تردد صوت عجلات العربة وهي تدور، تردد صداه في أذني.
حدقت في المشهد المنساب خلف النافذة بوجه شاحب، بينما كانت أفكاري تتدفق في رأسي بشكل فوضوي.
أفكار تكررت في ذهني خلال الأيام القليلة الماضية كما لو كانت تدور في حلقة مفرغة.
دون أي إجابة.
كنت أكرر التفكير في الأمر نفسه مرارًا وتكرارًا.
< لا تشربي هذه الجرعة بعد الآن. >
< في كل مرة تحاولين استعادة ذكرياتك، تعيد هذه الجرعة إحكام قفلها.>
< ذكرياتك المفقودة ليست ضائعة، بل مختومة بداخلك. وعندما تحاولين كسر الختم، يأتي الألم. >
بعد ذلك، ذهبتُ لمقابلة ايديرا مرة أخرى. اعتذرتُ لها لأنني غادرتُ فجأة في المرة الماضية، وشرحتُ لها بصراحة أنني لم أستطع تصديق كلامها بسهولة لأن صديقًا مقربًا لي هو من صنع تلك الجرعة.
لحسن الحظ، تفهمت موقفي.
لكن يبدو أنها لم تكن قادرة على تقبل فكرة التشكيك في تحليلها، لذا قررت أن تريني الأدلة بنفسها، واحدة تلو الأخرى.
أنا أيضًا باحثة في مجال الجرعات.
لذلك، بمجرد أن بدأت في شرح الظاهرة وعرض الأدلة، تمكنتُ من فهم جزء مما كانت تقوله، حتى لو لم يكن هذا تخصصي.
تدفق المانا المرتبط بالذكريات… تلك الحركة التي تعمل على كبحه…
“هاه…”
تنهدت بعمق وأنا أشعر بالضيق.
يمكن القول إنني كنت أمر عبر المراحل الخمس للغضب. الإنكار، الغضب، المساومة، الاكتئاب، وأخيرًا التقبل.
في البداية، أنكرتُ أن يكون ليونيل قد فعل ذلك، ثم انفجرتُ غاضبة وغادرتُ المكان، وبعد أن واجهتُ تحليل ايديرا، بدأت أساوم نفسي قائلة ربما كان لديه سبب ما… والآن، ها أنا أحدق في الخارج، مكتئبة.
نعم.
لم أصل بعد إلى المرحلة الأخيرة. لم يكن من السهل بالنسبة لي تقبل كلام ايديرا.
يجب أن أسمع تبرير ليونيل أولًا.
لكن كيف يمكنني التواصل مع شخص يجوب القارة بحثًا عني؟ هل عليّ انتظار ليونيل حتى يجدني؟
بينما كنت غارقة في أفكاري الحزينة، تغير المشهد خارج النافذة.
بمجرد أن اجتزنا أسوار شوتزن، شعرتُ بالضجيج المحيط بي وكأنه يلفني بالكامل.
ربما لأننا كنا على وشك الوصول، استيقظ جيف أخيرًا من نومه العميق، رغم أنه كان يشخر قبل لحظات فقط.
“هل وصلنا إلى شوتزن بالفعل؟”
تثاءب جيف بتكاسل، ثم نظر من النافذة بعينين لا تزالان مثقلتين بالنوم. بعد ذلك، التفت إليّ وسألني:
“لينا، لم تنامي؟”
“هل نمتَ جيدًا، جيف؟ كنت أستمتع بمشاهدة المناظر.”
ثم ابتسمتُ وكأنني لم أكن مكتئبة قبل لحظات. ربما كنت أحاول إخفاء مشاعري الشخصية.
بدأنا نتبادل الحديث، مما أدى إلى استيقاظ إيسولا وبيلّا أيضًا.
يبدو أن الجميع لم يصدقوا أننا عدنا أخيرًا إلى شوتزن.
“كأننا كنا نحلم!”
“والآن، لم يتبقَ لنا سوى العودة إلى المختبر والغرق في الأبحاث.”
“يبدو الأمر محبطًا عندما تقولها بهذه الطريقة!”
“بيلّا، هذه الفتاة… تتحول إلى ساحرة غاضبة إذا قاطعها أحد أثناء عملها!”
“ماذا؟”
انتهى الحديث حين ضربت بيلّا جيف غاضبة.
