الفصل 36. إنه أمر مزعج، لكنه مثير للاهتمام
جاء يوم الأربعاء أسرع مما توقعت.
عندما رأيت عربة الأمير الثاني واقفة أمام المختبر، شعرت بالاستسلام إلى نصف الطريق.
هذا غريب.
كنت أعتقد أنني اعددت نفسي، لكن يبدو أنني كنت مخطئة.
شعرت بوجهي يحترق من نظرات المارة الفضولية. لكن أكثر ما كان يجعلني متوترة هو حقيقة أنني في طريقي إلى القصر الإمبراطوري.
“هوو.”
أخذت نفسًا عميقًا ثم صعدت إلى العربة التي فتح لي السائق بابها.
شعرت بنظرات تحرق مؤخرة رأسي. إيسولا وزملائي الباحثون كانوا في حالة صخب.
كارسيون، ليونيل، والآن سيدريك؟ ما الذي يجري؟ وما هو سر جاذبية لينا التي لا يعرفونها؟
لا أعرف.
والأهم، أن الأمر ليس متعلقًا بالجاذبية من الأساس. كل شخص منهم لديه ظروفه الخاصة.
كارسيون لديه صديقة طفولة تشبهني تمامًا. ليونيل صديق قديم. أما سيدريك، فقد ساعدته، ولذلك وافقت على تناول الطعام معه مقابل ذلك.
لكن شرح كل هذا كان سخيفًا بحد ذاته.
حاولت تصفية ذهني قدر الإمكان، وتفاديت النظر إلى الأشخاص في الخارج، وبدلًا من ذلك، تجولت عيناي داخل العربة الفاخرة التي بدت وكأنها تمزق السماء بروعتها.
“هذا مبالغ فيه بشكل جنوني.”
هل يُسمح لشخص مثلي، من العامة، بركوب شيء كهذا؟ ألا يبالغ سيدريك قليلًا؟ هل كان عليّ رفض دعوة العشاء بأي شكل؟
بينما كانت الأفكار تنهال على رأسي، بدأت العربة بالتحرك.
غادرت برج السحر، ومرت العربة عبر شوارع شوتزن، حتى بدأ القصر الإمبراطوري بالظهور.
كلما اقتربنا من وجهتنا، ازداد توتري، ولم أستطع إبقاء يدي ثابتتين.
بماذا سأتحدث مع سيدريك؟
هل سيكون الحديث عن بحثي الجديد مناسبًا أم سيكون مملاً على مائدة الطعام؟
ربما أستعيد بعض الذكريات من إيفلين؟ لا، من الأفضل تجنب الحديث عن كارسيون، خاصة أن العلاقة بين الشقيقين ليست على ما يرام.
أصبحت أفكاري تدور كإعصار وأنا أحاول تصنيف المواضيع المسموح بها والتي يجب تجنبها.
لكن العربة لم تكن تأبه لعذابي الداخلي، وتوقفت أخيرًا أمام قصر فيلدر الخاص بسيدريك.
كنت متوترة للغاية لدرجة أن كفيّ كانا غارقين في العرق.
“لقد قضيت شهرًا كاملًا في قصر إيفلين، فلماذا أشعر هكذا الآن؟”
القصر الإمبراطوري، الفخم والمهيب، كان يفرض عليّ ضغطًا نفسيًا ساحقًا.
أخذت نفسًا طويلًا للحفاظ على هدوئي، ثم نزلت من العربة.
رحب بي كبير الخدم، الذي كان يرتدي ملابس أنيقة، بانحناءة رسمية.
وجدت نفسي تلقائيًا أرفع طرف فستاني قليلاً وأرد بانحناءة مهذبة.
لم أرتكب أي خطأ، أليس كذلك؟
في مكان كهذا، أي زلة قد تجعلني أشعر بالإحراج الشديد.
في الواقع، كنت أشعر بالتوتر بالفعل. حتى وأنا أرتدي أفضل ما لدي، بدا لي أنني لا أرتقي لمعايير القصر الإمبراطوري.
بل إن ملابس الخادمات بدت أكثر أناقة من ملابسي.
نظر إليّ كبير الخدم بدهشة طفيفة، وكأنه لم يكن يتوقع مني الالتزام بالآداب بهذه الطريقة.
