كأن قلبي انتقل إلى أذني، إذ دوى صوته القوي في رأسي.
لا أعرف أي تعبير يكسو وجهي الآن. لكن على الأقل، لم يكن تعبيرًا يليق بالترحيب بصديق قديم بعد غياب طويل.
لو كنتُ نفسي في الماضي، لكنتُ فزعت بشدة وحققتُ توقعات ليونيل. ربما كنتُ سأضحك بإفراط وألقي بأعذار مختلفة حول هروبي.
لكن ليس الآن.
“ليونيل.”
من أين أبدأ الحديث؟
هل يجب أن أسأله فجأة: ما هذه الجرعة؟ من أنت؟ هل أنت حقًا صديق طفولتي؟ هل كذبتَ عليّ في شيء؟ هل اسمي الحقيقي هو لينا؟ هل نحن من دار الأيتام فعلًا؟ هل حياتي خالية من الأكاذيب كما أخبرتني؟
العاصفة من الأسئلة اجتاحت رأسي، لكن مشاعري كانت متأججة لدرجة أنني لم أستطع النطق بأي منها.
هل أدرك أن هناك شيئًا خاطئًا في حالتي؟ ابتسامته تلاشت بهدوء من شفتيه، وحلقه تحرك بوضوح.
ثم، اقترب مني خطوة.
“توقف هناك.”
حذرته بينما تراجعت خطوة إلى الوراء. اهتزت عيناه بشكل مرئي.
“لينا؟ ماذا هناك؟”
صوته المرتبك، عينيه المتوترة، وساقاه اللتان لم تتحركا كما طلبتُ منه.
بصراحة، كنتُ في قمة الارتباك.
ليونيل الذي رأيته بعد وقت طويل لم يتغير. لا يزال يحترمني، يعتز بي، يستمع إليّ، ويريد أن يفعل أي شيء لأجلي…
“سمعتُ شيئًا غريبًا.”
لذا، كنتُ قادرة على سؤاله بصراحة. أردتُ أن أمنحه فرصة لتبرير نفسه، لأنني لم أستطع احتمال الأمر دون ذلك.
“الجرعة التي صنعتها لي لتخفيف الصداع… قالوا لي ألا أشربها.”
“من قال؟”
تصلبت تعابيره.
“لا يمكنني إخبارك. لكن قالوا إنها تغلق ذاكرتي. رأيتُ ذلك بنفسي. تدفق المانا الذي كان على وشك التحرر تم ربطه مجددًا.”
لم يقل شيئًا لبرهة.
كان من المستحيل قراءة وجهه، سواء كان مرتبكًا أم مصدومًا. ربما لأنني كنتُ في حالة غير مستقرة أيضًا.
لحظة ثقيلة من الصمت مرت.
“لينا.”
ضحك ليونيل ضحكة جافة وهز رأسه، ثم قطع المسافة بيننا في لحظة.
لم أتمكن حتى من منعه.
وقف أمامي مباشرة، أمسك كتفيّ بيديه، وانحنى ليحدق في عينيّ.
لم أستطع التحرك.
كنتُ فقط أرجو أن يقدم لي تفسيرًا مقنعًا.
ولحسن الحظ، أمنيتي تحققت.
“تلك الصيغة موجودة بالفعل.”
“ماذا؟”
ارتبكتُ حين اعترف بذلك بسهولة.
“أنتِ تعلمين. لم يكن هناك سبب واضح لصداعك، وقد بذلتُ جهدًا كبيرًا لصنع تلك الجرعة لكِ.”
بالطبع، كنتُ أعلم.
أتذكر الأيام التي عانى فيها من نقص المكونات، والليالي التي قضاها مستغرقًا في الأبحاث، وشعوره بالعجز عندما كنتُ أعاني من الصداع المتكرر بعد سقوطي من الشجرة وفقداني للذاكرة.
عندما أظهرت الجرعة تأثيرًا سريعًا في اليوم الأول، كان ليونيل يقفز فرحًا كطفل صغير، معانقًا إياي بحماس لأنه وجد أخيرًا طريقة لتخفيف ألمي.
