لو كان شخصًا عاديًا، لظن أنه صد الهجوم بسحر الحماية.
لكن كارسيون، الذي كان يراقب بدقة حادة، رآه بوضوح.
رأى جلد ليونيل يتحول إلى قشور صلبة ثم يعود إلى حالته الطبيعية.
كان هجومًا مباغتًا، جاء فجأة دون أن يُمهل الضحية وقتًا لتمتمة تعويذة أو التحضير لسحر.
بمعنى أن تلك القشور قبل قليل خرجت من حالته الغريزية تمامًا.
“ليونيل.”
اقترب كارسيون منه بخطى ثابتة.
حتى ليونيل، الذي انفجر غاضبًا من مظهره البارد الخالي من الابتسامة، اتخذ وضعية دفاعية.
كان متوترًا من احتمال أن يتلقى هجومًا آخر.
لكن كارسيون لم يكن بحاجة لتكرار نفس الأسلوب، إذ كان قد تأكد بالفعل مما أراد معرفته.
“ما هويتك الحقيقية؟”
لم يكن صوته يسأل بدافع الفضول.
بل لأنه لم يستطع تصديق ما رآه، كان الأمر غير معقول إلى درجة أثارت سخريته.
“القشور الحمراء.”
“……!”
“تلك القشور الصلبة بما يكفي لصد سيف المانا، ما هي؟”
“…….”
توقف كارسيون فجأة بعد أن وصل إلى المكتب، ثم انحنى قليلًا ليُحدّق في عينيه بنظرة مهدِّدة.
ليونيل، وقد انهزم أمام هالته، سقط مجددًا على الكرسي.
ضغطت نظرة كارسيون الحادة على ليونيل ليُجيب بسرعة. لكن ليونيل شدّ على أسنانه دون أن ينبس بكلمة.
بالطبع، لم يكن كارسيون بحاجة إلى إجابة سخيفة كهذه. فهو يعرف الجواب مسبقًا.
“لماذا يتظاهر التنين بأنه جرو بجوار رينيه، ثم يتظاهر بأنه إنسان؟ هل خرج ليتسلى في عالم البشر بدافع الملل؟”
“……لا أفهم عمّا تتحدث.”
“ألم تدرك بعد أن الوقت قد فات للتملص؟”
ثم نقر كارسيون على صدغه بإصبعه.
كأنه يسخر منه قائلاً: “هل دماغك بهذا الغباء؟”
بدأت أنفاس ليونيل تتسارع. استشعر كارسيون ذلك بحدّة، فتابع استجوابه بنبرة أكثر برودة وحدة.
“ما هو هدفك؟”
“ما الذي تقوله باستمرار منذ قليل؟”
“لا تتظاهر بأنك لا تفهم. ما هدفك من التسكع بجوار رينيه؟!”
دوووم!
صار من الصعب عليه الحفاظ على هدوئه. صوته المنخفض انفجر في النهاية كصرخة مدوية.
تشوّه وجه كارسيون بوحشية.
“قلها.”
“…….”
“لماذا رينيه؟ ما الذي يريده تنين من إنسانة؟”
“……ليس لدي أي هدف.”
بعد أن نطق إجابته المتعبة، أدار ليونيل نظره إلى الجانب، متجنبًا نظراته.
ضاقت ملامحه، وضغط على شفتيه بإصرار، مما جعل كارسيون يشعر بارتباك شديد.
ما قصته، هذا الوغد؟
ما معنى هذا التعبير السخيف على وجهه……؟
ذلك الوجه الذي بدا وكأنه وقع في الحب.
لم يكن غريبًا عليه. ولم يكن ذلك غريبًا لسبب وجيه.
فهو التعبير نفسه الذي اعتاد كارسيون إخفاءه بصعوبة كلما حاول كبت مشاعره في حبه من طرف واحد على مدى سنوات.
هاه……
تنين يقع في حب إنسانة؟
“هل أنت معجب برينيه؟”
“…….”
“كل هذه السنوات؟”
“…….”
عاد الصمت، لكن هذه المرة كان صمتًا يحمل اعترافًا.
