مخلوق مرعب، ضخم بشكل لا يصدق، مغطى بحراشف سوداء قاتمة.
تلك اللحظات التي اندفع فيها نحوه مرارًا وتكرارًا، دون أن يبدو أن هناك أي أمل.
لماذا تعود إليه هذه الذكريات الآن، وهو في وسط موعد هادئ في المدينة؟
أو ربما… كان يعرف السبب.
<دعنا نقول إنني مجرد عابر سبيل.>
من يكون هذا الرجل؟
<قد يمتلكون قدرات لا يمكن للبشر إدراكها.>
تردد في ذهنه صوت ديريك أثناء تقديمه تقريره قبل أيام قليلة.
مستحيل…
شعور بارد تسلل على امتداد عموده الفقري، حتى أنه لم يعد يشعر بطعم الطعام في فمه.
إذا كان افتراضه صحيحًا…
<جلالتك! جلالتك!>
صرخة لا تُنسى هزت روحه حتى الأعماق.
<تنين أسود استيقظ في جبل دنيبروك لأول مرة منذ ألف عام! يؤسفني قول هذا ولكن… مقاطعة إيفلين…>
لا يمكن… هل سيحدث ذلك مرة أخرى؟
“سموك؟ سموك!”
“…!”
انتفض كارسيون من أفكاره على صوت يناديه.
عندما استعاد وعيه، وجد لينا تحدق به بقلق.
“هل أنت بخير؟”
“آه…”
“كنت تتعرق بغزارة وأنت تأكل…”
رفعت لينا منديلًا بسرعة ومسحت عرقه، ثم عضّت شفتها بتردد قبل أن تسأل:
“الأمر بسبب ذلك الرجل، أليس كذلك؟”
“…”
“كانت لديه هالة إجرامية واضحة. ألا يجب علينا العودة الآن؟ ربما يجب القبض عليه والتحقق من هويته؟ لقد عملتَ بجد لإعادة بناء هذه المقاطعة، لذا علينا الحفاظ على الأمن فيها.”
“لا تقلقي. سأعتني بالأمر.”
رفع كارسيون زوايا شفتيه بابتسامة مطمئنة بالكاد تشكلت.
لكن في عينيه الزرقاوين، ارتسم وجه لينا بوضوح مؤلم.
وهنا تكمن المشكلة…
لم يكن الأمر يتعلق بمظهرها فحسب…
<توقفي عن الأكل، ستصبحين خنزيرة.>
<هاه؟ لكن هذه صغيرة جدًا، يمكنني ابتلاعها بسهولة.>
<هكذا ستزدادين وزنًا.>
<ههه. لكن التوت الأزرق لذيذ جدًا، لا يمكنني التوقف عن تناوله!>
رنّ صوت رينيه الضاحك في ذاكرته.
لينا… كانت تشبه رينيه كثيرًا.
حتى كلامها بدا مألوفًا.
لكن هل يمكن اعتبار هذا دليلًا قاطعًا؟
<مرحبًا، كارسيون. أنا رينيه إيفلين.>
لطالما كانت تختبئ خلف شخص آخر عندما تشعر بالخوف أو الإحراج.
عندما التقت بكارسيون لأول مرة، اختبأت خلف الكونت باسكال.
لكن لاحقًا، أصبحت تختبئ خلف كارسيون نفسه.
لكن هذه المرة…
عندما واجهوا ذلك العابر الغامض، كان كارسيون هو من جذب لينا إلى الخلف وأخفاها خلفه.
حتى الطريقة التي أمسكت بها طرف ردائه من الخلف كانت مألوفة…
الطريقة التي أطلّت بها بسرعة لتلقي نظرة قبل أن تختبئ مجددًا، كانت تمامًا مثل رينيه…
“أنتِ حقًا…”
تنهد كارسيون، وكأنما يتحدث إلى نفسه.
لكن لم يكن هناك أي دليل قاطع بعد.
