بعد الموعد القصير، عاد كارسيون إلى مكتبه. وكان ديريك في انتظاره هناك.
وكذلك إيفان، الذي أتى بعد سماع الأخبار.
“عدتَ؟”
“نعم.”
حين بادره كارسيون بالكلام، أجاب إيفان بإيجاز.
أما ديريك، الذي وقف احترامًا، فسارع إلى رفع تقريره بعد أن التقط الإشارة.
“لقد قمنا بحبس ذلك الشخص في العلية.”
“حسنًا.”
أومأ كارسيون بخفة، ثم جلس في المقعد الرئيسي من الأرائك المخصصة للاستقبال، متقاطع الساقين.
وعندها جلس كلٌّ من إيفان وديريك أيضًا بعدما كانا واقفَين بجانبه.
أسند كارسيون ذقنه إلى يده واسترجع ما حصل قبل قليل.
كان قلقًا على رينيه فذهب ليراها، لكن اطمأن قلبه حين وجدها أكثر تماسُكًا مما ظن.
كانت تلك أول مرة يضغط وجهها بذلك الشكل، غير أن الإحساس الذي بقي في يده كان أجمل مما توقع.
يريد أن يضغطه مجددًا.
كانت لطيفة كفرخ صغير.
ارتسمت ابتسامة خفيفة على طرف شفتيه.
وكانت قدمه تتحرك صعودًا وهبوطًا بلا وعي.
ديريك، وقد أدرك مزاج سيده الجيد، تظاهر بعدم ملاحظته.
لكن إيفان لم يفعل.
“جلالتك.”
حين ناداه بنبرة جافة، رفع كارسيون حاجبه وكأنه أفاق من أفكاره.
ولم يتردد إيفان في إظهار استيائه.
“هل التقيت بالآنسة إيفلين جيدًا؟ في مثل هذا الوقت؟”
“……”
اختفت الابتسامة عن شفتي كارسيون.
وتوقفت قدمه عن الحركة.
“إن كنت تُعِدّ لعرض الزواج، فلتُنْهِ هذا الأمر أولًا.”
“احمم.”
أشار إيفان بعينيه نحو كومة من الرموز الموضوعة.
ذلك الشيء الموجود في وسط الطاولة، مفتاح الحدث، أو بالأحرى دليل المشكلة.
اغتنم ديريك الفرصة ليتحدث بجدية.
“جلالتك، لا يمكن التغاضي عن هذه القضية.”
“بالفعل. ولي العهد يقف خلف العدو. كيف يمكنكَ الضحك أمام أمر بهذه الخطورة؟”
لم يتردد إيفان في قول ما يفكر به.
شعر كارسيون بالحرج فأخذ يسعل مجددًا، لكن هذه المرة بسعال أطول.
أما ديريك، فكان عليه أن يتريث قليلًا ليختار اللحظة المناسبة للتحدث من جديد.
“احمم. أنا أدرك خطورة الموقف أيضًا. ولا أنوي تجاهله.”
استعاد كارسيون جديته ومدّ يده ليلتقط الرمز المعدني الموجود على الطاولة.
رمز يمثل أوستين.
وقد خرج من يد العدو.
بعيدًا عن المشاعر الشخصية، لا يمكن السماح لمن يأكل من لحم بني جنسه أن يقود مستقبل الإمبراطورية.
صحيح أنه لا يهتم كثيرًا بالسياسة أو الحكم، لكن كارسيون هو من أنقذ الإمبراطورية من تهديد التنين الأسود.
وتلك الذكرى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من كيانه اليوم.
“علينا أن نستغل هذا لأقصى حد ممكن.”
قالها بصوت منخفض بينما كان يتفحص الرمز المعدني بأصابعه.
وبعد أن رتب أفكاره، رفع نظره وسأل ديريك:
“هل اكتشفتم من كان يموله؟”
“نعم، يُعتقد أنه أحد أعضاء نقابة الظلام الذين كانوا على اتصال وثيق بالأمير أوستين.”
“وأين هو الآن؟”
“قُتل في ظروف غامضة.”
آه. قصّ الذيل بالفعل؟ سريع كعادته.
راودته فكرة ساخرة دون قصد.
وفي تلك اللحظة، سمع صوت سخرية خفيفة من جانبه.
كان إيفان.
“طريقة معالجة تقليدية ومبتذلة للغاية.”
“بالفعل. لا إبداع لديهم.”
وافقه كارسيون بابتسامة خفيفة. مع أنه تقليدي، إلا أن مثل هذا الإجراء فعال.
لكن ما حدث لا يمكن إنكاره أو محوه.
وكان ينوي استغلال الدليل الذي تسرّب من أوستين إلى أقصى حد.
“أولًا، تواصلوا مع النقابة.”
“نحن تحت أمرك.”
