لم يستطع كارسيون كبح غضبه، فضرب الحائط بقبضته، تاركًا ثقبًا ضخمًا في الجدار. بالطبع، كان على خدم قصر بريتن المساكين التكفل بالإصلاح.
كان إيفان يحتسي الشاي بهدوء في الصالون عندما نطق بنبرة غير مبالية:
“لو واصلت هكذا، سينهار القصر.”
“….”
أغمض كارسيون عينيه للحظة، محاولًا السيطرة على النيران المشتعلة داخله. كيف يهدئ الغضب الذي احتل روحه بالكامل؟ خاصة بعد أن أمضى خمس سنوات يبحث في الظلام.
كان إيفان قد بحث بالفعل في جميع ملاجئ الأطفال القريبة من غابة هيلدين، وأرسل تقريرًا مفصلًا إلى كارسيون. وبدلًا من أن تكون النتيجة إحباطًا، زادت من احتمالات صحة شكوكه.
لا يوجد سجل للماضي.
وهذا يعني أن “لينا” قد تكون مجرد شخصية من صنع ليونيل.
لكن المشكلة كانت فقدان الذاكرة.
كيف يمكنه استعادة ذكريات رينيه؟ هل يمكن أن يكون ليونيل، بصفته ساحرًا قويًا، قد نجح في استخدام السحر المحرم لمحو ذكرياتها؟ ولكن لماذا يخاطر باستخدام مثل هذا السحر على رينيه؟
<أنتَ ريو، أليس كذلك؟ أيها اللعين! توقف عن التظاهر وتحول فورًا!>
<كخ…!>
<ماذا تقول؟! سيموت إن استمر الأمر هكذا! أنزله حالًا، وإلا لن أتحدث معك مجددًا أبدًا!>
اللعنة.
كانت كل خلية في جسده تصرخ.
إنها رينيه، حتى بتهديداتها الطفولية بعدم التحدث إليه مجددًا، كانت نسخة مطابقة لها تمامًا.
لكن رغم أنه وجدها، لا يستطيع حتى مناداتها باسمها الحقيقي!
إنه لأمر يدفع للجنون!
“كم عدد السحرة القادرين على استخدام سحر التبديل؟”
“لا يوجد أي ساحر حاليًا قادر على ذلك.”
رد إيفان بلا مبالاة، مدركًا أن كارسيون يعرف الجواب بالفعل.
“حتى غريزندولف لا يستطيع؟”
“لا، لا يستطيع.”
“إذًا، الوحيد القادر عليه هو ليونيل.”
“هل أنت متأكد أنه هو؟”
“أجل.”
لم يكن لدى كارسيون أدنى شك. كل تصرفات ذلك الوغد كانت تفضحه.
لكن الأمر الأكثر إثارة للرعب…
كان أنه، طوال 12 عامًا، منذ أن كانت رينيه في السادسة من عمرها وحتى أصبحت في الثامنة عشرة، ظل ليونيل بجانبها على هيئة كلب.
لماذا؟
ما إن خطر له هذا التساؤل، حتى تدفقت عليه ذكريات قديمة—
كيف كان ينام في سريرها، أو يحتضنها بينما تفرك خدها بخده، أو يتدلل عليها بمسح وجهه ولسانه بها…
“هذا الوغد!”
بووم!
ظهر ثقب جديد في الجدار.
أما إيفان، فقد احتسى رشفة أخرى من الشاي وكأنه اعتاد على هذه المشاهد.
في الواقع، كان يجد الأمر ممتعًا.
لطالما كان كارسيون باردًا كالجثة، خاليًا من أي مشاعر.
لكنه الآن…
كان أشبه بحصان بري يركض بلا كابح.
***
تسللت أشعة الشمس بين الأوراق، منسابة على الطاولة المليئة بالملفات والزجاجات المبعثرة.
حدّقتُ في الظلال المتراقصة للحظة، قبل أن أعود لتركيزي على استخلاص عصارة الأوراق الخضراء.
لكن سرعان ما وجدتُ نفسي أختلس النظر إلى الرجل الجالس في زاوية المختبر، ذي الشعر الفضي.
إيفان فون هيلغريت، ابن دوق، و—
<من اليوم، سأكون حارسكِ الشخصي.>
<ماذا؟>
<إنه أمرٌ مباشر من الأمير كارسيون.>
<ماذااا؟!>
كيف يعقل هذا؟
لقد غادر كارسيون غاضبًا، ثائرًا، غارقًا في الغضب حتى رأسه..
والآن يرسل لي دوقًا ليكون حارسي؟!
يا إلهي…
وضعت يدي على جبهتي، شاعرة بصداع وشيك.
حياتي، التي كانت هادئة، أصبحت فجأة عاصفة لا تهدأ.
“لينا، هل تخططين للترقي في حياتك الاجتماعية؟”
“اصمتي.”
وخزتني إيسولا بمرفقها مازحة، لكنني ضغطت على أسناني، محاوِلة تجاهلها.
حتى دون تعليقاتها، كان زملائي في المختبر يراقبوننا بنظرات فضولية.
آه…
منذ متى أصبح للعامّة حراس شخصيون؟ حتى لو كنت قد تعرضت لموقف سيئ مع الإمبراطورة إليزابيث، فالأمر مبالغ فيه!
