قاد كارسيون جواده في مقدمة موكب بعثة جمع الموارد، وسأل سيدريك بصوت بدا خفيفًا قدر الإمكان. لكن الأخير رد عليه بابتسامة ساخرة، وكأنه يجد الأمر ممتعًا..
لم يكن هناك قصر إقطاعي على الطريق، لذا كان من الصعب العثور على مكان يستوعب أكثر من 300 شخص.
كان التخييم هو الاحتمال الأكبر، ولكن قد يكون هناك حل آخر.
قرأ سيدريك أفكار شقيقه بسهولة، ثم أجابه ببطء وبطريقة مستفزة:
“ولماذا تهتم؟ تابع طريقك فحسب.”
“على أي حال، طريقنا واحد…”
“لا يهم. لن أسمح لك بالمبيت معي، لذا اختفِ عن وجهي.”
تجهم وجه كارسيون بشدة، بينما اتسعت ابتسامة سيدريك في المقابل..
كم هذا ممتع.
حتى لو كان يعلم مسبقًا بما يفكر فيه شقيقه، فإن وضوحه الشديد جعله أكثر تسلية.
كان كارسيون مستاءً لأنه لم يستطع البقاء بالقرب من لينا، تلك الباحثة التي كانت تشبه رينيه إيفلين تمامًا.
رمقه كارسيون بنظرة حادة، ثم استدار بجواده كما لو أن كبرياءه قد جُرح.
بدت عيناه وكأنهما تلعنان سيدريك، لكن الأخير لم يهتم إلا بالانتصار الذي أحرزه عليه.
وكما توقع، كان كارسيون يغلي من الداخل، وهو يعض على شفتيه بكبت.
لقد بذل جهدًا كبيرًا ليضع كبرياءه جانبًا ويسأل، ومع ذلك، رفضه سيدريك بلا أي تردد..
يا له من وغد.
لكن لا خيار أمامه سوى الاستمرار في ملاحقة بعثة الجمع.
سواء كانوا سيخيّمون أم سيقيمون في نزل، فإنه سيتبعهم على أي حال.
كان مزعجًا أن يصبح أضحوكة لسيدريك، لكن كبرياءه لم يكن أولوية الآن.
حين يتعلق الأمر بأي شيء يخص رينيه، كانت أولوياته تنقلب رأسًا على عقب دائمًا.
بعد قليل، وصلت بعثة الجمع إلى مدخل قرية صغيرة.
تجعد جبين كارسيون..
“هذه القرية لا يمكنها استيعاب هذا العدد من الأشخاص.”
التخييم كان سيكون خيارًا أفضل من هذا.
رغم شكوكه، تابع السير معهم. لكنه لم يبعد نظره عن العربة التي كانت لينا تستقلها.
“أربعون شخصًا سيقيمون هنا، وخمسون في النزل المجاور. أما البقية، فليتابعوا معي.”
“….؟”
هل حقًا سيقسمون أنفسهم للإقامة في أماكن مختلفة؟
شعر بالقلق. وبينما كان الفرسان ينزلون الأمتعة، شق طريقه بينهم وسأل صاحب النزل:
“هل لديك غرفة أخرى لشخص واحد؟”
“هل أنت من نفس المجموعة؟”
“لا.”
كان سيدريك هو من أجاب بشكل قاطع.
استدار كارسيون نحوه بسرعة، لكنه لم يجد سوى ابتسامة ساخرة على شفتيه..
“ليس هناك غرف شاغرة هنا، ابحث في نزل آخر.”
“…. حسنًا.”
ضغط كارسيون على أسنانه، ونظر إلى سيدريك بنظرة مليئة بالتحدي.
هل هذه لعبتك الآن؟
حسنًا، إذن، سيبيت الليلة في هذه القرية مهما كلف الأمر.
مهما كانت هذه القرية صغيرة، فمن المستحيل ألا يجد مكانًا يبيت فيه.
***
“تبا!”
هل هذا ممكن؟ لا توجد غرفة واحدة شاغرة؟
تجول كارسيون في المكان غير مصدق..
كان الأمر كما لو أن سيدريك قد حجز كل نُزل في القرية.
“يا لها من مزحة.”
كان يتجول في الشوارع التي بدأ يغطيها الشفق الأحمر، وضحك بسخرية.
لا يمكن أن يكون عدد الغرف في النزل مساويًا تمامًا لعدد أفراد البعثة. لا بد أن سيدريك استخدم خدعة ما.
لكن العودة إليه والتوسل للحصول على غرفة لم تكن خيارًا.
