رغم أنه جاثٍ على ركبتيه كالمذنب، إلا أن أوستين كان متغطرسًا.
وكانت ثقته الزائدة تلك تبعث القلق في نفسي.
ما الأمر؟ لماذا يتصرف وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة ليُعرض ما في ذاكرته؟ هل يعني ذلك أنه واثق من براءته؟ ماذا لو اتضح أنه بريء ووقع كارسيون في مأزق؟
بدأ بعض النبلاء يرمقون كارسيون بنظرات حذرة، وكأنهم يشاركونني قلقي.
أما المعنيّ بالأمر، فظل هادئًا.
لا، لم أستطع قراءة أي أثر لمشاعر على وجه كارسيون.
وبينما كنت أحدّق فيه بقلق، عدت ببصري نحو أوستين مجددًا. كان يستعجل غريزندورف بإلحاح.
“هيا!”
وكأنه لا يطيق الانتظار ليُظهر ما في ذاكرته.
غريزندورف، بوجه ثقيل، حدّق في الأمير السابق بصمت، ثم خطا خطوة نحوه.
رفع عصاه وسحبها في الهواء كما لو كان يرسم بهدوء.
طَقطَقة.
طرف عصاه لمس رأس أوستين بخفة.
عندما استخرج ذكرياتي، كان غريزندورف محترمًا ورقيقًا، لكن هذه المرة بدا تصرفه مع أوستين أكثر خشونة.
لعلها مجرد مشاعري، لكن بدا أنه أقرب إلى سيدريك من بين الأمراء.
ولو أردت ترتيبهم، فكارسيون من بعده، بينما لا يبدو أن له علاقة تذكر بأوستين.
حتى عندما طلبنا دعمًا لفريق الصيد ضد هاديس، اختار لنا سحرة مميزين دون تردد.
على كل حال، بدأ ضوء أبيض غامض، كالدخان، ينساب من طرف العصا.
كانت تلك ذكريات أوستين.
ظهر أوستين الغاضب على سطح الكرة الكريستالية.
<لم أتوقع أن يكون كارسيون قد وصل بالفعل، لكن لا يغيّر ذلك شيئًا.>
كان يتحدث إلى شخصٍ ما.
<إن لم توفر له دعمًا عسكريًا، لن يكون من الصعب محاصرته. مهما بدا قويًا، فإن نجاحه سابقًا كان بفضل سبعة آلاف فارس ساعدوه. بثلاثمئة فقط؟ مستحيل.>
<إذن، هل تنوي قتله؟>
<بصراحة، إنه يزعجني، لا يطيع الأوامر، عديم الفائدة.>
أومأ هاينريش الثالث داخل الكرة موافقًا.
نظرتُ نحو الإمبراطور على المنصة، مصدومة.
كان وجهه شاحبًا كالثلج. واستمرت الكرة في عرض مشاهد من الماضي.
<من الأفضل التخلص منه إن أمكن. هاديس لديه حقد عميق تجاه كارسيون.>
<أفهم، هكذا إذًا.>
كل شيء… كان مخططًا.
لا أستطيع تصديق هذا.
كان صوت هاينريش الثالث يرنّ في أذني كأنه قادم من عالم آخر.
وكانت القاعة صامتة تمامًا، كأن الجميع فقد أنفاسه من شدة الصدمة، باستثناء صوت الذكريات المنبعثة من الكرة.
<ماذا بعد أن يتخلص هاديس من كارسيون؟ هل ستضمن ألا يسبب لنا مشاكل في الإمبراطورية؟>
<علينا فقط إعطاؤه ما يرغب فيه. بعض الذهب والكنوز، وسيكتفي بذلك ويقبع في جبال دينيبروك. وإن لزم الأمر، سنتعاون معه.>
اتضح أن أوستين عقد تحالفًا مع هاديس. وهاينريش الثالث كان يعلم، ومع ذلك سمح بكل ذلك.
الآن فقط فهمت لماذا رفضت العائلة الإمبراطورية إرسال تعزيزات.
ثم يدّعي أنه يبني مسرحًا لتعزيز مكانة الإمبراطورية؟!
جنون. حدّقت فيه بعينين تغليان بالغضب.
لقد حاول قتل كارسيون العزيز عليّ… وفي أرض إيفلين بالذات…
تلك الأرض التي أعاد إحياءها بجهدٍ وإخلاص…
كلما فكرت أكثر، كلما اشتعل غضبي.
