تمتم كارسيون بنبرة ممتزجة بالتذمر. لكن، وعلى عكس لهجته غير المتعاونة، كان يتصرف بشكل جاد وهو يرتدي ملابسه.
“لماذا ابني منضبط إلى هذه الدرجة؟”
“أليس ذلك أمرًا جيدًا؟”
ضحكتُ بخفة بينما كنت أسرّح شعري.
كان نوم ميسون منتظمًا للغاية. لم يكن كذلك عندما وُلد للتو، لكن المدهش أنه بدأ يتكوّن لديه طبع منظم شيئًا فشيئًا.
وبفضل ذلك، ورغم أنه في أثناء يقظته لا يتوقف عن مناداة “ماما” دون لحظة راحة، إلا أنه عند حلول الليل يمنحني قسطًا تامًا من الراحة.
صحيح أنني سمعت أنه أحيانًا يستيقظ ليلًا، لكن هنا كان دور المربية يسطع.
بما أنه تلقى منذ البداية تربية تنص على أنه ينام مع المربية عندما يحلّ الظلام، فقد اعتاد على ذلك، ويكفي أن تمسّد قليلًا حتى يعود للنوم مجددًا، حسبما نُقل إليّ.
حتى الآن، لا أكاد أصدق الأمر. من الذي ورث منه هذه الحياة المنتظمة بهذا الشكل؟
فأنا، وكارسيون، لا نملك مثل هذه الجينات أصلًا، مما يزيد الأمر غموضًا.
“يبدو أنه سيصل قريبًا.”
قلتُ ذلك وأنا أجلس أمام المرآة، أربط شعري في ربطة واحدة. عندها اقترب مني كارسيون، مرتديًا قميصًا خفيفًا، وانحنى خلفي ليشارك المرآة.
ورغم أنه لم يفعل سوى أن صفّف شعره بسرعة بيده، إلا أن مظهره كان يشعّ بالنور.
ربما كان من حسن الحظ أن ميسون ورث ملامح والده كليًا.
بشعره الأشقر اللامع كالشمس، وعينيه الزرقاوين الصافيتين كالسماء، لن يتسبب في بكاء النساء مستقبلًا لأنه ابني فحسب، بل لأنه فعلًا يبدو ساحرًا.
أتمنى فقط أن يكبر بشخصية لطيفة.
فقط لا تكن لعوبًا، أرجوك.
وبينما كنت أغرق في هذه الهواجس الطفولية، استقام كارسيون في وقفته، وأدار رأسه نحو الباب. ثم تمتم بنبرة غريبة:
“ما هذه الحاسّة التي تملكها الأمهات؟ حين يتعلق الأمر بميسون، تدركين الأمر فورًا.”
“حقًا؟”
هممم، إذًا هناك شيء أتفوق فيه على كارسيون. كم هذا شعور لطيف.
“لكنني لا أستشعر وجوده، في الواقع.”
بصراحة، حتى الآن لا أشعر بأي شيء. فقط كان لدي حدس بأنه سيصل قريبًا، لا أكثر.
دق… دق.
كان ذلك صوت الطرق على الباب، يخترق السكون.
وحين أذنتُ بالدخول، فُتح الباب وظهر ميسون في حضن المربية.
“مامااا. صباح الخييرر.”
“صباح الخير، ميسون.”
مدّ ميسون ذراعيه طالبًا أن أحمله، فأخذته من المربية بابتسامة مشرقة.
وما إن أصبح بين ذراعيّ، حتى اقترب كارسيون مني محاولًا أن يستعيده.
“أنت ثقيل الآن، لا يصلح ذلك. تعال إلى أبيك.”
“لااا. لاااا.”
“أوه، أمك تتعب.”
“ووو…”
برم شفتيه ككتكوت صغير، على وشك البكاء. فأشرت لكارسيون بنظرة تفيد أن الأمر بخير.
“سأقول لك إن آلمتني يدي. أما الآن، فدعنا نبقى معًا يا صغيري.”
“نعم!”
أشرق وجه ميسون مجددًا بالابتسامة.
آه… قلبي يذوب… يذوب فعلًا…
رغم أن كارسيون تنحّى جانبًا وقد تنهد من بين أسنانه بعمق، تجاهلتُه تمامًا وغصت مع ابني في عالمنا الخاص.
إذا كانت الليالي وقتي مع كارسيون، فالنهار هو وقتي مع ميسون.
