الحلقة 108. لنكن سعداء
“هذه قائمة المدعوّين من جانبي. دعنا نرَ إن كان هناك من يتكرر.”
ناولته القائمة ونظرت إلى قائمته من طرف عيني. كانت أكبر من قائمتي بعدة أضعاف، حتى من نظرة سريعة.
هل هذه هي شبكة علاقات الأمير؟
كتبت أسماء الضيوف الذين سأدعوهم إلى الزفاف، متذكرة وجوههم واحدًا تلو الآخر.
ظننت أن عددهم سيكون قليلًا، لكن عندما أنهيت الكتابة، اتضح أنهم أكثر مما توقعت.
لكن قائمة كارسيون كانت أكبر من قائمتي على ما يبدو.
“هم، لحظة فقط.”
يبدو أنه لم يُكملها بعد.
“واو، تعرف هذا العدد من الناس؟”
“لقد مر وقت لا بأس به منذ بدأت أعيش في شوتزن. حتى في طفولتي، كنت آتي إلى هنا من حين لآخر.”
بدا كارسيون غريبًا قليلًا وهو يرد ببساطة كهذه.
غريب.
كارسيون الذي أعرفه كان الصبي الذي يلعب معي فقط في إقليم إيفلين الهادئ.
لم أكن أعلم أنه واسع العلاقات بهذا الشكل، سواء في السياسة أو في المجتمع.
بعد أن كتب عدة أسطر أخرى بالقلم، ناولني كارسيون قائمته.
“دعينا نرَ. من لم أكتبه فهو ليس مهمًا.”
“أنت تتحدث بطريقة جارحة وكأنك لا تبالي إن كان أحدهم مفقودًا من القائمة!”
قلت له بنبرة معاتبة خفيفة، فابتسم ضاحكًا، وابتسمت بدوري من دون أن أشعر.
كان من السهل العثور على الأسماء المتكررة.
نظر كارسيون إلى قائمتي، الأقصر نسبيًا، وبدأ بوضع علامات عليها بسرعة. غريزندورف، كولين، الأخت كريستينا…
كان أغلبهم من النبلاء العاملين في برج السحر.
والخطوة التالية كانت توزيع المقاعد. وهي مهمة عادة ما تُسند إلى سيدة المنزل…
“لنقم بها معًا. لا أعرف من يكون البعض.”
سحب كارسيون كرسيًا وجلس بجانبي مباشرة.
“لماذا ستجلس الإمبراطورة الأرملة وحدها؟”
بما أن سيدريك اعتلى العرش كإمبراطور، أصبحت إليزابيث تلقائيًا الإمبراطورة الأرملة.
كانت لا تطيقني سابقًا، لكنها الآن بدأت تراقبني بحذر. التقيتها عدة مرات أثناء إقامتي في قصر بريتن، وكانت تبادرني بكلمات ودودة على غير عادتها.
تسألني إن كنت قد تناولت الطعام، أو تعلق على الطقس، أو تقول إنني أبدو مشرقة اليوم.
في البداية استغربت تصرفها، لكن بعد التفكير، بدا الأمر طبيعيًا. بما أن كارسيون وحتى سيدريك يقفون في صفي، لا بد أنها قررت تغيير موقفها.
عمومًا، لم أكن أهتم كثيرًا. على الأقل، حماتي المستقبلية لم تعُد تؤذيني، وهذا يكفي.
“وصلتني رسالة من أخي البارحة.”
“……؟”
“يطلب فيها فصل الإمبراطورة الأرملة إليزابيث عن الإمبراطورة كيت.”
“……هل حصل شيء بينهما؟”
ألَم تكونا على وفاق، كحماة وكنة؟
أملت رأسي متسائلة، فشرح لي كارسيون وهو يغمز بإحدى عينيه.
“لا أعلم. لكن بما أن أخي أصبح إمبراطورًا، أعتقد أن كلًّا منهما تحاول بسط نفوذها أكثر من الأخرى.”
“آه.”
هذا يفسر الأمر.
حياة معقدة ومليئة بالصراعات.
كانتا على وفاق طالما هناك هدف مشترك، لكن الآن وقد تحقق الهدف، بدأت المواجهة.
مواجهة بين امرأتين طموحتين…
“يبدو أن جلالته يمرّ بوقت عصيب بينهما.”
“ما شأني؟”
تمتم كارسيون متذمرًا، متسائلًا لماذا عليه أن يهتم بتفاصيل توزيع المقاعد هذه. يقول إن شرارة المشكلة وصلت إليه.
“ساعديني قليلًا. لا نريد أن يفسد زفافنا، أليس كذلك؟”
“لا مفر إذن.”
وافق كارسيون مكرهًا وبدأ بتحديد الأشخاص الذين يليق أن يجلسوا إلى جوار الإمبراطورة الأرملة.
عندها دخلت الوصيفة بعد طرق الباب.
“لقد وصل الفستان.”
