كان يومًا تجري فيه السحب الرقيقة بهدوء عبر السماء الزرقاء.
كما كان أيضًا اليوم الأول الذي ستبدأ فيه مجموعة الجمع نشاطها بشكل جدي.
غادرت المجموعة قصر إيفلين في وقت مبكر من الصباح، وانتقل الجميع على ظهر الخيل.
لحسن الحظ، لم يكن هناك أي شخص بين الباحثين لا يجيد ركوب الخيل… باستثناء شخص واحد فقط.
“أليس هذا مضحكًا حتى من وجهة نظركِ؟”
عند سماع همهمة إيسولا بجانبي، التفتُّ إليها، ثم وجهتُ نظري نحو الشخص المقصود.
كان كولين يكافح بصعوبة للحفاظ على توازنه فوق السرج، مستندًا بالكامل على ماكس.
“هُب! شكرًا لك، السير ماكس.”
“حافظ على توازنك جيدًا. سيكون الأمر كارثيًا إن سقطتَ من الحصان.”
كان المشهد مثيرًا للضحك بالفعل.
رجلان بالغين متلاصقان على سرج ضيق، وكولين يترنح باستمرار.
رغم ذكائه الحاد، لم يكن كولين بارعًا بدنيًا أبدًا.
لذلك، وعلى الرغم من كونه من النبلاء، لم يتعلم ركوب الخيل قط.
ولكن لم يكن من المنطقي جرّ عربة عبر الطرق الجبلية الضيقة والوعرة لمجرد شخص واحد.
لذا، حلّ سيدريك المشكلة بطريقة بسيطة جدًا.
<ليركب أحدكم معه.>
وعلى الفور، بدأ الجميع بتبادل النظرات فيما بينهم، قبل أن تنحدر المسؤولية تدريجيًا نحو الشخص الأدنى رتبة.
وهكذا، انتهى الأمر بماكس، أصغر فارس في فرسان فونيكس، بتحمل العبء.
وبالطبع، كفارس شريف، لم يكن ليسمح لنفسه بمخالفة أوامر القائد سيدريك.
رغم أنه بدا غير مرتاحٍ تمامًا لفكرة وجود رجل آخر خلفه على حصانه، إلا أنه التزم بأخلاقيات الفروسية واحتمل الأمر.
فكولين، رغم أنه لا يُصنَّف ضمن كبار السن أو النساء أو الأطفال، كان ضعيفًا بشكل لا يمكن إنكاره.
“هل سنسافر بهذه الطريقة كل يوم؟”
أوبس…
هل رفعتُ صوتي أكثر مما ينبغي؟
رأيتُ كتفي ماكس يرتجفان قليلاً أمامي.
لكن يبدو أن إيسولا لم تلاحظ ذلك، إذ أجابتني بلا مبالاة.
“وهل لدينا خيار آخر؟ صحيح أن هناك عربة، لكن علينا استخدامها لنقل بقايا نَفَس التنين.”
“هذا صحيح.”
“كما أن نقل شخص في عربة سيكون مهينًا أكثر، لذا هذه الطريقة أفضل من جميع النواحي.”
“همم….”
بصراحة، من الصعب تحديد أيهما أكثر إذلالًا.
في تلك اللحظة، وقعت عيناي على كتفي ماكس المنخفضتين بإحباط.
ابقَ قويًا، أيها السير ماكس.
مع كل خطوة كنت أرسل بها رسالة تشجيع صامتة، أخذت سرعتنا بالتباطؤ تدريجيًا.
لم يمضِ وقت طويل حتى سمعنا إشارة التوقف من الأمام.
“المجموعة الأولى ستتوقف هنا!”
كنا مقسمين إلى ثلاث مجموعات، وكنت أنا وإيسولا ضمن المجموعة الأولى.
كانت الفكرة هي التحرك بكفاءة، لأن مخلفات نَفَس التنين تختلف في خصائصها حسب التضاريس.
تألفت كل مجموعة من حوالي مئة فارس وثلاثة أو أربعة باحثين.
امتثلنا لأوامر الفارس المسؤول وأدرنا خيولنا.
هوب-!
بعد أن نزلتُ عن السرج، قمتُ بربط اللجام بأحد جذوع الأشجار.
وبينما كنت أتأمل الغابة الخضراء على مستوى نظري المنخفض، لاحظتُ بقعًا سوداء هنا وهناك.
حتى بعد مرور سنوات، لا تزال هذه الجراح غير ملتئمة بالكامل.
أما المجموعتان الثانية والثالثة، اللتان تقدمتا إلى الداخل، فلا بد أنهما تواجهان مشهدًا أكثر سوءًا.
“إذن، هذه هي مخلفات نَفَس التنين.”
بينما كنت غارقة في أفكاري، اقتربت مني إيزولا، وإلى جانبها كانت هناك باحثة أخرى من مجموعتنا.
ذات شعر وردي مجعد مثير للإعجاب، إيديرا.
“تختلف كثافة المخلفات من مكان لآخر.”