“إنها تعمل على خداع الدماغ عبر ربط وفك الروابط.”
“تفكها مجددًا؟”
“آه، كيف أشرح ذلك…”
حكّ ليونيل جبهته كما لو كان أمام مهمة مستحيلة، ثم نظر إليّ مجددًا بعزم.
“الأمر معقد جدًا. تخيلي كرة من الخيوط المتشابكة، عندما تفكين جزءًا منها، يتشابك جزء آخر. من قام بتحليل جرعتي فهم جزءًا صغيرًا فقط.”
“….”
“أرى من تعبيرك أنهم قالوا نفس الشيء.”
“قالوا إنهم بحاجة إلى وقت إضافي.”
“أرأيتِ؟ إذن، الوقت سيكشف الحقيقة. هل تعتقدين أنني سأجعلك تشربين شيئًا مؤذياً؟ من هو هذا الباحث السخيف؟”
“….”
لم أستطع الرد.
شعرت وكأنني أصبحت عاجزة عن النطق.
في الواقع، حتى ذلك الباحث، ايديرا، قالت إن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت. ومع ذلك، شككتُ بصديق جمعتني به علاقة طويلة الأمد استنادًا إلى أدلة غير مؤكدة.
“أنا آسفة.”
عضضتُ شفتي، ونظرت إلى ليونيل بحذر.
رفع ذقنه بفخر، وابتسم بمكر كما لو كان يفكر في كيفية معاقبة فتاة شقية.
“هروب، والآن شكوك أيضًا.”
“قلتُ إنني آسفة…”
“إذن، عليكِ العودة إلى المنزل فورًا. شوتزن خطيرة. جميع أنواع الناس يعيشون هنا.”
“لا يمكنني ذلك.”
على الرغم من أنني كنتُ المخطئة، أجبته بحزم.
ارتفع حاجبه بتعجب.
“سأعيش في شوتزن من الآن فصاعدًا. لقد كونتُ أصدقاء جددًا هنا.”
“ماذا تقولين؟ أنا صديقكِ!”
“يمكن أن يكون لدى الشخص أكثر من صديق واحد.”
“….!”
اهتزت عيناه من الصدمة. لكنه سرعان ما استعاد هدوءه، وبدأ في إقناعي بطريقة أخرى.
“إذن ماذا عني؟ هل تريدينني أن أعيش وحيدًا في الكوخ وأموت هناك؟”
“بالطبع لا.”
“لكن، لقد تركتِني من قبل، والآن تعلنين أنكِ ستغادرين للأبد؟”
“هذا مجرد سوء فهم!”
تحدثت بسرعة ولهفة
“قلتُ لك إنني سأتواصل معك بمجرد أن أستقر، وهذا ما فعلتُه، أنا جادة!”
“آه، إذن كنتِ تنوين فقط التواصل معي، لكن كلٌّ منا سيعيش بمفرده، أليس كذلك؟”
“ماذا تقول! بالطبع كنتُ سأدعوك! هذا هو بيتنا!”
فتحتُ ذراعيّ على وسعيهما وأشرتُ إلى أرجاء المنزل، وكأنني أقول: انظر، ليونيل، هذا منزلنا الجديد، لك ولي، بيتنا الذي سنبدأ فيه من جديد.
كنتُ أظنه سيفرح، لكنه بدلاً من ذلك عقد ذراعيه وأخذ يستجوبني وكأنه قد وجد نقطة ضعف.
“كنتُ أتساءل عن شيء ما.”
“عن ماذا؟”
“كيف تمكنتِ من الحصول على هذا المنزل؟ ومن أين لكِ المال؟”
“أوه… كان لديّ طريقة خاصة!”
“أيّ طريقة؟”
اقترب مني ليونيل، مائلًا رأسه نحوي حتى بات وجهه على بعد أنفاس مني. تراجعتُ خطوتين إلى الخلف حتى اصطدم ظهري بالحائط، فلم يعد لديّ مجال للهرب. تلعثمتُ قليلاً قبل أن أعترف، محرجًة..
