كان سيدريك يسير في الممر، غارقًا في التفكير. كانت كلمات غريزيندولف تتردد في ذهنه.
<جلالة الإمبراطورة طلبت إرسال باحث إلى برج السحر.>
<أمي فعلت؟>
<تقول إنها بحاجة إلى جرعات طبية بسبب صحتها، وقد حددت شخصًا معينًا.>
ناول غريزيندولف سيدريك الرسالة التي وصلته من إليزابيث، وكأنّه يطلب منه قراءتها بنفسه. تفاجأ سيدريك كثيرًا، فقد طلبت إليزابيث إرسال لينا تحديدًا.
كان ذلك غريبًا جدًا.
لينا لم تكن جزءًا من الفريق المتخصص في الجرعات الطبية، بل كانت ضمن فريق البحث الذي يعمل تحت إشراف سيدريك.
كان من المفترض أن تكرّس جهودها لمشروع بالغ الأهمية من شأنه أن يعزز مكانة الإمبراطور هاينريش الثالث. نجاح هذا المشروع كان ضروريًا لسيدريك، الذي كان يسعى جاهداً لكسب رضا الإمبراطور.
ومن غير المعقول أن تكون إليزابيث جاهلة بذلك.
لكنّها رغم ذلك تحاول أخذ إحدى الباحثات من مشروع ابنها، وهذا كان سببًا كافيًا لأن يُسرع سيدريك لمقابلتها.
“أوه، أليس هذا سيدريك؟”
في تلك اللحظة، سمع صوتًا لم يكن يرغب في سماعه. تباطأت خطواته تدريجيًا، ثم رأى شخصًا يقترب عند المنعطف.
كان ولي العهد أوستن.
وكان بجانبه الإمبراطور هاينريش الثالث. انحنى سيدريك لهما باحترام.
“أحيي شمس الإمبراطورية، جلالة الإمبراطور.”
كان أوستن هو من بادر بالكلام، لكنّ سيدريك تجاهله بسرعة وكأنه غير موجود. لم يغب ذلك عن هاينريش الثالث، الذي أطلق سعالاً خفيفًا، تعبيرًا عن استيائه.
عندها فقط، نقل سيدريك نظره إلى أوستن وأضاف:
“أرى أن سمو ولي العهد هنا أيضًا.”
“كم مرة قلت لك أن تناديني ‘أخي’؟ لا داعي لهذا الحاجز بيننا.”
أجاب سيدريك بابتسامة خفيفة، رافضًا بذلك طلبه بطريقة غير مباشرة.
ذلك الحاجز كان موجودًا منذ الطفولة.
كان الفرق بينهما واضحًا منذ البداية.
هاينريش الثالث كان مشهورًا بحبه لابنه البكر أكثر من أي شيء آخر، لأنه كان ثمرة حبه للمرأة التي عشقها.
ماتت الإمبراطورة الأولى، أدريا، في سن مبكرة بسبب ضعف جسدها، وأوستن ورث عنها شعرها الفضي المائل إلى الأرجواني وعينيها البنفسجيتين العميقتين.
ربما لهذا السبب بدأ هاينريش الثالث يرى في أوستن انعكاسًا لأدريا، مما جعل حبه له يزداد يومًا بعد يوم.
لذلك، لم يكن هناك أي أمل في عزل أوستن عن ولاية العهد، سواء من حيث النسب أو من حيث محبة الإمبراطور.
ورغم ذلك، لم يكن سيدريك قادرًا على التراجع.
“سمعت أنك كنت في إقليم إيفلين. متى عدت؟”
“وصلت قبل قليل.”
“آه، إذن أتيت لتحية والدي. لكن هذا مؤسف، لدينا عشاء معًا اليوم.”
في الحقيقة، كان سيدريك في طريقه لرؤية إليزابيث، لكنه لم يجد داعيًا لقول ذلك. بدلاً من ذلك، راقب تعبير الإمبراطور.
إذا قرر دعوته، فلن يكون لديه سبب للرفض.
لكن…
“تعال غدًا. سيكون من الجيد أن أحصل أيضًا على تقرير عن تقدم مشروعك.”
“كما تأمر، جلالتك.”
انحنى سيدريك احترامًا.
كان الوقت مساءً، ومع ذلك طُلب منه إعداد تقرير بحلول الغد.
بمعنى آخر، عليه أن ينجزه خلال الليل.