بدت إيديرا متحمسة للغاية، فقد كانت تمسك بأدوات التحليل السحري وأدوات الجمع بكل حزم، وتنبعث منها هالة من الشغف العلمي.
“أنا لا أؤمن بأن المواد التي يُزود بها البرج السحري دائمًا في أفضل حالاتها. ولا أعتقد أن جميع موارد العالم تتجمع هناك. لذا، أنوي استغلال هذه الفرصة لجمع مخلفات نَفَس التنين بأدق تفاصيلها.”
واو. يا لها من حماسة.
ألقيت نظرة خاطفة داخل حقيبتها، فرأيت أنها مليئة بالزجاجات الشفافة المخصصة لحفظ العينات.
أومأتُ برأسي إعجابًا، وصفقت لها بصمت احترامًا لشغفها.
ويبدو أن إيسولا لاحظت الأمر أيضًا، إذ لمعت عيناها فجأة.
آه. صحيح، هذه الفتاة فضولية جدًا، وكثيرًا ما تسبب المشاكل بسبب ذلك.
“الآنسة إيديرا، لنقدم كل ما لدينا!”
“بالطبع! لنصنع أقوى مادة بناء لا يمكن حتى لنَفَس التنين اختراقها!”
راقبتُ الاثنتين وهما تتصافحان بحماسة، بالكاد قادرة على كبح ضحكتي.
يبدو أنه إن لم أبذل جهدًا مناسبًا، فسأُقارَن بهما بسهولة.
***
“لقد اخترت موقعًا استثنائيًا للاستجمام.”
تأمل كارسـيون السماء الصافية، وضحك بسخرية خفيفة.
كانت هذه الأرض قد نجحت في شفاء الأمير المريض، وهو إنجاز كافٍ ليجعلها وجهة استجمام مفضلة للنبلاء.
لكن لسوء الحظ، وجود عش التنين الأسود على مقربة جعلها مكانًا منبوذًا.
لولا المكافآت المالية السخية، لكان من الصعب إعادة الحياة إلى هذه المنطقة.
ناهيك عن أن وجود فرسان التوتين كان الضمان الأكبر للأمان هنا.
“جلالتك، سمعتُ أنك أمرتَ بوقف عمليات البحث عبر اللورد هيلغريت.”
كان المتحدث نائب قائد فرسان التوتين، ديريك.
كان الخبر صعب التصديق لدرجة أنه أراد التأكد بنفسه.
كان كارسـيون مستمتعًا بالطقس الدافئ في الشرفة، يقرأ تقريرًا أحضره ديريك، ولم يرفع عينيه عن الصفحات وهو يجيب بلا مبالاة.
“صحيح. أنا من أصدر ذلك الأمر.”
“هل عثرتم على شيء؟”
“لا.”
أجاب كارسـيون بصوت هادئ، ثم صمت، ناشرًا جوًا من الكآبة.
تقرير استعادة غابات دينيبروك، معدل تكاثر الوحوش، الأمن في القرى.
غرامات على اللصوص الصغار، مشاكل السكارى في الحانات.
كان التقرير مليئًا بأمور مملة.
قد يبدو تكليف أحد أفضل خمسة فرق فرسان في الإمبراطورية بهذه المهام مضيعة للموارد البشرية.
لكن هذا لأن أولئك الذين يعتقدون ذلك لا يفهمون وحشية الحياة البرية العميقة داخل جبال دينيبروك.
“لماذا رغم كل الجهود لا نعثر عليه؟”
لم يستطع ديريك تقديم إجابة على سؤال كارسيون..
يقال إن التنانين عندما تحتضر، تموت وحدها في مكان لا يستطيع أحد الوصول إليه.
لكن كيف؟ لا بد أنه موجود في مكان ما، فلماذا لا نعثر عليه؟
“ربما يمتلكون قدرة لا نفهمها نحن البشر.”
تحدث ديريك بحذر، لكنه لم يكن المرة الأولى التي يقول فيها ذلك.
وكالعادة، لم يُقنع كارسـيون.
ظل الأمير صامتًا، غير متقبل لهذه الفكرة.
بالتالي، لم يكن أمر إيقاف البحث مبنيًا على هذه الفرضية.
“الطبيعة البرية تستعيد نفسها بوتيرة ثابتة… لكن العثور على عش الوايفرن يشكل خطرًا.”
(الوايفرن (Wyvern) هو مخلوق خيالي يشبه التنين، لكنه يتميز بعدد من الفروق الأساسية. عادةً ما يُصور الوايفرن بجسد زاحف، وجناحين كبيرين شبيهين بأجنحة الخفافيش، وساقين خلفيتين فقط، على عكس التنانين التقليدية التي تمتلك أربع أرجل بالإضافة إلى الأجنحة.
في العديد من الأساطير والأعمال الخيالية، يُعتبر الوايفرن أقل ذكاءً من التنانين، وغالبًا ما يُصور كمخلوق شرس لكنه أقل قوة وسحرية من التنين الحقيقي. يستخدم في الروايات والألعاب كوحش قوي، لكنه عادة ما يكون أقل شأنًا من التنانين العظيمة.)
