“وهناك شيء آخر… نعم. نحن نجيد استخدام السحر من مستوى متقدم منذ ولادتنا.”
“كنت أعلم ذلك بالفعل.”
“يا هذا. ألست أنت من طلب مني أن أخبرك بكل شيء أعرفه عن خصائص التنانين؟”
“هممم.”
رفع كارسيون حاجبًا واحدًا وأغلقه بتجاهل.
كان يتمنى أن يسمع فقط المعلومات الجديدة عليه، لكنه أدرك أن ذلك غير ممكن.
لذلك قرر أن يتحلى بالصبر. حتى وإن كانت المعلومات معروفة، فسوف يصغي.
ولحسن الحظ، كانت مجهوداته مجدية.
فوسط سيل المعلومات المتناثرة، تمكن كارسيون من التقاط أشياء مفيدة.
بعضها فقط أشبع فضوله الشخصي، وبعضها الآخر بدا قابلاً للاستفادة منه.
وأكثر ما أثار اهتمامه كان سحر التحول. فقد كان يقال إنه سحر أسطوري، لأن البشر ببساطة لا يمكنهم بلوغ مستواه.
بمعنى آخر، أولئك الذين زُعم أنهم وصلوا إلى درجة إتقان سحر التحول في العصور القديمة، كانوا في الواقع تنانين بهيئة بشرية.
“أأنت جاد؟ لا تختلق إن كنت تجهل.”
“لو كنت ستشكك، لما سألتني أصلًا.”
عقد ليونيل حاجبيه بانزعاج واضح.
ومع أن الحاجة للمعلومة كانت لصالحه، إلا أن كارسيون رفع يده اعتذارًا وأرسل له نظرة ترجوه بالاستمرار.
رمقه ليونيل بنظرة مملوءة بالاستياء قبل أن يتابع:
“يوجد عدد لا بأس به من التنانين الذين يعيشون متخفين بين البشر. يعتبرونها نوعًا من التسلية.”
“مذهل. إذن إلى جانبك وأنت، هاديس، يوجد تنانين آخرون أحياء؟”
“قد يكون هناك في مكانٍ ما. لكن في حدود الإمبراطورية؟ لا أعتقد. فأنا لم أشعر بوجود أحد آخر.”
“حسنًا. هذا مريح.”
زفر كارسيون نفسًا ثقيلًا بصمت.
فالتعامل مع تنين واحد كان مرهقًا بما يكفي، أما لو كانوا أكثر من ذلك، لما استطاع احتمال الأمر.
ويبدو أن ليونيل قرأ أفكاره، لأنه أضاف وهو يبتسم:
“ليست كل التنانين مثل هاديس. أنظر إليّ، أنا طيب، أليس كذلك؟”
“…هل لديك ضمير؟”
“أنا فقط لست لطيفًا معك لأنكَ مقرف.”
“هاه.”
كاد الأمر أن يتحول إلى شجار سخيف. شعر كارسيون أن أعصابه على وشك الانفجار.
اللعنة، هناك ألف شيء آخر يود أن يصبه عليه الآن.
“منذ أن كنا أطفالًا، كنت تبدو غبيًا من نظرة عينيك.”
“هل تتشاجر معي؟”
“رينيه كانت تقترب بلطف، وأنت، من تظن نفسك حتى تتعامل معها بتلك الطريقة الفظة؟”
“……”
أحقاد قديمة.
لم يجد كارسيون ما يرد به، حتى ولو كان يملك عشرة أفواه. صحيح أنه في طفولته كان يعامل رينيه بفظاظة وبرود.
وبالرغم من كونه أميرًا حينها، إلا أنه أمام اتهام ‘من تظن نفسك’ لم يجد لنفسه أي دفاع.
صحيح. لقد اقتربت مني الطفلة الصغيرة رينيه بكل براءة، ومع ذلك أبعدتها عني.
لقد أخطأت حقًا. معترفًا بخطئه بصدق، تحمّل كارسيون توبيخ ليونيل الذي لم يكن يبدو توبيخًا خالصًا.
وأثناء محاولته كبح غضبه، تدخل أولاند من الخلف. بدا أنه كان يتبعهم ويستمع إلى المحادثة طوال الطريق.
“كنت أظن أنني أصلحت لكَ كل وقاحتك؟”
“معلمي!”
صرخ كارسيون بنبرة تحذير وكأنه يرجوه ألا يحكّمه أكثر في أعصابه.
ولكن هذا النوع من التحذيرات لم يكن يومًا ذا جدوى مع أولاند.
“لقد عاقبتُه بما فيه الكفاية، فلا بأس لو نظرتَ إليه بعين الرحمة الآن.”
لماذا عليّ أن أبرر نفسي لليونيل أصلًا؟
لم تعجب هذه الوضعية كارسيون، لكنه في النهاية لم يفجر الموقف، بما أن المعلومات التي كان ليونيل يسردها كانت مفيدة.