كان يعلم أن طلبه سيُرفض على أي حال..
إذن، لا يوجد حل سوى التخييم وحده.
قرر كارسيون أن ينصب خيمته عند مدخل القرية حتى لا يفوّت موعد انطلاق البعثة غدًا.
ولكن، هل كان القدر إلى جانبه؟
“… نزل؟”
رأى ضوءًا يتسلل من مبنى قديم متداعٍ.
تحت تأثير الرياح، تأرجح لوحه الخشبي مصدرًا صريرًا حادًا..
كانت هناك كلمة “نزل” مكتوبة عليه بوضوح.
بدا وكأنه على وشك الانهيار، لكن من غير المحتمل أن ينهار اليوم، أليس كذلك؟
بروح متساهلة لم يكن ليتحلى بها في العادة، دخل كارسيون النزل.
كان المكان الذي رفض سيدريك حتى التفكير في المكوث فيه… ليس سيئًا إلى هذا الحد.
صرير. صرير.
مع كل خطوة، كانت الأرضية الخشبية تصدر أصواتًا غريبة.
لكنه تجاهل ذلك، واتجه مباشرة إلى مكتب الاستقبال.
كان صاحب النزل العجوز ممددًا على كرسيه، يشخر بصوت مرتفع..
“هل لديك غرفة شاغرة؟”
“بقيت واحدة فقط.”
كان من الواضح أن هناك أكثر من غرفة فارغة، لكنه لم يعترض.
“سأخذها.”
“500 لانت. يشمل ذلك وجبة الإفطار.”
“ماذا؟”
نظر كارسيون إلى الرجل غير مصدق..
في قلب شوتزن، كان سعر الليلة في أحد الفنادق الفاخرة حوالي 400 لانت.
حتى لو كانت هذه مجرد غرفة بسرير بسيط، فلا يمكن أن تكون بسعر كهذا.
كان هذا استغلالًا واضحًا.
أي نوع من الأشخاص عديمي الضمير يمكنه فعل هذا؟
هل كان يعتقد أنه مجرد جاهل لا يفقه بأمور المال ليعامله هكذا؟ أصبح الأمر مسألة كرامة.
“هل تعتقد أنني ساذج؟”
“أوه، لا، ليس الأمر كذلك!”
عندما أبدى كارسيون استياءه، استقام صاحب النزل فورًا وبدأ يبرر نفسه:
“إنه ارتفاع مؤقت في الأسعار لهذا اليوم فقط. لقد جاء صاحب السمو الأمير من شوتزن، واستأجر جميع النُزل في القرية. هذا هو المكان الوحيد الذي تبقى فيه غرف شاغرة.”
وهذا ما كنت أعرفه بالفعل.
لكن ما يسمى بـ”الارتفاع المؤقت في الأسعار” كان مجرد نزوة من صاحب هذا النزل الماثل أمامه.
بفضل خبرته في التجوال وحده هنا وهناك، كان كارسيون يعرف جيدًا كيف تسير الأمور.
مثل هذا المكان، حتى بأقصى تقدير، لم يكن ليساوي أكثر من 30 لانت.
“القرية بأكملها تحتفل الآن. لقد أمر صاحب السمو الأمير بتقديم كل شيء بأعلى مستوى لفرسان فونيكس، وقد فتح خزائنه بسخاء. الجميع يسبحون في الذهب، باستثناء هذا المكان. أوه، كم أنا محبط…”
“وكم دفع لهم؟”
“كيف لي أن أعرف؟ لقد استأجر كل النُزل بالكامل، ما عدا هذا المكان. على أي حال، أحتاج إلى أن أشارك في هذا العيد أيضًا. إما 500 لانت، أو لا صفقة.”
ترن-
في تلك اللحظة، استقرت قطعة نقدية ثقيلة على سطح الطاولة.
اتسعت عينا صاحب النزل إلى أقصى حدودهما.
“1000 لانت.”
“هـــاااااااااااه؟!”
انفتح فم صاحب النزل على مصراعيه كما لو أن فكّه قد يخرج من مكانه.
دفع كارسيون بكيس نقوده الممتلئ بالذهب نحو الرجل، حيث تألقت القطع النقدية بداخله.
هذه معركة كبرياء.
لا يمكن أن أكون أقل كرمًا من سيدريك.
بهذا المبلغ، يمكن لصاحب النزل أن ينسى كل إحباطه السابق.