أومأ ديريك برأسه استجابةً لأمر كارسيون.
ثم نظر كارسيون إلى إيفان.
“أحيانًا يجب أن تُظهر للناس أنكَ دوق فعلًا، أليس كذلك؟”
“متى شئت.”
أغمض إيفان عينيه ببطء ثم فتحهما، وكأنه يقول إنه على استعداد لفعل أي شيء.
رغم أنه يثير الغضب أحيانًا، إلا أن إيفان هو الشخص الوحيد الذي يثق به كارسيون ويعتمد عليه حقًا.
كان هناك الكثير مما يجب الاستعداد له قبل التوجه إلى شوتزن.
***
في مكان ما من سلسلة جبال دينيبروك.
كانت فرقة الاستطلاع تواصل تقدمها في مسير جحيمي تحت قيادة أولاند المتعجرفة.
وكان الأمر جحيمًا حقيقيًا بالنسبة للسحرة الذين اضطروا إلى سلوك طرق ليست بطرق.
“سيد أولاند، أرجوك……!”
عند سماعه ذلك التوسل اليائس من الخلف، استدار أولاند.
ساحر في منتصف العمر، يلهث وقد بلغ التعب منه مبلغه، بالكاد يواصل سيره.
أشار أولاند إلى أحد الفرسان بعينيه.
“احمله على ظهرك.”
“..…نعم، سيدي أولاند.”
يا له من أمر قاسٍ.
رغم تذمره في سره، توجه الفارس بسرعة نحو الساحر في منتصف العمر.
ثم جثا على ركبتيه أمامه عارضًا ظهره.
“تفضل بالصعود.”
“آه……”
“إن كنت تملك طاقة كافية، فلا بأس إن رفضت.”
“آه……”
يا لها من إهانة.
أنا، الساحر الرفيع الذي يُعامل بكل تقدير واحترام في برج السحر..… أن أُحمل على الظهر أثناء تسلق الجبل….
لقد أدرك أخيرًا أن القضاء على تنين ليس أمرًا هيّنًا.
وبينما يرتجف خجلًا، صعد الساحر على ظهر الفارس العريض.
حين ألقى أحدهم بكبريائه جانبًا، لم ينظر إليه باقي السحرة بشفقة أو سخرية، بل بعيون يملؤها الحسد.
هل أرمي بكبريائي أنا أيضًا وأستمتع بالراحة….؟
سرعان ما انتشرت هذه الفكرة المغرية التي يصعب مقاومتها.
وبعد لحظات، ازداد عدد السحرة المحمولين على ظهور الفرسان في فرقة الاستكشاف.
حتى الفرسان المدربون جيدًا بدأوا يتنفسون بصعوبة.
في المقابل، بدأ تنفس السحرة يستقر تدريجيًا.
واو، كم هو مريح.
لم أكن أعلم أن التنقل على ظهر أحدهم يمكن أن يكون بهذه الروعة.
كانوا يشعرون بالذنب تجاه الفرسان الذين يعرقون وكأن المطر يهطل منهم، لكن بمجرد أن يغمضوا أعينهم الداخلية قليلًا، تُحلّ كل الأمور.
من كان ليتخيل أنهم سيقضون عدة أيام في وادٍ جبلي عميق ووعر، لا يمكن حتى ركوب الخيل فيه؟
السحرة ضعيفو البنية البدنية اضطروا لتقبّل حدود قدراتهم.
لكن، بالطبع، لم يكن هناك أي عنصر فائض عن الحاجة في فرقة الاستكشاف.
“في هذه المرحلة، أظن أنه سيكون من الأفضل مسح المنطقة بالكامل بتعويذة استكشاف.”
عندما قال أولاند ذلك، شحبت وجوه السحرة.
فكلما كانت تعويذة الاستكشاف أوسع وأدق، زاد استهلاك المانا بشكل هائل.
لكن أولاند، المصمم على العثور على عرين التنين، تجاهل أنين السحرة واستخدمهم بلا تردد.
وبالطبع، لم يكن يلوّح بالسياط فقط، بل استخدم الجزرة أيضًا.
“فكروا في الأمر. نحن نتحدث عن عرين تنين. تخيّلوا الكنوز الهائلة المكدسة فيه، والتحف النادرة التي تعود لعصور قديمة…! أعدكم بأن يحصل الساحر الذي يعثر عليه على أكبر حصة! وسنقسم الغنائم فيما بيننا فقط! اتفقنا؟”
يبدو أن الخيال وحده كان كافيًا ليشحنه، ففرد أولاند كتفيه وضحك عاليًا نحو السماء.
انقلبت عيون السحرة نحو الذهب والكنوز.
كانوا ضعفاء أمام الذهب في الأصل، فكيف الآن مع عرين تنين؟
هل يمكنهم العثور عليه فعلًا؟
رغم أن الشك تسلل إلى ركن من قلوبهم، إلا أن ثقة أولاند المتوهجة أنعشت عزيمتهم.