مرّ أوستن وهاينريش الثالث بجانبه، لكن سيدريك لمح من طرف عينه أن أوستن التفت إليه بابتسامة ساخرة.
كان عليه أن يبذل جهدًا كبيرًا لكبح الغضب الذي غلى بداخله.
“فقط استمر بالتظاهر…”
بمجرد أن ابتعد الاثنان، عضّ سيدريك شفتيه في إحباط.
كان يعرف حقيقة أوستن القذرة منذ زمن طويل.
طوال سنوات الصراع على ولاية العهد، أدرك أنه شخص لا يتردد في استخدام أي وسيلة لتحقيق ما يريد.
كان جميع الساعين إلى السلطة على استعداد لتلويث أيديهم، لكن أوستن كان الأسوأ بينهم.
بدأ سيدريك يسير في اتجاه الجناح الأيسر.
في عقله، ترددت محادثة قديمة ظلّت عالقة في ذاكرته كشوكة لا يمكن نزعها.
<كيف تجرؤين على الطمع في مكان أوستن؟ يبدو أنكِ نسيتِ دورك، إليزابيث. لقد جعلتكِ إمبراطورة فقط تحسّبًا لأي طارئ. وجودكِ هنا ليس سوى وسيلة لإنتاج بديل في حال حدث شيء لأوستن.>
<هل تجرؤ على تسمية ابني ‘بديلاً’؟>
<ولمَ لا؟ ألم تقولي لابني أيضًا أشياء لا تُقال؟>
<عن ماذا تتحدث؟>
<هاه! تتظاهرين بالجهل؟ أوستن أخبرني بكل شيء! لقد سمعكِ تقولين إنه سيموت صغيرًا مثل أمه.>
كانت نبرة هاينريش الثالث مليئة بالغضب الذي لم يستطع إخفاءه. أما إليزابيث، فقد دافعت عن نفسها بانفعال.
<لم أقل ذلك أبدًا!>
<اصمتي! رأيته بعيني يبكي متأثرًا!>
عندما ضرب الإمبراطور الطاولة بقوة، شعر سيدريك الصغير وكأن قلبه سقط في الهاوية.
وبينما كان مذهولًا من الصدمة، وقع بصره على أوستن الذي كان يقف على بعد خطوات قليلة.
لم تكن كذبة بكائه مجرد ادعاء، فقد كانت عيناه محمرتين بالفعل.
لكن الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه…
عندما التقت أعينهما، ضاقت عينا أوستن كما لو كان يستمتع بالموقف.
في تلك اللحظة، استمرت أصوات شجار والديه تتردد في أذنيه.
<لا تظني أن لقب الإمبراطورة يجعلكِ شيئًا مميزًا!>
<لو كنت أعلم أنني سأعامل بهذه الطريقة، لما وافقت على الزواج منك!>
<كوني ممتنة أنكِ أنجبت ولدين. لولا ذلك، لما تحملت وقاحتكِ هذه.>
<كيف تجرؤ…>
<لا تنظري إليّ بهذه الطريقة. تصرفي بما يليق بمكانتك، فأنتِ في منصب يفوق قدرك.>
اظلمت ملامح سيدريك وهو يسترجع ذكرياته القاتمة.
كان يعرف تمامًا لماذا أرادت والدته بشدة أن يصبح ولي العهد.
عندما أصبح كارسيون، الضعيف منذ ولادته، هدفًا سهلاً لأتباع أوستن، سارعت إليزابيث إلى إبعاده عن الأنظار.
كونها إمبراطورة أنجبت وريثًا ضعيفًا كان وصمة عار عليها، وكان من الطبيعي أن ينتقل ذلك العار إلى سيدريك أيضًا.
ومن كان وراء هذه المكائد؟ من غير أوستن؟
بينما كان هاينريش الثالث يرغب في تأمين ورثة احتياطيين، كان أوستن يكره حتى فكرة وجود إخوة يمكن أن يحلوا مكانه.
لهذا، كان دائمًا يسعى إلى القضاء التام على سيدريك وكارسيون.
أما كارسيون، فقد كان من السهل تحييده، إذ تم إرساله إلى الريف منذ زمن طويل.
رغم أن وضعه تغيّر بعد أن أصبح بطل الإمبراطورية، إلا أنه لم يُظهر أي اهتمام بالسلطة.
لم يدرك سيدريك مدى إحكام قبضته حتى لاحظ بروز الأوردة الزرقاء في قبضته المشدودة.
لم ينتبه إلى مدى غليان مشاعره إلا عندما وصل إلى غرفة إليزابيث.
