وقف كارسيون بجانب النافذة، يراقب ببرود مجموعة الجمع وهم يغادرون البلدة.
بين الفرسان الذين يقودون الخيول في المقدمة والمؤخرة، لاحت ثلاث عربات تمر وسطهم.
ترى، في أي واحدة منهم ركبت لينا؟ هل ركبت نفس العربة التي كانت فيها بالأمس؟
بعد أن بقيت مستيقظة حتى وقت متأخر البارحة، لا بد أنها متعبة. ربما تغط في النوم الآن، نصف واعية.
وسط هذه الأفكار العابرة، تنهد كارسيون بصوت اختلط فيه بنبرة معدنية.
كان نظره ينسحب ببرود نحو الأمام، ليحدق بحدة في رأس سيدريك ذي الشعر الذهبي المتوهج.
وفي تلك اللحظة بالذات—
كأن عيونًا نمت له في قمة رأسه، رفع سيدريك رأسه.
التقت نظراتهما، فتجمد تعبير كارسيون دون وعي.
في ذهنه، ترددت صدى تلك الجملة المزعجة التي سمعها البارحة.
<يا إلهي، كارسيون. إلى أين كنت تأخذ فتاة نائمة على ظهرك؟>
لم يكن هذا الوقت المناسب للقاءه.
كان كارسيون عاجزًا عن التصرف وهو يرى لينا نائمة بلا حيلة على سريره.
وفي النهاية، قرر أن يعيدها.
كان قد لاحظ سابقًا أي نُزل دخل إليه باحثو برج السحر، لذا خطط لوضعها في غرفة فارغة هناك والمغادرة.
لكن أن يصادف سيدريك في الشوارع المهجورة عند الفجر لم يكن جزءًا من الخطة.
يبدو أن سيدريك كان يتذكر نفس اللحظة، لأنه ابتسم بشكل مزعج قبل أن يعيد نظره للأمام.
وبينما كان سيدريك يبتعد بخطوات منتظمة، حدّق به كارسيون بغيظ، محاولًا كبح الغضب الذي غلى بداخله.
برزت الأوردة الزرقاء في قبضة يده المشدودة.
<مجرد تشابه في الوجه، ومع ذلك، تبدو وكأنك تموت شوقًا للبقاء بجانبها.>
<ماذا كنت تفعل مستيقظًا حتى هذا الوقت يا أخي؟>
لم يجب سيدريك على سؤاله.
بدلًا من ذلك، اكتفى بالنظر إلى لينا، التي كانت تغط في نوم عميق على ظهر كارسيون، بنظرة ذات مغزى. ثم، اقترب منه خطوة واحدة.
<سأتولى الأمر من هنا.>
<لا داعي لذلك……>
<لم تفهمني بعد؟ بما أنها تابعة لمجموعة الجمع، فمن الطبيعي أن أتحمل مسؤوليتها.>
<…….>
مجموعة الجمع، إذًا؟
يا له من تصرف وضيع. لكن، حتى مع ذلك، لم يكن كارسيون عاجزًا عن الرد.
فهو كان يعيدها كصديق، لا أكثر.
لقد قررا في ذلك النُزل المتواضع أن يكونا صديقين.
<لهذا السبب لا يمكنك أن تكون أكثر من مجرد صديق.>
<……!>
جاءت تلك الضربة القاضية فجأة.
كان كارسيون على وشك الرد، لكنه تجمد للحظة، فاتهمه سيدريك بالغباء.
وبينما كان كارسيون لا يزال مرتبكًا، اقترب سيدريك أكثر وحمل لينا بين ذراعيه.
أراد كارسيون أن يمنعه، لكنه شعر بمدى قوة قبضة سيدريك، وخشي أن توقظها أي حركة عنيفة.
سيدريك، الذي لاحظ ذلك، ضحك ساخرًا.
<لو كان الوقت متأخرًا لهذا الحد، ألم يكن من الأفضل تركها لتنام في ذلك النُزل الرث؟ من المضحك أن يكون أخي أحمقًا لهذه الدرجة، فيحمل فتاة نائمة على ظهره ليعيدها.>
<…….>
<لا بد أنك كنت هكذا مع الآنسة رينيه إيفلين أيضًا، أليس كذلك؟ يا لك من أحمق.>
<……لماذا تذكرها الآن……>
كانت تلك الضربة الثانية، وقاضية هذه المرة.
لقد أصاب سيدريك ألمه في الصميم.
وقف كارسيون متصلبًا، يحدق بصمت في سيدريك الذي كان يحمل لينا مبتعدًا.
كان غاضبًا بشدة، لدرجة أن النار تغلي في معدته، لكنه شعر أيضًا وكأن قطعة حديد ساخنة ضُرب بها رأسه، تاركةً إياه مشوشًا تمامًا.
نعم، ربما السبب في بقائه مجرد “صديق” لرينيه طوال الوقت كان تردده.
لكن هذا شيء يمكن للآخرين فقط أن يقولوه، دون أن يدركوا حقيقته.
في لحظات الإغراء، كان عليه دائمًا أن يقرر.
في كل مرة كان يدرك أن هناك احتمالًا ضئيلًا بأن يخسر رينيه، لم يكن بإمكانه المخاطرة.
وهذا هو الحال الآن أيضًا.
هل لينا هي رينيه؟ أم أنها مجرد لينا؟
لم يكن يعرف الجواب بعد.
لكن إن كان هناك حتى أدنى احتمال بأنها رينيه، فلم يكن لديه خيار.
كان عليه أن يكون حذرًا معها تمامًا كما كان مع رينيه.
خمسة أعوام مضت، والآن، حتى لو لم يكن الأمر يقينًا، إلا أنه لم يكن قادرًا على المخاطرة بهذه العلاقة.
لم يكن قادرًا على خسارتها.
لذا، لم يكن أمامه سوى أن يعاملها بحرص.
“لكن، ماذا لو لم تكوني هي……؟”
تمتم كارسيون بصوت غير واضح، غير متأكد مما إذا كان يتحدث إلى رينيه أو يخاطب نفسه.
“سحقًا.”
كان خائفًا.
خائفًا من أنه لن يتمكن من إثبات ذلك في النهاية.
خائفًا من أن يكتشف أنها ليست رينيه بعد كل شيء.
كان يشعر أن قلبه قد انقلب رأسًا على عقب بالفعل.
وقف كارسيون، ينظر بعيون معقدة إلى الموكب وهو يخرج بالكامل من البلدة، ثم التفت ليحزم أمتعته ويهبط إلى الأسفل.
في الإسطبل، هزّ الحصان البني رأسه بمجرد أن رأى سيده.
ربّت كارسيون على عرف الحصان مرة واحدة، ثم اعتلى سرجه بخبرة.
“هيا بنا، ليكسيون.”
بعد لحظات، انطلق الحصان القوي، يدك الأرض بخطواته الثابتة، متجهًا للحاق بموكب مجموعة الجمع.
***
لعدة أيام، لم يظهر كارسيون على الإطلاق.
كنت أنظر إلى المشهد المتغير خارج النافذة بوتيرة ثابتة، حينما فاجأتني إيسولا بقولها:
“لم نرَ سمو الأمير كارسيون منذ مدة.”
ما هذا؟ هل يمكنها قراءة العقول؟
لم يكن الاستماع إلى أفكاري بصوت شخص آخر تجربة مريحة على الإطلاق.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 16"