حتى هذه اللحظة، كنت أعتقد أن الإمبراطورة إليزابيث تتحدث عن أبحاث البرج السحري. كان المشروع مرتبطًا بإنشاء مبنى غير مسبوق يعزز مكانة الإمبراطور.
كان علينا تطوير أقوى مادة بناء لا يمكن تدميرها مهما حدث.
لكن كان هناك شيء غريب.
رغم أنني التحقت كباحثة في قسم الجرعات، وكان مختبري تابعًا لهذا القسم، إلا أن طبيعة المشروع كانت مختلفة.
ما كنا نطوره لم يكن مجرد جرعة، بل مادة بناء معززة بالجرعات. لهذا السبب، كان الباحثون يستخدمون مصطلح “مادة البناء” أكثر من “الجرعة”.
حسنًا.
ربما من منظور الإمبراطورة، لم يكن هناك فرق كبير بين الأمرين.
“مؤخرًا، بدأت أعاني من صداع متكرر، لذا أحتاج إلى جرعة.”
“.….”
رمشت بعينيّ مرتين.
هل نتحدث عن موضوعين مختلفين؟ أليس حديثنا عن مواد البناء؟ من أين جاء ذكر الصداع فجأة؟
مشوشة، نظرت دون وعي إلى سيدريك.
بصراحة، أكثر ما كان يثير فضولي الآن هو أفكار سيدريك. لماذا دعا إليزابيث وكيت إلى هذا العشاء؟
كان سيدريك يحدق في والدته بوجه يحمل القلق على صداعها.
لم أحصل على أي إجابة، فوجهت نظري مجددًا إلى الإمبراطورة.
وضعت يدها على جبينها قبل أن تواصل حديثها.
“أريدكِ أن تصنعي لي الجرعة.”
“أنا…؟”
أعدت السؤال بينما نظرت مرة أخرى إلى سيدريك. هذه المرة، التقت أعيننا.
أومأ سيدريك برأسه، وكأنه يطلب مني الموافقة.
ماذا؟
ازداد ارتباكي بينما عدت بنظري إلى الإمبراطورة.
نظراتها الجليلة لم تكن تترك مجالًا للرفض.
لكنني لم أكن مختصة بصناعة جرعات تخفيف الصداع. كان هناك قسم خاص بالجرعات الصحية.
“هذا ليس مجالي، لست واثقة إن كنت سأتمكن من القيام بذلك.”
حاولت الرفض بلطف.
وكانت النتيجة قاسية.
“جلالة الإمبراطورة طلبت ذلك بصعوبة، أليس من الجحود أن ترفضي؟”
تدخلت الأميرة كيت.
كانت تبتسم بشكل رسمي، لكن عينيها الباردتين كانتا تنظران إليّ بثبات.
الآن فقط أدركت أن الجميع كانوا يرتدون أقنعة مماثلة.
الإمبراطورة إليزابيث، الأميرة كيت، الأمير سيدريك…
جميعهم كانوا يبتسمون، لكن أعينهم كانت خالية من الدفء.
كنت أعتقد أن سيدريك شخص جيد، وأنه دعاني بحسن نية، لكنني كنت مخطئة تمامًا.
لقد كان واحدًا منهم.
فمجرد صمته كان دليلًا على موافقته الضمنية.
“أحضري جرعة تجعل المزاج أفضل.”
أمرت كيت بصوت ناعم لكنه بارد.
“يجب أن تظهر نتائج جيدة لجلالة الإمبراطورة.”
لم يكن هناك مجال للتراجع أكثر.
شعرت أن عقلي أصبح فارغًا تمامًا.
ماذا علي أن أفعل؟ هل يريدون جرعة لتخفيف الصداع، أم جرعة لتحسين المزاج؟ كان الأمر غامضًا.
لكن لو طرحت سؤالًا، فقد أثير غضبهم.
ومع ذلك، كان يجب أن أعرف نوع الجرعة المطلوبة لصنعها…
“إذًا، بما أن الجرعات لا تستطيع التحكم في المشاعر، سأحاول تحضير شيء يساعد في تخفيف صداع جلالة الإمبراطورة قدر الإمكان…”
تدفق-!