بعد فترة وجيزة، دخلنا حدود برج السحر، حيث كان من المقرر أن نُسلّم بقايا نفس التنين ثم نعود إلى منازلنا.
عندما نزلنا من العربة، فوجئتُ برؤية سيد البرج نفسه في استقبالنا.
بالطبع، لم يكن هناك لاستقبالنا نحن تحديدًا، بل كان ينتظر سيدريك.
تحرك فرسان فونيكس بانتظام وكفاءة، حيث بدأوا على الفور في نقل الكمية الضخمة من البقايا إلى المخازن.
وفي هذه الأثناء، كان سيدريك مشغولًا بالحديث مع سيد البرج.
أما نحن، الباحثين، فقد تجمعنا بقيادة كولين لإلقاء التحية الرسمية على سيد البرج.
بالطبع، كنتُ من ضمنهم.
“أحسنتَ العمل، كولين.”
“بما أن هذا بحث مهم، سنبذل قصارى جهدنا لتحقيق نتائج في أقرب وقت ممكن.”
“سماع ذلك يطمئنني.”
ابتسم غريزندولف برضا وهو ينظر إلى كولين. حتى في عينيّ أنا، التي لا تعرف الكثير عن العلاقات بينهم، كان واضحًا أنه يثق به كثيرًا.
…لكن، لحظة؟
هل كان ينظر إليّ قبل قليل؟
لقد كان مجرد لحظة عابرة، لكنني شعرتُ وكأن نظراته التقت بي.
لا يوجد سبب منطقي يجعل سيد البرج يهتم بي، فأنا مجرد باحثة عادية.
هل هذا بسبب وجهي مجددًا؟
حتى دون أن أفعل شيئًا خاطئًا، شعرتُ بالقلق ووجهتُ نظري إلى الأرض، متمنيةً أن ينتهي الحوار بين كولين وسيد البرج سريعًا.
بعد فترة قصيرة، لكنها بدت لي طويلة، انتقلنا إلى المختبر.
كان علينا تخزين العينات التي جمعناها أثناء رحلتنا.
“بما أنكم متعبون اليوم، لا تبالغوا في العمل. فقط نظّموا الأمور بشكل مناسب ثم عودوا إلى منازلكم.”
بعد أن جذب انتباه الجميع بالتصفيق، أكد كولين أنه علينا الحفاظ على طاقتنا لأن العمل سيكون طويلًا، لذا لا داعي لاستنزافها منذ البداية.
لكنني شعرتُ أنه كان يوجه كلامه خصيصًا لبعض الأشخاص الذين لديهم ميل للإفراط في العمل.
كنت أول من أنهى تنظيم العينات وغادرتُ المختبر.
كنت بحاجة ماسة إلى وقت وحدي.
رأسي يكاد ينفجر من التفكير في ليونيل.
شعرتُ برغبة في البكاء بحرية، أو ربما دفن وجهي في الوسادة والصراخ بأعلى صوتي.
“آنسة لينا.”
لم أكن أتوقع على الإطلاق أن أجد سيدريك ينتظرني خارج المختبر.
كنتُ أسير دون انتباه، لذا عندما سمعتُ صوته، انتفضتُ وانتبهتُ فجأة.
“نعم، سموّك!”
“هاها، لماذا تبدين متوترة هكذا؟”
وهل هذا سؤال يُسأل؟
إنه أمير، بالطبع سأكون متوترة!
كتمتُ رغبتي في الرد عليه بحدة، واكتفيتُ بالنظر إليه.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة واثقة وهو يحدّق بي.
“كم كنت أنتظر هذا اليوم، أشعر بخيبة أمل.”
“هاه؟”
“العشاء. قلتُ أنني سأدعوكِ عندما نصل إلى شوتزن.”
“آه، صحيح!”
لكن… هكذا فور وصولنا؟
شعرتُ بالارتباك وقررت رفض الدعوة بلطف. لحسن الحظ، كان لدي عذر مناسب.
“لكن سموّك وعدتَ بدعوتي مع الأمير كارسـيون. على حد علمي، لم يأتي معنا، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“.…؟”
هذا كل شيء؟
تفاجأتُ من ردة فعله. كان الأمر كما لو أن سـيدريك لم يكن مهتمًا بالوفاء بوعده تجاه كارسـيون.
لذا تحدثتُ بوضوح أكبر.