نظرت إلى كارسيون بفرح، فوجدته ينظر إليّ بالفعل.
“اذهبي بسرعة. لا تقلقي بشأن هذا.”
“حسنًا!”
قفزت واقفة بفرح. وبينما كنت أهم بالخروج، دخل ليونيل مما أربكني قليلًا.
“آه، ليونيل؟”
“رينيه، هل وصل فستانك؟”
“نعم. هيهي.”
ضحكت بخفة، ثم غادرت الغرفة وكأنني أهرب. لم أستطع البقاء طويلًا وأنا أنظر إلى وجهه الحزين في كل مرة نلتقي.
لكن، لا يمكنني التراجع عن زواجي من كارسيون، أليس كذلك؟
وأنا أتبِع الوصيفة في الممر، فكرت فجأة.
الآن وقد تركت كارسيون وليونيل وحدهما…
لن يتشاجرا مجددًا، صحيح؟
أشعر ببعض القلق.
***
“قل ما عندك وارحل.”
قال كارسيون بنبرة باردة من دون أن يرفع عينيه عن الورقة التي كان يكتب فيها توزيع المقاعد.
كان يحمل في قلبه الكثير من المشاعر تجاه ليونيل.
بعد أن اكتمل نصب الحاجز السحري، كان يظن أنه أخيرًا سيحظى بمشاركة غرفة النوم مع رينيه. لكن ليونيل سبقه وأفسد اللحظة.
<لكن اسمع، كارسيون.>
بدأت رينيه الكلام في ذلك اليوم.
<بما أننا بدأنا الآن التحضيرات لحفل الزفاف، ما رأيك أن ننتظر قليلاً؟>
<هاه……؟>
<فكرت في الأمر، ولا أرى سببًا يمنع الانتظار.>
من أين وصلها هذا التفكير؟
نقل كارسيون نظره تلقائيًا إلى ليونيل الجالس على نفس الطاولة.
ثم رآه. ليونيل يقطع شريحة ستيك بهدوء، ثم طرف فمه يرتجف بابتسامة خفية، وعيناه القرمزيتان تلمعان بانتصار واستفزاز.
ذلك الوغد أقنع رينيه…
شعر بالغيظ، لكن عيني رينيه كانتا تتلألأان بشدة لدرجة أنه لم يستطع قول شيء.
<سأشعر بالحماس إذا أجلنا الأمر.>
<……حسنًا. لنفعل ذلك.>
إن كانت تشعر بالحماس، فماذا عساه أن يفعل؟
لم يفهم لماذا كان انتظار ليلة الزواج أمرًا مثيرًا بالنسبة لها، لكنه قبل بذلك لمجرد أنها قالت ذلك.
على كل حال، بهذا، تأجل استخدام غرفة النوم الزوجية مرة أخرى.
أصدر كارسيون تعليماته للخادم أن يحرص على تنظيف المكان جيدًا حتى لا يتراكم الغبار، ثم ظل لفترة غارقًا في كآبته.
“هيه.”
اقترب ليونيل بخفة ووضع يده عمداً فوق الورق الذي كان كارسيون يعمل عليه. رفع كارسيون رأسه بنظرة حادة.
“أبعدها.”
“قلت إنك تريد معرفة الغرض من زيارتي، أليس كذلك؟ إذًا عليك أن تكون مستعدًا للاستماع.”
“أذناي مفتوحتان.”
“كحم.”
تجاهل ليونيل كلمات كارسيون وهمّ بتنقية حنجرته، ثم فجأة ألقى أمامه كتابًا قديماً.
توجّه نظر كارسيون أولاً إلى الكتاب، ثم عاد إلى ليونيل.
“ما هذا؟”
“كتاب تاريخ. الدوق سالامان المذكور فيه كان في الحقيقة تنينًا.”
“وماذا في ذلك؟”
“يبدو أن من كان صديقًا للدوق التنين كان يُمنح لقبًا نبيلًا.”
تمتم ليونيل بنهاية جملته وأخذ ينظر حوله عبثًا، كأنه ينتظر من كارسيون أن يفهم مقصده من تلقاء نفسه، وهو يهزّ قدمه بنغمة متوقعة.
تقطّب جبين كارسيون.
“كيف لطفل تنين صغير أن يعرف أن الدوق المذكور في هذا الكتاب كان تنينًا؟”
“قلت لك سابقًا، التنانين يمكنها الشعور ببعضها البعض.”
“حتى من خلال النصوص؟”
“بالطبع.”
لكن الأمر لم يكن كذلك.
صُدم كارسيون للحظة وعجز عن الرد، فقد كانت تلك معلومة عجيبة بحق. نظر إلى ليونيل من رأسه حتى أخمص قدميه، ثم أبدى رأيه باقتضاب.
“ما أغرب هذه القدرات.”
ثم دفع الكتاب جانبًا، وأزاح يد ليونيل أيضًا، وأعاد تركيزه إلى الورقة التي كان يعيد ترتيبها.