“لقد دمرنا جميع البيوض.”
“وماذا عن الأم؟… آه، ها هو التقرير.”
تجعدت ملامح كارسـيون قليلاً وهو يقرأ.
فسر ديريك الأمر قائلًا:
“من الغريب بعض الشيء، لكننا وجدناها ميتة على مقربة من العش.”
“لكن البيوض كانت سليمة؟”
“نعم.”
كانت الوايفرن من الوحوش العليا.
وكان أحد مهام الفرسان التوتين منعها من التكاثر بحرية.
“لم تمت بشكل طبيعي، بل كانت هناك آثار لهجوم…”
“الهجوم كان نظيفًا للغاية.”
“هل تخلت عنها مجموعتها؟”
“تلك هي الفرضية الأكثر احتمالًا.”
أومأ كارسـيون برأسه.
من الطبيعي أن تتقاتل الوحوش على المناطق، خاصة الوايفرن، حيث تكون معاركها ضخمة الحجم.
لكن ترك البيوض دون تدمير كان أمرًا غريبًا.
إن كان الهجوم نظيفًا جدًا، فهذا يعني أن الفرق في القوة كان هائلًا…
… تُرى، هل كان المعلم؟
مرّ وجه أولاند الضاحك للحظة في ذهنه، لكنه سرعان ما استبعد الفكرة.
ذلك الرجل كان مبارزًا متجولًا لا يمكن تتبعه.
ما لم يكن يشعر بملل شديد، فمن غير المحتمل أن يظهر فجأة في جبال دينيبروك لمقاتلة الوايفرن.
بعد الانتهاء من مراجعة التقرير، أثنى كارسـيون على ديريك وأمره بالانصراف.
هبت نسمة هواء دافئة.
شعر كارسـيون بنعومة الهواء المحيط به، وألقى بنظره نحو الأفق.
كان خط جبال دينيروك يلوح في الأفق، وانعكست برودته على زرقة عينيه.
الفرقة الاستكشافية يجب أن تكون هناك في مكانٍ ما الآن…
آمل فقط أنهم لم يتوغلوا أكثر من اللازم.
رغم أن فرسان فونيكس هناك، لذا لا داعي للقلق…
ظل يفكر بصمت للحظات، ثم نهض من مكانه.
***
“لنرَ…”
قرعتُ بالمطرقة بلطف على المادة السوداء الملتصقة بجذع الشجرة، ثم التقطتُ قطعة صغيرة منها بعناية، واضعةً إياها في زجاجة شفافة.
[تم جمعه من أسفل جذع قيقب بالما.]
كتبتُ وصفًا موجزًا على الملصق، ثم وضعتُ الزجاجة في حقيبتي ونهضتُ واقفة.
“هذا يجعل العدد ثلاثة عشر.”
كنتُ أبطأ نسبيًا في جمع العينات، لكن لم يكن ذلك بيدي.
إيسولا كانت تفيض بالحماس، وإيديرا لم تكن فقط متحمسة، بل كانت أيضًا قادرة على استخدام السحر، مما منحها تفوقًا ساحقًا في جمع المخلفات.
ناهيك عن فرسان فونيكس.
كانوا يستخدمون طاقتهم القتالية ومعداتهم الثقيلة لتقسيم المخلفات الهائلة بسهولة، كما لو كانوا يقطعون حلوى البودينغ.
مرة أخرى، شعرتُ بمدى عظمة الإمبراطورية التي تمتلك القوة الكافية لتسخير مثل هذه المهارات الفائقة في العمل اليدوي.
“أنا لست نقطة الضعف في هذا الفريق، أليس كذلك؟”
رغم بذلي قصارى جهدي، لم أستطع منع شعور طفيف بالارتباك.
تحركتُ بسرعة نحو الهدف التالي حتى لا أتخلف أكثر.
هذه المرة، كان المخلف ملتصقًا بصخرة.
“أي نوع من الصخور هذه؟”
نقرتُ عليها بمطرقـتي، لكنّ صلابتها كانت غير عادية.
استبدلتُ أداة عملي بأخرى سحرية كنت قد أحضرتها تحسبًا لمثل هذا الموقف.
لكن حتى بهذه الأداة، لم يكن الأمر مجديًا.
حتى الحصول على مسحوق صغير كان يبدو صعبًا.
بذلتُ كل ما في وسعي، متجاهلة العرق الذي بدأ يتصبب مني بسبب الجهد والانغماس العميق في المهمة.
ربما لهذا السبب لم ألاحظ على الفور أن المكان قد أصبح هادئًا على نحو غير طبيعي.
لم أُدرك ذلك حتى شعرتُ بظل شخص ما يخيّم فوقي.
بالتفكير في الأمر، أعتقد أنني سمعت أصوات تحية الفرسان قبل لحظات…؟
رفعتُ رأسي ببطء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"