تطايرت خصلات الرجل الحمراء بهدوء مع نسيم الصيف الدافئ.
وقف ليونيل، الذي وطأت قدماه هذه المدينة لأول مرة بعد أن سمع عنها فقط، يتأمل مشهدها المزدحم بعيون يغمرها التأمل.
كانت هذه المدينة التي كان كارسيون يُستدعى إليها بين الحين والآخر من قبل والديه أثناء أيامه كـ ‘ريو’.
كان من الأفضل لو بقي هناك، لكنه، كابن عنيد، أصر على البقاء بجانب رينيه وعاد إلى مقاطعة إيفلين.
كان متشبثًا بطريقة مزعجة، حتى وهو يحاول التظاهر بالكبرياء.
ارتسمت على شفتي ليونيل ابتسامة مسلية بينما استرجع ذكريات الماضي.
“إرسال شخص إلى الكوخ كان أمرًا مثيرًا للقشعريرة، كارسيون.”
تمتم ليونيل لنفسه، وتذكر دون قصد إيفان، الذي قاسمه الأيام الماضية.
كان تحوله إلى هيئة كلب قرارًا لحظيًا، لكنه كان قرارًا عبقريًا.
فارس فضي الشعر ذو الهوية المجهولة لم يكن ليخفف حذره أمام البشر، لكنه خفضه تمامًا أمام جرو صغير.
التمرغ على الأرض، تحريك الذيل، إخراج اللسان واللهاث…
بعدما تظاهر بجميع الحركات اللطيفة التي يجيدها كجرو، أتت الخدعة بثمارها.
لم يتردد إيفان في كتابة الرسائل أمامه، أو حتى الاطلاع على الوثائق التي جلبها معه.
بل وحتى تمتم ببعض الكلمات لنفسه:
<لماذا تبدو تلك الفتاة مطابقةً تمامًا لصديقة طفولة الأمير كارسيون…؟>
<متى سيصل هذا المسمى ليونيل؟>
<من أين عليّ أن أبدأ البحث في دور الأيتام؟ تبًا.>
بصراحة، لقد صُدم ليونيل. تفاجأ، وشعر بالقلق.
كارسيون…
كان ذلك اسمًا لم يسمعه منذ زمن طويل، ولم يكن سماعه الآن مبعث راحة.
هل التقت لينا بكارسيون؟ أم أن كارسيون اكتشف الأمر بمفرده؟
في كلتا الحالتين، لم يكن هذا جيدًا.
بينما كان إيفان بعيدًا، تظاهر ليونيل بكونه مجرد كلب مشاغب وعبث في جيب معطفه.
كان عليه التحقق من الوثائق، وبالتحديد، معلومات لينا.
برج السحر؟
وحتى أنها انضمت إلى مختبر قسم الجرعات؟
لقد هربت باستخدام المعرفة التي تعلمتها منه؟
شعر وكأن أحدهم ضربه على رأسه، وظل مصدومًا لبعض الوقت.
وحين رأى أن عنوان الإقامة لم يكن ذلك الكوخ، استطاع تخمين كيف خدعته بالضبط.
لقد كانت خطة محكمة.
لكن على أي حال، انتهت لعبة الاختباء المملة.
“أخبرتها أن المدينة خطيرة، لكنها لا تستمع أبدًا.”
ارتسم قوس ناعم على شفتي ليونيل، فيما تألقت عيناه القرمزيتان بوميض خطر.
“إذن، هل نذهب إلى برج السحر أولًا؟”
***
“هاه…”
تنهدت وأنا أرفع رأسي لأنظر إلى سماء الليل.
إلى أين ذهب كارسيون على وجه الأرض؟
بينما كنت أتجول في الحديقة الغارقة في ضوء القمر، بدت كتفاي متدليتين بلا حيلة.
مرّ شهر كامل منذ وصولي إلى هنا، وبعد يومين، ستعود مجموعة الجمع إلى شوتزن.
لكن كارسيون، الذي اختفى فجأة، لم يترك وراءه حتى خصلة شعر..
هل غادر إلى شوتزن قبلي؟
يا له من شخص غير مبالٍ.
كان بإمكانه على الأقل قول كلمة قبل أن يرحل.
أثناء استعادة ذكرياتي عن آخر وقت قضيته معه، وجدت شفتي تتكوران في عبوس لا إرادي.
لقد كان وقتًا رائعًا حقًا في المدينة…
تجولنا في السوق واشترينا التوت الأزرق، وجربنا زينة الشعر اللطيفة، ورفضت بإصرار عرض كارسيون بشراء شيء أغلى من التوت الأزرق، ثم تناولنا غداءً متأخرًا في طاولة خارجية بكل هدوء.
كنت قد تخليت عن الأمل في أنه قد يكون مختبئًا في مكان ما، يراقبني بصمت.
“من تنعتين بالأحمق؟”
“آه! يا إلهي!”
لم يكن موجودًا حين كنت أبحث عنه، فلماذا يجيب الآن؟!
من شدة المفاجأة، تجمدت مكاني كتمثال، ولم أستطع سوى تحريك عينيّ ببطء. وبعد لحظات من التردد، بدأت أتحرك بحذر..
اقتربت بهدوء من مصدر الصوت، متسائلة إن كنت أسمع هلوسات بسبب الكحول.