كان وجه أوستن اللعين وحده كافيًا لجعل سيدريك يفقد السيطرة على مشاعره.
تبًا لولاية العهد.
في يوم من الأيام، سأطيح به مهما كلف الأمر.
ردد سيدريك هذا العهد في ذهنه وأخذ نفسًا عميقًا. وعندما أبلغت الخادمة بقدومه، سمع صوت إليزابيث من الداخل.
دخل سيدريك إلى الغرفة.
رآها منهمكة في تنسيق الأزهار بوقار.
“لا بد أنك منهك من السفر الطويل.”
قطع-
قطعت إليزابيث ساق الوردة بمهارة قبل أن ترفع رأسها ببطء. اقترب سيدريك منها.
“أمي.”
“لم تأتِ فقط لإلقاء التحية، أليس كذلك؟ ما الأمر؟”
“سمعت من غريزندولف أنكِ اخترتِ الآنسة لينا.”
“آه… اجلس.”
بدت إليزابيث وكأنها كانت تنتظر هذا الموضوع بالفعل، فأشارت لابنها بالجلوس. كان من الطبيعي أن تشاركه الخطة التي توصلت إليها كيت ووافقت عليها.
***
كان يومًا عاديًا يمر بسلاسة.
ذهبت إلى المختبر وبدأت العمل بجدية. كان جميع الباحثين العشرة منهمكين في مهامهم، يركزون على أعمالهم.
داخل المختبر الكبير، لم يكن هناك سوى أصوات أنفاس هادئة، وفقاعات سائل تغلي، وارتطام الزجاج ببعضه بين الحين والآخر.
طَق طَق
كنت أطحن بقايا مواد بحجم الحصى إلى مسحوق ناعم. مدى دقة الطحن كان سيؤثر على النتيجة النهائية.
قمت بتصفية المسحوق من خلال منخل، ثم ألقيت نظرة على المكونات الأخرى.
لا بد من مزجه بمسحوق الأحجار السحرية هناك. عدد المرات التي يتم فيها التقليب سيؤثر على قوة المادة المستخدمة في البناء، لذا كان يجب أن أكون حذرة في هذه المرحلة أيضًا.
بينما كنت في قمة تركيزي، بدأ همس في الخلفية.
“لكن أليس وسيمًا جدًا؟”
انتصبت أذناي فورًا.
لم يكن هناك أي فاعل في الجملة، ولكن كان من المستحيل ألا أعرف عمن يتحدثون.
“سمعت من صديقة في وزارة السحر أنه بارع في السحر أيضًا.”
“محظوظة! أتمنى لو كنت أعمل هناك.”
“بقدراتك السحرية المحدودة؟ انسِ الأمر وركزي على تقليب الجرعات.”
“انتِ قاسية جدًا…”
تنهّدت بيلا وهي تواصل تقليب الجرعة، لكن فمها لم يتوقف عن الثرثرة. سرعان ما امتلأ المكان بأحاديث عن الساحر الوسيم الجديد الذي انضم حديثًا.
“حتى بالنسبة لي كرجل، لا بد أن أعترف… إنه وسيم لدرجة تبًا له!”
“طريقة غريبة للإطراء؟”
“لو كنت أملك وجهه، لما أتيت إلى برج السحر. كنت سأجوب العالم وأستخدم سحري لجذب النساء.”
“يا لك من شخص بلا طموح. الجميع يعلم أن السلطة الحقيقية للسحرة تكمن في البرج.”
“لكن قيل إنه كان يعيش في عزلة حتى الآن.”
“هذا صحيح. ما الذي دفعه إلى الظهور فجأة في البرج؟”
“المال، طبعًا. لا بد أنه طمع في الذهب والمجوهرات. البقاء في الغابة إلى الأبد لن يمنحه شيئًا.”
كلما طال الحديث، زادت معاناتي.
نعم…
ذلك الساحر الذي يُشاع أنه عاش منعزلًا في الغابة ثم قرر فجأة الظهور بحثًا عن المال والسلطة، لم يكن سوى ليونيل نفسه.
لو عرفوا أنه صديقي منذ الطفولة، لأحدثوا ضجة لا نهاية لها.
لحسن الحظ، كنا في مبانٍ منفصلة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 34"
الإمبراطوره الغبيه بدل ماتحاول تطيح ولي العهد حاطه حيلها بولدها المسكين مع ان كارسيون مو مهتم بالسلطه