نستطيع!
“وفروا الغطاء!”
بأمر من أولاند، اتخذ الفرسان وضعية الدفاع.
فبما أن تعويذة الاستكشاف تحتاج إلى تركيز طويل، فإنها تجعل السحرة عرضة لهجمات الوحوش السحرية.
وخاصةً في مثل هذا الجبل العميق، غير المتضرر من أي تدخل بشري، تكثر الوحوش السحرية من الرتبة العليا.
لكن، بما أن فرقة صيد التنين كانت توفّر الحماية، استطاع السحرة التركيز براحة.
نزل السحرة بتردد من على ظهور الفرسان، وبدؤوا بمناقشة الاتجاه الذي سيستكشفونه.
أنت من هنا، أنا من هناك، وأنتم من الجهة الأخرى.
أحدهم رسم دوائر معقّدة على الأرض بعصًا ليكمل دائرة سحرية، وآخر بدأ يتمتم تعاويذه.
شووووو….
انبثق ضوء من المانا الغامضة.
كل واحد بدأ في الاستكشاف باستخدام العنصر الذي يجيده، عبر الرياح أو الأرض.
ومرت فترة من الزمن.
الأوراق تمايلت، والأعشاب اهتزت بلطف، ومرت المانا تحت التربة، تعبر جذور الأشجار وصخور الأرض بسرعة الضوء.
“أشعر بحاجزٍ سحريٍ خافت.”
رفع أحد السحرة جفنيه ببطء. كانت تلك الجملة هي ما انتظرها الجميع وترقبوها.
عرين التنين.
إن كان التنين موجودًا، فلا بد أن يكون هناك.
والسبب في أن أحدًا لم يكتشف ذلك المكان حتى الآن، قد يكون لأنه محاط بعدة طبقات من الحواجز السحرية، أو هكذا كان أولاند يظن.
ووافقه جميع من في الفرقة على ذلك الرأي.
كان منطقيًا.
“تقدّم، أرنا الطريق.”
هنّأ أولاند الساحر وعيّنه دليلًا للفرقة.
فجاء الفارس المكلّف به وحمله على ظهره دون تردد.
بدأت مسيرة طويلة.
شقوا طريقهم في درب لم يسلكه أحد من قبل.
وبعد رحلة شاقة، وصلوا إلى وجهتهم.
لكن لم يكن هناك شيء.
“قوة الحاجز سببت التواء في الفضاء.”
أومأ أولاند برأسه بعد سماعه لتفسير الساحر.
فكل ما يريده هو أن يُزال هذا الالتواء فورًا ليظهر لهم ما يخفى.
“تراجعوا قليلًا.”
فقد كانت المهمة الآن هي تدمير الحاجز الذي وضعه التنين.
وكانت مهمة تتطلب طاقة هائلة.
تعاون عدة سحرة من الرتبة العليا واستخدموا تعويذة قوية، فأخذ الحاجز الشفاف يكشف عن ملامحه تدريجيًا.
وتجلّت الحقيقة المخفية تحت تمويه الغابة.
منحدر صخري وكهف.
ارتسمت نشوة عظيمة على شفتي أولاند وهو يرى المنظر.
شعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري.
عرين التنين!
ولم يكن أولاند وحده من شعر بذلك.
فقد اجتاحت الفرقة بأكملها قشعريرة يصعب وصفها بالكلمات.
“الآن يمكنني أن أموت مرتاحًا.”
هكذا عبّر أولاند عن شعوره بكلمات مختصرة، وبدأ في التقدّم نحو الكهف.
رغم أنهم توقعوا وجود فخاخ وآليات مرعبة، لم يكن في استقبالهم سوى الصمت.
ولا حتى بريق الذهب والكنوز. بل كانت الممرات المتشعبة كأنها جحر نمل.
كان هناك شيء غريب.
“ما هذا؟ أليس مجرد كهف؟”
لم يستطع أولاند إخفاء خيبة أمله.
كان الكهف فارغًا تمامًا.
فلماذا تمت حمايته بهذا الكم من الحواجز السحرية؟
وربما، ربما فقط، هناك حاجز آخر يحجب الرؤية.
وما إن خطرت هذه الشكوك، حتى صرخ أحدهم.
“هناك شيء هناك!”
بصوتٍ عاجل، استدار أولاند عن المسار الذي كان يتفقده واتجه نحو مصدر الصوت.
اجتاز الطريق المتعرج وكأنه يعرفه مسبقًا، دون أن يضل.
ثم…
“هذا هو…”
خرج صوت مذهول من بين أسنان أولاند.
في غرفة عملاقة، كان هناك كيان هائل يتكوّر في الظلام.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"