نعم، هذا منطقي.
الفرقة كانت تحتفل بكأس نخبٍ لمجهودها، بينما أنا تسللت مبتعدة بحجة التخلص من تأثير الكحول.
لكن في الحقيقة، لم أستطع الاستمتاع بالحفل لأنني كنت قلقة بسبب اختفاء كارسيون حتى النهاية.
لكن، أين هو الآن؟
“صاحب السمو؟ أين أنت؟”
خفضت صوتي وسألت، والمثير للدهشة أنه أجاب.
“أنا هنا.”
“.…”
يا للعجب.
إذن هذا ليس حلمًا.
اتجهت نحو مصدر الصوت، حيث كان هناك تمثال ضخم.
وهناك، رأيته مستلقيًا على مقعد أمام التمثال، كأنه لا يكترث للعالم.
“صاحب السمو كارسيون؟ ماذا تفعل هنا؟ متى أتيت؟”
تلاشت آثار الكحول من رأسي في لحظة.
لست متأكدة إن كنت سعيدة برؤيته أم مستاءة.
دون وعي، ضغطت على شفتيّ وحدقت إليه بنظرة صارمة.
“أشاهد النجوم. وصلت منذ ساعات.”
كم هو بارد!
إذن هذا ما أشعر به… خيبة أمل.
لا أعرف لماذا، لكن رغبة قوية اجتاحتني لضربه على رأسه.
بالطبع، لم أكن جريئة كفاية لضرب أمير.
“حقًا؟ إذن، تابع مشاهدة النجوم.”
خرجت نبرة عابسة من فمي دون قصد.
عندها فقط، حوّل كارسيون نظره إليّ، بعد أن كان يحدق في السماء.
لكن مزاجي كان قد فسد بالفعل.
استدرت على الفور للمغادرة، ولكن…
“إلى أين تذهبين؟”
أمسك كارسيون بمعصمي، مما أجبرني على التوقف والنظر إليه بامتعاض.
“سأعود إلى القاعة. الجو هناك ممتع جدًا.”
“تفوح منكِ رائحة الكحول.”
“لأني شربت.”
“تعالي واجلسي.”
رفع جسده قليلاً ليمنحني مساحة بجانبه.
ورغم أنني كنت أريد المغادرة، إلا أنني استسلمت وجلسْتُ بجانبه.
ساد الصمت بيننا.
ماذا كان يفكر؟
إلى أين ذهب دون أن يخبرني؟
ولماذا أمسك بي عندما حاولت المغادرة؟
في هدوء الليل، لم يكن هناك سوى أصوات الحشرات، بينما كانت أفكاري تضج باسمه.
ترى… هل كان يفكر بي كما أفكر به؟
أتمنى ذلك.
“هل لديكِ كلب؟”
“ماذا؟”
سأل فجأة، وكأنه لا علاقة له بكل ما يحدث.
طرفْتُ بعيني ببطء، غير مستوعبة السؤال، ثم ضيّقت عينَيّ بارتياب.
“هل أمسكت بي فقط لتقول أشياء سخيفة؟ إن كان كذلك، فسأعود لأشرب.”
“لماذا أنتِ حادة هكذا؟”
“أنت لا تعرف؟”
“لو كنت أعرف، لما سألت.”
“….”
هذا الرجل لديه موهبة في استفزاز الآخرين.
شعرت برغبة في النهوض فورًا، لكنه كان لا يزال يمسك بمعصمي بقوة.
“إلى أين تذهبين؟”
“قلتُ لك، لأشرب.”
“هل أنتِ غاضبة مني؟ هل فعلت شيئًا خاطئًا؟”
“لا.”
لم يكن ملزمًا بإخباري بمكانه.
إن كان قد قرر التصرف بهذه الطريقة، فهذا يعني أن علاقتنا لم تكن مهمة بالنسبة له كما كنت أظن.
كنت الوحيدة التي تقلق.
أما هو، فلم يبدو عليه أي تأثير.
“هل سؤالي عن الكلب هو خطئي؟”
“لا.”
“إذن لماذا تتصرفين هكذا رغم أننا لم نلتقِ منذ فترة؟”
“منذ فترة…!”
كادت مشاعري تفيض، لكنني أوقفت نفسي في اللحظة الأخيرة.
التقطت أنفاسي وأجبت بصوت هادئ لكنه مشحون بالغضب المكبوت.
“أنا لا أملك كلبًا. لم أملك واحدًا من قبل، ولا أنوي ذلك مستقبلًا. لذا، إن كان أول ما تقوله بعد هذا الغياب مجرد هراء كهذا، فمن الطبيعي أن أكون… أن أكون منزعجة!”
نظر كارسيون إلى وجهي كما لو كان يقيس مزاجي.
ثم فتح فمه أخيرًا، بتردد واضح.
“… لم يكن كلامًا بلا معنى.”
يا إلهي.
“أنا حقًا كنت أسأل بجدية. إنه أمر مهم بالنسبة لي.”
“….”
أهو ليس هراءًا إذن؟
تفاجأت من نبرة صوته الجادة.
شعرت أنني ربما بالغت في ردة فعلي تجاهه.
تراخت ملامحي دون قصد، وعندها فقط، استوعبت كم كان غارقًا في أفكاره.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 27"
دقيقة إيش 😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