وما زال صوت الذكريات يتردد في أذني، وقد انتقل إلى يوم آخر.
<هل هناك خبر عن مصير هاديس؟>
<في الحقيقة… لا يوجد وسيلة سوى الانتظار…>
<……>
<هل نرسل فرسان وينغر؟>
<بعد كل هذا الوقت!>
ضرب صوت الارتطام بالحائط المكان، تلاه صوت هاينريش الثالث، يحاول كتم غضبه.
<كارسيون لم يطلب دعمًا بعد. وتعلم أن فرسان توتين غادروا إلى اقطاعية إيفلين بعدما سيطروا على الجبهة الغربية، أليس كذلك؟>
<أجل، لكن…..>
تردد أوستين داخل الكرة، بينما ساد القاعة صمت مهيب.
بات واضحًا أنهم نقلوا فرسان توتين عن عمد، ليُترك كارسيون وحيدًا ويُقتل.
نظرت نحو كارسيون.
<أبي، إن كان هاديس ما يزال حيًا، سيهاجم اقطاعية إيفلين مجددًا. وسيعاني كارسيون كثيرًا. أما إن مات، فعلينا فعل شيء تجاه تلك الفتاة التي تنتحل هوية النبيلة.>
يا إلهي. كان يتحدث عني.
لقد كان ينوي التخلص مني بهذا الوضوح… حتى اعتقالي كان مدبرًا بشكل خسيس…
سرت قشعريرة في عمودي الفقري.
وفي تلك اللحظة، تلاقت عيناي مع عيني كارسيون، فلم أستطع الحراك.
<أصدرتُ أوامر بعودة فريق الجمع.>
رنّ صوت هاينريش الثالث القاطع، فارتعشت أهدابي.
لقد كانت تلك خطوة مثالية لإبعادي عن كارسيون باعتباري ممثلة لفريق الجمع الثانية.
بمعنى أنه لو تأخر كارسيون قليلًا فقط، لكنت الآن متهمة بانتحال هوية النبلاء، ولا أحد يعلم ما كان سيحل بي.
ومع استعادة اسم إيفلين اليوم، كان وقْع ذلك أقسى على قلبي.
انقبض فك كارسيون بقوة، وكأنه على وشك الانفجار.
“إن كنتم ستسقطونني، فلتُسقِطوا الإمبراطور معي.”
رنّ صوت غليظ، بارد في الجو.
كان صوت أوستين، الذي ظلّ جاثيًا على ركبتيه، يحملق في الجميع بعينين حادتين.
نظر مباشرة إلى والده، ونطق كل كلمة بوضوح:
“الإمبراطور هاينريش الثالث شريكي في الجريمة.”
***
تسللت أشعة الشمس الدافئة عبر قضبان النافذة.
لقد انقضى الشتاء المليء بالأحداث، وها هي براعم الربيع تنبت من جديد.
أوستين وهاينريش الثالث، اللذان تواطآ مع هاديس، انتهى بهما المطاف إلى المقصلة. لقد كانت تلك المفاوضات الخطيرة، التي كادت أن تطيح بالإمبراطورية، هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
حتى الآن، كلما أغمضت عيني، لا يزال مشهد ساحة الإعدام المرعب يتراقص في ذهني…. وكأنه جرح محفور في الدماغ.
هاه…
لكي أبدّد هذا الشعور، ألقيت نظرة على حديقة برج السحر التي تلوّنت بألوان الربيع النضرة.
وما إن رفعت رأسي نحو السماء الزرقاء، حتى خطرت ببالي أراضي إيفلين العزيزة.
“رينيه.”
في تلك اللحظة، سمعت صوت إيسولا من خلفي.
“هل ترغبين في تجربة هذا؟ يبدو أنه سيعطي بشفافية مثالية.”
“أوه، حقًا؟”
استدرت بسرور نحوها، وكانت تمسك بجرعة ذات لون غامض ومثير.
الحاجز المعتم.
لم نتمكن من حله بعد. وبما أنني عالقة هنا في شوتزن، لا أستطيع النزول إلى أراضي إيفلين. لأكون دقيقة، هناك أمور يجب أن أنهيها هنا أولًا.
لقد شهدت إمبراطورية آرنوفل أمرًا غير مسبوق. لم يُعزل ولي العهد فحسب، بل أُطيح بالإمبراطور أيضًا.
