صرختُ وأغمضتُ عيني بإحكام. كنتُ أرغب في التلاشي من الوجود..
ضحك كارسيون بصوت مسموع بينما كان يستمتع بإحراجي.
“إذن، كنتِ تخططين لإرسال البصل إلى القصر الملكي؟”
“عندما تعيش في مكان لا يحتوي سوى على الحقول والبساتين، يصبح هذا طبيعيًا!”
“هاهاها! هذا مضحك جدًا.”
“آه…”
احمرّ وجهي من الخجل بينما نظرتُ إليه بنظرة معاتبة.
لكن، رؤية كارسيون يضحك بصوت صافٍ كالصبيان جعلتني غير قادرة على الرد عليه بغضب.
لم يكن هناك شيء يمكنني فعله سوى أن أغرق أكثر في إحراجي.
“أحب التوت الأزرق.”
“…ماذا؟”
“يمكنكِ شراؤه لي لاحقًا.”
“….”
كان بارعًا في التقاط نقاط ضعفي بطريقة غير متوقعة.
عندما قالها بذلك الوجه الصادق والابتسامة النقية، لم أستطع رفضه.
كيف يمكنني أن أردّ له هذا الدين الضخم… بتوت أزرق فقط؟
عندما فكرتُ في حقيقة أنني كنتُ أكتب المكونات العشوائية التي أحتاجها لمشترياتي، شعرتُ بالإحراج أكثر..
“بالمناسبة، عندما لا أكون موجودًا، هل تنادينني باسمي فقط؟”
“ماذا؟”
“لقد كتبتِ هنا كارسيون.”
“آه! هذا…!”
حتى أفكاري الداخلية تخضع للرقابة الآن!
أليس من الطبيعي أن أتحدث بحرية عندما أكون وحدي؟!
لابد أن هناك أشخاصًا آخرين يفعلون ذلك أيضًا!
قفزتُ في مكاني بارتباك، لكنه أطلق ضحكة هادئة، وكأن الهواء تسرب من داخله..
“إذا واصلتِ امساكي هكذا، سيكون الأمر محرجًا.”
“آااااه!”
صرخة غريبة غير معروفة المصدر خرجت من فمي، مدوية في الهواء..
قفزتُ إلى الوراء، كما لو كنتُ أهرب من وحش مفترس.
كارسيون، من جانبه، عدّل تجاعيد قميصه حيث كنتُ قد قبضتُ عليه، ثم رفع حاجبه بسلاسة.
“لكن، يجب أن أعترف، أنتِ تأخذين مسافة الآن بطريقة مبالغ بها.”
“إذن، لماذا قرأتَ مذكرتي الخاصة بدون إذن؟!”
صرختُ بإحباط، بينما كانت عيناي على وشك أن تمتلئ بالدموع من شدة الإحراج..
كان كارسيون يسير بخطوات هادئة، وكأنه يستمتع بنزهة، لكنه في الواقع كان يدفعني إلى الزاوية ليحاصرني.
أو بالأحرى، كان يحاول ذلك.
لكن فجأة، لفت شيءٌ ما انتباهه، فابتعدت نظراته عني واتجهت إلى مكان آخر..
ما الذي يحدّق به؟
شعرتُ بالفضول، فتبعتُ اتجاه نظره.
“آه. هذا.”
“إنه صديق طفولتي.”
كان كارسيون يحدّق في الإطار الموضوع فوق رفّ الموقد، وعيناه متسمّرتان عليه..
داخل الصورة، كنتُ أجلس بجانب ليونيل ذي الثمانية عشر عامًا.
حبستُ أنفاسي بصمت.
راقبتُ تفاحة آدم في حلق كارسيون وهي تتحرك بشكل واضح، وكأن موجة ضخمة اجتاحته.
“…ألا يوجد لكِ صورة أقدم من هذه؟”
“حتى هذه تطلّب مني الأمر عزيمة كبيرة لأحصل عليها. الأطفال في دور الأيتام فقراء، كما تعلم.”
كانت تكلفة رسم صورة واحد باهظة..
عادةً ما كان الأمر مقتصرًا على النبلاء، لكن حتى عامة الشعب يمكنهم الحصول على واحد إذا استطاعوا تحمل النفقات.
لكن تعبيرات وجه كارسيون…
“همم، يبدو أنه كان شخصًا عزيزًا عليكِ للغاية….”
بدت عيناه، التي كانت غارقة في الذكريات، حزينة جدًا، مما دفعني إلى التلعثم وأنا أحاول مواساته.
في الحقيقة، لا يمكن لأحد أن يجهل الحقيقة إلا إذا كان غبيًا..
رينيه إيفلين، أي صديقة طفولة كارسيون، لم تعد موجودة في هذا العالم..
ولهذا، حتى بصفته بطل الإمبراطورية، لم يكن يبحث عنها، بل كان يتشبث بي بهذه الطريقة.