ارتفعت حاجب ليونيل بإيماءة خفيفة.
“أهذا كل ما لديك؟”
خشخش.
كان صوت ريشة الحبر وهي تتحرك يبدو متعمّدًا أكثر من اللازم. وكأنّه يقول له: “لا تكلّمني.”
احتج ليونيل غاضبًا:
“وماذا عن اللقب؟”
جاءه الرد بصوت بارد لا يعترف حتى بقيمة التفكير في الموضوع.
“اخرج.”
(مترجمة: بس في حال مفهمتو مبتغى ليونيل هو يبغى لقب نبيل ، ويقول لكارسيون زي ماكان سلفي يمنح ألقاب لصحابه امنحني لقب هههههههه)
***
كان يومًا مشرقًا بشكل غير اعتيادي.
وكان أيضًا من الأيام النادرة التي تشهد فيها مقاطعة ريفية هادئة، تُعرف بمناخها المعتدل طوال السنة، توافد عدد كبير من العربات الفاخرة.
نعم، كان ذلك يوم زفافي مع كارسيون.
أُقيم حفل الزفاف في حديقة قصر إيفلين، حيث كنا نلعب ونصنع الذكريات في طفولتنا.
بما أن معظم الضيوف كان عليهم أن يقطعوا طريقًا طويلاً من شوتزن، كنت أتوقع أن أتلقى الكثير من رسائل الاعتذار عن عدم الحضور.
لكن، ويا للمفاجأة.
عدد كبير من الناس لم يترددوا في السفر للمشاركة في هذا اليوم.
امتلأت المقاعد، وشعرت أن هذا اليوم غني بكل شيء.
عزفت موسيقى موكب الزفاف عبر نسمات الربيع، وحين دخلت مع كارسيون، تناثرت بتلات الأزهار السحرية مع كل خطوة كأنها نُدف الثلج.
“لو تُرك الأمر لي، لملأت السماء بالبتلات.”
“لا تنوي دفن العروس تحتها، أليس كذلك؟”
“هاها، بالطبع لا.”
جميع زملائي الذين عشت معهم في برج السحر حضروا أيضًا. إيسولا، بيلا، جيف، ايديرا، بينجين، جايل، كولين، وغيرهم كثير.
حتى سيدريك وكيت، رغم انشغالهما بقيادة الإمبراطورية، حضرا بنفسيهما.
وعلى طاولة قريبة جلسَت الإمبراطورة إليزابيث الأرملة، والتي كانت أكثر من سبّب الصداع لكارسيون أثناء الإعداد.
فوضع إلى جوارها دوق ألفيرسو ودوق هيلغريت كشخصيات تليق بمقامها.
ولكن، أين المعلم؟ لا أراه في مقعده المخصص.
“في الزاوية اليمنى.”
حين حركت عيني بحثًا عنه، همس لي كارسيون وهو يميل برأسه قليلاً.
نظرت فورًا إلى الاتجاه الذي أشار إليه، فوجدت أن معلمي قد انسحب إلى الزاوية ليواسي ليونيل، الذي كان غارقًا في الدموع والمخاط.
وبينما يربت على كتفه، كان ينظر إلينا مبتسمًا برضا.
“يا إلهي….”
“هل لن تتزوجي لأنك تشعرين بالذنب؟”
“بالطبع لا.”
“لا تقلقي. أفكر بإهداء ليونيل شيئًا كبيرًا.”
“شيئًا كبيرًا؟”
سألت باستغراب، فرد كارسيون بلا مبالاة:
“ما رأيك بلقب دوق؟”
“وهل سيوافق جلالته؟”
“حسنًا، أنا أيضًا لبّيت طلب أخي، لذا لا بأس بأن أتحدث إليه.”
“……”
أن يمنح ليونيل لقب دوق لمجرد أنه قام بتنسيق الجلوس بشكل جيد؟ أليس هذا مبالغة؟
كان الأمر مثيرًا للسخرية، لكن بما أنه كارسيون، فقد شعرت بأنه قد يتمكن من ذلك حقًا.
انتهت خطبة الكاهن، وتبادلنا عهود الحب ونحن ننظر في أعين بعضنا، وأصبحنا أخيرًا زوجين.
“أنتما الآن جسد واحد، فلتُظهِرا ذلك بقبلة.”
اقترب كارسيون مني وأمال رأسه، فالتقت شفاهنا برقة.
انطلقت هتافات التهنئة وصفّق الجميع بحرارة.
وفي ختام تلك القبلة العذبة، لم أتمالك نفسي من الاعتراف له، فتمتمت بصوت لا يسمعه سواه، وحين سمع كلماتي، احمرّ وجهه بخجل.
أُحِــبُّكَ.
لنكن سعداء.
بدا وكأن الشمس الساطعة باركت مستقبلنا.
التعليقات لهذا الفصل " 108"