شعر كارسيون بعضلات فكّه تتشنج من شدة التوتر، ثم اعتدل في جلسته بعد أن كان مائلًا للأمام بتهديد.
كان مشوشًا بشدة حتى إن رأسه بدأ يطنّ. مرر أصابعه بين خصلات شعره الذهبي المرتب، وهو يتطلع إلى ليونيل بوجه مملوء بالكلام.
ثم أخذ يتأمل بهدوء مشهد المختبر من حوله، قبل أن يعيد نظره إليه.
“لماذا كنت جروًا؟”
لم يبدُ له شكلًا مناسبًا ليُثير إعجاب فتاة يُحبها.
رد ليونيل بصوت متجهم، لا يزال حاجباه معقودين.
“كان صدفة. رأيت جروًا بجوار إنسان مارّ، فقلدت الشكل فقط. ثم التقيت برينيه حينها.”
“عشت كجرو لمدة 12 سنة. هل هذا منطقي؟”
“لم أكن أنوي ذلك.”
نهض ليونيل فجأة، واضعًا يده على صدره وكأنّ الظلم يخنقه.
“عندما يفتح التنين عينيه لأول مرة، يشعر بمشاعر عميقة تجاه أول مخلوق يراه. سواء كانت تلك المشاعر حبًا أو هوسًا، فإنها تكون عميقة جدًا. وقد كنت حديث الولادة في تلك اللحظة!”
“……هل تقصد أنك حقًا في السابعة عشرة من عمرك؟”
“رينيه هي كل شيء لي! هي عالمي!”
في عيني ليونيل القرمزيتين لمعت ظلال من الاستياء.
كما يعتبر فرخ البطة أول من يراه أمه، فإن التنين يُنقش في روحه أول كائن يتبادل معه النظرات.
هناك تنانين عنيفة تتسلى بتلك الكائنات ثم تقتلها، وهناك تنانين مخلصة تعطي بلا حدود كالأشجار الكريمة، وتنانين خجولة تختبئ وتراقب بصمت طوال حياتها.
تختلف طريقة تعامل التنين مع هذا الكائن بحسب شخصيته.
أما ليونيل، أو باسمه الحقيقي “جينيرتس”، فقد كان يتوق إلى الحب من ذلك الكائن.
لمسة رينيه كانت ملكه.
وزمن رينيه كان ملكه.
وقرب رينيه كان ملكه.
“لكنّك ظهرت، وأخذت مكاني. ذلك الصبي المغرور.”
“……الجرو لا يمكن أن يصبح رفيقًا لبشر من الأساس.”
كان كارسيون مصدومًا وساخرًا في آنٍ معًا، فلم يستطع أن يترك الأمر يمر.
يا له من اختيار، من بين كل الأشياء جرو……
لكن يبدو أن ملاحظته تلك أصابت نقطةً حساسة في نفس ليونيل. صرخ غاضبًا وهو ينتفض.
“أنا أعلم! هل تدرك كم ندمت لاحقًا حين عرفت الحقيقة؟”
على ما يبدو، فقد كان صغيرًا بحق، بلا أي مفاهيم واضحة.
وإن كان ذلك صحيحًا، فإن ما حصل قبل خمس سنوات……
في عيني كارسيون الزرقاوين، تجلت من جديد برودة مخيفة.
“إذاً، هل هربت برينيه؟ بعد أن محوت ذاكرتها وتحولتَ إلى إنسان، وتظاهرت بأنك صديق طفولتها؟ طوال خمس سنوات؟”
“……”
صمت التأكيد .
شعر كارسيون بأن قلبه ينبض بألم.
كان يعلم تماماً. قشور التنين الأسود الذي هزمه كانت سوداء قاتمة، أما تلك التي ظهرت على ليونيل قبل قليل فكانت حمراء.
وهذا يعني أن ليونيل ليس هو من دمّر أرض إيفلين. ومع ذلك، كان هناك أمر يجب التحقق منه.
“هل طلبت المساعدة من تنين آخر؟”
“ماذا؟”
“لكي تحتكر رينيه لنفسك، هل وصلت لدرجة التظاهر بأنها ماتت؟”
“ما الذي تهذي به؟”
هذه المرة، بدا صوت ليونيل مضطرباً فعلاً.