فجأة، انسكب سائل بارد على رأسي.
تجمدت في مكاني، غير قادرة على استيعاب ما حدث.
… ما هذا؟
ما الذي جرى للتو؟
“كلامكِ طويل.”
قالت إليزابيث بهدوء.
في يدها، كانت هناك كأس نبيذ فارغة.
أوه، الآن أدركت.
السائل الذي انسكب على رأسي لم يكن ماءً، بل نبيذًا أحمر.
كان يتدفق على شعري ويتساقط قطرةً قطرة.
ارتديت أجمل فستان لدي لهذا العشاء، لكنه أصبح الآن ملوثًا بالأحمر.
شعرت أن أذنيّ قد أصيبتا بالصمم المؤقت.
هل تعرضت رينيه إيفلين لمثل هذا الإذلال أيضًا؟
هل هذا ما أتعرض له فقط لأنني أشبهها؟
كنت أعلم أن هذا غير عادل، لكن لم يكن لدي القوة للاعتراض.
الغضب والإحباط تجمّدا في حلقي، لكنني كنت عاجزة تمامًا أمامهم.
امتلأت عيناي بالدموع.
وعندما رأت إليزابيث ذلك، عقدت حاجبيها بملل.
“حتى أفعالكِ متشابهة معها.”
“.….”
“عندما أطلبكِ، تعالي. افعلي أي شيء يرضيني، سواء كان ذلك جرعة أو تسلية.”
“.….”
شعرت أن حلقي مغلق.
الآن فهمت.
لم تكن الجرعة تهمها منذ البداية.
الإمبراطورة لم تكن تعاني من أي صداع.
لقد كانت بحاجة فقط إلى ذريعة لتعذيبي.
“جوابكِ.”
“.….”
عضضت على شفتي السفلى بقوة.
عشت طوال حياتي بدون امتلاك شيء، لكن لم يسبق أن تم الدوس على كرامتي بهذا الشكل.
لم أفعل شيئًا خاطئًا، ومع ذلك كنت الطرف الذي يُهان.
“إنها حقًا تشبهها بشكل مخيف.”
عندما لم أجب، نقرَت إليزابيث لسانها وتمتمت بازدراء.
عندها فقط، عمّ ضجيج خلف الباب.
سمعت صوتًا غاضبًا، لكن لم أستطع التركيز على كلماته أو معرفة من يتحدث.
“… سموّه قادم.”
وصلتني كلمات الخادم، تخبر بوصول شخص ما.
وفي اللحظة التي فُتح فيها الباب، التفتت كل الأنظار نحو القادم الجديد..
حتى أنا، رغم مظهري المريع، أدرت رأسي لأنظر إليه.
“آه…”
خرج صوت غريب من بين شفتيّ، وكأنه لا ينتمي إليّ. شعرت كما لو أن شخصًا ما كان يخنقني.
لم أكن أريد أن أُرى في هذه الحالة البائسة…
لكن نظرة كارسيون كانت تشتعل بغضب جامح. كان يحدق بي مباشرة، بوجه مليء بالغضب العارم.
شعري وملابسي المبتلة بالنبيذ، عيني المغرورقتين بالدموع، وجهي المرتجف الذي بالكاد يتمالك نفسه… حتى دون النظر إلى المرآة، كنت أعلم أنني في حالة يُرثى لها.
كنت أشعر بالعار.
تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني.
لكني رفضت الانهيار أكثر. قبضت بشدة على حافة تنورتي تحت الطاولة، محاوِلة منع دموعي من الانهمار.
“ما الذي تفعلونه على وجه الأرض؟”
جاء صوت كارسيون هادئًا، لكنه كان يزلزل المكان بقوة.
تقدم بخطوات غاضبة نحو طاولة العشاء الفوضوية.
***
عاد كارسيون إلى قصر بريتن مغطى بالغبار. بعد أن استحم وغيّر ملابسه، تناول عشاءً خفيفًا في غرفته.