والآن، أصبحت جميع المناصب العليا شاغرة.
إمبراطورية بلا حاكم…
“اقترب حفل التنصيب، أليس كذلك؟”
نعم، كان حفل تنصيب الإمبراطور الجديد يقترب بسرعة. في القصر الكبير، تم اختيار يوم محدد، ويجري التحضير للحفل على نطاق واسع.
بينما كنا نخرج لاختبار الجرعة، أومأت برأسي ردًا على كلمات إيسولا.
“نعم. وما إن ينتهي حفل التنصيب، سأنزل إلى أراضي إيفلين.”
“حقًا؟ هذا مؤسف قليلًا.”
تمتمت إيسولا بأسف.
“هل قدمتِ استقالتك؟”
“تمت الموافقة عليها بالفعل، وحُدد تاريخ المغادرة.”
“ألم يكن الأمر وكأنك كنت تنتظرين هذه اللحظة بفارغ الصبر؟”
“ههه، آسفة.”
شعرت بالثقل في قلبي عندما أبدت حزنها.
نظرت إليها مبتسمة بأسف.
كانت صديقةً علمتني الكثير وساعدتني عندما دخلت برج السحر لأول مرة وكنت غريبة عن كل شيء.
حتى أنا شعرت بالحزن لأنني سأغادر قبل أن أكمل عامًا واحدًا.
“تعالي لزيارتي.”
أراضي إيفلين ستكون مفتوحة لك دائمًا.
عندما ابتسمت بلطف، رمقتني إيسولا بنظرة جانبية ماكرة ثم تنهدت بهدوء.
“كنت سعيدة لأنني وجدت أخيرًا صديقة يمكنني الاعتماد عليها في البرج… والآن، لا أدري بأي متعة سأداوم هنا.”
“نحن لا نعمل من أجل المتعة، بل من أجل المال.”
“كلامكِ منطقي جدًا، مما يجعلني أغتاظ.”
رغم نبرتها المنفعلة، كانت شفاه إيسولا مرفوعة بابتسامة. وقد شعرت بدفء نابع من دعمها لي رغم حزنها لرحيلي.
سرنا معًا ونحن نتبادل الأحاديث العادية.
وحين وصلنا إلى الساحة المفتوحة، رأينا ايديرا، وبينجين، وجايل، وحتى ليونيل.
فوووووم!
أطلق ليونيل سحره الناري، مما أدى إلى تصدع الحاجز في الهواء. يبدو أن ايديرا كانت وراء الحاجز، لأنها أمسكت برأسها بيأس.
“آآآه! رائعتي التي صببت عليها كل طاقتي!”
“ايديرا، لا تبالغي. كنتِ تفشلين في كل مرة على أي حال.”
“اصمت!”
صرخت عليه بغضب عندما علّق بينجين ببرود.
ضحكت بصوت خافت من المشهد.
“أوه؟ رينيه!”
ليونيل، الذي حطم الحاجز بكل بساطة، رآني وركض نحوي بوجه مشرق. كان يبدو كجرو لطيف، فازدادت ابتسامتي عمقًا.
“بوركت جهودك، لا بد أن المساعدة في الاختبارات مرهقة.”
“لم يكن شيئًا يُذكر.”
هممم…
لكن هل هذا سيزيد من إحباط ايديرا؟
نظرت إليها سريعًا، فوجدتها على وشك البكاء. لكنها لحسن الحظ، كانت تملك روحًا لا تُقهر، فقبضت يدها بحزم وأقسمت أنها ستنجح في المحاولة القادمة.
كم أنا ممتنة.
الجميع يبذلون جهدهم من أجل حاجز أراضي إيفلين.
أود أن أنهي حفل التنصيب في أسرع وقت ممكن، ثم أعود إلى إيفلين لأهديها سماءً زرقاء صافية.
“إيسولا صنعت جرعة جديدة. هل تساعدنا في اختبارها؟”
“بالطبع.”
أومأ ليونيل بلا تردد.
وبدلًا من إيسولا، التي لا تملك قدرة سحرية، تولّى جايل حمل الجرعة وتفعيل الحاجز.
في البداية، بدت شفافة— إذن، اجتازت أول اختبار!
ثم انطلقت نيران ليونيل، التي تحمل قوة مماثلة لنَفَسِ التنين، فملأت الهواء بحرارة شديدة…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 104"