“ما الذي سنلعب به اليوم يا ترى؟”
سألتُ وأنا أملأ عينيّ من هذا الصغير اللطيف.
لقد بدأ يوم جديد، مفعم بصنع ذكريات ثمينة.
***
بعد إفطار صباحي دافئ جَمعنا نحن الثلاثة، خرجتُ مع ميسون إلى الخارج.
كنت قد وعدته البارحة بلعب لعبة “البحث عن الكنز”، وقد تذكّر ذلك بعقله الصغير.
“هناك الكثير من الكنوز! هل نبدأ بالبحث عنها واحدًا تلو الآخر؟”
قلتُ ذلك وأنا أشير إلى الأزهار التي تملأ الحديقة. كنت قد علمتُه أن الأزهار الملونة هي الكنوز.
“بنفسجي!”
“أحسنت، إنها زهرة بنفسجية.”
وأشار بإصبعه الصغير إلى زهرة بنفسج تنمو بين العشب الأخضر. كان شكله لطيفًا جدًا حتى أن شفتيّ ارتسمت عليهما ابتسامة دون قصد.
اقتطف ميسون زهرة البنفسج ووضعها في السلة التي كنتُ قد أعددتها مسبقًا. لا أعلم متى سنتمكن من ملء هذه السلة، لكننا بدأنا البحث عن الكنوز بجدية.
لكن ما يثير استغرابي هو… أنه لم يطلب والده إطلاقًا.
فما إن انتهى من الفطور، حتى توجّه كارسيون إلى مكتبه ليتابع بعض شؤون المقاطعة.
رغم أنه كان يتمنى أن يقضي يومه مسترخيًا، إلا أن وجود دويمن إلى جانبه – وهو يعمل بجد واجتهاد – جعله يشعر بالإحراج، ووجد نفسه يعمل دون أن يدرك.
كارسيون كان دائم التذمّر من أن “المناصب الهادئة” تناسبه أكثر، لكنه في الحقيقة كاذب لطيف.
فكلما وجد فرصة، راح يتذمر من دويمن، الذي لا يكفّ عن العمل.
ومع ذلك، كان دويمن يضحك ويقول إن ما يفعله الآن لا يُقارن بما كان عليه الحال في شوتزن.
على كل حال…
ما الذي يمكن أن يحدث أصلًا في مقاطعة ريفية هادئة كهذه؟
ومع ذلك، ازداد عدد السكان في الإقليم بشكل منتظم طوال السنوات الثلاث الماضية، مما وسّع من مساحة الحقول والبساتين.
ومع كثرة المحاصيل، صرنا نصدّر كميات ضخمة إلى مناطق أخرى، وإلا فإنها ستتعفن سُدى.
ونتيجة لذلك، نشط التبادل التجاري مع المقاطعات المجاورة، مما زاد من حجم الأعمال أيضًا.
وهذا نبأ سارّ بالنسبة لنا.
لأن ذلك يعني أن الجميع أصبحوا يعيشون في وفرة.
صحيح أن كارسيون أصبح يقضي وقتًا أطول في مكتبه… لكن لا بأس. هذا هو الحد الأدنى الذي يجب أن يفعله. ما باليد حيلة.
“ميسون، وجدتَ زهرة هندباء أيضًا؟”
“أصفر!”
“صحيح! زهرة صفراء!”
“وهذه أيضا!”
بالتركيز والانغماس في اللعب، كان ميسون قد قطع نصف حديقة القصر تقريبًا دون أن أشعر.
كم هو مدهش أن يتمكن جسده الصغير من التنقل بهذه السرعة والخفة! يبدو أن كل شيء في هذا العالم جديد ومثير بالنسبة له، مما جعله لا يهدأ لحظة.
حسنًا… فأنا أيضًا في صغري كنت أقضي اليوم كله أركض مع كارسيون في الغابات.
طبعًا، لو طُلب مني فعل ذلك الآن، فلن أستطيع على الإطلاق.
فجأة، وجدتني أفكر: بعد بضع سنوات، حين يصبح ميسون في نفس عمرنا عندما التقيت أنا وكارسيون لأول مرة، كيف سأتمكن من مجاراته؟ حتى الآن بالكاد أتحمل، فكيف سألاحقه آنذاك؟
لو كان لديه صديق بعمره، لكان الأمر أسهل.