“ماذا؟”
كانت لينا تتحدث بجدية عن أمن المقاطعة، لكنها الآن بدت مصدومة من نبرة صوته.
وهذا طبيعي، فقد كان ينظر إليها وكأنها مشكلة معقدة لا يعرف كيف يحلها.
“لا شيء، تابعي طعامك.”
وبحركة لا إرادية، مدّ يده وربّت على رأسها كعادة قديمة، ثم عاد للتركيز على الطعام.
***
“انظري لهذا. ورقة عباد الشمس تحولت إلى اللون الأزرق.”
“حقًا؟ جربي إضافة هذا أيضًا.”
“واو! لقد عادت إلى اللون الأبيض!”
عندما عدتُ إلى الملحق التابع لعقار إيفلين، وجدت الباحثين مجتمعين حول شيء ما، منشغلين بتجاربهم. أثار ذلك فضولي، فاقتربت منهم.
“ماذا تفعلون؟”
“آه، لينا!”
استقبلتني بيلا بحرارة، وفسحت لي مكانًا بينهم. بفضلها، وجدتُ لنفسي مقعدًا، وأتيحت لي الفرصة لمشاهدة عرض إيديرا البحثي.
نعم، هذا لم يكن بحثًا جادًا حقًا، بل مجرد تجارب مسلية يقومون بها بدافع الملل.
لكن مع ذلك…
حتى في يوم عطلتهم النادر، قرروا قضاء الوقت في تحليل خصائص المواد الثانوية التي جمعوها.
إخلاصهم النقي للبحث جلب الدموع الى عيني.
لكن، بصراحة… الأمر كان ممتعًا. ربما لا يمكنني الإنكار كوني باحثة أيضًا.
“لنجرب الآن تفاعلها مع حجر البقع الزرقاء.”
أخرجت إيديرا حجر البقع الزرقاء من حقيبتها.
كانت تُعرف بكونها الأفضل في تحليل مكونات الجرعات، ولم تكتسب هذه السمعة من فراغ.
فهي تحب تفكيك المواد، دمجها، ثم تفكيكها مرة أخرى.
ووووف… وووووف…
بمجرد اقتراب حجر البقع الزرقاء من العينة، التي كانت مادة فطرية تنمو على عظام بيضاء، بدأ الحجر في إصدار ضوء أبيض متقطع.
أخذ الجميع يسجلون لون الضوء والفاصل الزمني بين كل نبضة بينما يواصلون اللعب بتجاربهم.
أما أنا، فقد كنت غارقة في أفكاري.
هل كانت تلك عظام حيوانية أم بشرية؟
وإن كانت بشرية، فهل تعود إلى فارس شارك في حملة اصطياد التنانين؟
إلى أي فرقة ينتمي؟ من كان؟
غارقة في هذه التأملات الجدية، شعرت بوخزة في خاصرتي.
التفتُ لأجد إيسولا تهمس لي:
“لينا، أين كنتِ؟”
رغم همسها، فإن الجالسين حول الطاولة المستديرة سمعوها جميعًا.
كان واضحًا أنهم يتظاهرون بعدم الانتباه بينما يوجهون آذانهم لحديثنا.
“ذهبتُ إلى غرفتكِ قبل قليل، لكنها كانت فارغة.”
“آه، حسنًا… لم أتمكن من زيارة المدينة من قبل، لذا رأيت أن اليوم فرصة مناسبة للذهاب.”
حاولتُ الرد بأكبر قدر ممكن من اللامبالاة.
لكن لا يمكنني الاعتراف أبدًا بأنني خرجت مع كارسيون وحدنا.
لا يمكنني منح هؤلاء الضباع المهووسين بالإشاعات فريسة سهلة.
“حقًا؟ هل ذهبتِ وحدكِ؟”
“…نعم.”
لكنني لم أولد لأكون كاذبة بارعة.
كان ردي متأخرًا بنصف ثانية، وصوتي متصلبًا بشكل واضح.
