ضحك كارسيون بخفة على تهنئة دويمن، لكنه في أعماقه شعر بغصة عاطفية..
لقد صعد إلى شوتزن، ونال أخيرًا لقب الفارس رسميًا.
ذلك الطفل الضعيف، الذي أُرسل بعيدًا إلى إقطاعية نائية، قد أصبح الآن قويًا بما يكفي ليحمل السيف ويحمي الآخرين..
“أتخيل كيف سيصاب معلمي بالغرور بسبب هذا، وبدأت أشعر بألم في رقبتي سلفًا.”
“السيد أولاند سيكون فخورًا بك بلا شك.”
“أوه، بالطبع، سيقول إنه كله بفضله، وربما يطالبني بدعوة على العشاء.”
قبل سنوات، استدعى الفيكونت باسكال إيفلين فارسًا مرتزقًا غريب الأطوار ليكون معلمًا لكارسيون.
كان أولاند رجلاً حاد الطباع، لكنه كان لا يقهر في مهارته بالسيف.
بفضل هذه التركيبة المريعة، عانى كارسيون كثيرًا.
كان تدريب أولاند قاسيًا للغاية لدرجة أنه شعر بأنه سيموت في أي لحظة..
لكن في كل مرة يُظهر فيها ضعفه، كان أولاند يسخر منه بأسلوب مستفز، مما يجعله يواصل التدريب بدافع الغضب.
“رد الجميل بالانتقام. إذا كنت تريد حماية إقطاعية إيفلين، فعليك أن تصبح أقوى. إذا كنت ستتذمر من هذا، فالأفضل أن تستسلم وتترك كل شيء ليحترق.”
“تبًا… أيها الوغد.”
ومع ذلك، تحمل كارسيون كل ذلك، عاضًا أسنانه، رافضًا الاستسلام.
وتحت إشراف هذا المعلم عديم الرحمة، لم يكن أمامه خيار سوى أن يصبح أقوى..
رغم أنه لم يكن يرغب في الاعتراف بذلك، إلا أنه عندما نظر إلى الوراء، وجد نفسه ممتنًا لأولاند.
والآن، أصبح قادرًا رسميًا على حماية إقطاعية إيفلين. لكن في المقابل، وضع شرطًا خاصًا لقبول لقب الفارس—أن يكون مقر إقامته الدائم هناك.
قد يبدو غريبًا أن يفرض فارس عادي مثل هذا الشرط على الإمبراطور، ولكن كارسيون لم يكن مجرد فارس، بل كان أميرًا.
لقد أراد، ولو لمرة واحدة، أن يتدلل كما يفعل أي طفل.
فقال ببساطة: “إذا لم يتم تعييني في إقطاعية إيفلين، فلن أقبل باللقب.”
الإمبراطور، الذي كان يريد بشدة أن يعيد ابنه إلى العاصمة، لم يكن لديه خيار سوى أن ينقر بلسانه مستاءً ويقبل..
وهكذا، ظل وضع كارسيون في العائلة الإمبراطورية كما هو—ليس تمامًا منبوذًا، لكنه أيضًا ليس مرغوبًا به بشدة.
لكن كارسيون استغل هذا الوضع لصالحه، وقرر البقاء بجانب رينيه.
الآن، كل ما تبقى هو العودة وإخبارها بكل هذا.
كيف ستكون نظرة الفيكونت وزوجته له الآن؟ بالتأكيد سيشعران بالفخر.
ربما حتى يدعو أولاند للعشاء، بل وليكن وليمة ضخمة على حسابه!
لكن فجأة، قاطعه صوت مذعور:
“سموك! سموك!”
التفت كارسيون ودويمن في آنٍ واحد، ليجدا أحد الفرسان يركض نحوهما بجنون، ووجهه شاحب كالأموات.
لم يكن هذا النوع من التعابير التي يُفترض رؤيتها في يوم سعيد كهذا.
انتاب كارسيون إحساس بارد بالخطر، كما لو أن عاصفة اجتاحت قلبه..
“لقد استيقظ التنين الأسود في جبال دنيبروك بعد ألف عام من السبات! سامحني على إبلاغك بهذا، لكن… إقطاعية إيفلين…”
لكن الفارس لم يستطع إكمال كلماته.
كارسيون، الذي كان يحدق فيه، بدا وكأن عاصفة هوجاء تشتعل في عينيه.