“إذن، ألا يجب أن تنتظر حتى يحضر ثم تدعوني؟”
“لا داعي لانتظاره. يوم الأربعاء القادم. سأرسل عربةً إلى هنا في الوقت المناسب بعد انتهاء عملكِ.”
أنهى سـيدريك دعوته المفاجئة ثم استدار ورحل.
تجمدتُ في مكاني مثل التمثال، ثم فتحتُ فمي بذهول متأخر.
وااااو…
رأسي مشوشٌ بالفعل، لكن يبدو أن الأمور يمكن أن تزداد تعقيدًا أكثر. لا أستطيع حتى استيعاب هذا، لقد أصبح عقلي فارغًا تمامًا.
ضحكتُ بمرارة مستسلمةً للأمر.
عربة إلى هنا…؟
عند بوابة المختبر… حيث سيرى الجميع العربة المزينة بشعار الأمير الثاني…
“هل يجب أن أستقيل…؟”
بدا لي ذلك كالحل الواقعي الوحيد. ولكن بالطبع، حتى الاستقالة تتطلب موافقة. الدخول كان سهلًا، أما الخروج… فلا.
“هاه… فلأرتح قليلًا أولًا…”
سأفكر في الأمر يوم الأربعاء القادم.
سرتُ إلى المنزل بخطوات متثاقلة.
***
لم أكن قد عشتُ هنا حتى شهرا واحد قبل أن أغادر إلى مقاطعة إيفلين.
لكن… المنزل يبقى منزلًا، أليس كذلك؟
بمجرد أن دخلتُ الحي المألوف، شعرتُ براحة غريبة تغمر قلبي. كان هذا ما أحتاجه بشدة في هذه اللحظة.
كما لو كنتُ شجرةً تتمايل بفعل الرياح العاتية، كنتُ أجهد نفسي للبقاء متزنة. كنتُ أدرك حالتي غير المستقرة، لكنني حاولتُ جاهدًة أن لا أفكر كثيرًا حتى لا أضعف.
ليو…نيل…
أنتَ… حقًا…
حاولتُ طرد صورة صديق طفولتي من ذهني بأخذ نفسٍ عميق. ملأتُ رئتي بالهواء وأخرجته ببطء، وشعرتُ وكأنني أستعيد توازني قليلًا.
عليَّ العودة إلى المنزل بسرعة.
أريد أن أستحم، ثم أرتمي على سريري وأسترخي. لا أريد التفكير في أي شيء. فقط أنام كالميتة.
صعدتُ الدرج بخطوات متسارعة. طوال الطريق كنتُ أشعر بثقل حقيبتي، لكن مع اقتراب وجهتي، استجمعتُ ما تبقى من طاقتي.
أخرجتُ المفتاح الذي لم أستخدمه منذ أكثر من شهر وفتحتُ الباب.
حالما دخلتُ، استقبلني عبقٌ مألوف. نعم… هذا هو منزلي… هذه الرائحة التي تعودتُ عليها منذ مغادرة كوخ غابة هيلدين…
“هممم؟”
شعرتُ بشيء مريب. دون وعي، حبستُ أنفاسي وجمدتُ في مكاني، بينما استنفرت حواسي بالكامل، متجاهلةً إرهاق جسدي.
خطوة… خطوتان…
تحركتُ بحذر شديد حتى دخلتُ غرفة المعيشة.
هذا المنزل… من المفترض أن أعيش فيه وحدي.
لكن في المساحة التي كان ينبغي أن تكون فارغة، كان هناك رجل يقف بهدوء، مستديرًا ليظهر لي ظهره فقط.
كان ذو شعرٍ أحمر، وكان ينظر إلى إطار صورةٍ لي و… لليونيل، موضوعة على رفّ الموقد.
ارتجفتْ عيناي لرؤية هذا الشكل المألوف.
طَقّ.
صوت وضع الإطار على الرف كان مدويًا في الصمت المطبق. ثم، ببطء، استدار الرجل نحوي.
وجدتُ صعوبةً في الحفاظ على هدوئي.
“لينا، كيف حالكِ؟”
ابتسم لي ليونيل ابتسامةً مشرقة، كما لو كان يتوقع أن أكون سعيدةً بمفاجأته غير المتوقعة.
لكنني لم أستطع أن أبادله الابتسام.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"