لكن سرعان ما ارتسمت على وجهه ابتسامة دافئة، ثم أشار لي للدخول.
“لقد أُعدت مأدبة فاخرة خصيصًا لاستقبال السيدة لينا.”
“أنا ممتنة لهذا الاهتمام الكبير.”
في داخلي، كنت أصرخ: “لماذا كل هذا الاهتمام؟!”
لكن في الخارج، أبقيت وجهي هادئًا.
سرت في الممر برفقة كبير الخدم لفترة قصيرة، حتى توقف أمام باب كبير.
أعلن عن وصولي، ثم فتح الباب بحركة أنيقة.
أضاءت الثريات الضخمة المكان، مما جعلني أغمض عيني للحظة.
وعندما استعدت وضوح رؤيتي، رأيتهم.
العائلة الإمبراطورية، بهيبتها المتعالية.
لم يكن سيدريك وحده.
***
شعرت وكأنني سأختنق.
أقسم أنني لم أختبر يومًا في حياتي مأدبة طعام بهذا القدر من التوتر.
حتى أنني كنت أشعر بوضوح بالطعام وهو ينزل عبر حلقي.
بحثت بعينيّ عن كأس الماء بلهفة.
لكن حتى مجرد شرب الماء كان مهمة صعبة هنا.
بينما كنت أمد يدي نحو الكأس، بذلت كل جهدي لتجنب ملاقاة أعين الحاضرين.
وبسبب التوتر، سمعت صوتًا واضحًا أثناء ابتلاعي الماء.
“تناولي طعامك براحة،”
كان هناك صوت ضحكة خافتة. محترمة، لكنها مليئة بالسخرية.
“شكرًا لكِ، سموكِ.”
وضعت الكأس بهدوء، ثم انحنيت للأميرة الثانية.
نعم، لم يكن سيدريك وحده.
بل كانت الأميرة كيت، والإمبراطورة إليزابيث حاضرتين أيضًا.
كانت نظراتهما ثقيلة وواضحة.
لماذا لم يخبرني سيدريك أنهما ستكونان هنا؟
هل خشي أن أرفض الدعوة لو علمت؟ أم أنه لم يرَ داعيًا لإخباري؟
مهما كان السبب، فأنا الآن أدفع ثمن هذا الموقف المحرج وحدي.
سيدريك، من جانبه، بدا مرتاحًا للغاية، وهو يقطع طعامه بكل هدوء.
شعرت بفضول قاتل تجاه ما يدور في رأسه، فحدقت به للحظة.
شعر بنظراتي، ثم استدار لينظر إليّ.
ثم… ابتسم.
بكل بساطة، ابتسم بثقة.
“هل الطعام يناسب ذوقكِ؟”
“بالطبع، إنه رائع.”
لم تكن كلماتي كذبًا، ولكن…
حتى أشهى الأطعمة تعتمد على الصحبة التي تتناولها معها.
بغض النظر عن مدى فخامة المأدبة، بالنسبة لي، كان الطعام بلا نكهة، مثل زهرة بلا رائحة.
أتمنى أن ينتهي هذا اللقاء بسرعة.
عندها، جاءني صوت آخر، بارد لكنه فضولي:
“لقد وصلت قصتكِ حتى إلى القصر الإمبراطوري.”
في اللحظة التي فتحت فيها الإمبراطورة إليزابيث فمها، وضعت الشوكة والسكين بهدوء جانبًا.
كانت نظرتها حادة كالنصل، وابتسامتها بالكاد مرسومة على شفتيها. لم يكن هناك أي دفء في تعبيرها، وإنما برودة جعلتني أشعر بقشعريرة غير مبررة.
هذه المرأة ليست فقط والدة سيدريك، بل أيضًا والدة كارسيون.
كان لدي سبب وجيه لأرغب في نيل رضاها، لكن من الواضح أنها لم تكن تنوي تسهيل الأمور عليّ.
لماذا؟
لم أكن مضطرة للانتظار طويلًا لمعرفة السبب.
“هذا مدهش.”
تفحصتني الإمبراطورة بعينين كأنهما تمسحان كل تفصيلة في وجهي، دون أي مراعاة للّباقة.
كان من الوقاحة أن تحدق بي بهذه الطريقة، لكن من أكون حتى أشتكي؟ فأنا مجرد مواطنة من العامة، وهي الإمبراطورة.