لكن للأسف، لا توجد عائلات نبيلة أخرى في مقاطعة إيفلين.
هل من حلٍّ لذلك؟ هل يجب أن أجلب له شقيقًا أو شقيقة؟ في ظل الأجواء الحالية، لا أظنني بحاجة إلى إقناع كارسيون كثيرًا… ربما سيحدث ذلك بشكل طبيعي.
وبينما كنت أغذي هذا الأمل في قلبي، واصلت اللعب مع ميسون بكل حماسة.
نملأ السلة بالأزهار الملونة، ونركض خلف الفراشات التي تخطف أنظاره، ونصعد إلى الأشجار كي أرفعه ليتمكن من لمس الأوراق بيديه… وهكذا قضينا وقتنا.
“هممم، ما رأيك أن نأخذ قسطًا من الراحة، ميسون؟”
“ماما، أكثر قليلا بعد.”
يا لهذه الأصابع الصغيرة القصيرة، كم يمكنها أن تكون قاسية!
أشعة الشمس الساطعة كانت تجهدني أكثر، ولكن يبدو أنها لا تؤثر على ميسون إطلاقًا.
كيف يمكن لهذا الجسد الصغير أن يصمد هكذا؟
“ماما تعبت، أخبرتك.”
“هاه؟”
وفجأة، خرج ميسون من بين ذراعي كأن أحدًا سحبه، فالتفتّ لأجد كارسيون واقفًا خلفي، ووجهه لا يخفى عليه الامتعاض.
“أنهيتَ كل مهامك بالفعل؟”
“أجل، أنجزت ما عليّ بتركيز.”
هزّ كارسيون كتفيه بلا اهتمام، ثم بدأ يحاول لفت انتباه ميسون إليه، وهو يرفرف بذراعيه كي ينسى الصغير العودة إلى أمه.
“حسنًا، لنلعب معًا الآن. كنت تريد لمس هذه الأوراق، أليس كذلك؟”
وما إن رفعه فوق كتفيه، حتى اتسعت عينا ميسون ببريق من الدهشة والسعادة. فالمنظر من هذا الارتفاع ضعف ما كان يراه حين كنت أحمله.
أصبح بمقدوره الآن أن يلمس أوراقًا أكثر وأعلى، وكان يقضي وقتًا ممتعًا يعبث بالأغصان والأوراق الخضراء، حتى سقط بعضها ليمر عبر شعر كارسيون الأشقر ويستقر على الأرض.
كم هو جميل مشهد الأب وابنه، اللذين يبدوان نسخة طبق الأصل، وهما يمرحان سويًا بهذا القرب.
اقتربت منهما خطوة، فالتفت كارسيون وسألني بنظرة متعجبة:
“ما الأمر؟ هل هناك شيء على وجهي؟”
ابتسمت وأنا أشير إليه.
“هنا.”
كانت هناك ورقة شجر صغيرة عالقة في خصلات شعره الذهبي. نزعتها بلطف وألقيتها أرضًا، فتابعها كارسيون بعينيه الزرقاوين حتى سقطت، ثم عاد بنظره إليّ.
مرّت بيننا نسمة هواء دافئة، لامست قلوبنا في لحظة بدت لي وكأنها تلمع ببريق خاص.
صحيح أن هذا الوقت مخصّص لميسون، لكنه…
كانت عيناه العميقتان، وعطر جسده المحمول على نسمات الهواء، وخلفه الغابة المتألقة، كل ذلك سرق مني لحظة تركيز كاملة.
أما الطفل الصغير، فقد ضحك ببراءة غير مدرك للتغير الهادئ الذي كان يحدث بين أمه وأبيه.
آه… ما العمل؟
بدأت أرغب فجأة في قضاء موعدٍ رومانسي مثل أيام المواعدة الأولى.
لكن ما إن خطرت لي هذه الأمنية، حتى اقترب منا أحدهم.
هل هو زائرًا غير مدعو؟ أم حليفًا من نوعٍ ما؟
“ميسون! تعال إليّ، أنا سألاعبك أفضل من أبيك!”
قالها ليونيل وهو يتقدم نحونا، بعد أن استيقظ من نومه المتأخر، لم يتردد لحظة في استفزاز كارسيون من أول كلمة.
فورًا، تبدّل الهواء المحيط بكارسيون إلى برودة محسوسة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 113"