قطّب حاجبيه وكأن كل شيء يزعجه، نظر إليّ كأنني عبء مزعج، ثم حول نظره إلى الجانب، ثم عاد لينظر إليّ، فتح فمه قليلاً، بلع ريقه، وأطلق تنهيدة طويلة.
ما هذا بحق السماء؟ لماذا؟!
“نحن الاثنان في سن الزواج المناسب.”
“هذا ليس هو السبب.”
“بالطبع هو سبب. ألا تتعرض أنتَ كأمير، لضغط بشأن الزواج؟”
“لا أعلم. لا يهمني هذا النوع من الأمور.”
“لا يهمك؟…”
كنت مذهولة.
أو ربما كنت أفرغ غضبي عليه فقط لأنني شعرت بالإهانة لكوني رُفضت.
كارسيون، بعينين يغلفهما التعب، نظر إلي للحظة، ثم أسند ظهره بجانبي إلى الجدار.
“على أي حال، ما سمعته قبل قليل يُلغى. لا يمكن اعتبار هذا عرض زواج.”
“وما خطب عرضي؟”
“لا تستخدمي تلك الكلمة. انها ممنوعة.”
“…..”
مع أنه هو من استخدمها لتوّه.
عبرت عن انزعاجي بإخراج شفتيّ للأمام.
ورأيت كارسيون من طرف عيني يخدش شعره بانزعاج.
يبدو أنه لم يعجبه عرضي على الإطلاق.
“آه، آسفة جدًا إذًا. كان يجب أن أُحضر باقة زهور وخاتم على الأقل، أليس كذلك؟”
تمتمت بغضب، فالتفت إليّ كارسيون بعينين مذهولتين.
“رينيه.”
“كنت أعتقد أن المشاعر هي الأهم.”
“ليست هذه هي المشكلة.”
“ظننت أنه حتى لو كنت غير مثالية، فإن حبنا لبعضنا كافٍ. لقد كنت مهمِلة.”
“الأمر ليس كذلك.”
“لم أكن أتوقع أن يتم رفضي…”
“لم أرفضك!”
صرخ كارسيون فجأة.
فانصدمت، ونسيت ما كنت سأقوله.
ثم بدأ يتحدث بإسهاب بنبرة تنم عن إحباطه، وكأنه لا يحتمل الموقف.
“كيف يمكنني رفضك؟ دعكِ من كل هذا… لماذا أنتِ من يتقدم بعرض الزواج؟! أنا كنت أخطط لكل شيء… آه، بحق السماء، جعلتيني أقول حتى هذا.”
قال كارسيون ذلك، ثم أخفى وجهه بين راحتيه وكأنه على وشك البكاء، ثم جلس على الأرض..
هممم…
كان يخطط لهذا إذن.
لم أكن أعلم أبدًا.
جلست القرفصاء بجانبه لأكون على مستوى نظره، وبدأت أُربّت على كتفه.
لم أكن أعرف ما يجب أن أقوله لأواسيه.
كل هذا خطئي.
“أه… مم… على أي حال، شكرًا. لقد فكّرت بي حتى حد التخطيط لكل ذلك. الحياة لا تسير كما نتوقع، أليس كذلك؟ أعني، من يهتم بمن اعترف أولاً؟ المهم أننا تأكدنا من مشاعرنا تجاه بعض، وإذا لم تكن تنوي رفضي، بما أنني أنا من بادرت، فما رأيك أن نقبل الأمر فحسب…”
“لا تفعلي.”
حينها رفع كارسيون رأسه فجأة، ولوّح بإصبعه كأنه يوجه إليّ تحذيرًا حازمًا.
ثم صوته الحاسم اخترق أذني كالسهم.
“لا تقولي شيئًا بعد الآن، ولا تفعلي شيئًا.”
لأنني سأفعل ذلك.
شعرت وكأنني سمعت كلماته غير المنطوقة تتردد في أذني.
***
في مكانٍ ما من سلسلة جبال دينيبروك.
أطلق ديريك، نائب قائد فرسان التوتين، أنينًا معقدًا داخل خيمته.
كان يمسك برسالة وصلت من شوتزن.
“أمر بالانسحاب، تقول؟”
لقد أمضى خمس سنوات كاملة في هذه الجبال المزعجة.
بات الآن يستطيع التجول في جبال دينيبروك مثل الحيوانات البرية حتى وهو مغمض العينين.
رغم أنه تمنى أحيانًا الهروب من هذا المكان الممل، لم يظن أبدًا أن ذلك اليوم سيأتي فعلاً.
“هل هذا بسبب تلك الباحثة؟”
تذكر ديريك فرقة الجمع التي مكثت قبل أشهر في إقليم إيفلين.
كان من ضمنهم باحثة من برج السحر تشبه تمامًا رينيه إيفلين، مما جعله يندهش بشدة.
لكن، بحسب ما قاله له أحد معارفه من فرسان فونيكس، فكانت امرأة أخرى تمامًا.
بل إن اسمها كان لينا، وهي من العامة.
كان قد حفظ ملامحها من صورة تذكارية لها رأها سابقًا.
نهض ديريك وبدأ يفتش بين أمتعته.
لا بد أن تكون هنا في مكان ما…
“ها هي.”
عثر على ورقة قديمة كانت مدفونة في زاوية الحقيبة.
فتح الورقة المجعدة، لتنكشف تحت الضوء صورة فتاة يافعة.
شعر أسود.
عينان زمرديتان.
وجه صغير وجميل.
