الأمل الذي انغرس في قلبه منذ اللحظة التي التقينا فيها لأول مرة.
“هل تتذكرين شيئًا؟”
أمله في أن أكون رينيه إيفلين…
كان بإمكاني أن أنكر كما أفعل دائمًا، لكن الكلمات لم تخرج بسهولة.
في الواقع، منذ أن دخلتُ هذه الغرفة، شعرتُ باضطراب غريب يتصاعد داخلي.
شيء بدأ بتحريك أعماقي ببطء، متزايدًا في شدته أكثر فأكثر.
وأخيرًا، حتى أصبح الألم في رأسي لا يُحتمل.
تجهمتُ قليلًا بسبب الألم، لكنني سرعان ما حاولت إخفاءه وفتحتُ فمي بحذر.
“هناك شيء أجده غريبًا فحسب.”
“شيء غريب؟”
استمعتُ إلى كارسيون وهو ينصت باهتمامٍ واضح.
“اللوحة التي رسمت لي مع ليونيل. تبدو مشابهة لها.”
“تقصدين وضعية الجلوس؟”
لكن سرعان ما بدا عليه خيبة الأمل.
“إنها وضعية شائعة يتبناها الرسامون.”
يبدو أنه يعتقد أنها ليست ذات أهمية. لكنه لم يكن يعلم أنني لم أكمل حديثي بعد.
“في الأصل، كان من المفترض أن يقف ليونيل خلفي. هذا ما طلبه الرسام. لكن ليونيل، آه…”
“لينا؟ هل تؤلمكِ بشدة؟”
مع اشتداد الصداع، لم أتمكن من الحفاظ على ملامحي ثابتة. الألم كان لا يُطاق، فقبضتُ على رأسي وسقطتُ على الأرض.
“آه… رأسي يكاد ينفجر…”
“انتظري، سأحضر الطبيب، لا، المعالج…”
بدأ كارسيون يتمتم بارتباك، وكان من الواضح أنه مذعور تمامًا. في تلك اللحظة، حاول على عجل أن يجلب جرعةً من غرفته.
“إنها في الغرفة المجاورة، انتظري قليلاً.”
“لا، لن ينفع…”
العلاجات العادية لم تكن تفيدني. وحدها الجرعة التي صنعها لي ليونيل كانت قادرة على تهدئة ألمي.
“في غرفتي، في الملحق… آه، بجانب الطاولة في الحقيبة… الجرعة الأرجوانية التي صنعها لي ليونيل…”
“فهمتْ، انتظري لحظة.”
كان على وشك الخروج عبر الباب، لكنه غيّر اتجاهه فجأة. فتح النافذة وقفز منها، ما جعلني أرتجف من الصدمة.
لحسن الحظ، عندما عاد، دخل عبر الباب.
بام!
فتح الباب بعنف واندفع نحوي حيث كنتُ أرتجف من الألم على الأرض.
ركع، وأسند رأسي إلى فخذه، ثم سكب الجرعة في فمي ببطء.
كل هذا حدث في لمح البصر، ورغم ألمي، كنتُ مدركة لذلك.
عندما بدأ تنفسي المضطرب يهدأ، لم يستطع كارسيون كبح نفسه وسأل بقلقٍ شديد:
“لينا، هل أنتِ بخير؟ هل بدأتِ تشعرين بتحسن؟”
“أوه…”
لم أُدرك أنني خاطبته بغير رسمي إلا لاحقًا.
لكن، أليس خطأه هو؟
لأنه ظل يعاملني بصدقٍ طوال الوقت. حتى الآن، كان ينظر إليّ بذلك الوجه القلق وكأنه يكاد يجن…
“أنا بخير الآن.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيّ.
بسبب الألم المفاجئ، شعرتُ وكأنني فقدتُ كل طاقتي. وما إن أغلقتُ جفنيّ، حتى سقطت في نوم عميق.
***
وضع كارسيون لينا النائمة على السرير، ثم سحب كرسيًا وجلس بجانبه.
“وأنتِ مستلقية هكذا… تبدين تمامًا مثل رينيه.”
حدّق بها بصمت لفترة، ثم مدّ يده بحذر.
هل يمكنه لمسها؟
ترددت أصابعه للحظة في الهواء، ثم استقرت بلطف على جبينها المستدير.
بعد أن صفّف خصلات شعرها المتناثرة على جبهتها، تراجع سريعًا وكأنه انتهى مما كان عليه فعله، ثم قبض يده بلا سبب واضح، قبل أن يمرر أصابعه مرة أخرى على جبينها المرتب بعناية.
ما الذي كانت تحاول قوله؟
كانت تتحدث عن اللوحة…
ما خطب الوضعية؟
كانت محادثة تركت وراءها شعورًا غامضًا. لكن لم يكن هذا الشيء الوحيد الذي أثار قلقه.
حين اندفع بجنون نحو الملحق، التقى في طريقه بالباحثة ذات الشعر الوردي، ايديرا. كان يتذكرها جيدًا، فقد اشتهرت بقدرتها على تحليل مكونات الجرعات ببراعة.
لابد أن يطلب منها تحليل جرعة لينا.
ما الذي يمكن أن يكون في تلك الجرعة حتى يزيل صداعها الحاد بهذه السرعة؟
ألقى نظرة أخيرة على لينا النائمة، ثم وقف وتوجه إلى الملحق.
كان الوقت متأخرًا، فخشِي أن يكون الجميع نائمين، لكن لحسن الحظ، كان هناك ضوء يتسلل من غرفة ايديرا.