***
“كيف كانت عطلة نهاية الأسبوع؟”
عندما سألتني إيسولا، أومأتُ برأسي بفتور.
بعد أن أمضينا بضعة أيام معًا في إدارة جرعات العلاج، أصبحنا أكثر تقاربًا. لدرجة أننا بدأنا نتحدث مع بعضنا دون تكلف.
“تبدين مرهقة بعض الشيء.”
“لقد انتقلتُ إلى منزل جديد.”
“آه، فهمت.”
أومأت إيسولا برأسها وكأنها تتفهم تمامًا ما مررتُ به.
ثم سرعان ما انتقل حديثها إلى موضوع آخر، وكأنها تخفي شيئًا مثيرًا للاهتمام..
“لكن هناك شائعة متداولة هذه الأيام.”
“…شائعة؟”
تسارعت نبضات قلبي للحظة.
ماذا لو كانت الشائعة عني وعن كارسيون؟
خفضت إيسولا صوتها وكأنها تسرّ لي بسرّ خطير.
“يُقال إن بحثًا بالغ الأهمية سيبدأ قريبًا.”
“….”
لحسن الحظ، يبدو أن لقائي مع كارسيون قد مرّ بسلام دون أن يصبح حديث الجميع.
“ومن المحتمل جدًا أن يتم تعييننا للمشاركة فيه.”
“ما نوع البحث؟”
“حتى أنا لا أعرف.”
عندما توقفت عند هذه النقطة المهمة، فقدتُ الاهتمام بسرعة..
لكن كلمتها التالية جعلتني أستعيد انتباهي على الفور.
“لكن هناك شائعة بأن أحد أفراد العائلة الإمبراطورية سيشرف عليه شخصيًا.”
لا يمكن أن يكون ذلك الأمير كارسيون… صحيح؟
لم يكن هناك سبب يدفعني لتجنبه، لكنني شعرتُ بعدم الارتياح بطريقة ما..
ربما كان ذلك بسبب ما حدث خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ديْن عليّ سداده، زيارة غير متوقعة إلى منزلي، حديث شخصي بيننا…
<لا بد أنه كان شخصًا عزيزًا عليكِ جدًا…>
<نعم، هو كذلك.>
عندما قالها كارسيون، بدا وكأنه يتألم بشدة..
<عزيز جدًا.>
لم يكن مجرد ألم، بل كان وكأن روحه كانت تنزف بغزارة..
ألن يكون وجودي حوله تعذيبًا له؟
سيظل يتذكر صديقة طفولته التي لا يمكنه الوصول إليها كلما رآني..
شعرتُ باضطراب داخلي شديد.
وعلى عكس حالتي المشتتة، كان الطقس جميلًا بشكل مزعج.
شعرتُ وكأنني أحمل تنهيدةً ثقيلة في صدري بينما كنتُ أتفحص الجرعات المخزنة في غرفة الإدارة، وأتبادل الأحاديث مع إيسولا عن الحياة في برج السحر.
ومع مرور الوقت، وجدتُ أن الصباح قد انقضى تمامًا دون أن أشعر..
تناولنا الغداء معًا، ثم قررنا التجول في الحديقة لتساعدنا على الهضم.
بينما كنا نسير وسط الحدائق المليئة بالزهور المتفتحة، حيث تتناثر المباني الفخمة هنا وهناك لتظهر عظمتها، شعرتُ أن أفكاري المتشابكة بدأت بالاستقرار قليلًا..
“هك، لينا! اخفضي رأسك!”
وفجأة، شعرتُ بوخزة في خاصرتي من إيسولا، التي همست لي بنبرة مضطربة.
تفاجأتُ بردة فعلها المفاجئة، فاتبعتُ اتجاه نظراتها.
على بُعد مسافة، كان هناك شخصان يقتربان منا.
من أناقتهما اللافتة، كان من الواضح أنهما من أصحاب المكانة الرفيعة.
“إنه سيد برج السحر!”
عندما بقيتُ أحدق بصمت، ربما ظنت إيسولا أنني كنتُ أحاول معرفة من هما، فتمتمت لي على عجل بنبرة شبه هامسة.
لكنني لم أكن أنظر إلى سيد البرج، ذلك الرجل في منتصف العمر.
كنتُ أحدق في الرجل الذي كان يسير بجانبه.
تألّقت خصلات شعره الذهبية تحت أشعة الشمس الساطعة، متمايلةً برفق مع النسيم العابر.
حبستُ أنفاسي دون وعي.
كارسيون…؟
المسافة كانت بعيدة، لذا لم أستطع رؤية ملامحه بوضوح.
أوه؟ لقد تلاقت نظراتنا.
حتى من هذا البُعد، كنتُ متأكدة.
وبينما تقلّصت المسافة بيننا أكثر قليلًا، حبستُ أنفاسي مجددًا.
تبًا، لقد إنتهيت..
لم يكن كارسيون.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"