“إنها تشبهها تمامًا.”
“….”
كأن الهواء هرب من رئتي.
انخفضت عيناي تلقائيًا.
إذًا…
حتى الإمبراطورة تعرف رينيه إيفلين. وكذلك الأميرة كيت على الأرجح.
هل هذا هو السبب الذي جعل سيدريك يدعوني إلى هذا العشاء؟ ليعرّفني عليهما؟
قبضت على حافة ثوبي بشدة، محاولة منع يديّ من الارتجاف.
“بل حتى أفعالكِ متشابهة معها.”
“….!”
لم أستطع منع نفسي من رفع رأسي.
الإمبراطورة كانت تتأملني بفضول، كما لو كنت كائنًا نادرًا تحت المجهر.
“إغراؤك لكارسيون بوجه بريء، وخوفك المبالغ فيه رغم عدم توجيه أي تهديد لكِ…”
“….”
“إنه أمر مزعج، لكنه مثير للاهتمام.”
“…”
كأن سيفًا غير مرئي كان يضغط على عنقي.
لماذا أتعرض لهذا الإذلال؟
لكن، في أعماقي، كنت أعرف السبب جيدًا.
وجهي… هو ما يزعجها.
يبدو أن رينيه إيفلين لم تكن محبوبة من قبل الإمبراطورة. بل كانت تثير استياءها.
هل كانت امرأة كارسيون التي لم ترضَ بها الإمبراطورة أبدًا؟
“آمل أن تتفهمي.”
تدخلت الأميرة كيت بنبرة خافتة..
“جلالة الإمبراطورة لديها الكثير من الأمور التي لم تستطع قولها لرينيه إيفلين.”
“أ-أنا أتفهّم ذلك.”
“الزواج في العائلة الإمبراطورية له وزنه. ومع ذلك، قامت ابنة عائلة فقيرة بالتقرب من الأمير كارسيون. من الطبيعي أن تحترق مشاعر جلالة الإمبراطورة غضبًا.”
“…صحيح.”
لكن، لماذا إذًا أرسلت كارسيون إلى إقليم إيفلين؟
ظهرت هذه التساؤلات في رأسي، لكنها لم تجرؤ على مغادرة شفتي.
كان الجو في القاعة متوترًا إلى حدٍ يجعل مجرد زلة لسان قد تطيح برأسي.
وكأنني أمشي على جليد رقيق في منتصف شتاء قارس.
رغم أن الجو كان صيفيًا، إلا أنني شعرت بقشعريرة باردة تزحف على جلدي.
“على أي حال، يبدو أن اجتماعنا بكِ ليس مجرد مصادفة.”
كان في تعبيرات كيت شيء يذكّرني بالإمبراطورة.
بل كانت نسخة أصغر منها، تقريبًا.
وكأنهما كانتا فريقًا متناغمًا في هجومهما هذا.
“لنستغل هذه الفرصة لبناء علاقة جيدة.”
ابتسمت كيت، لكنها كانت ابتسامة تخفي وراءها نصلًا حادًا.
لماذا تبدو ابتسامتها مخيفة؟
حتى قلبي ارتعش للحظة.
“إنه لشرف لي.”
مهما كان مقدار الخوف الذي يملأني، لم يكن لدي خيار سوى الموافقة.
وكأنها كانت تنتظر هذا الرد، بدأت الإمبراطورة في ترسيخ العلاقة غير المريحة بيننا.
“سمعت أنكِ باحثة موهوبة في برج السحر.”
“أنتِ تبالغين في إطرائي، جلالتكِ.”
وهذا كان شعوري بصدق.
لم أمضِ وقتًا طويلًا في البرج، وكان هناك باحثون أكثر تميزًا مني بكثير.
رغم أنني كنت واثقة من مهاراتي، إلا أنني كنت في نظر البرج مجرد باحثة عادية.
ما الذي يجعلني جديرة بمديح الإمبراطورة؟
“التواضع صفة نبيلة.”
لكنني كنت أعرف أن عليّ توخي الحذر من مثل هذه المجاملات في القصر الإمبراطوري.
فهنا، حتى الكلمات قد تتحول إلى أسلحة.
واليوم… كان اليوم الذي تعلمت فيه فن المبارزة بالكلمات لأول مرة.
التعليقات لهذا الفصل " 36"