تبادل الباحثون نظرات ذات مغزى وبدؤوا يتهامسون فيما بينهم.
“إذًا هذا مؤكد. لقد خرجت مع الأمير كارسيون!”
“أراهن على أن هناك شيئًا بينهما.”
“ليس بالضرورة.”
“كفى جدلًا، ادفع العشرة لانت!”
“تبًا، أيها الوغد اللعين!”
“هاها! حصلت على المال!”
رغم أنني قلتُ بوضوح أنني ذهبت وحدي، لم يحاول أحد حتى مجادلتي بشأنها.
أدركتُ أنني خسرتُ هذه الجولة، فصرخت مستسلمة:
“حسنًا! لقد خرجت مع الأمير كارسيون! هل أنتم راضون الآن؟!”
***
حدق كارسيون بصمت في وعاء أبيض مملوء بالتوت الأزرق.
أخذ حبة، وضعها في فمه، ومضغها قليلًا قبل أن يبتلعها. ثم ابتسم بسخرية.
“كيف يمكن لأي شخص أن يأكل شيئًا بهذا الطعم السيئ؟”
لكن بما أنه حصل عليها كهدية، قرر أن يمنحها فرصة.
بينما كان يقرأ تقرير فرسان توتين، استمر في وضع التوت الأزرق في فمه تلقائيًا.
لقد قرأ هذا التقرير من قبل.
لكن هناك شيء ما كان يثير قلقه.
“سموك، استدعيتني؟”
دخل ديريك، نائب قائد فرسان التوتين، إلى الغرفة.
رفع كارسيون رأسه ونظر إليه.
“ديريك.”
نهض كارسيون من مكتبه وانتقل إلى الطاولة الصغيرة المخصصة للاستقبال، مشيرًا لديريك بالجلوس.
ثم دخل مباشرة في صلب الموضوع.
“راقبوا الأوضاع في جبال دنيبروك عن كثب. خصوصًا تحركات الوحوش العليا.”
“هل اكتشفت شيئًا مريبًا؟”
“ليس الأمر كذلك تمامًا، ولكن…”
مرر كارسيون يده على ذقنه وضيّق عينيه قليلاً.
“يجب أن نتأكد مما إذا كانت مجرد صراعات إقليمية بين الوحوش السحرية، أم أن هناك جهة ما تهاجمها لهدف معين.”
عندها، تردد ديريك للحظة قبل أن يتحدث بصوت متردد.
كان لديه معلومات جديدة لم تُسجَّل بعد في التقارير الرسمية، لكنها وصلت للتو، ساخنة وطازجة.
“في المنطقة الجنوبية لقمة تيلدا، تم العثور على جثث أخرى لوحوش الوايفرن.”
“…!”
“بلغ عددها خمسة، لكن البيوض في العش بقيت سليمة.”
“هذا… مريب.”
“نعم، سموك.”
كان الأمر بعيدًا عن كونه نشاطًا طبيعيًا للوحوش السحرية.
بدا كما لو أن كيانًا يتمتع بالذكاء يتحرك لهدف محدد، أو أنه يقتل لمجرد المتعة.
“يجب أن أذهب بنفسي.”
انخفض وهج عينيّ كارسيون الزرقاوين إلى درجة مخيفة.
في تلك اللحظة، شعر ديريك بقشعريرة زاحفة على ظهره، فقد ذكّره هذا المظهر بكارسيون عندما كان يستعد لاصطياد التنين الأسود.
فوووش… فوووش…
في تلك اللحظة، سُمع خفقان أجنحة خفيف من خلف النافذة.
استدار كارسيون ونهض من مقعده. كانت هناك حمامة تحلق بسلاسة، يضيئها وهج الغروب المتلاشي.
فتح النافذة، فحطّت الحمامة الذكية على حافتها.
في تلك اللحظة، تلاشت البرودة التي كانت تملأ عينيه، وحلّت محلها موجة من التوتر القلق.
لقد كانت رسالة من إيفان.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"