“أعتذر، سموك…”
لم يكن الفارس مذنبًا بأي شكل، لكن مجرد كونه حاملًا لهذه الأخبار جعله يشعر وكأنه مجرم..
لم يكن هناك أحد في الإمبراطورية لا يعلم مدى تعلق الأمير الثالث بإقطاعية إيفلين..
كارسيون سمع الكلمات بوضوح، لكنه لم يتمكن من استيعابها..
تنين؟ فجأة؟ بعد ألف عام؟ والآن فقط قرر الاستيقاظ؟
شعر كما لو أن الأرض تحت قدميه قد انهارت، وسقط في هاوية مظلمة بلا قاع..
وحين عاد إلى وعيه، كان محاطًا بالفرسان، الذين كانوا يمنعونه بالقوة من الاندفاع نحو الإقطاعية.
“اتركوني! دعوني أذهب!”
“إنه خطير جدًا، سموك! أرجوك، تحلَّ بالهدوء!”
“لا! رينيه! أنا قادم، انتظريني! رينيه!”
“إنهم ينظمون حملة صيد للتنين الآن! لا يمكنك الذهاب بمفردك، سموك، هذا انتحار!”
كل ثانية كانت ثمينة..
إذا كان هناك حملة صيد، فهذا يعني شيئًا واحدًا فقط—أن الإقطاعية قد دُمرت بالكامل.
ركع كارسيون فورًا أمام الإمبراطور.
“جلالتك، أرجوك، دعني أكرس حياتي من أجل سلام الإمبراطورية. دعوني أقود حملة صيد التنين الأسود.”
الإمبراطور، وحتى الإمبراطورة التي سمعت لاحقًا بالخبر، شعرا بالارتياح.
كانا يخشيان أن يتولى الأمير الأول أو الثاني هذه المهمة، لكن الأمير الثالث تطوع بنفسه!
“كارسيون فريدريك برنهارت، أمنحك السلطة الكاملة لقيادة حملة صيد التنين.”
بصدر مشتعل بالغضب، انطلق كارسيون جنوبًا.
وصلته تقارير تقول إن إقطاعية إيفلين قد دُمرت بالكامل، لكن التفاصيل لم تكن واضحة.
كان عليه أن يرى بأم عينيه.
يقال إن لهب التنين يحرق حتى العظام…
لكن الأمر سيكون على ما يرام.
معلمه أولاند كان هناك، أقوى سياف عرفه.
لا بد أنه حماهم— رينيه، الفيكونت وزوجته، وحتى الخدم الذين كانوا يعاملونه بلطف..
كان يجب أن يكونوا على قيد الحياة.
حتى لو كانت هناك فرصة ضئيلة، لم يكن بإمكانه التخلي عن الأمل..
إقطاعية إيفلين كانت كل شيء بالنسبة له.
رينيه إيفلين كانت كل شيء في حياته.
رجاءً…
فقط ابقي على قيد الحياة.
حتى لو لم يبقَ سوى عظمة منك…
لكن كلما مر الوقت، تضاءل أمله، وزاد يأسه.
وحين وصل أخيرًا إلى إقطاعية إيفلين… لم يجد شيئًا سوى رماد.
في المكان الذي كان يملأه الحب والدفء، لم يتبقَ سوى الفراغ..
وبدلًا من الأمل، لم يبقَ داخله سوى الغضب.
أيها الوغد!
أيها التنين الحقير!
وهكذا، قضى كارسيون ثلاث سنوات كاملة في مطاردة وقتال التنين الأسود، متنقلًا عبر جبال دنيبروك، يخوض معركة تلو الأخرى..
وفي النهاية، عاد إلى العاصمة كـ”بطل الإمبراطورية”، قاتل التنين الأسود.
استُقبل بموكب مهيب، وسقطت بتلات الزهور عليه كالمطر، تهتف الحشود باسمه، يحيونه كأعظم محارب في زمانه..
لكنه فقط نظر إليهم بعينين فارغتين.
ما الفائدة من كل هذا؟
إن لم تكن رينيه بجانبي.
لم تسنح له الفرصة حتى للاعتراف بحبه لها.
وفي وسط هتافات النصر، اتخذ كارسيون قراره.
سيعيش حياته وحيدًا إلى الأبد..
***
بعد ذلك بعامين.
مرّت خمس سنوات منذ العام الذي ماتت فيه رينيه.