كانت معروفة باندماجها في العمل ليلًا ونهارًا متى بدأت شيئًا، والآن، مع عدم عودتها إلى برج السحر بعد، بدا ذلك كحالة أخرى من اندفاعها المعتاد.
بالنسبة لكارسيون، كان هذا في صالحه.
عندما دخل غرفة لينا، فتح حقيبتها. لم يكن قد لاحظ من قبل بسبب العجلة، لكن بدا أنها تحتفظ بهذه الجرعة الغامضة في متناولها دائمًا كما لو كانت دواءً للطوارئ.
هل يعني ذلك أن الصداع يمكن أن يأتيها في أي وقت؟
“لا يمكن أن يكون مرضًا عضالا…”
اجتاحه القلق.
لم يستطع مقاومة توتره، فأخذ الجرعة وذهب مباشرة إلى ايديرا.
“سموك؟ ما الذي جاء بك في هذا الوقت المتأخر؟”
نظرت إليه بعينيها المتسعتين كالبومة، لكنه تجاهل كلامها ومدّ لها الجرعة الأرجوانية مباشرة.
“هل يمكنكِ معرفة ماهية هذه الجرعة؟”
أخذتها ايديرا وبدأت بفحصها باهتمام.
“إنها تخفف الصداع، لكن أريد أن أعرف إن كان لها استخدام آخر، ربما كعلاج لمرض ما.”
أضاف كارسيون هذه المعلومات ليكون الأمر أسهل عليها، وطلب منها إجراء التحليل بسرية.
أومأت ايديرا برأسها وكأن الأمر سهل بالنسبة لها.
جرعة نادرة، وأمير هو من طلب التحليل، والأمر سري؟
“اتركها لي.”
كلما كان التحدي أصعب، كان أكثر إثارة.
***
للمرة الثانية منذ قدومي إلى أراضي إيفلين، رأيت حلمًا لن أتذكره عند الاستيقاظ.
في الحلم، كنت في غابة. كنت صغيرة جدًا، وحدي، دون أي خوف.
وأمام عيني، كان هناك كلب.
<ليس لديكَ مالك؟ هل أنت وحدك؟>
كان شكله لطيفًا رغم حجمه الكبير، وكأنه جرو وُلِد حديثًا. كل تصرفاته كانت غير ناضجة.
<أنتَ ظريف، هيهي.>
عندما لمستُ فراءه الناعم بيدي الصغيرة، أخرج لسانه بسعادة.
أغمض عينيه وكأنه يستمتع بلمستي، وجهه بدا إنسانيًا بطريقة غريبة.
لم أكن أعلم أن الكلاب يمكنها الابتسام بهذه السعادة.
<هل تريد الذهاب معي إلى المنزل؟>
هزّ ذيله بحماس وراح يلهث.
<هل تفهمني وتجيبني؟>
ضحكتُ بدهشة. لم يكن لدي أصدقاء في القصر، لذا بدا هذا رائعًا.
كنت سأحبه واعتني به جيّدًا.
<رينيه!>
في تلك اللحظة، سمعتُ صوتًا يناديني من بعيد.
عندما التفتُ، رأيتُ أبي يركض نحوي وهو يلهث.
<قلتُ لكِ إنه من الخطر أن تختفي وحدك!>
حتى لو كانت الغابة قريبة من القصر، كان هناك دائمًا احتمال مواجهة وحش ضال. لكن بالنسبة لي، كان العالم مكانًا مسالمًا وآمنًا.
<أبي، أبي! هل يمكنني أخذ هذا الجرو معي؟>
<ماذا؟>
بينما كنتُ أحتضن الجرو بسعادة، نظر إليّ والدي، الكونت باسكال، بتعب.
لكن عندما رأى حماسي، تنهد مبتسمًا باستسلام.
وهكذا، أطلقت عليه اسمًا.
<ريو!>
نمتُ معه على السرير.
<ريو!>
كنتُ أرمي الكرة في الحديقة، وكان يركض ليحضرها.
<كارسيون! لا تتحدث عن ريو هكذا!>
عندما كنا في نزهة، دفعه كارسيون بعيدًا عن اللحاف بقدمه، فأنّبته.
…مهلًا؟
يبدو أن لديّ صديقًا آخر.
قبل أن أدرك، أصبحتُ أرى كارسيون في كل لحظاتي اليومية.
<هناك نجم ساريوس.>
<أين؟>
<بجانب نجم بروسيون. على اليمين.>
<رينيه، أنتِ بارعة بشكل غير ضروري في تحديد النجوم.>
<ليس غير ضروري! إنه ممتع.>
<وما الفائدة من ذلك؟>
<الفائدة؟ أن ألعب معك هكذا. إذا واصلت التذمر، لن أسمح لك باستخدام حِجْري كوسادة.>
<ماذا…>
يبدو أن تهديدي قد نجح، إذ أصبح كارسيون هادئًا.
ابتسمت ونظرت إليه من أعلى. لكن، لا، لقد كنت متأكدة أنني كنت أنا من ينظر إليه… وفجأة، انقلبت رؤيتي. كان هو من ينظر إليّ بينما أستلقي على السرير.
<نامي أكثر.>
لكن لماذا ينظر إليّ بتلك العيون الحزينة؟ يبدو وكأنه قد كبر فجأة. أصبح فكّه أكثر حدة، وكتفاه أوسع…
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 29"