أنفق الرسام أغلى أنواع الألوان دون تردد لرسم هذه الصورة.
عادت حرارة كارسيون في ذلك اليوم إلى ذاكرته بقوة.
<ابحثوا عن الآنسة رينيه إيفلين. ابحثوا عنها بأي ثمن.>
<لا بد أنها لا تزال على قيد الحياة. لا يمكن أن تكون قد ماتت بسهولة.>
<حتى لو خصلة شعر، ابحثوا عنها!>
هكذا يبدو الشخص حين يكون على شفا الجنون.
تعلم ديريك ذلك من كارسيون.
حين رأى نظرات الحقد في عيني شخص ظنه مجنونًا أصلًا، شعر بالقشعريرة.
ولما استمرت تلك النظرة المسمومة ثلاث سنوات، لم يستطع إلا أن يظنه شخصًا مخيفًا… ومتألمًا في ذات الوقت.
لم يستطع ديريك أن يرفع عينيه عن صورة رينيه إيفلين.
“من المستحيل أن تكون هي نفسها.”
فالمنطقة التي مرت بها أنفاس التنين كانت مدمرة بالكامل.
وكان ديريك متأكدًا: رينيه إيفلين ماتت.
لكن ربما عليه أن يكون ممتنًا لأن شخصًا يشبهها تمامًا لا يزال موجودًا في هذا العالم.
سمع من قبل أن هذا العالم الواسع قد يخلق مثل هذه الصدف العجيبة.
حتى دون أن يكون هناك رابط دم، قد يكون هناك شخص في مكان ما يشبهكَ تمامًا.
لم يتوقع أن يرى ذلك بنفسه، وكأن ناقة مرت من ثقب إبرة.
“نائب القائد!”
أفاق ديريك من أفكاره على صوت أحد جنوده من خارج الخيمة.
سمح له بالدخول، فدخل الفارس بانضباط وأدى التحية.
“لا توجد أية مشاكل في عمليات التفتيش لهذا اليوم.”
“أحسنت.”
أومأ ديريك برأسه.
لم يتم العثور على جثث إضافية لوحوش الوايفرن.
ولا أي جثة لوحوش سحرية من الدرجة العالية.
يبدو أن الكائن الغامض ذو القوة الهائلة قد غادر جبال دينيبروك.
أو ربما لم يكن موجودًا من الأساس؟
قد تكون مجرد معركة بين وحوش انتهت بحركة غريبة من أحدها.
“اجمع الفرسان. هناك أمر سيتم الإعلان عنه.”
“نعم، مفهوم.”
بعد أن غادر الفارس، خرج ديريك من خيمته بعد أن أمضى لحظات مع نفسه.
انكشفت أمامه الجبال الكثيفة الممتدة على مد البصر.
رياح باردة مرت بخشونة على جلده.
أطلق الورقة التي كانت في يده لتستسلم للرياح.
رفرفت الورقة بعيدًا، واختفت في لمح البصر.
تم تعليق البحث عن التنين الأسود.
وكذلك انتهت مهمة مراقبة النظام البيئي للوحوش السحرية.
ويعني ذلك أن حقد كارسيون المرتبط بجبال دينيبروك قد خفّ كثيرًا.
وبعد أن اجتمع كل فرسان التوتين، أعلن ديريك عن أوامر الانتقال التي وصلت من شوتزن.
المهمة التالية كانت تهدئة التحركات المريبة على الحدود الغربية.
بعد أن اعتادوا على قتال الوحوش، ها هم سيواجهون البشر مجددًا بعد غياب طويل.
وكانت ردود أفعال الفرسان متباينة تجاه هذا التغيير الكبير.
بعضهم قال إنه سيثبت قوته أخيرًا.
وبعضهم قال إنه اشتاق لرائحة البشر.
وآخرون قالوا إنهم يشعرون بالحزن والراحة في آن لترك هذا المكان.
وآخرون تمنوا لو ظلوا يواجهون الوحوش بدلًا من البشر.
لكن في النهاية، لكلٍ رأيه الخاص، والفرسان لا يفعلون إلا تنفيذ الأوامر.
بدأ فرسان التوتين بتنظيم أمتعتهم بخفة وانضباط.
وانطلق بعضهم على صهوات خيولهم لإبلاغ المخيمات الأخرى.
لم تستغرق عملية التنظيم والانتقال من إقليم إيفلين سوى يومين فقط.
ووصلت نفس الأوامر إلى الفرسان المتمركزين هناك أيضًا.
رحل فرسان التوتين عن اقليم إيفلين متجهين نحو الغرب.
وفي مكانٍ ما من جبال دينيبروك.
رغم أن كل ما حدث هو اختفاء بضع مئات من البشر من أحضان الطبيعة الشاسعة، إلا أن شعورًا بالفراغ ساد الأجواء.
رياح هوجاء مزقت طريقها بين الأشجار.
سررررخ.
سقطت ورقة حملها الريح الطويلة على أرضٍ مغطاة بالأعشاب.
التقطها أحدهم.
“همم.”
حدقت عينان سوداوان في وجه الفتاة المرسومة وكأنها تطبع ملامحها في ذاكرته.
ارتسم على شفتي هاديس ابتسامة مائلة غامضة.
“كانت صاحبة خيط حياة طويل.”
امتلأ وجه هاديس، وهو يسترجع الماضي، بمزيج من الفضول والانزعاج.
ندمٌ على أنه أنقذها في الماضي.
وحماسٌ لأن إنقاذه إياها جعل الأمور الآن أكثر متعة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 61"