوز البرودة المعتدلة، بل يكون دافئًا نسبيًّا في الظهيرة، فإن الشعور بالوحدة كان أشد وقعًا.
“ألن أموت وحدي، وأنا أبحث طوال عمري؟”
اسودّت الهالات تحت عيني بينجين.
بدأ الخوف يزحف إلى قلبه، خشية أن يموت وحيدًا في مكان مجهول، وكأن هذا المصير لا يليق إلا بالعُزّاب أمثاله، لا بالتنانين.
خيم الصمت على الباحثين الثلاثة.
على عكس المختبر المعتم والمغلق، كان المشهد من خلف النافذة ورديًّا ومضيئًا.
“انظري، هذه رسالة وصلت لتوها من المعلم.”
“رائع. مذهل. هل أنقذوا ليونيل وهو يحتضر؟ إنه أمر مذهل!”
السحرة هم من بذلوا الجهد في العلاج، وليونيل هو من نجا من الموت، وأولاند هو من نقل الخبر السار مسرعًا، لكن لا أحد يعلم كيف انتهى الأمر بتعمق حب كارسيون ورينيه فجأة بهذا الشكل.
وبينما كانا يتعانقان ويغدقان القلوب في الأرجاء، ازدادت الكآبة على وجوه الباحثين الثلاثة.
***
ولم تكن تلك هي المفاجأة الوحيدة.
ارتدى كارسيون درعه، وجهّز سلاحه.
ترك أدنى عدد من الجنود في قصر إيفلين ، وانطلق الباقون برفقته.
“عثرتم على موقع هاديس؟ إنه لأمر مدهش حقًّا.”
قال إيفان بانبهار وهو يقود فرسه في المقدمة.
بوصفه من تولى عمليات البحث طيلة عامين، كان مذهولًا من أن ليونيل، ما إن استعاد وعيه، تمكن من تحديد الموقع التقريبي لهاديس.
ربما ينبغي القول إنها قدرة تستحق الحسد.
“يقال إن التنانين تستطيع استشعار وجود بعضها.”
قال كارسيون بصوت هادئ. واستشعار الوجود يعني أنه لا يزال حيًّا.
“لا بدّ أنه في حال شبيهة بحال ليونيل، على وشك الموت. يجب أن نعثر عليه بسرعة وننهي الأمر.”
“لا مجال للتأخير.”
وافقه إيفان تمامًا، وزاد من سرعته.
ولم يتخلّف الفرسان الآخرون عنه، بل ساروا بنشاط وهمة.
كان الانتقال على ظهور الخيل ممكنًا حتى منتصف الطريق فقط.
كلما توغلوا أكثر، أصبحت التضاريس وعرة بحيث لا يمكن التقدم بالخيول.
تركوا عددًا من الجنود لحراسة الخيول، وتابع كارسيون وإيفان وبقية الفرسان سيرهم على الأقدام.
“أظن أننا شارفنا على الوصول.”
قال كارسيون وهو يتفقد ما حوله، وقد رسم في ذهنه خريطة سلسلة جبال دينيبروك بوضوح.
شاركهم بالإحداثيات.
ورغم أن اتساع المنطقة تسبب في بعض الانحراف، إلا أن الطريقة كانت فعالة في تحديد الموقع التقريبي.
خشخشة.
بينما كانوا يزيحون الشجيرات جانبًا ويتقدمون، أحسّوا بحركة.
تبادل كارسيون وإيفان النظرات، ثم خفّضا أنفاسهما وتقدّما بصمت.
وتبعهم بقية الفرسان بحذر، وهم يغطّون تحركاتهم تحسبًا لأي طارئ.
وحين وصلوا، وجدوا فرسان وحدة فونيكس وعددًا من السحرة هناك.
“مرحبًا، لقد أتيتَ.”
وكان أولاند، قائد فرقة الاستطلاع، بينهم.
“هذا التنين، رغم كونه تنينًا، إلا أنه فقير تمامًا. عرينه خالٍ كليًّا.”
“قلت لك، عمري سبعة عشر فقط!”
وكان من بينهم ليونيل، الذي نجا بمعجزة. ما إن رآهم كارسيون حتى انفلتت منه ابتسامة.
أزاح أحد الأغصان بيده، وتقدم بخطى واسعة نحو أولاند وليونيل اللذين كانا يتجادلان.
“سمعت أنك نجوت من الموت، لكنك تبدو بكامل عافيتك.”
قالها مازحًا، فضيّق ليونيل عينيه وحدّق فيه بحدة.
“ما بال أستاذك لا يهتم إلا بالكنوز؟ لم يأتِ لينقذني، بل جاء ليسرق العرين! لصّ محترف، لا أكثر!”
“أكنتَ تملك شيئًا يُسرق أصلاً؟ ذلك الكهف لا يختلف عن جحر خفاش!”
أولاند نقر لسانه تعبيرًا عن خيبة أمله. وما إن أُهين المكان الذي نشأ فيه، حتى غضب ليونيل.
“لا تستهِن بالعرين العظيم الذي تبدأ فيه حياة التنين وتنتهي!”
“إن كان بهذه الأهمية، فأين الذهب والمجوهرات؟ أين الفِخاخ؟ ها؟ لم تضع سوى بضع حواجز سحرية لا غير!”
“متى كان لدي وقت لأعتني به؟!”
صرخ ليونيل بانفعال.
فمنذ خروجه من البيضة، التقى برينيه وعاش معها في قصر ايفلين.
ثم انتقلا إلى غابة هيلدين وعاشا هناك متخفيَين.
بوضوح، لم تتح له الفرصة لجمع الذهب أو بناء العرين.
“ولكن…. أنت تنين.”
ربما كان أولاند قد بالغ في توقّعاته.
ورغم إدراكه للأمر، لم يستطع إخفاء خيبة أمله.
تنهّد بأسى، “لقد تحطم حلمي….”
راقب كارسيون معلمه، وكتم ضحكته.
شعر بالامتنان لأن رفاقه بقوا كما هم، دون أن يتغيّروا.
على أي حال، لم يكن الوقت ملائمًا للثرثرة.
حوّل كارسيون بصره إلى ليونيل، الذي كان لا يزال غاضبًا.
“إذن، قلت إنك عرفت موقع هاديس؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 94"