“حصلتُ على قرض من صاحب السموّ الأمير.”
“…الأمير؟”
“سأقوم بسداده على مدى ثلاثين عامًا.”
“…ماذا؟ ذلك الرجل طلب منكِ أن تسدّديه؟”
“هاه؟”
ذلك الرجل؟ يقصد الأمير؟ أليس من الطبيعي أن أعيد المال الذي اقترضته؟
وجدتُ نفسي مصدومة مرتين في جملة واحدة، ولم أستطع إخفاء دهشتي. ليونيل لم يكن من النوع الذي يتحدث بهذه الطريقة عادةً.
عندما رأى نظرتي المتسائلة، حاول أن يبرر موقفه.
“لا، فقط لا أفهم كيف أنكِ تنوين العيش في شوتزن بينما تسدّدين ديونك على مدار ثلاثين عامًا.”
“لكنه ليس أي أحد، إنه الأمير كارسيون! تعرفه، صحيح؟ بطل الإمبراطورية الذي هزم التنين الأسود!”
“….أعرف.”
حتى قريتنا النائية ضجّت بالحديث عنه، لذا من المستحيل ألا يعرفه. بدا أن ليونيل قد صُدم أكثر بمعرفتي بمثل هذا الرجل المهم، مما جعله يلتزم الصمت للحظات.
“في الحقيقة، الأمير كارسيون قال لي إنني لستُ مضطرة لسداد الدين، لكنني شعرتُ بعدم الارتياح، لذا قررتُ سداده على أي حال.”
“….”
“أتعلم ما هو الشيء الأكثر غرابة؟ يقولون إنني أشبه تمامًا بصديقة طفولته.”
“….”
“في البداية، ظننتُ أن الأمر مجرد مصادفة غريبة، لكنني زرتُ مؤخراً مقاطعة إيفلين—آه، كان ذلك بسبب العمل، بالمناسبة، عدتُ لتوي من هناك—وفي أثناء ذلك رأيتُ صورة مرسومة لها… وكانت تشبهني تمامًا!”
“….”
“عندها فهمتُ تمامًا لماذا منحني المال بهذه السهولة.”
“….”
نظرتُ إلى وجه ليونيل، متسائلة إن كان قد فهم الموقف الآن.
الحقيقة أنني مررتُ بالكثير من الأمور العجيبة بسبب هذا الوجه الذي يشبه شخصًا آخر، ولو أردتُ أن أروي لليونيل كل ما حدث معي منذ هروبي، فلن تكفيني ليلة واحدة. بل كنتُ مستعدة لسرد القصة على مدار عدة أيام إن تطلب الأمر.
“العالم مليء بالأمور العجيبة.”
“حقًا.”
تحدث ليونيل أخيرًا، لكنه اكتفى بكلمة واحدة. كانت نبرة صوته منخفضة، ووجهه بدا خاليًا من أي تعبير.
لم يكن هناك أي شيء في حديثي قد يزعجه، بل على العكس، كان يجب أن يكون مندهشًا لا محبطًا.
“إذًا، في النهاية، هذه علاقة دَين.”
آه، إذًا هذا هو سبب انزعاجه.
يبدو أن فكرة أنني مثقلة بالدين لم تعجبه أبدًا.
“بدأتُ في السداد منذ هذا الشهر، وإن دفعتُ بانتظام، فلن يكون هناك أي مشكلة.”
“وهل يمكنكِ ضمان ذلك؟ الأمر يعتمد على مزاج الأمير، أليس كذلك؟”
لم أستطع إنكار ذلك. لم أكن أعرف الأمير كارسيون منذ فترة طويلة بما يكفي لأكون متأكدة من أنه شخص لا يتغير.
عندما لم أتمكن من الرد، تحدث ليونيل بنبرة جادة،
“سأسدّده أنا عنكِ. بهذه الطريقة، ستتخلصين من هذا الدين المزعج.”
كان ذلك عرضًا لطيفًا منه، لكن…
رفعتُ حاجبًا ونظرتُ إليه ببرود،
“ليس لديك مال.”
“….”
لم يتمكن ليونيل من الرد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"