“هناك العديد من التنانين الودودة مع البشر. والكثير منهم أيضًا أصبح لهم بصمة على أحد، مثلي.”
“البصمة… هل هي قوية لدرجة لا يمكن كسرها أبدًا؟”
“كسرها مستحيل.”
في هذه اللحظة تحديدًا، خطرت فكرة على بال كارسيون.
رغم أنه لم يكن يحب ليونيل، إلا أنه لم يستطع منع نفسه من القلق قليلًا.
“لكن عمر الإنسان قصير جدًا مقارنةً بالتنين، أليس كذلك؟”
بالنسبة لتنين يعيش آلاف السنين، الإنسان لا يعدو أن يكون عشبة برية تزهر قليلًا ثم تذبل.
سواء أحب التنين هذه العشبة أو كرهها أو عبث بها، عليه أن يتحمل ألم بقائها في ذاكرته لفترة طويلة بعد أن تختفي.
وإذا نظرت لحاله الآن، يبدو وكأنه سيكون شديد الوحدة لاحقًا…
“لذلك يختارون النوم الطويل.”
“وهل أنت تنوي فعل ذلك أيضًا؟”
“من يدري.”
أجاب ليونيل بتهرب، وكانت ملامحه قد خيم عليها حزن ثقيل.
شعر كارسيون بأن ليونيل يبدو وحيدًا بالفعل.
“أنا فقط…..”
تمتم ليونيل وارتجفت شفتيه قليلاً.
لو كان الوضع عاديًا، لكان كارسيون قد قال له ألا يتظاهر بالجدية.
وأولاند، الذي لم يكن معروفًا بصبره، كان ليقاطع المشهد بلا تردد. لكن الآن، كلاهما شعر بأن عليهما احترام هذه اللحظة.
وكأن عبثًا ما كان سيجعل كل شيء ينهار لو تصرفا بتهور.
حين بدأت لحظة الصمت تصبح ثقيلة، استأنف ليونيل حديثه.
“…لم أفكر في ذلك بعد. أنا ما زلت صغيرًا.”
بهذا الرد الغامض، أغلق كارسيون فمه بصمت.
لا يعقل أن هذا المعتوه لم يفكر في الأمر…
بل ربما فكر فيه بطريقة تدعو للرثاء.
رغم عدم الإفصاح عن ذلك، شعر كارسيون بثقل يعتصر صدره عند تخيل خطط ليونيل.
عرف الكثير من الأمور الجديدة عن التنانين. وربما لهذا السبب…
نسي للحظة أن الوقت لا يسمح له بالغرق في المشاعر.
“يا صاحب السمو!”
في تلك اللحظة، صرخ صوت حاد شق سمعه كطعنة. استدار كارسيون بسرعة خاطفة نحو مصدر التهديد.
“إيفان!”
فجأة، تدفق الدخان الأسود كثعبان متماوج.
لقد كانت ‘الهاوية’.
***
في قاعة الاستقبال بقصر فيلدير، ساد جو ثقيل.
وقف ماكس ينتظر انتهاء الاجتماع، وما إن ظهر سيدريك حتى انطلق نحوه صارخًا.
“يا صاحب السمو! هل ستبقون مكتوفي الأيدي هكذا؟ التنين الأسود…!”
لكن سيدريك رفع يده بهدوء، فأخرس تابعه المخلص بكلمة واحدة.
“سير ماكس.”
رن صوته الخفيض بثقل في الجو. حدق ماكس بعينين مشوشتين نحو سيدريك.
كان يؤمن أن الأمير الثاني الذي يكنّ له الاحترام لن يترك هذا العبء كله على عاتق كارسيون وحده.
كانت نظراته تتوسل لذلك الأمل.
“حدث صدام على حدود الغرب، ولم يعد بإمكان فرسان توتين التحرك نحو مقاطعة إيفلين.”
” صاحب السمو…..”
شعر ماكس برغبة جامحة في ضرب صدره من الغيظ.
“لا يمكننا سحب القوات من ساحة معركة مشتعلة. وولي العهد أمر بتعزيز دفاعات شوتزن بدلًا من ذلك، فلم يتحرك فرسان وينغر أيضًا. أما النبلاء، فكل منهم مشغول بحماية نفسه.”
بمعنى آخر، الجميع اختاروا التمسك بمواقعهم الآمنة.
في تلك اللحظة، خيم اليأس على وجه ماكس كما لو أن العفن بدأ يتفشى فيه.
“لذلك لم يتبقّ سوى إرسال ما تبقى من فرسان فونيكس.”
“…..!”
وصلت أوامر سيدريك الثقيلة إلى أذنيه كخيط رفيع من الأمل.
رأى بصيص ضوء في إمبراطورية كان يظن أن جذورها قد تعفنت بالكامل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 83"