“… لا أظن أنه سيتصل بي مجددًا.”
“ماذا؟”
“لا شيء، لا تهتمي.”
بعد كل تلك الفوضى…
هل يمكن أن يحاول كارسيون التواصل معي مجددًا؟
بينما كنت أعاود استخلاص العصارة، متجاهلة تساؤلات إيسولا المتسللة، كانت السائل الأخضر الداكن يملأ الدورق الزجاجي ببطء.
عندها فقط دخل كولن المختبر. بصفته المسؤول التنفيذي عن البحث، كان عليه مقابلة العديد من الأشخاص باستمرار.
“الآنسة لينا.”
“نعم، السيد كولن؟”
قبل أن أتمكن حتى من الرد، شعرت بنظرات إيفان وهو يراقب كولن بتركيز، مكتفًّا ذراعيه.
“لحظة من فضلك.”
أشار إليّ كولن للخروج. وضعت ما بيدي وتبعته إلى الخارج، بينما تبعنا إيفان كما لو كان ظلي.
آه… إنه يبدو وكأنه حارس شخصي بحق.
يمكنني أن أشعر بعيون الآخرين تراقبنا وهمسهم من حولي.
أما كولن، فلم يجرؤ على قول أي شيء لدوق هيلغريت، فقط ألقى نظرة سريعة نحوه، ثم تنحنح بخفة.
ماذا ينوي أن يقول؟
بدأ قلبي ينبض بقلق، حتى فتح كولن فمه أخيرًا.
“لقد قابلت السيد غريزندولف للتو، ويبدو أن جلالة الإمبراطورة قد استدعتك، وقد وافق سمو الأمير سيدريك على ذلك بالفعل.”
“آه…”
“يجب أن تذهبي.”
“الآن؟”
شعرت وكأن الدم في عروقي تجمّد.
رمشت عدة مرات بسرعة بينما تسللت كآبة عميقة إلى قلبي.
ومن بعيد، حيث كان إيفان يستمع بلا مبالاة، جاء صوته الهادئ:
“سأرافقكِ.”
***
قصر كارباس، الجناح الأيسر
كانت الأجواء في صالون الإمبراطورة مشحونة بالتوتر.
استدعت إليزابيث لينا، لكن هناك شخصًا آخر أتى معها—إيفان، الذي سرعان ما نقل الخبر إلى كارسيون، ليحضر الأخير على الفور.
كان كارسيون يحدّق إلى إليزابيث بعينين مشتعليتين، وكأنه يحذّرها بعدم المساس بلينا.
ابتلعت إليزابيث ابتسامة ساخرة.
لقد كان دائمًا ذلك الطفل الذي يسعى لنيل عاطفة والدته، لكن عندما يتعلق الأمر برينيه إيفلين، ينقلب تمامًا.
لم يكن بهذا التطرف من قبل…
تذكرت إليزابيث عام ظهورهما الأول في المجتمع، ثم تكلمت أخيرًا:
“لم أستدعِك، فلماذا أتيت؟”
في الأصل، كانت لينا مجرد وسيلة لجذب انتباه كارسيون، لكنها الآن تسأل ببرود كما لو أنها لا تعلم.
أجاب كارسيون بنفس اللهجة القاسية:
“أنا من يجب أن يطرح هذا السؤال. لماذا استدعيتِ لينا؟”
كان الغضب يغلي بداخله.
بالرغم من أنه أرسل إيفان لحمايتها، لم يكن يتوقع أن تستدعيها إليزابيث بهذه السرعة، بل وتجبرها على القدوم إلى القصر الإمبراطوري.
ماذا لو تعرضت لينا للإهانة مجددًا؟ مجرد التفكير في ذلك جعله يفقد صوابه.
لكن إليزابيث كانت قد عدّلت موقفها قليلًا منذ حادثة مأدبة العشاء. أدركت أن إذلال لينا أكثر من اللازم سيجعل التفاوض مع كارسيون أكثر صعوبة.
كان عليها إيجاد التوازن—إزعاجه دون أن تدفعه للانفجار تمامًا.
لكن سرعان ما اكتشفت أنه لا حاجة حتى لإزعاج لينا. مجرد استدعائها كان كافيًا.
“أردت فقط التحدث معها.”
قالت إليزابيث بنبرة هادئة، قبل أن تقدم كوبًا من الشاي بلطف إلى لينا.
“اشربي، استدعيتك لأنني شعرت بالذنب بشأن ما حدث. لم تنزعجي، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا! إنه لشرف لي أن تستدعيني.”
قالت لينا بصوت متجمد، جالسة بتوتر.
كارسيون، الذي لم يعجبه هذا المشهد، عبس بشدة.
إنه لا يطيق هذا.
إن استمرت إليزابيث في استدعاء لينا إلى هذه اللقاءات غير المريحة، فماذا قد يحدث؟
فقد صبره سريعًا وطلب من لينا المغادرة.
“لدي حديث خاص مع جلالة الإمبراطورة.”
نظرت لينا إلى إليزابيث متسائلة، فأومأت الأخيرة بالموافقة، مما سمح لها بالمغادرة.
بعد رحيل لينا، لم يبقَ في الصالون سوى كارسيون وإليزابيث.
عندها، تحدث كارسيون مباشرة دون أي مجاملة..
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"