كان كارسيون يسير في شوارع شوتزن الصاخبة بوجه خالٍ من التعبير.
في ساحة المدينة، وقف أمام تمثال بطل الإمبراطورية، الذي أنقذها من تهديد التنين الأسود، شامخًا بكل هيبته.
لكن رغم ذلك، لم يتعرف عليه أحد بسبب مظهره البسيط والمهترئ..
من كان ليتخيل أن الأمير الثالث يتجول بملابس العامة بكل هذه الجرأة؟
بفضل محدودية خيال العامة، تمكن كارسيون من التنقل بحرية غير متوقعة..
كان ذلك بمثابة هروب، وإن لم يكن متأكدًا من السبب وراءه.
ربما أراد أن يشعر بشيء ما..
بعد أن فقد كل معنى لحياته، باتت مشاهد الناس الذين يعيشون بحيوية مثيرة للدهشة.
ربما أراد أن يقتبس ولو ذرة من طاقتهم بهذه الطريقة..
لكن بالطبع، لم يكن لذلك أي تأثير..
لم يكن يعيش، بل فقط لم يمت بعد.
الحياة كانت بلا معنى، وقلبه صار صلبًا كالحجر منذ زمن طويل.
في بعض الأحيان، عندما كان يلمح الأوغاد في الشوارع، كان يضربهم بصفته مسؤول الأمن في العاصمة، متخذًا ذلك كذريعة “لإعادة تأهيلهم”، قبل أن يعود بهدوء إلى القصر.
مسؤول الأمن في العاصمة.
كانت هذه حيلة مدروسة من قبل الإمبراطور والإمبراطورة.
بعد أن صار ابنهم بطلاً وأصبحت قيمته لا تقدر بثمن، احتالوا عليه بهذه الوظيفة لإبقائه في شوتزن.
فمسؤول الأمن لا يمكنه مغادرة العاصمة لفترة طويلة، أليس كذلك؟
رغم أنها كانت حيلة رخيصة بشكل مثير للدهشة، إلا أن كارسيون قبل بها..
بالنسبة له، الذي فقد أي رغبة في العيش، لم يكن الأمر يستحق حتى النقاش..
وهكذا، كان هذا اليوم مجرد واحد من الأيام الكثيرة التي تمر بلا معنى.
أو هكذا كان يفترض به أن يكون.
“…رينيه؟”
ظنّ كارسيون أنه فقد عقله أخيرًا.
كيف يمكن أن يرى رينيه وسط هذا الحشد؟
أغمض عينيه بشدة ثم فتحهما..
لكن بالطبع، لم يستطع إغلاقهما لفترة طويلة.
ماذا لو اختفت في تلك اللحظة؟
بلا أي تفكير، بدأ يدفع الناس جانبًا وهو يركض بجنون.
كان قلبه يضرب صدره بعنف من شدّة الفزع… من أن يفقدها مجددًا.
ثبت نظره على مؤخرة رأسها، على شعرها الأسود المعقود إلى أعلى، وركض بجنون.
“هاه… هاه…!”
أمسك بها!
أدارها نحوه بعنف، فتوسعت عيناها من الذهول، وتجلّت ملامحها ببطء أمام عينيه..
عينان زمرديتان صافيتان كالمرآة.
عينان لا يمكن نسيانهما أبداً.
إنها تشبه تمامًا حبّه الأول.
لا، لم يكن هناك مجال للشك.
إنها رينيه إيفلين نفسها.
كان هذا جنونًا، وكان من المفترض أن يكون مستحيلاً.
لكن ذلك لم يكن مهمًا.
لقد كانت رينيه على قيد الحياة.
المرأة التي بحث عنها طيلة خمس سنوات…
“رينيه! إنه أنا… أنا …!”
احتضنها بقوة..
اشتاق إليها بجنون..
افتقدها حتى تمزقت روحه..
عانقها بشدة، كما لو كان يخشى أن تختفي من بين ذراعيه مرة أخرى.
كما لو كان يريد أن يضمن أنها لن تضيع منه مجددًا.
لكن…
“…عذرًا، من أنت؟”
مرت كلماتها كالسكاكين فوق قلبه.
“…ألا تعرفينني؟”
سألها بصوت مرتجف، متراجعًا قليلاً للخلف، فابتسمت له باعتذار..
“المعذرة، لكني مصابة بفقدان الذاكرة.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"
يمه الأحداث سريعه