ابتسم كارسيون بسعادة وهو يتخيل وجه سيدريك، الذي كان يأمل بكل تأكيد أن ينتهي به المطاف نائمًا في الشارع.
***
آه… لقد استُنفدت تمامًا.
بمجرد أن وضعت أمتعتي في الغرفة التي حصلت عليها، ألقيت بجسدي على السرير كجثة هامدة.
“كل هذا بسبب كارسيون…”
منذ أن تحدثت معه على انفراد في وقت الظهيرة، لم يتركني زملائي الباحثون وشأني طوال اليوم.
خاصة في العربة، حيث لم يتوقفوا عن إثارة الضجة، مما جعلني أشعر وكأن روحي قد استُنزفت تمامًا..
<يا إلهي! لقد بدوتما مقربين جدًا!>
<هل يُعقل أن يكون كل هذا بسبب أنكِ تشبهينها تمامًا؟>
<لقد عملت في برج السحر لمدة عشر سنوات، وهذه أول مرة أرى الأمير كارسيون يبتسم بهذه الطريقة! حسنًا، صحيح أنني لم أرَ وجهه سوى ثلاث مرات خلال تلك السنوات العشر…>
<كيف يمكنكِ أن تولدي بوجه كهذا؟>
كان الأمر أشبه بإعصار من الضجيج..
بل إن إيسولا شدت وجنتيّ بقوة لتتأكد ما إذا كان وجهي حقيقيًا أم لا. حتى الآن، ما زالت بشرتي تؤلمني.
“من حسن الحظ أن لدي غرفة خاصة.”
على الأقل، سأحصل على بعض الوقت لنفسي خلال العشاء.
وآمل أن يستمر ذلك في المستقبل أيضًا.
أثناء مروري، سمعت أحد الفرسان يقول إن هناك قرى صغيرة متفرقة على الطريق إلى إقطاعية إيفلين.
بما أنهم طمأنوني بعدم القلق بشأن الإقامة، فقد بدأت أشعر بالراحة.
بام!
فُتِح الباب فجأة..
“لينا! العشاء جاهز!”
رفعت رأسي ببطء من وضعية الجثة الميتة.
“إيسولا… هل يمكنكِ طرق الباب أولًا؟”
“لماذا أنتِ ممدة هكذا في هذا الوقت المبكر؟ القائمة اليوم مذهلة!”
أضاء وجه إيسولا بالحماس..
مذهلة؟
ما الذي يجعلها متحمسة بهذا الشكل؟
لم أكن أعلم، لكني نهضت من السرير مدفوعة بغريزة الأكل.
رغم تعبي، كنت أشعر بالجوع أيضًا.
عندما نزلت إلى المطعم في الطابق السفلي، شعرت بمعجزة حقيقية وكأن تعبي قد تبخر تمامًا.
“واو، هذا مذهل!”
لم يكن هذا مستوى الأطعمة الذي تتوقعينه من قرية صغيرة كهذه.
كيف يمكن أن يكون ذلك ممكنًا؟
كنت مدهوشة، واستمريت في تذوق الطعام، بينما كانت إيسولا تمضغ ببطء وتقول:
“يقال إن سيدريك أمر بشكل صارم بأن يُمنح فريق الجمع أفضل معاملة ممكنة. لذا، قام بحجز النُزل بسعر أعلى.”
“رائع.”
“استقدام طهاة من الدرجة الأولى لا يُعتبر شيئًا صعبًا بالنسبة له. لذلك، قررت رسميًا أن أكون من المخلصين له بدءًا من اليوم.”
“وأنا أيضًا.”
ذاب اللحم في فمي بسلاسة.
في تلك اللحظة، اقترب منا الطاهي وأوضح بلطف أن ما كنا نتناوله هو لحم منقوع مسبقًا في التوابل، ثم طُهي بعناية على نار هادئة لأكثر من ساعة.
وجبة دافئة ولذيذة تملأ المعدة تمامًا.
وبينما كنت أمدح سيدريك، قررت تغيير الموضوع قليلًا.
“لكن، أين سيقيم الأمير كارسيون الليلة؟”
“من يدري؟”
لم تبدُ إيسولا مهتمة كثيرًا، وكانت مشغولة جدًا بشوكتها وهي تلتهم الطعام..
عندما أجابت بلا مبالاة، لم أجد نفسي سوى أوافقها الرأي، وتوقفت عن التفكير في الأمر.
“من المؤكد أنه يقيم في مكان أفضل. إنه أمير، بعد كل شيء.”
نعم، هذا منطقي، أليس كذلك؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 13"