في تلك اللحظة، أحضر له دويمن جرعة للصداع.
رغم أنه عاد إلى القصر بهدوء، إلا أن الأخبار انتشرت بسرعة. كان خَدَم القصر إمّا أعينًا أو آذانًا لبعضهم البعض.
سمح كارسيون بوجود دويمن كالمعتاد، لكن الجرعة الموضوعة على الطاولة أثارت شعورًا غير مريح بداخله.
“هذه جرعة الصداع، سموك.”
“…..”
لم أشرب واحدة منذ مدة…
متى كانت آخر مرة؟
حاول كارسيون استرجاع ذكرياته وسط شرود ذهنه. لم يتناولها أبدًا أثناء وجوده في إقليم إيفلين. إذن، لا بد أنه توقف عن تناولها قبل ذلك…
“لم أعد بحاجة إليها.”
لم يتذكر بالضبط متى، لكن كل شيء تغير منذ أن التقى برينيه مرة أخرى. كلما زادت قناعته بأنها هي وليست مجرد شبيهة، اختفى الصداع تدريجيًا.
“هل اختفى الصداع، سموك؟”
سأل دويمن بنبرة غير متفاجئة كثيرًا، كما لو كان قد توقع ذلك.
“نعم. لم يعد موجودًا.”
وافقه كارسيون بإيجاز. عندها فقط، قدّم له دويمن معلومة غير متوقعة.
“أُقيمت مأدبة عشاء في قصر فيلدير، على ما يبدو.”
“وماذا في ذلك؟”
سأل كارسيون بلامبالاة، وكأن الأمر لا يخصه. لكن الجملة التالية كانت كفيلة بإشعال شرارة في داخله.
“لقد دُعيت إليها إحدى الباحثات من البرج السحري.”
“… اللعنة، لقد نسيت تمامًا.”
تذكّر فجأة أنه كان من المفترض أن يحضر معها. شتم سيدريك في ذهنه على عدم تذكيره.
فقد شهيته تمامًا. لم يكن هذا وقت الجلوس هنا.
نهض فورًا من مقعده، لكن دويمن لم يكن قد أنهى حديثه بعد.
“الإمبراطورة إليزابيث والأميرة كيت ستكونان هناك أيضًا.”
“… ماذا؟”
تجمّد وجه كارسيون.
بعد ذلك، أصبحت ذاكرته ضبابية.
كل ما يعرفه أنه شعر بغضب هائل اجتاح كيانه.
استفاق من نوبة الغضب فقط عندما كان يقف داخل قاعة مأدبة قصر فيلدير.
وعندما رأى رينيه، غارقة في النبيذ، بوجهها الملطخ بالدموع…
لم يكن بحاجة إلى التفكير.
كان كل شيء واضحًا.
لماذا؟
لماذا ما زالت تعاني؟
حتى بعد فقدان ذاكرتها، لماذا كانت تتعرض للإهانة نفسها؟
اشتعل غضبه أكثر. توجه غضبه الحارق مباشرة نحو الإمبراطورة إليزابيث.
“ما الذي تفعلونه على وجه الأرض؟”
تقدم كارسيون بخطوات واثقة، محدقًا مباشرة في الإمبراطورة.
في تلك اللحظة، لم يكن هناك شيء يمكن أن يوقفه.
كيف تجرؤين.
كيف تجرؤين على إذلالها هكذا؟
“كارسيون؟ هل عدت بهذه السرعة من إقليم إيفلين؟ لم أتوقع أن تصل…”
تحطّم!
لم تستطع إليزابيث إكمال جملتها.
تردد صوت لهاث في أرجاء القاعة.
كان كارسيون قد أمسك بطرف مفرش الطاولة وسحبه بقوة.
تحطمت الصحون والكؤوس على الأرض. تناثر الطعام والمشروبات في كل الاتجاهات، حتى وصلت بعض البقع إلى فستان الإمبراطورة الفاخر.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 37"
يعني الحين انتم الصاحين