إذًا، هذا ليس صحيحًا.
قرأ كارسيون ملامح ليونيل وشعر ببعض الراحة. على الأقل، رينيه لم يلتصق بها كائن بهذه الخسة طوال الوقت.
لكن يبدو أن ليونيل ظن أنه يُساء فهمه، فسارع بالتبرير.
“التنانين لا تتعاون. أنا لا علاقة لي باستيقاظ التنين الأسود. كل ما في الأمر أنني… بالكاد استطعت الفرار برينيه منه.”
صحيح. إنه مدين له لأنه أنقذ رينيه. لو لم يكن ليونيل هناك، لكانت ماتت بلا شك.
ورغم علمه بذلك، كلما تذكر أن رينيه عاشت مع هذا الذكر وحدها لخمسة أعوام، يغلي الدم في عروقه.
بهيئة رجل بشري… خمس سنوات… في الغابة… لوحدهما…
“لماذا بقيتما مجرد صديقين؟”
لو أراد، كان يمكنه أن يتجاوز حدود الصداقة بسهولة.
لكن الاثنين بقيا صديقين. رينيه لم تدرك حتى أنه رجل.
وربما كان هذا بسبب حمايته الزائدة.
“لأنني قلتُ إنني صديق طفولة…”
همس ليونيل بذلك وكأن فيه حسرة نادمة. كارسيون نطق بـ “آه” وكأنه أدرك شيئاً.
هذا الوغد.
قال إنه صديق الطفولة بدافع الغيرة مني، أليس كذلك؟
ولم يدرك كم أن ذلك سيكون قيداً له.
ساد جوٌّ من الصمت المحترم.
***
غداً سأغادر إلى إقليم إيفلين.
وقبل ذلك، ذهبت إلى غريزندورف لإعطائه التقرير النهائي.
رغم أنني زرت هذا المكان من قبل، إلا أن مكتب سيد برج السحر لا يزال يرهب الزائرين.
“بعد مناقشتي مع صاحب السمو سيدريك، قررنا إنتاج الطوب الذي طورته بكميات كبيرة. لذا، خلال عملية الجمع هذه، احرصي على جمع أكبر قدر ممكن من النواتج الممزوجة بـ ‘ميمبل بالماتوم’.”
“نعم، مفهوم.”
هكذا انتهى الأمر.
حتى الآن، لم يتم التحقق ما إذا كان الطوب الذي طورته يمكنه صد نفس التنين فعلاً.
لكن القرار اتُّخذ رغم ذلك، لأن لا طريقة لاختبار ذلك فعلاً.
فمن أين نحصل على تنين آخر؟
آخر تنين استيقظ بعد ألف عام، وهزمه كارسيون قبل عامين.
وربما علينا انتظار ألف سنة أخرى لرؤية تنين جديد.
حسنًا، على الأقل يمكنه تحمّل سحر ليونيل الناري.
وأنا أرى أن مجرد قدرته على مقاومة هجوم ساحر رفيع المستوى يعد نتيجة عظيمة.
بعد الانتهاء من التقرير والتعليمات، كنت على وشك النهوض.
في الواقع، شعرت أن معدتي ترتجف من التوتر، ربما بسبب الجلوس الطويل مع شخصية بحجم سيد البرج.
“إذن، سأغادر الآن.”
“لحظة.”
وقبل أن أنهض تمامًا، أوقفني صوت غريزندورف.
وعندما التقت أعيننا، أدركت سبب نداءه لي. آه، يبدو أن كارسيون أخبره مسبقًا.
“دعيني أتحقق من الختم الذي يقيدك.”
شعرت بتوتر أكبر من أي وقت مضى، وأومأت برأسي. كنت أستعد لتسليم رأسي له كلياً.
نهض من مقعده، دار حول الطاولة، واقترب مني. ثم وضع يده فوق رأسي.
أغمضت عيني، وفجأة وصلني صوته الهادئ وهمس في أذني.
“كونكِ الآنسة إيفلين لم يكن مفاجئًا إلى هذا الحد.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 68"